|
80 عاما على رحيل تروتسكي عاشق الثورات
علي حسين
الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2021 / 12 / 31 - 14:43
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بعد سلسلة من محاولات اغتيال فاشلة تعرّض لها قرر"بكل بساطة من غير المنطقي ترك الأمور هكذا". كان في الحادية والستين من عمره، عندما استيقظ في صباح يوم السابع والعشرين من شباط عام 1940، ليذهب باتجاه مكتبه، قال لنفسه لم يعد الأمر يحتمل التأخير، جلس وكتب وصيته، لم يفعل ذلك إلا لهدف قانوني، كان يريد أن يضمن لزوجته وراثة حقوقه كمؤلف.. كانت الوصية أشبه برسالة يعلن فيها أن نهايته باتت وشيكة..
لم يخطر بباله أنه سيموت على يد قاتل متحمس :"إن ضغطي الدموي المرتفع والمستمر بالارتفاع يخدع من هم بقربي بشأن وضعي الحقيقي. فانأ نشيط وقادر على العمل. لكن النهاية قريبة بالطبع"، كان يعتقد أنه في طور متقدم من تصلب الشرايين وأمراض القلب وإن طبيبه الخاص يخفي عنه الحقيقة.. كان مرض صديقه فلاديمير لينين وإصابته بالشلل غالباً ما كان يحضر في ذاكرته، فقد كان يأمل أن يفاجئه الموت وهو في السرير لأنها حسب قوله "ستكون أفضل نهاية يمكن أن يتمناها". أدرك أنه أراد من الحياة أشياء كثيرة، وأحس بـ"غنى الواقع الهائل". كانت الوصية شخصية جداً، يعلن فيها بسطور قليلة أنه ليس ثمة حاجة لأن يدحض افتراءات ستالين ضده، لأنه ليس من لطخة واحدة تلوث شرفه الثوري، وأن جيلاً جديداً سيعيد له مكانته وسينتصر للثورة التي غدر بها.. لا تتضمن الوصية أية نصائح سياسية، فقد كرسها لتحية ناتاليا :"بالإضافة الى الغبطة التي منحنتني إياها كوني مقاتلاً لأجل قضية الاشتراكية. منحني القدر سعادة أن أكون زوجها. فخلال قرابة أربعين عاماً من الحياة المشتركة، بقيت نبعاً لا ينضب من المحبة والشهامة والحنان. لقد عانت آلاماً طويلة.. لكني أجد تعزية في كونها عرفت كذلك أيام سعادة".
كان قبل أيام يجلس مع زوجته ناتاليا في صالة المنزل الذي تحوّل إلى ما يشبه القلعة، فقد أضيف المزيد من الفولاذ إلى الأبواب والنوافذ، فيما جُنّد جيش من الحراس للمراقبة، قال لها وهو يمسك بكف يدها :"طوال الثلاثة والأربعين عاماً من حياتي الواعية. كنت ثورياً، وطوال اثنين وأربعين عاماً، قاتلت تحت راية الماركسية، ولو كان علي أن أعود من البدء، لكنت حاولت تحاشي هذا الخطأ أو ذاك، لكن مجرى حياتي الرئيس يبقي على حاله دون تبديل. سأموت ثورياً، ماركسياً، وليس إيماني بمستقبل البشرية أقل اتقاداً، أنه في الحقيقة أكثر صلابة، حالياً، مما كان أيام صباي " ثم اقترب منها أكثر وهو يقول : "الحياة جميلة فلننظفها للأجيال القادمة من كل شر". كان قد أخبر المقربين منه إنه اتفق مع ناتاليا على أن من الأفضل الانتحار بدل ترك العمر يحوّل المرء الى حطام : " احتفظ لنفسي بحق لحظة تحديد موتي. لكن مهما تكن ظروف هذا الموت، سأموت بإيمان لايتزعزع في المستقبل الشيوعي، هذا الإيمان بالإنسان وبمستقبله يمنحني، حتى في هذا الحين، قدرة على المقاومة".
