|
معذرة ... لكنني لا أتحدث في الدين
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل جربتَ أنْ تقُصّ على محدثك من نبأ المعتقلات والسجون والمظلومين والمعذبين والمنسيين تحت الأرض؟ هل شاهدتَ تعبيرات وجه محاورك وأنت تتحدث عن عالم الطغاة، وسذاجة الجماهير، وحفلات التكريم في أقسام الشرطة، وتجاوزات الاستخبارات العربية، وعن عناوين الكتب الجديدة، وأهم الفصليات والدوريات الفكرية والثقافية، وعن الأميّة والبطالة والإدارة وغيرها من هموم حياتية؟ أغلب الظن أنَّ محاورّك سيتثاءب من الملل في حديثك، وربما يتجنبك في مرات لاحقة خشية أن يُضَيّع وقته في تلك الصغائر من الأمور. تقدم من أي شخص أو جماعة في أي مكان ولو كان مقهي شعبيا أو سوقا للخضار أو مكتبا للموظفين الكُسالى أو جلسة للنميمة والغيبة أو متسكعين في شارع جانبي، ثم تحدث في أي شأن ديني حتى لو كان عدد المسلمين في فريق كرة القدم الفرنسي، أو حجاب فنانة، أو اكتشاف طفل مسلم إندونيسي مكتوب على رأسه لا إله إلا الله أو مصرع رجل بالسكتة القلبية لأنه نظر إلى زوجة جاره أو عفريت من الجن تزوج فتاة جميلة وأنجبت منه توأمين، إنثى جنية وذكر إنسي، أو فتاة رفضت الحجاب فسقط شعر رأسها أو رجل تم وضع جهاز تسجيل في قبره بعد دفنه فتحطم الجهاز دون معرفة السبب! لن تجد واحدا يأنف من الاشتراك في الحديث، وستكتشف أن الأمة كلها أضحت مجموعة من الدعاة والفقهاء والعارفين ببواطن الأمور، وستتسع العيون، ويهرب النوم منها، ويعمل الجهاز العصبي بكامل أحصنته، ويعتذر العقل عن الاشتراك في الحديث فاحتمال أن ينصت أحد إليه كاحتمال سقوط الرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية، أو سقوط خيمة العقيد لعدم تثبيت أوتدتها! ماذا حدث لشعوبنا؟ كل الناس تتحدث في الدين من الصباح إلى المساء، ولا فرق بين جاهل وعالم، وبين أمي وأكاديمي، وبين طالح وصالح، وبين مرتش وأمين، وبين اسلامي وعلماني، وبين رجل وامرأة. لا يهم ماذا تفعل في حياتك، وهل تصل الرحمَ، وترعى أولادك، ولا تضرب زوجتك، ولا يضيع نصف عمرك في المقهى والديوانية وفي صحبة شلة الأنس.
لا يهم إنْ كنت موالياً للطاغية أو مؤيدا للسجون والمعتقلات أو مع الحرية والديمقراطية أو متسامحا مع الآخرين أو مثقفا وقارئا جيدا ومتابعا لأحداث العالم وكريما مع جيرانك ومُجِدّا في عملك. لا يهم إن كنت تتكاسل كمدرس لتفتح بيتك للدروس الخصوصية، أو طبيبا يكشف على المرضى في دقيقتين، أو صيدليا يبيع دواء انتهى تاريخ صلاحيته أو رجل أعمال يقدم رشاوى في كل يوم بعدد خصلات شعر رأسه. لا يهم إن كنت مدافعا عن المظلومين، ومهموما بوطنك، وحانقا على الديكتاتورية، وداعيا إلى تكاتف المجتمع في مساواة كاملة بين كل أفراده. المهم أنك تتحدث في الدين، وتتوعد من ينتقد العلماء بالويل والثبور، وتقذف حمما من الغضب على من يختلف مع ابن تيمية، وتعرف عشرين حديثا نبويا، وتحفظ أربع حكم ومأثورات، وتقول لأي شخص يحدثك بأنك ذاهب لأداء الصلاة أو عائد منها أو ستقابله بعد صلاة العشاء أو أنك أقنعت ابن عمك بأدائها. المهم أن تُسَبّل عينيك، وتحمد الله بصوت مرتفع لأن الفتاة الجامعية جارتك ارتدت الحجاب أخيرا، وأنك لا تسمع الموسيقى والأغاني ولكن تشاهد قناة ( اقرأ )، وتطلب من الله أن يهدي أبناء المسلمين. المهم أن يتسع حُلمك، وتتحدث عن قرب عودة الخلافة وهيمنة المسلمين على الدنيا كلها، وأن تمتدح في المقاومة العراقية بدون ذكر جرائم الارهاب، وإذا سألك سائل عن تمنياتك فتقول زيارة المسجد الأقصى وأن يعتنق العالم كله الاسلام. وإذا كنت من مرتادي المنتديات الإنترنيتية فأمامك متسع من الوقت ومساحة من