|
المجيء الثاني وترقّب يوم الأيام
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 02:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بلغت تنبؤات السيد المسيح من التأثير العميق جدا جعل توقع المجئ الثاني في القوة والمجد تحتل مكانا ممتازا في العقيدة المسيحية الخالصة منذ أيام التلاميذ إلي قرون عديدة لاحقة. بل إنها كانت النغمة الحادية في تعاليم بطرس وبولس؛ وكانت موضوعا لتلك السلسلة الرائعة من الرؤي التي تختم كتاب العهد الجديد. وارتبطت بأسماء كثير من عظماء أباء الكنيسة الأولين مثال بابياس Papias وايرانيوسraniatus, وجستين مارتير Justin Martyr ، وترتليان Tertullian. وهي موجودة في بعض الكتابات المسيحية الأولي؛ في رسالة برنابا، وفي مواثيق البطارقة الإثني عشر، وفي هيرماس. ورغم الاختلافات الكثيرة (لأن المؤمنين الأول ضيّقوا الخناق علي أنفسهم فتصوروا أن المجئ الثاني سريع الحدوث) فإن حمية هذا الرجاء استبدت بالناس حوالي قرون ثلاثة؛ ولم تشرع في الفتور إلا في أيام قسطنطين، حيث توارت عن الأنظار حول القرن الخامس حين انصرف عنها اهتمام الدوائر الكنسية. ولم تعد تظهر في التاريخ إبان الألف سنة التالية إلا لماما. علي أن هذا الرجاء لم يمت قط في قلوب الناس؛ بل إنه بدأ يستعيد مكانته في العقيدة المسيحية في عهد النهضة والإصلاح الديني. ومنذ أوائل القرن الرابع عشر – منذ أيام دانتي وجيبوتو – شرع الفن والشعر الإيطالي يصوران يوم الدينونة والحساب صوراً لا تزال ذائعة الصيت. فلأركانيا Orcagna مثلا لوحة في كامبو سانتو Campo Santo في بيزا؛ ولوقا سينيوريللي Luca Signorelli أخري في كاتدرائية أورفيكتو Cathedral al Orvict، ولميشيل انجلوا ثالثة في سيستين شابل Sistine Chapel (1541)، بينما عالج فرا انجليكو Fra Angelico وتنتورتو Tintoretto الموضوع نفسه أكثر من مرة. ومن ثم ظهرت صور عدة للموضوع في ألمانيا وغيرها. ويتزعم تلك السلسلة الطويلة لوحة اليوم الأكبر Dies Domini للسير إ. بيرن جونز Sir E. Burnes Jones، وكذلك تغني بيوم الدينونة والحساب قديما شعراء، وإن كانوا أقل شأناً من دانتي إلا أن مقطوعاتهم الشعرية لا يمكن أن تنسي: في ذلك الزمان، وفي حياته سيدين الشعوب والقبائل بقضائه ويُدخل الأبرياء الأبرار في ملكوته في ذلك الزمان تكن أماكن لم يسمع بها ويمضي الليل عن كل موجود، وحتي الموت نفسه فإنه يموت !...
وبدأ شعرا الانجليز في القرن السابع عشر يكتبون عن اليوم الآخر، فقال هنري فون Henry Vaughan مثلا: ذلك اليوم، نقطة الزمان القصوي، حين يفني كل شئ، غير المقدس الأسمي حين يهز ارنان البوق القوي العتيد دعائم الأرض، فيزلزل الصخر الجلمود، ويذوب كركام الثلج، حين تلمع البروق كالبرد وتستقر العروش البيضاء من فوق؛ ذلك اليوم حين يرسل الأب في المجد أمير الحياة، فيصطفي مختاري العهد تري ملايين الملائكة تطوف من حوله بينما قبائل الأرض تنوح من هوله ثم يقضي قضاء العدل متوجا بالسحاب هذا يحي، وذاك يهلك بالحساب ...
