أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خالد محمد جوشن - ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الرابعة والثلاثون















المزيد.....

ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الرابعة والثلاثون


خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)


الحوار المتمدن-العدد: 7124 - 2022 / 1 / 2 - 00:38
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حضر التقارير واكتب المشاهد
ثم أعطها ترتيبا ذا معنى

توم ولف ناقش أن الواقعية فى القصة والرواية تبنى على أساس " تعاقب المشاهد واحدا تلو الاخر وإخبار الحكاية عن طريق الانتقال من مشهد إلى مشهد ، واسترجاع أقل قدر ممكن مما حدث لتمكين الحبكة السردية " .

وهذا يتطلب ، بحسب بيان وولف فى جريدة نيوجورناليزم ، منجزات استثنائية فى جمع التفاصيل " حتى يتحقق للكتاب أن " يشهدوا المشاهد فعليا فى حياة الاخرين " .

قدمت هذه النصيحة منذ أربعين عاما لكن الالتزام بها ما زال يجعل نقل القصص عن طريق المشاهدة الحية تبدو حية .

" بغداد ، العراق : على البلاطة الخرسانية الباردة ، قام خادم الجامع بغسل جسد الشاب " أركان ضيف " ذى الأربعة عشر عاما للمرة الأخيرة بواسطة قطع القطن المنقوع بالماء ، مرر يده على جثة " ضيف " ذات اللون الزيتونى ، هامدة منذ ثلاث ساعات ، ولكنها لا تزال تضج بالحياة .

جفف جراح الشظايا الوردية من جلد ضيف الناعم عند زراعه وكاحله الأيمن بخبرته المتوازنة ، ثم نظف وجهه المتقيح من الدم نتيجة فجوة متمزقة فى ظهر جمجمة " ضيف " .

وقف الرجال واجمين فى جامع " الامام على " منتظرين دفن الولد الذى ، بحسب كلمات والده ، كان " يشبه الوردة " .

خادم الجامع حيدر كاظم سأل : " ماذنب الاطفال ؟ ماذا فعلوا ؟ " .

هذا هو عمل " أنطونى شديد " ، الحائز على جائة البوليتزر عن تغطية الحرب على العراق لمصلحة جريدة واشنطن بوست ، منفذا أحد أشكال صحافة الاندماج ، ومقتربا من الحدث وهو يلتقط مشهدا دمويا تلوا الاخر .
من الممكن أن تلتقط المشاهد أو تخترع ، ولكن من الممكن أيضا أن تستذكر ، كما فى هذا المشهد من طفولة نورا إيفورون :

" إنه شهر سبتمبر ، قبل أن تبدأ المدرسة . أنا فى الحادية عشرة من العمر وعلى وشك أن ادخل فى الصف السابع .

لم نر بعضنا ، ديانا وأنا ، طوال الصيف . أمشى فى شارع " والدن " مرتدية " الجينز خاصتى وقميص والدى ، أقضى الوقت ، وحذائى اللوفر القديم حيث جواربى مدسوسة فى داخله . أخذ نفسا عميقا.

وتأتى باتجاهى . .. شابة صغيرة ، ديانا بشعرها المجعد وخصرها ووركيها وصدرها ، ترتدى تنورة منسدلة ، قطعة الملابس التى قيل لى مرارا إننى لن أستطيع أن أرتديها حتى يكتمل نمو وركى لأقدر على تثبيت التنورة.

ارتخى حنكى وفجأة بدأت أبكى بشكل هيسترى ، لم أستطع التقاط أنفاسى وأنا أنوح ، لقد خانتنى صديقتى العزيزة ومضت من دونى إلى ذروة إكمال جسدها " . ( مقطع من سلطة مجنونة ).
المشهد هو القطعة الأساسية فى الأدب السردى . كبسولة الزمان والمكان التى صنعها الكاتب ، والتى يدخلها القارىء أو المشاهد . مانجنيه من المشهد ليس المعلومات بل الخبرة .
كنا هناك على الرصيف الجانبى مع " نورا إيفرون " وما زلنا .