في تلك الأيام أيضاً كان جوزيف ستالين قد قرر أن لا يترك ليون تروتسكي وقتا أطول على قيد الحياة.. في عام 1936 كتب تروتسكي كتابه الشهير"الثورة المغدورة"، وقد تمّ مصادرة نسخ منه في الاتحاد السوفييتي أدخلها بعض البحارة سراً، كان ستالين يقول لمن حوله إن هذا الكتاب أشبه بالديناميت.
في الثالث والعشرين من أيار عام 1940 أيقظته ضجة شبيهة بمعركة بالرشاشات، ولما كان متعباً حيث قضى النهار كله يكتب، اعتقد أإن الأمر يتعلق بمكسيكيين يحتفلون باطلاق الألعاب النارية، لكن الإنفجارات كانت قريبة جداً : "في قلب الغرفة القريبة مني بالذات وفوق رأسي. غدت رائحة البارود أكثر حدةً ونفاذاً كانوا يطلقون علينا النار" كانت نتاليا قد قفزت من السرير وجعلت من جسدها متراساً له، وبعد لحظة أجبرها على التمدد على الأرض، الرصاص ل ايزال ينهمر. بقيا مختبئين في الظلمة، بصمت، فيما كان المهاجمين يطلقون الرصاص عبر النوافذ والأبواب، تكتب ناتاليا فيما بعد :"ثم خيم الصمت.. صمت لا يحتمل، كنت أفقد قوتي نتيجة التوتر واليأس، وفكرت أنهم سيعودون بين حين وآخر للاجهاز عليه"، في نظر تروتسكي كان الحظ هو الذي أبقاه على قيد الحياة، كان ينهض كل صباح ويقول لزوجته : "أترين، فهم لم يقتلونا في الليلة الماضية، ومع ذلك فأنت لا تزالين مستاءة".. بعد يومين قال لناتاليا وهو يضحك : "لقد حصلنا على تأجيل للتنفيذ".
بعد ثلاثة أشهر على الغارة الليلية، وفي صباح العشرين من أب 1940 استيقظ في السابعة صباحاً، توجه الى مكتبه ، كانت إحدى الصحف قد طلبت منه أن يكتب مقالاً عن الحرب التي تخوضها النازية ضد العالم، كتب أن :"الحرب الحالية هي، كما سبق أن أعلنا في أكثر من مناسبة، استمرار للحرب الأولى، لكن الاستمرار ليس تكراراً بل (تطوير، تعميق، مفاقمة)". بعد ساعات طلب جاك مونار الإذن بالدخول عليه.. كان قد تعرف على جاك قبل أكثر من خمسين يوماً، ففي الثامن والعشرين من أيار 1940 وجد تروتسكي نفسه للمرة الأولى أمام شاب قدم نفسه كمتسلق للجبال، ومحب للتروتسكية، وقدم عرضاً لمساعدة الحركة مالياً، وكان بين الحين والآخر يقول إنه بصدد إعداد كتاب عن الحركة الأممية.. كانت ناتاليا تتساءل أحياناً لماذا يكثر هذا الشاب من زياراته، في ذلك اليوم كان جاك مونار يرتدي معطفا، عرضت عليه زوجة تروتسكي الشاي، سألته إنْ كان قد انتهى من كتابه، فقال لها إنه جلب المخطوطة معه، كانت رزمة أوراق يحملها بيده، في غرفة المكتب جلس تروتسكي وأنحنى على الأوراق التي قدمها له جاك، كان قد تصفح الصفحة الأولى حين تلقى ضربة رهيبة على رأسه، كان جاك قد أخرج الفأس وأغمض عينيه وبكل قوته وجّه الضربة الى الجمجمة المنحنية على الأوراق، يذكر جاك مونار فيما بعد هذه اللحظة فيكتب :"أطلق الرجل صرخة لن أنسى صداها ما حييت.. كانت صرخة طويلة طويلة.. وما زالت تطرق رأسي".. بعد يوم واحد" 21 آب " توفي تروتسكي متأثراً بجراحه.