الحرية أن تنهش لحم فريستك على مهل، وأن تكتب ما تشاء، وتكتفي بعناوين المقالات، وتقتحم المنتدى بمداخلة عن سوء نية كاتب المقال، وأنه يكره الاسلام، وربما تكون لديه ميول علمانية، وأنه لم يستشهد بآية قرآنية واحدة، وأن الموضوع كله يصب في خدمة اليهود والصهيونية العالمية ولا مانع من الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان وستجد عشرات من أعضاء المنتديات يهرولون خلفك، ويرفعون راية الجهاد الالكتروني، وينقلون خطبا ومواعظ لا علاقة لها بموضوعك، المهم لا أحد يقرأ مقالا طويلا، وعدد المداخلات يحدد قوة تمسكك بالاسلام ودفاعك المستميت، ولا تنس أن تكتب: جزاك الله خيرا أخي في الله وجعل كلامك في عداد حسناتك. إما إذا مرت عيناك على مقال أو موضوع عن تلك التي أشرنا إليها والفساد والسجون والمعتقلات واغتصاب الأبرياء ومناهضة الاستبداد وقوانين الحرية وكرامة المواطن والمساواة بين البشر وأهمية التسامح والادارة السليمة ومصالحة العصر والفنون والجمال والآداب والفلسفات الحديثة والقديمة والاجتهاد والعقل والمنطق ومشروعات القضاء على الأمية والجهل والفقر والمرض ، فعليك أن تمر عليها مر الكرام كأنها جرب أو دنس أو أوساخ. لا تكترث لمن يتابع سلوكياتك المتحضرة والمتمدنة وصلة الرحم ومثاليتك اليومية في العمل والشارع والنظافة ومحبة الآخرين وعدم اقحام أنفك في شؤون الغير، فالناس تنتظر منك حديثا عن الدين وفي الدين وللدين. ماذا لو قابلك مسلم ورفضت الحديث عن الدين باعتباره علاقة بينك وبين خالقك، وأن ترفض الاجابة عن أي سؤال شخصي يتعلق بمعتقدك ورؤيتك وفكرك وسلوكك وصلاتك ولحيتك وحجابك وصيامك وعدد مرات ارتيادك المسجد وآلاف غيرها من الأحاديث التي تتقاطع في كل لقاءات واجتماعات وتجمعات؟ سيتهمك الآخرون بكل الموبقات، وسيقولون عنك ماركسي وعلماني وزنديق حتى لو كانت سلوكياتك تعد لك مكانا في جنة الخلد. ليس أمامك إلا أن تتظاهر بأنك مع الركب، وتسمع نصائح، وتُسْدي مثلها، وتكتب حكمة، وتنهي حديثك بدعاء مسموع ليعرف الجميع أنك واحد من مسلمي العصر الحديث وأبطال الصحوة المتمسكين بالاسلام كماسكي جمرة. ستجد في مقالي هذا عشرات الأشياء التي ينبغي أن تغتنمها، وتتهم صاحبها بكل ما يسع قلمك ولسانك من قاموس التكفير والسخرية والتهكم، وأنا أضمن لك آلافا من المؤيدين، ومثلهم من الصامتين الفرحين برفع راية النصر الاسلامي أمام كاتب المقال رغم أنني أشهد الله أنني مسلم دون أن أستأذنك.
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بل ستسمع الموسيقى والغناء رغم أنفك
-
حرمة تحريم الموسيقى والغناء
-
نشرة الأخبار يقرأها عليكم حمار
-
الأرض بتتكلم عبري ... دعوة عربية لحماية إسرائيل
-
أيها اللبنانيون: نلطم وجوهنا دفاعا عنكم
-
الرئيس السوري يصاب بالصمم .. القيادة السورية تصاب بالشلل
-
تأجيل الانتفاضة المصرية ... حكاية لم تنته بعد
-
لماذا يعادي المسلمون العقل ؟
-
الحوار الأخير بين رئيس يحتضر و ... رئيس يرث
-
أمريكا تطبع قُبلة على جبين العقيد
-
الله يخرب بيتك يا ريس
-
حوار بين حر سجين و ... سجين حر
-
رسالة مفتوحة إلى نشطاء ( كفاية ) .. الانتفاضة أو الطوفان
-
رسالة إلى محمد الشرقاوي .. أحزانك أشرف من أفراحنا !
-
إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة
-
سيدي الرئيس ... أرجو أن تبصق في وجوهنا
-
أيها المصريون.. نعم أنا نذل، وسنغتصبكم فردا .. فردا
-
الرئيس مبارك: نعم أنا جبان، فماذا أنتم فاعلون؟
-
سيدي الرئيس ... أنت جبان
-
نفوضكم أيها القضاة بتولي حكم مصر إلى حين
المزيد.....
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|