طرأ يطرأ فهو طارئ , والطارئ هو عارض زمانيا ومكانيا. ولكن مهما طال زمنه وامتدت رقعته يبقى طارئا آلا عندنا فالطارئ يصبح لها صفة الديمومة . مادامت تحافظ على الأوضاع المفروضة عنوة. وتبدو الارادة واضحة في جعل الطارئ دائم. والدائم الى زوال . وهذا هو الحال في العلاقة بين الدساتير العربية وقانون الطوارئ . ولكن علينا التنويه وبشدة ملحوظة حتى للأعمى :
ليس قانون الطوارئ هو المشبوه وهو الذي يجب رفضه . بل ما يتيحه قانون الطوارئ لنشوء حالة اللاقانون بالنسبة للأجهزة العرفية والطوارئية لقمع ماتشاء ومن تريد وفي أي ساعة وأي مكان وفي كل مجال . وهذا هو الخطاْ الشائع لدى كافة أصناف المنادين بالغاء قانون الطوارئ . ونسأل عندما أصاب أمريكا زلزال لوس أنجلوس وفرضت حالة الطوارئ هل تم تجاوز " القانون عموما"و " قانون الطوارئ " خصوصا . أبدا
اذان المعضلة عند ما يتحول الاستثناء الى قاعدة . فتصبح بذلك القاعدة استثناء وتنفلت الأمور من عقالها .وهذا هو القول أن قانون الطوارئ لدى السلطات العربية هو الحالة المثلى لممارسة اللاقانون تجاه ما تراه مناسنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . ولم يخطر ببالها بالأساس أنها تنتهك حقوق الأنسان بل تتصرف كي تدوم . والدوام في القمع واستباحة كل شئ يتطلب غطاءا قانونيا لأفعال لاقانونية , حتى من وجهة نظر القوانين الاستثنائية كالأحكام العرفية وقوانين الطوارئ .
فلذلك يمثل قانون الطوارئ أعظم حالات انتهاك حقوق الانسان , كونه ينقل صلاحيات السلطة المدنية الى السلطة العسكرية وخصوصا اذا تم اعلان حالة الطوارئ على كامل أراضي البلد المعني ولزمن غير محدد . ويمكننا القول أن مفهوم حالة الطوارئ هو مفهوم معاصر نسبيا فلم يكن لدى الدولة العثمانية قانونا للطوارئ بل كانت تلجأ إلى تطبيق أحكام الفقه الإسلامي وخاصة مفهوم " الفساد في الأرض " في حال نشوب اضطرا بات داخلية أو خارجية حتى صدور قانون الجزاء العثماني والذي استمدته من القانون الفرنسي وذلك قبل ستة عقود من زوال الإمبراطورية العثمانية ( 1858-1918 ) .
لقد ترسخ مفهوم قانون الطوارئ في سوريا بشكل أكبر خلال فترة الانتداب الفرنسي لسوريا حيث أعلن الحاكم الفرنسي في سورية حالة الطوارئ وأنشأ لهذه الغاية المجالس الحربية العرفية المؤلفة من قضاة عسكريين فرنسيين مهامهم النظر والبث في أمر الأفعال المرتكبة ضد قوات الاحتلال كما وصدرت مجموعة من القرارات التي تعالج الاضطرابات أو محاولة الانتقاص من السلطة المحتلة أو التعرض لها ولجيوشها وأيضا صدرت قرارات أخرى من ضمنها مراقبة الأسلحة والذخائر وتنظيم حيازتها وحملها. ولذلك فأن مفهوم حالة الطوارئ لم يأ خذ شكله النهائي دفعة واحدة بل تباعا وذلك حسب الحاجة والظروف .
ولم تكد بعض الدول العربية التي استقلت تنعم ببعض الحرية حتى جاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ليعيد مرة أخرى إعلان حالة الطوارئ , وأيضا بسبب سلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية في بعض هذه الدول .
بعد هذه المقدمة يمكننا تعريف حالة الطوارئ بأنها " هي نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر المحدق بالكيان الوطني يبرر اتخاذ تدبير أو تدابير قانونية لحماية البلاد كلا أو جزءا من الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي , يمكن التوصل إلى إقامته بنقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية "
ولم يكتفي المشرع السوري بهذه الأخطار فقد أضاف لها خطر الكوارث العامة , فتصبح بذلك حالات إعلان الطوارئ هي :
1 - حالة الحرب
2 - الحالة التي تهدد بوقوع الحرب
3 - وقوع كوارث عامة
4 - حدوث اضطرا بات داخلية تعرض الأمن أو النظام العام للخطر
من الواضح أن المشرع استعمل تعابير تتسم بالغموض , فإذا فسرت تفسيرا واسعا فأنها يمكن أن تطال حالات كثيرة لذلك فان الضمانة الأهم هي رقابة مجلس الشعب على المرسوم القاضي بإعلان حالة الطوارئ بشرط أن يكون المجلس قادرا على أبداء رأيه بحرية , فاذا كان لايوجد مجلس نيابي في البلاد أو كان مجلسا ليس فيه ضمانة كافية , فان التعسف يبقى بدون كوابح تكبحه .