*****
في تشرين الأول من عام 1935 احتفل بعيد ميلاده السادس والخمسين، في ذلك اليوم تذكر ما قاله له لينين ذات يوم : هل تعرف ما هو أسوأ الآفات، أن يكون سن المرء أكبر من الخامسة والخمسين " لكن لينين لم يعش ليبلغ هذا العمر، توفي وهو في سن الرابعة والخمسين: "هذا هو قدرنا، معركة نضال بعد أخرى، ضد التفاهات السياسية والحماقات، وضد الانتهازية " تلك كانت المهمة التي قالها له لينين عام 1916، لا يزال تروتسكي يتذكر صاحبه الذي قاد الثورة معه. يكتب في يومياته :"لا يوجد قط رجل عمل على قدر من الإخلاص مثل لينين"، كان الاثنان يؤمنان أن النظرية والتطبيق ل اينفصلان، يكتب لينين :"بدون نظرية ثورية، لا يوجد عمل ثوري، كان لينين دائماً ما يستشهد بالخلاصة التي وضعها غوته في مسرحية فاوست :"النظرية رمادية، والأخضر، إنما هو شجرة الحياة الخالدة".
في كانون الاول عام 1935 كان الأطباء قد نصحوه بأن يستريح قليلاً، فالاضطرابات التي تحدث في صحته تحيّرهم، لكنه يريد أن يكتب وصيته السياسية، ففي بلاده لا يزال الرفيق القديم ستالين يشوه مفاهيم الثورة التي حددها لينين، وكان أبرزها ان يرفض المحكومون، بفعل بؤسهم ويأسهم وغيظهم، مواصلة الحياة كما هي في السابق.. في السادس عشر من كانون الأول عام 1935 يبدأ يخط الجملة الأولى من كتابه الثورة المغدورة :" السؤال الذي نطرحه باسم القارئ، وهو : كيف استطاعت الزمرة الحاكمة، رغم أخطائها التي لا تعد، الحصول على سلطة لا حدود لها ".. يحتل كتاب "الثورة المغدورة" الذي نشر عام 1936 ووصلت منه نسخة على مكتب ستالين بعد أيام من صدوره، مكانة خاصة ضمن مؤلفات تروتسكي، فهو الكتاب الأخير الذي أنجزه، وهو أيضاً كان السبب في الإسراع بإصدار قرار للتخلص منه، وقد قدّم فيه تحليل للمجتمع السوفييتي ورؤية نقدية لتاريخ الثورة الروسية، حتى منتصف حكم ستالين، فهو يناقش به موضوعات حول الاشتراكية والصعوبات التي ينبغي أن تتصدى لها الثورة البروليتارية ودور البيروقراطية والاستبداد في حرف الثورات عن مسيرها، وفيه أيضاً تحليل لوضع الاتحاد السوفييتي قبل الحرب العالمية الثانية، ورؤية حول المستقبل. يكتب اسحق دويتشر أن كتاب الثورة المغدورة إنما هو منشور للأزمنة القادمة، وإعادة عرض خلاقة للمفاهيم الماركسية.. ونجد تروتسكي يقدم شهادته على مرحلة حاسمة من الحقبة السوفيتية..كان ستالين قد أعلن إن الاتحاد السوفييتي أنجز بناء الاشتراكية وإن "دستوراً جديداً هو الأكثر ديمقراطية في العالم سوف يمثل الحقبة الجديدة"، لكن تروتسكي أخذ على نفسه مهمة دحض الكتابات التي ينشرها صديقه اللدود ستالين عن الثورة والماركسية والمادية، وقرر أن المجابهة يجب أن تكون بالفهم الماركسي الكلاسيكي للاشتراكية.. وقد بيّن في الثورة المغدورة أن الاشتراكية تفرض