وكذلك قال جون دريدن John Dryden : كأنما قوة الأطباق المقدسة تشرع الأكوان تتحرك تتغني بثناء الخالق العظيم لكل من بورك فوقنا؛ فإذا كانت الساعة الأخيرة المخيفة التهمت تلك المشاهد المتهالكة ودوي صوت البوق في الأرجاء فقامت الأموات وماتت الأحياء عندئذ تغمر الألـــحان أجـــواء السماء. وبدأ المفكرون وأساتذة المدارس الفكرية العديدة في القرن الثامن عشر يتذكرون مرة أخري توقع رجوع المسيح. وكان من بينهم بنجل Bengel المتوفي 1751 الذي تعد مؤلفاته – بوصفه عالما – أساسيا لكل نقد حديث يتناول العهد الجديد؛ ومن بينهم السير اسحق نيوتن، وشارلز وزلي Charles Wesley . وقد أرهفت فترة الثورة الفرنسية من الاهتمام ببشارات الكتاب المقدس. وفي غضون النصف الأول من القرن التاسع عشر لعب التوقع العام لرجعة المسيح دوراً في العقيدة المسيحية العامة أكبر مما لعبه منذ القرن الثاني؛ وكان أشبه شئ بالاعتقاد الأول من حيث أن القدوم وشيك. وبالرغم من أن هذه العقيدة كانت خاصة بالطوائف البروتستانتية إلا أن المسيحيين من معظم الطوائف المختلفة – إن لم يكن من كل الطوائف – قد أمنوا بها؛ وأثارت في بعض الفرق المسيحية أعظم الحماسة. فجاهرت بها جماعات كالارفنجيين Irvingiles وأصبحت العقيدة المميزة لجماعات من الأدفنتست Adventists وروج لها في أوروبا وانجلترا علي جحد سواء بعض رجال الدين الأمجاد أمثال دليتش Delitzsh وجودت Godet ورئيس الأساقفة ترنش Trench والأسقف إليكوت Elicott، والأسقف رايل Ryle ، وكانون بريمانتل Carnon Fremantile ، ومستر مودي Moody وتضخم أدب الموضوع منذ أن كتب بنجل Bengel كتابيه: Exposition of the Apocalypse و Ordo Temporum a Principio per Priodos Divinse Historicus atque Prophetics” وأخذت تفسيرات النبوءات القديمة تتعدد وتختلف أكثر فأكثر. وحدد عالم من العلماء تاريخ المجئ، بعام 1785؛ وحدده بنجل Bengel بعام 1826؛ وحدده وليم مللر William Miller بعام1834-44؛ وحدده كمنج Cimming بعام 1866. وأحيانا كان حساب أهل الدين يتناول المجئ الثاني وكيفيته ومكانه بل ويومه. وفي مناسبة غير موفقة اجتمعت جماعة من الناس في مكان معلوم ليترقبوا السحاب الذي ينزل منه المسيح في مسوحه البيض إلي الأرض قبل هبوط الليل. علي أن تسلط فكرة التوقع يمكن أن تكون مما يبالغ في مداه بسهولة. إلا أنه من المحقق أن الكنيسة الرومانية والأرثذكسية علي وجه العموم، وأغلبية من المحافظين من الأوساط الأشد تحررا، ظلت غير متأثرة به علي الإطلاق. غير أن العقيدة الدينية في ترقب المجئ لم تكن مقتصرة علي العالم المسيحي وحده. بل لقد شاركه في ذلك معتنقوا الديانات العالمية الأخري: فالبوذيون ينتظرون قدوم بوذا الخامس؛ والزردشتيون قدوم شاه بهرام؛ والهندوس التجسد المباشر الذي يسمي كالكي Kalki؛ والمسلمون الظهورين الذي تنبأ بهما سيدنا محمد. وقد بلغ انتظار القدوم الثاني أوَجه لدي المسيحيين في أواسط القرن الماضي؛ ثم بدأ يضمحل حتي اختفي آخر الأمر عن الأنظار. بل إنه حينما تحققت إشارة عودة اليهود إلي فلسطين