ولإعلان حالة الطوارئ شرطان :
أولا- الشرط الموضوعي : ويتمثل ب
أ- قيام أحدى الحالات الأربعة المذكورة سابقا
ب- وجود خطر مقبل داخلي أو خارجي
ت- عدم قدرة السلطات المدنية وعجزها عن إنهاء الاضطرابات الداخلية أو إزالة الكوارث .
ثانيا- الشرط الشكلي ويتمثل ب
1 - قيام السلطة المختصة بإصدار مرسوم " مجلس الوزراء + رئيس الجمهورية "
2 - اصطحاب القانون المعلن لحالة الطوارئ بعلانية كافية
3 - أن يضمن القانون الإجراءات المقرر تنفيذها
من هنا نجد من الضروري ذكر بعض مواد قانون الطوارئ رقم 162لعام 1962 والتي تمثل اعتداءا صارخا على الحريات والحقوق العامة للمواطنين .
فالفقرة آ من قانون الطوارئ المادة 1 من المرسوم التشريعي ذات ا لرقم 51 تاريخ 22121962 المتضمن قانون حالة الطوارئ مع تعديله الصادر عن مجلس الوزراء تنص على " يجوز إعلان حالة الطوارئ في حالة قيام الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو جزء منها للخطر , بسبب حدوث اضطرا بات داخلية أو خارجية أو وقوع كوارث عامة .
ب- يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها .
أما المادة الثالثة فتتعلق بتسمية الحاكم العرفي من قبل مجلس الوزراء وتوضع تحت تصرفه جميع قوى الأمن الداخلي والخارجي ويكون لهذا الحاكم نواب وأهم اختصاصات الحاكم العرفي التي يفوضهم بها ضمن مناطقهم .
والمادة الرابعة تتضمن أنه للحاكم العرفي أو نائبه أن يصدر الأوامر الكتابية باتخاذ التدابير وجميع القيود الآتية أو بعضها وأن يحيل مخالفيها إلى المحاكم العسكرية ومنها :
1 - وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع و الإقامة والتنقل والمرور في أماكن وأوقات معينة وتوقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن العام توقيفا احتياطيا و الإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل .
2 - مراقبة الرسائل والمخابرات أيا كان نوعها , ومراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكنها .
3 - تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها .
4 - سحب أجازات الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات وتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة .
5 - الاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات .
أما المادة الخامسة فتحصر حق توزيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عنها في المادة الرابعة برئيس الجمهورية وحق تضييقها برئيس مجلس الوزراء بحسب الحالة التي استدعت إعلان حالة الطوارئ .
والمادة السادسة منه تنص في المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ تحال الى القضاء العسكري مهما كانت صفة الفاعلين أو المحرضين أو المتدخلين الجرائم التالية :
1- مخالفة الأوامر الصادرة عن الحاكم العرفي .
2 - الجرائم الواقعة على أمن الدولة والسلامة العامة .
3 - الجرائم الواقعة على السلطة العامة .
4 - الجرائم المخلة بالثقة العامة .
5 - الجرائم التي تشكل خطرا شاملا .
وتتكفل الأجهزة الأمنية و القوات المسلحة تنفيذ هذه الأوامر الصادرة عن رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه وإحالة المخالفين لهذه المواد إلى محكمة أمن الدولة " وهي محكمة استثنائية " ويكون حكمها مبرما غير قابل للطعن ولا يحتاج إلا إلى تصديق رئيس الجمهورية ويجوز له طبعا تخفيض العقوبة أو أبدالها .
ومن أهم النتائج المترتبة في حالة إعلان قانون الطوارئ :
أولا- تغييب الدستور : وذلك لأن القانون 162لعام 1962 بكامل مواده يتعارض مع مواد الدستور فمثلا أن المادة 4 من المرسوم رقم 162 تنص في مطلعها " للحاكم العرفي أو نائبه أن يصدر أوامر كتابية باتخاذ جميع القيود أو التدابير الآتية أو بعضها وأن يحيل مخالفيها إلى المحاكم العسكرية " فلا يتوافق هذا النص مع المادة 1 من الدستور حيث تنص على أن الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية واشتراكية ذات سيادة....الخ
ويتعارض كذلك مع المادة 25 من الفصل الرابع من الدستور والتي تنص :
1 - الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم .
2 - سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة .
3 - المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وأيضا نجد أن نص المادة 25 من الدستور يتعارض مع الفقرة آ من المادة 4 من القانون 162 حيث تنص على وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن وأوقات معينة, وتوقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن العام توقيفا احتياطيا والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن وفي أي وقت وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال بينما تنص المادة 26من الدستور على " لكل مواطن حق في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وينظم القانون ذلك .وتنص المادة 27 من الدستور " يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقا للقانون " وكذلك المادة 28 التي تنص في فقرتها الثانية والثالثة " لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقا للقانون ولا يجوز تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك .
وطبعا الأمثلة عديدة لتعارض قانون الطوارئ مع الدستور الصادر عام 1973 وخصوصا أن هذا الدستور هو مصدر جميع القوانين كما ينص هو ذاته .
ثانيا- دمج السلطات : ونقصد بها السيطرة الشبه مطلقة للسلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والمتمثلة بمجلس النواب وعلى السلطة القضائية . حيث تشكل المحاكم العسكرية والمحاكم الاستثنائية كمحكمة أمن الدولة ولا تعتبر هذه المحاكم شرعية أو دستورية ولا يجوز العمل بها إلا في حالات الطوارئ . أما في حالة الاستقرار الداخلي – كما في يومنا هذا – فالقضاء العادي هو المختص ممثلا بالمحاكم من صلح وبداية واستئناف وقضاء إداري وجنايات وعلى رأسهم محكمة النقض .فمحكمة أمن الدولة تصدر قراراتها مبرمة غير قابلة للطعن مخالفة للفصل الرابع من الدستور وتحرم المواطن من حقه بمحاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة .
ثالثا- انتهاكات حقوق الإنسان :
إن الاستمرار في إعلان حالة الطوارئ لا يعني في نهاية المطاف سوى انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان الفردية المدنية والسياسية منها:
- انتهاك حق التعبير " كفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات "
- انتهاك حق التجمع السلمي " كمنع التظاهر "
- انتهاك حق تشكيل الأحزاب
- انتهاك حق الحرية " حيث يجيز قانون الطوارئ الاعتقال دون محاكمة "
- انتهاك حق حظر التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمهينة
- انتهاك حق المحاكمة العادلة
- انتهاك حق الملكية " حيث يجيز قانون الطوارئ الاستيلاء على أي منقول أو عقار "
- انتهاك حق التنقل .....الخ
إذا عديدة هي انتهاكات حقوق الإنسان الفردية ,المد نية والسياسية الذي يفرضها الاستمرار في إعلان حالة الطوارئ . وأيضا قادرة هذه الديمومة العرفية اللا قانونية على خلق فرد لا يؤمن بالقانون أطلاقا وفردا هلعا ونمرودا " متشبه بالسلطة "من جهة أخرى . طالما أنه قادر على ارتكاب ما يريد دون أن يتعرض لمسائلة وذلك بقليل من الشطارة وعدم مساسه بالخط الأحمر السياسي .
فإذا كانت الدولة وأجهزة السلطة لا تشكل نموذجا لاحترام القانون فكيف للمواطن العادي أن يقوم باحترامه ؟ ؟ ؟
وأخيرا:
" إن حركة حقوق الإنسان المعاصرة ليست معنية بتغيير الأنظمة السياسية للدول أو الإطاحة بها , إنما هي معنية بتقديم العون للمواطن في إطار من القانون .والدول التي وقعت على مواثيق حقوق الإنسان أصبحت ملزمة بعدم خرق المواثيق في علاقة السلطات بالمواطنين .
انتهى
نضال نوفل
المراجع :
1 - مقدمة في علاقة الإنسان بالحرية المحامي رفعت عادل بدران
2 - نظام الطوارئ والأحكام العرفية د . عبد الله الحاني
3 - دراسة معمقة في الفقه الجنائي د . عبد الوهاب حومد
4 - قانون حالة الطوارئ مع تعديله المرسوم التشريعي رقم 51 تاريخ 22121962
5 - حقوق الإنسان وتأخر مصر أ . أمير سالم
6 - عالم بلا أغلال جلال الجميعي
الصوت