مسبقاً اقتصاد وفرة، ولا يمكن أن تقوم على الحاجة والفقر، كان ستالين قد أشار إلى الرأي الذي عبر عنه ماركس بصدد أطوار الاشتراكية، الطور الأدنى حيث يكافئ المجتمع كل أعضائه وفقاً لعمله، والطور الأعلى حيث يكافئه وفقاً لحاجاته، وقد أعلن ستالين أن الاتحاد السوفييتي كان في الطور الأدنى، بينما بيّن تروتسكي في "الثورة المغدورة" إن ستالين يُسخر مفاهيم ماركس ليبرر حالة اللامساواة السائدة في الاتحاد السوفيتي، كان تروتسكي يصر على أن ينتزع أفكار لينين من النسيان وخصوصا في كتابه "الدولة والثورة" وأن يستخدمها في حربه ضد ستالين، الذي حوّل حسب تعبير تروتسكي "دولة الكومونة" الأثيرة على قلب لينين الى دولة السجن، إنها دولة من: "صنع البيروقراطيين المنتصرين، المجبرين على قطع صلاتهم بالمبادئ الأساسية للاشتراكية".. ويتأمل تروتسكي في الجملة التي قالها ماركس عن الثورات التي تحسن آلة الدولة بدلاً من أن تحطمها ويتحسر، لقد مضى عشرون عاماً على الثورة البلشفية التي انتصرت بفضل لينين والآن أين هي هذه الدولة؟. كان تروتسكي يدافع عن هذه الدولة في وجه ستالين، فهو يصر على أنه لا يمكن تصوّر الاشتراكية من دون اضمحلال الدولة، فالدولة كانت قد انبثقت من صراع الطبقات، واستمرت كأداة للسيطرة الطبقية، والحالة هذه فإن الاشتراكية تعني زوال التضادات الطبقية والقمع السياسي فقط تبقى الوظائف الإدارية للدولة "إدارة الأشياء لا إدارة الناس"، ظل لينين يتصوّر دكتاتورية البروليتاريا كنوع من نصف الدولة وحسب، على شاكلة كومونة باريس، دولة يكون موظفوها منتخبين يجري إقصاؤهم بالتصويت، ويقبضون أجوراً لا تزيد عن أجور العمال، بحيث لا يتمكنون من تشكيل بيروقراطية منفصلة عن الشعب، يشرح لنا تروتسكي في "الثورة المغدورة" إن التجربة الستالينية هي ردة فعل البرجوازية الصغيرة ضد ثورة اكتوبر :"إن الجماعة القائدة تحمي مصالح أقلية من محققي المكاسب". ويتساءل تروتسكي هل أن الطبقة الحاكمة وصلت الى درجة من القوة دمّرت معها العنصر الاشتراكي ؟، وضد هذه الطبقة الحاكمة يصوغ تروتسكي منهاجه للمرحلة القادمة : " ليس من حل سلمي، فالبيروقراطية لن تتخلى عن مواقعها دون معركة.. لم ير أحد حتى الآن الشيطان يقضم مخالبه بكامل رضاه". وقد دعا إلى ثورة سياسية لا ثورة اجتماعية، أي ثورة تطيح النظام الستاليني، لكنها لا تبدل طبيعة النظام الاشتراكي : "ليست الغاية أن نبدّل عصبة حاكمة بعصبة أخرى، ولكن الهدف هو تغيير طرق الإدارة الاقتصادية والثقافية نفسها، كما ينبغي للتعسف البيروقراطي أن يخلي مكانه للديمقراطية السوفييتية فالديمقراطية تقودنا في الاقتصاد الى إعادة النظر جذرياً في كل الخطط لصالح الشغيلة، كما أن المناقشات الحرة ستخفف من الأخطاء التي ارتكبتها البيروقراطية وتعرجاتها".