كتبت الروائية هولى ليزلى على موقعها الإلكترونى : " كما أن الذرة هى اصغر وحدة منفصلة للمادة ، فإن المشهد هو أصغر وحدة منفصلة من الرواية ، إنه العنصر الأصغر من الرواية الذى يحتوى على العناصر الأساسية من الحكاية " .

أنت لا تبنى حكاية أو كتابا من الكلمات والجمل والمقاطع ، بل تصيغها من تراكم المشاهد ، واحدا فوق الاخر وكل مشهد يغير شيئا قد أتى فى السابق وكل المشاهد تُحرك القصة بلا هوادة إلى الأمام ؟.

منذ الطفولة ونحن نتنفس المشاهد ، نختبرها من الأدب وتقارير الاخبار ، ومن الشرائط والكتب المصورة ، ومن التلفاز والسينما ، ومن الدعايات و الإعلانات فى الاماكن العامة ، ومن ذكرياتنا وأحلامنا .
بيد أن هذه كلها محاكاة ، وعلى سبيل استخدام أحد المصطلحات القديمة بدقة ، فإن هذه كلها تقليد للحياة اليومية .

انشغل أعظم الكتاب بجعل المشاهد حقيقية ، وفى واحدة من أكثر لحظات الأعمال المسرحية أهمية ، الأمير هاملت ( الفصل 2، المشهد 3 ) يوجه الممثلون المتجولون فى كيفية خلق مشاهد واقعية ، لدرجة أنهم سيستحوزون على ضمير الملك القاتل : " لائموا الفعل مع الكلمة ، الكلمة مع الفعل ، بهذه الشعائر الخاصة لن تتخطوا تواضع الطبيعة " .

يجادل الأمير المكتئب بأن أى شىء مبالغ فيه أو مغالى فى فعله ، سيأخذ من الفن المسرحى هدفه ، والذى هو : " رفع المراٌة فى مواجهة الطبيعة

تبقى المراٌ ه تشبيها قويا لإلهام الكتاب الطموحين ، وعلى وجه الخصوص فى الصحافة . هدف الكتاب هو تقديم انعكاس للعالم ، سكب لما هو حاضر " هنا والان " ليتمكن القراء من رؤيته والإحساس به وفهمه .

إلا أن مهمة الكاتب ليست فقط التقاط المشاهد ومراكمتها ، فهذه المشاهد هذه اللحظات فى ثنايا المشاهد ، يجب أن توضع فى ترتيب ذى معنى ، فى سيناريو متعاقب .

قد تعتقد أن أكثر الترتيبات شيوعا هو الترتيب الزمنى ، بيد أنه من الممكن ترتيب المشاهد مكانيا مثلما يمكن ترتيبها زمنيا ، من أحد جوانب الشارع إلى الاخر .
ومن الممكن أن تستخدم المشاهد لموازنة الخطوط السردية المتوازية انزياحا من منظور المجرم إلى منظور الشرطى ، كما من الممكن أن تومض المشاهد عودة إلى الماضى أو أن تفتح الأفق نحو المستقبل .

واحدة من أكثر القصص لفتا للأنتباه ، حتى الان ، هى " الخروج من موسم البراكين " فى فلوريدا 2004 ، للكاتب دونغ – فاونغ نغيون ، المقيم فى منطقة القديس بطرسبرج تايمز .

تجرى الأحداث فى " بنساكولا " إثر حادثة هيجان البركان إيفان .
وتدور الحكاية حول التجربة المريرة لأناس عائدين إلى أحيائهم ليشهدوا الدمار لأول مرة .

وتبدأ القصة بمشهد واحد يصف المنظر من بعيد : " لقد انتظروا لأيام تحت الشمس الملتهبة خلف سيارات الحراسة ومفوضى الشرطة ، منهين أنفسهم فى انتظار بارقة أمل " .

