|
لا حياة تنادي
هند بتسعد
الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2021 / 12 / 31 - 23:46
المحور:
سيرة ذاتية
حتى و إن بات ربوع اليأس ينطوي داخل قلبي، فهناك بصيص من الأمل ينادي. واقع حطمني، كثير من المحاولات باءت بالفشل و الدموع أذرفها في كل لحظة أفرح لكوني سأستقل بذاتي، إلا أن هناك شيء يقف في طريقي و أعود إلى تلك الديار. الدار التي بقدر ما أرغب بمغادرتها لا زالت تمسك بيدي.
قبل انتهائي من الدراسة الجامعية، بدأت البحث عن عمل لكوني أعلم أنني قريبا سأتخرج و أعود إلى مدينتي، مدينتي المشؤمة، جمالها رائع فهي أروبا الثانية، لكنها تهلك شبابها بالفقر و البطالة، لا عملا ينادي، فالكل يشتغل في التجارة، و شبابها يهاجر إلى مدن أخرى. فلقمة العيش ليست في مدينتي، فأنا أسميها مدينة شهر العسل و المتعاقدين. كنت تائهة لا اعلم كيف أجهز سيرة ذاتية أو ما شابه، حاولت و طلبت من احد الأصدقائي أن يساعدني، فأعد لي واحدة و بدأت بالبحث في مراكز الاتصال لكوني أدرس الدراسات الانجليزية، فهذا هو العمل المتاح لي حاليا. بدأت البحث، لا احد ينادي و لا أحد يكتثرت، يوما ما قررت البحث في مدينتي، "عروس البطالة"، في المتاجر، فإذ بي أجد عملا في محل تجاري يبيع ملابس النساء، داخلية و خارجية، كانت ملابس مختصة للعروس و الأشغال المنزلية. اشتغلت معه بالرغم انني لا أفلح شيئا في البيع و الشراء، فحياتي كلها قضيتها حاملة الكتب و الحقيبة المدرسية. لحسن الحظ، صاحب المحل علمني الكثير حتى أصبحت "حرايفية" أقنع الزبون أن يشتري من الشيء شيئان بكل فرح و سرور، و كان العمل معه ذو مصداقية، إلا أنني تعبت وجدتني أشتغل من 10 صباحا إلى 11 ليلا بثمن 250 درههم لكل أسبوع، نسيت دراستي و أقلامي، حتى كتاباتي الجميلة أهملتها، إشتقت للحديث معها. وجدتني أقضي جل اليوم في العمل و الليل في النوم، لم أكن أحضى بعطلة أو ماشابه، فقط يوم صباح الجمعة لأنه عيد المؤمنين، و بعد الصلاة أعود إلى العمل. توقفت عن العمل بعد تفكير طويل بالرغم من مشاكلي المادية، إلا أن الإمتحانات الجامعية على الأبواب، و لم أتطرق بعد إلى دروسي. بعد مغادرتي فورا العمل، اتصل بي مركز الاتصال في الدار البيضاء ، كنت سعيدة جدا و أخيرا سأحصل على عمل براتب محترم. كانت أول مرة أركب فيها القطار و أسافر إلى الدار البيضاء، كنت أعيش فرحتان. خضعت لمقابلة عمل جيدة باللغة الإنجليزية لكن خطئي الوحيد، عندما أخبرتهم أنني من المدينة الأروبية. لم أكن أعلم أن هذا سيخلق لي مشكل. فوجئت أن الشركة تهتم كثيرا بأبناء المنطقة أو القاطنين فيها، لا أعلم أين المشكل، كنت مستعدة بالإستقرار هناك من أجل العمل وأخذ تجارب جديدة . لم أندم على هذه التجربة، فقط كانت أول تجربة لي.
الحدث الرائع، شاهدت و لأول مرة البحر في عمر 22 سنة، كنت سعيدة جدا، لم يشغل بالي العمل أو ما شابه، عشت اللحظة. لن أنسى خوفي من ماء البحر، كنت أركض كمجنونة عندما يتجه الماء نحوي، كنت أظنه سيأخذني معه. يا ليته أخذني.
تخرجت و بدأت معاناتي تزيد، لم أستحمل الجلوس في المنزل، فكل الطاقات السلبية كانت تغمرني، حتى إن المنزل بات غريبا عني، فقد تعودت على الجلوس وحدي، اذ وجدتني بين صراع بين من أنا و ما أرادو " عائلتي" ان أكون، كنت أعيش حالات نفاق لأظهر لهم الحب و الود و الأهم من ذاك "رضات الوالدين". كان أبي هو مشكل حياتي، و أمي كانت دائما بجانبي، لم تجبرني على شيء يوما ما، عكس ذاك الرجل الذي أتى بي بنطفة ، استحملت الشهر الأول و الثاني و الثالث...... ،يوما ما دخلت في صراع معه لكونه رجل ديني يجبرني على أشياء أمقتها، و ما يثير غضبي إهماله لي في مرضي في محنتي، يتركني أتدبر الدواء و النقود وحدي ، لو لا أمي و أخي لأكلتني الذئاب من زمان. كان يستفزني دائما في كل لحظة يراني مرتدية الحجاب بطريقة عصرية، يصفعني و ينعتني " مابقيتش كنحشم او رجلي خرجو الشواري"،هو لا يعلم أنني أزلته و أرتديه فقط أمامه، ليسا خوفا إنما لا أريد معركة معه .