يكتب إسحق دويتشر :" نجد أن طريقي لينين وتروتسكي اللذان تباعدا طويلاً التقيا آنذاك، كان كل منهما توصل إلى استنتاجات بلغها الآخر قبله بكثير، وطالما اعترض عليها بحدة وصرامة، لكن لا هذا ولا ذاك وعى بوضوح إنه تبنى وجهة نظر الآخر، فبعد أن انطلقا من نقاط مختلفة، وعبر مسارات متباينة، انتهيا الآن الى التلاقي".
******
في جنوبي اوكرانيا ووسط المزارع، كان يقيم دافيد ليونيتيفيتش برونشتاين في المزرعة التي اشتراها قبل أكثر من عام، حيث كان يستثمر أمواله في الأراضي الزراعية مثل أجداده، أما زوجته، فكانت من بيئة مختلفة، تهوى قراءة الكتب وتذهب لتسجل اسمها في مكتبة المدينة، وبين الحين والآخر تتحدث مع زوجها عن رواية جديدة قرأتها لتولستوي أو تورجنيف، كان دوستويفسكي يسحرها بقصصه الغريبة والمؤثرة، ومن غرائب القدر أن يكون يوم السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1879،الذي ولد فيه الطفل الذي سيطلق عليه اسم ليون تروتسكي، سيكون هو اليوم ذاته بعد ثمانية وثلاثين عاماً الذي سيكون فيه ابن هذه العائلة أحد قادة الانتفاضة البلشفية، في السابعة من عمره يرسله والده الى مدرسة يهودية، ليدرس فيها التوراة وكانت الدروس تتضمن أيضاً قواعد اللغة الروسية والرياضيات، إلا أن إقامته في المدرسة لم تكن طويلة، فبعد أشهر قليلة اضطر والده أن يعيده الى البيت، إذ كانت تبدو على الصبي ملامح التعاسة في المدرسة، وهكذا ودّع الدراسة الدينية، وأخذ يتابع أمّه وهي تقرأ في كتب الأدب، وبعد أكثر من عام يقرر أحد أخواله أن يصطحبه معه، وخلال السبع سنوات التي قضاها مع هذا الخال أتقن اللغة الروسية، وكان الخال متحمساً لتحويل الصبي الى تلميذ متميز ففي المساء كان يلقي عليه قصائد الشعراء الكلاسيكيين بوشكين وليرمونتوف ونيكراسوف شاعرهم المفضل الذي كانت قصائده صيحة احتجاج ضد الظلم، وقد سمع للمرة الأولى برواية أوليفر تويست، وقرأ خفية كتاب البعث لتولستوي، وفي المدرسة تعلم اليونانية واللاتينية وقرأ العلوم والرياضيات وسرعان ما أصبح الأول في صفه، "لم يكن من حاجة لأحد كي يحثه على العمل أو القلق بصدد دروسه، فهو كان يعمل أكثر مما هو مطلوب منه".
كانت صورة الفتى تروتسكي تتشكل، فهو صبي جميل، بعينين حادتين خلف النظارتين، أما شعره فكان غزيراً فاحم السواد، يرتدي ثياباً أنيقة، بحيث يظهر "كبرجوازي حقيقي"، كان زملاؤه في المدرسة يعترفون بتفوقه، بعد سنوات ستغدو غرفته ممتلئة بالكتب، إن رؤية الكتب وهي على الأرض أوعلى الرفوف أو فوق المكتب تثيره، وكان يستنشق باستمتاع رائحة الورق المطبوع، تلك الرائحة التي احتفظ بميل شديد إليها حتى خلال مشاركته بالثورة، في تلك السنوات سمع للمرة الأولى بشكسبير :"عشقت كلماته عشقاً عنيفاً"، وكان مشغولاً بالمسرح : "تعلقت بالاوبرا الإيطالية، وكنت أعطي دروساً لأكسب بعض المال يخولني دفع تذاكر المسرح"، عندما يعود الى البيت يطلب منه والده أن يشرف على عمل المزرعة، يمسك السجلات ويحاسب العمال، وكان الوالد العجوز يتشاجر معه ابنه، لا سيما حين يجد الأب أن حسابات ولده تراعي العمال كثيراً، وكانت هذه المشاجرات تغذي روح التمرد داخله، في تلك الفترة سينضم الى إحدى المجموعات الثورية السرية، في سن الثامنة عشرة، بدأ يشارك في اللقاءات السياسية، ويدعو إلى الإضرابات، حتى قُبض عليه في كانون الثاني 1898، وأودع السجن لمدة ثلاثين شهراً بتهمة التحريض على الثورة، ثم أُبعد بعد خروجه إلى سيبيريا، لكنه هرب من منفاه بجواز سفر مزوَّر أعدّه بنفسه باسم تروتسكي، وهو اسم السجان الذي كان يتولى أمره في السجن، فلازمه هذا الاسم طوال حياته.