تحققا يثير كل من هو علي علم بنبوءات المسيح، لم يتيقظ ذلك التوقع الأول، ولم يتحرك قلب العالم المسيحي ليبحث عن تفسير هذه الظاهرة المدهشة. فهل كان هذا الأمل الحار المتحفز تكرارا للخطأ الذي وقع فيه المسيحيون في القرن الثاني؛ أم كانت كل هذه الحماسة وذلك النشاط نتاج خيال مريض يؤمن بالخرافات؛ أم أن أولئك الذين لم يبدوا اهتماماً بما يثيره التوقع من حماسة فياضة، ولم يحسوا بقبس منه من الملأ الأعلي، قد أثبتوا أنهم علي حق؛ وأن أولئك الذين طفقوا يترقبون تحقق الوعد القديم علي خطأ بيّن؛ كذلك يظن العالم اليوم. غير أن البهائيون يعتقدون عقيدة مخالفة. فهم يقولون بأن قدوم المسيح الثاني لم يكن حلما فارغا؛ وإنما هو استجابة فطرية لحقيقة ثابتة. هم يذهبون إلي أن عالم الفكر الروحي الذي يعيش فيه الإنسان قد شُحن ثم شُحن مرة بعد أخري ببشارات الظهور المحتوم، وأن العقول الروحية التي هي علي اتصال بذلك العالم النوراني قد انطبع عليها طابع من الإحساس الوثيق بأن الميلاد المقدس واقع لا محالة. ووارد في التواريخ أنه عند المجئ الأول للمسيح، سبحت إشارة رمزية من عند الله إلي أرواح الناس في طول الأرض وعرضها، فذاع في الشرق الاعتقاد بحاكم عظيم ينهض من أرض يهوذا. وقد ذكر ذلك سوتينوس (Vesp. 84) Suetorrious. وحسب تاكيتوس Tacitus أنها قد تحققت في فسباسيان Vespasian الذي احتفل مع نائبه تيطس Titus بالنصر الفريد بعد إخماد الثورة اليهودية، وتدمير بيت المقدس عام 70 بعد الميلاد. وقد وصلت هذه الفكرة غربا إلي روما حيث أشار إليها فرجيل في إحدي مقطوعاته إشارة كان المسيحيون يفسرونها دائما بأنها إشارة مباشرة إلي ميلاد المسيح؛ وأوحي إلهامها المترقبين بالاقتناع العام بهذه الحقيقة. وكان عندهم ذلك بمثابة طلوع النجم الذي استدل به سمعان Simon القديم في أورشليم والحكماء في بعض الجهات. علي أن هذا الإعتقاد، مهما بلغ من الانتشار والذيوع والتمكن، فإنه لم يؤد بمواطني فرجيل، ولا بالمجوس، ولا بأي شعب آخر إلي ترقب التجلي الإلهي، ولا إلي إدراك مخلّص العالم في شخص نبي الجليل. بل إن اليهود أنفسهم غفلوا – رغم امتيازاتهم الفائقة؛ ورغم الهداية التي اختصهم بها تاريخهم وكتبهم؛ ورغم أن أرضهم كانت مرموقة كمركز لهذا التوقع العام – غفلوا عن الحادث المقدس كغفلة أي شعب آخر من هؤلاء الوثنيين والأجانب الذين كانوا يعدونهم محتقرين. ويقارن البهائيون عجز اليهود عن تقدير أهمية السيد المسيح بعجز العالم في الآونة الراهنة عن إدراك أهمية بهاءالله وتعاليمه. فإنه يقال إن جمود العالم اليوم نشأ عن نفس المقدمات التي سببت الجمود نفسه من قبل. ففي حالة اليهود غلّف التعصب والإغراق في التقاليد حكم الناس وحكمة قادتهم، وأفضي بهم خاصة إلي إساءة تفسير النبوءة. ذلك لأن النبوءات لم تُحمل علي محمل روحي أو مجازي؛ وإنما أُخِذت علي وجه حرفي بل صبياني في بعض الأحيان. فأصبحت حجاباً يحجبهم عن الحق عوضاً أن تكون نوراً يهديهم إليه. وما أقيَم ملاحظة عبدالبهاء لهذا الفهم الخاطئ، تلك الملاحظة التي أضافها بنفسه