منعت السلطات عودتهم نظرا للخطر ، ولتفصيل أدق فى المشهد :

" أحضروا مبرادات وكراسى متنقلة ، تمازحوا حول الصين وحذروا بعضهم من ألا يغربلوا الأنقاض بأيديهم العارية بسبب الأفاعى " .
فى مشهد اٌخر واجهوا مفوض الشرطة :

" لماذا لا تدعنا ندخل ؟ " صاحوا .

الجرافات تزيل الأنقاض من الحى وتتالت مجموعة من المشاهد التى تكشف الدمار المعنوى كما الدمار المادى :

أهل الحى الذين كانوا يتمازحون عما سيجدونه ، مشوا على طول جراند لاغون بوليفارد بصمت .

بعد ان اجتازوا خمسة بيوت بدأوا بالنحيب .

ندبت النساء داخل السيارات وجلس المراهقون فى خلفية سيارات البيك أب وأيديهم على أفواههم المفتوحة .

الكاميرا تقترب أكثر .

مشت " كارلا جودوين " بهدوء مرورا بمحكمة لاجون بينما كان الجيران يرفعون أنقاض الاسقف عن الدراجات وينفضون الغبار عن أطباق السيراميك .

" ليس لدينا مائدة للأكل بعد الان " ، تنهدت ، " لا أعرف أين هى الان ، لقد اختفت " .

مجموعة صغيرة من المشاهد تتالت بهذا الترتيب :

اولا – امرأة تجد فى حمامها جهاز تلفاز لا يخصها .

ثانيا – امرأة تنزل إلى الشارع بحثا عن جيرانها الذين ينادونها .

ثالثا – امرأة أخرى تقف فوق أنقاض بيتها تتفقد أغراضها .

رابعا – " قطتى على قيد الحياة " خرج رجل صارخا من داخل بيته .

خامسا – رجل أخر يخرج من بيته وهو يداعب غيتاره مبتسما .
سادسا – امرأة شديدة الاضطراب تواسيها عائلتها .

سابعا – امرأة تجد صورا محروقة لأطفالها وقد حلت فى فناء الجيران .

ثامنا – امرأة تجيب على مكالمة تليفونية من أحد جيرانها يسأل عن ممتلكاته .

هذه لحظات من حياة حقيقية طغت عليها أخبار ذاك اليوم ، تم ترتيبها ببراعة كاتب شاب لتصبح ترتيبا مشهديا يضفى عليها المعنى والقوة .

وإلى الأداة الخامسة والثلاثون فى مقال قادم



#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)       Khalid_Goshan#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والثلاثون
- الجنس مع الموتى
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثانية والثلاثون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والثلاثون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثلاثون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة التاسعة والعشرون
- عذابات الشعب الفلسطينى
- نحن بشر
- حكاية ولاء
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثامنة والعشرون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة والعشرون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة والعشرون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة االخامسة والعشرون
- بنت عسولة
- أخلاق الضباع
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الرابعة والعشرون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والعشرون
- ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثانية والعشرون
- # أشجار _ مصر من ينقذها
- أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والعشرون


المزيد.....




- CNN من منزل الرسام الروسي تحصل على أول لمحة عن لوحة ترامب ال ...
- بعد وفاة البابا: الإرث وملامح المستقبل
- قضية التآمر على أمن الدولة في تونس: تصفية سياسية أم محاكمة ع ...
- ترامب يقوم بجولة شرق أوسطية تشمل السعودية وقطر والإمارات من ...
- -حماس- تدعو الأردن إلى الإفراج عن موقوفي -خلية الصواريخ-.. و ...
- بدل السمك.. أعداد كبيرة من الأفاعي السامة تعلق في شباك صياد ...
- -وفا-: حركة -فتح- دعت -حماس- إلى التوقف عن اللعب بمصير الشعب ...
- وزراء الكابينيت يناقشون توسيع الحرب على غزة وتحديد مهلة نهائ ...
- لماذا يؤجل الرجال الذهاب للأطباء حتى تتفاقم الأعراض؟
- صورة ترامب تتسبب بإقالة قائدة عسكرية أميركية


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خالد محمد جوشن - ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الرابعة والثلاثون