" السخط" أو عقوق الوالدين لا يخيفني، أكثر شيء يجعلني أستحمل و أعيش نفاقا أمامه، عائلتي" أمي و إخوتي" . دخلت في حالات اكتئاب، لا عمل ينادي و لا أبا يساندني. بعد محاولاتي الكثيرة و المقابلات الهاتفية ، لم يحالفني الحظ و في كل لحظة أفشل، و في كل فشل اثابر أكثر.
قررت مغادرة المنزل، كان اتجاهي إلى المدينة الصناعية، الدار البيضاء، مع صديقتين. بعد صراعات مع أمي و تفكير طويل تراجعت ، قررت المكوث بشرط أن أجهز إلى مباراة التعليم و أمي تتكلف بمصاريق الإنثرنيث، فقد كنت أستهلكها من أجل البحث و أخد المعلومات. قضيت الليل و النهار أراجع مع صديق َوجدته في سوشل ميديا ، الفيسبوك، كنا نقضي 6 او 7 ساعة يوميا في المراجعة و المناقشة مع الإشتغال على الإمتحانات السابقة. لكن قرار الحكومة زعزعني و حطم طاقتي الاجابية، كانت تزاولني لمدة شهرين، و في الشهر الثالث توقفت، لكوني إجازتي لم تعد تطعم الطالب في مباراة التعليم، فقط أصبح الولوج إلى تلك الوظيفة بالإنتقاء ، ليس هناك أمل للقبول. بت أبكي ليل نهار، و أنام بعد الإنتهاء ، حتى صديقتي التى أتوسد كتفها لم تكن، كنت أعانق مخدتي و أذرف عليها الدموع، فإجازتي لم تعد تغني من جوع. عدت مجددا للبحث في مراكز الاتصال، اذ بي أتلقى مكالمة هاتفية تدعوني لاجتياز مقابلة عمل. ذهبت صباح الغد الى الدار البيضاء، بالرغم من البعد لكني لم أكن أبالي، فالأهم عندي أن أجد عمل، فالفقر المادي بات يحطم ما بداخلي. اجتزت مقابلة العمل، لكني لم أفلح أيضا، انتظرت اتصالهم، و لم يتصلون، انتظرت بكل امل و حنين، اخذت القطار و عدت بنفس محطمة، أفكر أين الخطأ. فلغتي جيدة و جل الأسئلة خضعت لها بامتياز، فقط كانت معظمها عني و كنت على دراية بها، لأنني عشت تجارب كثيرة و مقابلات عمل كثير عبر الهاتف و التطبيقان الالكترونية، بت أتوقع الأسئلة و أشتغل عليها.
مساء الغد، وجدتني في لائحة المقبولين لإجتياز مباراة التعليم في مدينة تطوان، ذهبت بكل فرح و سرور، حتى إن كل ما اشتغلت عليه لم أنسى منه شيئا، رافقني صديق و بتنا الطريق نناقش دروس الإمتحان . لكن فرحتي لم تكتمل عندما و جدت صديق الفيسبوك أنه لم يحالفه الحظ لإجتياز الإمتحان ، كان يستحق فقد كان أستاذي علمني الكثير. شجعني بالرغم من الام في قلبه، أحسست به فقط كان يحب التعليم و أراده بشغف لكن الإنتقاء حرمه من ذالك. اجتزت الإمتحان، عدت و كلي أمل على النجاح و اجتياز الإمتحان الشفوي، اذ بي أفشل مجددا لم يحالفني الحظ، و عدت للإكتئاب، إلى أنني أقمعت نفسي و لم أذرف الدموع، لا أعرف لماذا، عيناي محمرتان، لكني أمسك الدموع داخلي، أظنني أنتظر انفجارا يجعلني أبكي و أخرج كل ما بداخلي. لم أجد رفيقا يضمني، حتى صديقتي ليست هنا. و لا زال قلبي يتحسر و يتألم، لا عملا و لا أبا يساندني، أمي تشجعني لكن الاستسلام بدأ يزورني. بدأت أفقد شغفي و أنظر إلى الحياة كبركة خالية، لا ماء يسقيني و يروي عطشي.
الكثير يقول لي هذه البداية ، فسنة من المكوث ليس بشيء، لكني وجدتني عشت الاف السنين في سنة واحدة، فقد عشت القهر قهران.و ها أنا أجعل من الكتابة دواء لكل داء، فلم يبقى لي إلا القلم و الحروف لأعبر بكل حرية .
#هند_بتسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقع مر
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|