إلي كتاب الدكتور إسلمنت "بهاءالله والعصر الجديد" فقال: "عندما ظهر المسيح منذ عشرين قرنا كان اليهود منتظرين مجيئه بشوق وكانوا في كل يوم يتضرعن قائلين: "اللهم عجل بظهور المسيح" ومع ذلك حينما أشرقت شمس الحق أنكروه وقاموا ضده بأعظم العداء، أخيرا علّقوه علي الصليب مع أنه كان روح القدس وكلمة الله، وسموه ببعزبوب (أي الشيطان) كما هو مذكور في الإنجيل. والسبب في ذلك – كما قالوا – هو أن ظهور المسيح حسب نصوص التوراة يكون له علامات. وما دامت هذه العلامات لم تظهر فإن كل من يدّعي أنه المسيح كذاب. ومن بين هذه العلامات أن المسيح يأتي من مكان مجهور. ونحن نعرف منزل هذا الرجل في الناصرة. وهل يمكن أن يصدر عن الناصرة شئ جميل؟ والعلامة الثانية أنه يحكم بعصا من حديد أي أنه يقوم بالسيف، ولكن هذا المسيح لم يكن عنده عصا من خسب. ومن العلامات والشروط أنه يجلس علي كرسي داود ويؤسس مملكة وسلطة داود. ففضلا عن عدم تتويجه فإنه لم يكن يملك حصيرا يجلس عليها. ومن بين الشروط أنه يؤيد شريعة التوراة، ولكن هذا الرجل نسخ شريعة التوراة، وكسر يوم السبت مع وجود نص قاطع في التوراة يقضي بأن كل من يدّعي النبوّ، أو يظهر العجائب، أو يكسر يوم السبت يجب قتله. ومن العلامات أنه في مدة حكمه يسود العدل والحق والصلاح، حتي يتجاوز من الإنسان إلي الحيوان، فيعيش الثعبان والفأر في جحر واحد، والصقر والحمام في وكر واحد، والأسد والغزال في مرعي واحد، والذئب والحمل يشربان من معين واحد. ولكن للآن يوجد الظلم والاستبداد، وقد اشتد إلي أنهم صلبوه. ومن الشروط الأخري أن اليهود في زمان المسيح يسودون، وينتصرون علي جميع أمم الأرض، ولكنهم لا يزالو مقيمين علي الذل والهوان في مملكة الرومان. فكيف إذاً يكون هذا هو المسيح الموعود في التوراة؟ وبهذه الصورة اعترضوا علي شمس الحقيقة مع أن روح الله كان هو الموعود في التوراة. ولكنهم لما لم يفهموا معني هذه العلامات صلبوا الكلمة. والآن يقول البهائيون إن العلامات المدونة كلها ظهرت في مجئ المسيح. غير أنه لم يكن بالمعني الذي فهمه اليهود. فإن الوصف الموجود في التوراة كان مرموزاً. فمثلا من بين العلامات علامة السلطنة. فالبهائيون يقولون إن سلطنته كانت سماوية. وهي السلطنة الأبدية، وليست مثل سلطنة نابليون التي تزول في أقرب وقت. فقد توطدت سلطة المسيح ألفي سنة، وهي للآن باقية. وسيرتفع هذا الوجود المقدس للأبد فوق عرشه السرمدي. وهكذا بقية العلامات التي ظهرت. ولكن اليهود لم يدركوها، وهم للآن ينتظرون مجئ المسيح مع أنه قد مر الآن عشرون قرنا. وهم يعتقدون أنهم علي الصواب وأن المسيح كان كاذبا". وبحال لا تختلف كثيرا عن تلك الحال يؤمن البهائيون أن الألفيين Millennarians في القرن الماضي قد سُلبوا أولي ثمرات إلهامهم حين ضلوا عن معاني الإنجيل، رغم ما كانوا يبدون من إحساس روحي دقيق. فحينما أخذوا مثلا عبارة رجوع المسيح علي السحابة بمعناها الحرفي. ضلوا التحذير الذي يتضمنه رمز السحابة (كما يشرحها بهاءالله في كتاب الإيقان). وجلبوا الاضطراب علي أنفسهم