سافر إلى فيينا، ومنها إلى زيورخ ثم الى لندن، حيث تقابل مع لينين عام 1902، في كانون الثاني عام 1905 قرر العودة إلى روسيا، فشارك في الاضطرابات والإضرابات التي اندلعت هناك، وقُبض عليه في أيلول من العام نفسه، وأودع السجن ثم نفي إلى سيبيريا مجدداً، لكنه تمكن من الهرب إلى فنلندا، وهناك قابل لينين ثانية، ثم غادرها إلى ألمانيا في هجرة طويلة امتدت عشر سنوات.
في تشرين الأول عام 1908 أدار تروتسكي صحيفة "برافدا" وتعني بالروسية الحقيقة، أنشأها لمخاطبة جماهير العمال، وكانت تُهرَّب إلى روسيا، ودعوته الأساسية فيها كانت ضرورة القيام بثورة روسية شاملة للقضاء نهائياً على الرأسمالية وإقامة النظام الاشتراكي في أنحاء العالم كلها.
في 17 أيار 1917، وجد الأحوال السياسية في روسيا ازدادت سوءاً، فالقيصر تنازل عن العرش، وأسرة رومانوف بأكملها كانت في طريقها إلى الزوال من حكم روسيا، والفوضى مسيطرة على أجهزة الدولة والحكومة المؤقتة لم تتمكن من السيطرة على أجهزة الحكم، كان لينين قد سبقه في العودة إلى البلاد، بعد الإفراج عنه بدأ مع لينين يخططان في هدوء وتنظيم دقيق لقيام الثورة.
في ظهيرة الثامن من تشرين الثاني عام 1917 ظهر لينين وبالقرب منه يقف تروتسكي ليعلن أن الثورة في روسيا قد تمت.
لا يمكن الحديث عن تروتسكي، دون أن نضيف بضع كلمات عن اسحق دوتشر الكاتب المتميز الذي اتحفنا بثلاثة مجلدات أسهب فيها بالحديث عن حياة تروتسكي وافكاره، ولا يمكن ان نتخيل أن هناك من يستطع القيام بكتابة سيرة هذا الماركسي الثائر مماثلة لما قدمه دوتشر من حيث كونها مرجعا واضحا كاملا.. ولهذا لا تزال هذه الثلاثية إلى يومنا مرجعاً، في البحث عن تفاصيل في حياة تروتسكي أو المرحلة التي عاصرها، وقد اشتغل فيها دويتشر على بناء الشخصية التاريخية وكأنه يكتب رواية، فاهتمّ بمشاعر تروتسكي وأفكاره وانفعالاته، ورسم علاقته مع محيطه بعناية، مما جعل من سيرة تروتسكي باجزائها الثلاثة الضخمة اشبه بقطعة من الحياة.
#علي_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحالف أمريكي ـ إيراني لبقاء -عبد المهدي-
-
اغتيال الديمقراطية في العراق
-
نور
-
التحرش الجنسي و السطوة الدينية
-
سماسرة الطائفية
-
لماذا ننتخب ائتلاف دولة القانون 337 ؟؟
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|