بتصورهم أن المسيح ينزل بلحمه ودمه من الأجواء العلوية علي سحابة سابحة. لقد ضلوا فهم رجعة المسيح الشخصية كلها لافتقارهم إلي الإرشاد فيما يتعلق بمبدأ توالي ظهورات الله. فلم يلمسوا رجعة مشابهة لرجعة إيليا في يوحنا المعمدان، ولا إبراهيم في موسي؛ وما فطنوا إلي أن الذي قال: "سأعود إليكم مرة أخري"، قال كذلك: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن". ولذلك لم تتجه أفكارهم إلي ظهور ذلك الجوهر الخالد الثابت الذي دعاه المسيح: "أنا" في هيكل بشري آخر؛ بل اتجهت إلي هبوط نفس الهيكل البشري الذي ولدته بينهم مريم العذراء. ويذهب البهائيون إلي أبعد من هذا، فهم يؤكدون أن أوامر الله تعالي وأحكامه مذكورة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وفي كتب الديانات العالمية الأخري، بلغة واضحة لا غموض فيها ولا إبهام؛ ولكن "الأشياء التي ظلت مخفية منذ تأسيس العالم" ، ومعطيات المستقبل، والتنبؤ بمجئ الملكوت قد ذكرت رمزاً وإيماءً بنطويان عل معني أعمق، يختفي وراء تصاريف الألفاظ بمعناها اللغوي. ولذلك فإن هذه التنبؤات تتيح سوء الفهم؛ والكتب المقدسة تحوي إنذارات يندر بصعوبة فهمها علي وجهها الصحيح. وميرزا أبو الفضائل العالم البهائي المشهور يتناول في كتابه "الحجج البهية" موضوع نبوءات الإنجيل بالتفصيل؛ ويدلل علي أن التنبؤات المتعلقة باليوم الآخر كثيرة في كل الكتب السماوية، ولكن هذه الكتب تؤكد تأكيدا شديدا أن أحد لن يستطيع – كما قضي الله – أن يقترع هذا التنبؤات، أو يحسر القناع عنها إلي أن يشرق اليوم العظيم؛ وأن التفسير الصحيح – حتي في ذلك اليوم – سيمنع إلا علي أولئك الذين يجتبيهم الله. وهو يحتج بأقوال أشعياء: "غلظ قلب هذا الشعب، وثقل أذنيه، وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه، يسمع بأذنيه، ويفهم بقبله، ويرجع فيشفي، فقلت له: إلي متي أيها السيد؟ فقال: إلي أن تصير المدن خربة بلا ساكن، والبيوت بلا إنسان، وتخرب الأرض وتقفر، ويبعد الرب الإنسان، ويكثر الخراب في وسط الأرض". وكذلك يستدل بالموضعين الآتيين من رؤيا دانيال: "أما أنت يا دانيال فاخف الكلام، واختم السّفر إلي وقت النهاية. كثيرون يتصفحونه، والمعرفة تزداد". "فقال: إذهب يا دانيال لأن الكلمات خفية ومختومة إلي وقت النهاية. كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون. أما الأشرار فيفعلون شرا، ولا يفهم أحد الأشرار، لكن الفاهمون يفهمونه". وكما يكون ذلك في العالم المسيحي يكون في طوائف العالم. ولقد أفضي سوء الفهم إلي إفساد التوقع العام لدورة عظيمة؛ وأدي إلي نتائج غير محمودة؛ وشلّت التقاليد الجامدة أرواح الناس. ذلك لأنه لا يبدو أن ديناً قائما في أي ركن من أركان العالم قد آمن أتباعه بأن المجئ القادم سيحدث تعديلات أساسية، ويسمو بالناس إلي مستوي فكري وعقلي أعلي من ذلك الذي قنعوا به في الماضي. بل كانت كل طائفة من طوائف الأديان تنتظر مدافعا يدافع عنها وحدها دون غيرها، ويبرر معتقداتها، ويدعم شرائعها، ويسمو بها إلي زعامة كاملة لا تقبل التحدي علي كل المعتقدات الفاسدة الأخري التي يعتقدها بقية الجنس البشري. وعلي ذلك فإجماع العالم علي المجئ المقدس لم يكن كاملا حتي نستطيع أن ندّعي أن ملل العالم كافة تقبل المخلص الحقيقي عند ظهوره. بل علي النقيض. فإن أهل الديانات العظمي لم يقنعوا برسم معالم صورتهم الخاصة للمسيح فقط؛ بل إنهم قد انقسموا إلي فرق عديدة صورت كل واحدة منها صورة المسيح القادم في تفاصيل إن كانت أقل شأنا إلا أنها أشد تعسفاً. إذاً فمهما أبدي المعلّم الإلهي من استعداد ليكيف نفسه حسب تصوير الطوائف المختلفة العديدة فإنه من الواضح أنه لني يرضي – بحال من الأحوال – إلا نسبة ضئيلة جدا من الناس؛ وأنه سيخيب في الوقت نفسه آمال الملايين من البشر. ومن الناحية الأخري فإن المظهر الإلهي إذا جاء فإنه علي خلاف ما يتوقعه البشر جميعا – كما كانت الحال مع كل المظاهر الإلهية السابقة؛ فيظهر باسم جديد، ويأتي بكتاب جديد. وهو لهذا لا يلقي من جميع أديان العالم إلا الإنكار والإعراض ويقتصر الإقبال إليه علي أفراد قلائل يحكّمون عقولهم بحرية واستقلال. ويعتقد البهائيون أن اللوم الأكبر في عدم الاكتراث الذي قوبلت به تعاليم بهاءالله إنما يقع علي عاتق معتنقي دين معين، ألا وهم أهل الإسلام. فلو قدّر لأهل الإسلام أن يتدبروا قليلا وجه الإمتياز الذي امتاز به الإسلام عن بقية الأديان، ولو لم يرأس الشاه والسلطان قوات الطغيان، لكان حظ العالم (كما يؤمن البهائيون) أقل بؤساً، وأقل شؤما وتهديدا. ولو لم يكن مرآة الكمال، ومظهر أمر الله قد عاني السجن طيلة ظهوره لاستطاع – بدل أن يخاطب حكام العرب بالرسائل (وقد فعل ذلك) – أن يزور دولهم بنفسه؛ وأن يسبغ علي إعلان رسالته ثقة مباشرة، وينفخ فيها تأثيراً تعجز عنه أية شخصية ملكية. ولو أُذِنَ له في حرية كهذه لكان تجنب هذا التعطيل في الاعتراف بأورشليم الجديدة ممكنا، ولجنبت الأمم الكثير من الويلات. " هذا ما وعد الرحمن"
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء (9 من 11) حقيقة نفسك True of Thyself
-
الجزء (8 من 11) حقيقة نفسك True of Thyself
-
الجزء (7 من 11) – حقيقة نفسك True of Thyself
-
الجزء (6 من 11) حقيقة نفسك True of Thyself
-
حقيقة نفسك True of Thyself الجزء (5 من 11)
-
حقيقة نفسك True of Thyself الجزء (4 من 11)
-
عندما سألت صديقي المسلم لماذا تكره اليهود؟
-
حقيقة نفسك True of Thyself - (3 من 11)
-
حقيقة نفسك True of Thyself -(2 من 11)
-
حقيقة نفسك True of Thyself-(1 من 11)
-
التحوُّل الروحاني: الصلاة والدعاء والتأمل
-
الإقتصاد والقيم الأخلاقية بقلم وليم هاتشر 4-4
-
الإقتصاد والقيم الأخلاقية بقلم وليم هاتشر 3-4
-
الإقتصاد والقيم الأخلاقية بقلم وليم هاتشر 2-4
-
الإقتصاد والقيم الأخلاقية بقلم وليم هاتشر 1-4
-
النبؤات ومعانيها في الكتب السماوية
-
موازين الإدراك
-
أسس المدنيّة الإلهيّة
-
الحاجة إلى التعليم الإلهي
-
العقل مصطلح يدل على مَلكتين إثنين للإنسان (4-4)
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|