|
كيف تصبح دولة ما،،مصنعة،،!!
حاتم بن رجيبة
الحوار المتمدن-العدد: 7120 - 2021 / 12 / 28 - 22:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمام التطور المذهل للتكنلوجيا والتقنيات تصاب الأمم المتخلفة بالشلل والإحباط أمام الرغبة في الإلتحاق بالركب و مغادرة الفقر و التخلف !!!
كيف لها أن تنافس العمالقة مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في الصناعات الثقيلة وصناعة السيارات والأسلحة والكمبيوتر...؟ يبدو ذلك من الوهلة الأولى مستحيلا وعبثا وعناد أطفال!!!
هل يمكن لدول مثل العراق والسعودية ومصر أو بنغلاداش وكوبا أن تصبح يوما بلدانا مصنعة؟؟؟ أم الأولى للعالم أن يتقاسم العمل كما يدعو لذلك الكثير من جهابذة العلوم الإقتصادية؟ أي أن تتولى بعض البلدان توفير المواد الغذائية وأخرى المواد الخام من نفط وغاز ومعادن وأخرى النسيج والملابس وعظمى تنتج الآلات والسيارات والأسلحة والعجائب؟؟؟
طبعا يستثمر الغرب ودول أخرى مصنعة مثل الصين و روسيا الترليونات لإقناع ساسة بلدان العالم الثالث بنظرية تقاسم العمل وبتقويض كل تفكير في الإقلاع من مجتمع الإستهلاك والريع وإنتاج المواد الخام والإستثمار في السياحة والخدمات والرياضة...والإبتعاد عن الصناعة. يؤثرون فيهم بالتنظير والدعاية والرشوة و غسل الأدمغة حتى يبقى السوق حكرا لهم. وما الجزائر إلا أحسن مثال.
فقد تخلت الجزائر عن برنامج طموح في الصناعات الثقيلة. نجحت كل من الولايات المتحدة وفرنسا في ارتشاء صناع القرار وإقناعهم بتغليب المصلحة الفردية على مصلحة الأمة والمجموعة والشعب. لتوءد التجربة الجزائرية وتبقى دولة ذات اقتصاد ريعي: الإعتماد على مداخيل النفط والغاز.
لكن أعود إلى لب الموضوع: هل حقا هو التصنيع شائك جدا وصعب للغاية إن لم نقل أنه طموح مستحيل؟؟؟ أم أنه عكس ذلك سهل ويسير وفي متناول الكل حتى الشعوب البدائية التي مازالت تعيش على القنص بالسهم والفخاخ؟؟؟؟
حتى نتبين مدى سهولة القفز من اقتصاد ريعي وبدائي إلى اقتصاد مصنع وحديث ندرس معا انتقال الصين الشعبية وروسيا إلى مطاف المجتمعات المصنعة.
كانت كل من الصين و روسيا بلدانا متخلفة بأتم معنى الكلمة(روسيا كانت قد تركت لتوها نظام القن و العبودية و خرجت لتوها من ظلام القرون الوسطى): نسبة أمية مرتفعة جدا وجهل وفقر مدقع وبنية تحتية مزرية وآلاف من الموتى يوميا جراء سوء التغذية وقلة العناية الصحية والجهل.
أي أن حالهم آنذاك لا يختلف عن أي بلد معاصر من بلدان العالم الثالث مثل النيجر أو موريتانيا أو بنغلاداش.
لكن رغم هذا فإن الإقلاع كان سريعا إن لم نقل صاروخيا!!!
فكيف حصل ذلك؟؟
أول حجرة وأول أساس لبدء التصنيع كانت الإرادة!!!
نعم إرادة فولاذية كالغرانيت لن تفتتها مهما نقرت وحاولت تهشيمها بالرشوة والمراوغة والمداهنة وغسل الدماغ.
في الواقع مفتاح التصنيع هو الإرادة والعزيمة لا أكثر ولا أقل!! شيء في متناول كل سياسي وطني وغيور على المجموعة والأمة!!
إذا قرر ستالين في روسيا وقرر ماوتسي تونغ في الصين المرور إلى التصنيع. كلف ذلك ما كلف!! شمرا على ساعديهما وانطلقا.
الخطوة الثانية كانت أصعب خطوة وأشقاها وأوعرها. كلفت كلا من البلدين ملايين من الأرواح البشرية : روسيا فقدت ما يناهز ال-12 مليون ضحية أما الصين فتفوق خسارتها ال-20 مليون نسمة!!
الخطوة القاسية تتمثل في توفير العملة الصعبة من دولار ومارك ألماني ويان ياباني ألخ لتوريد الآلات اللازمة!! تلك الآلات هي باهضة للغاية كما يلزمها قطاع غيار وصيانة وتكوين الساهرين عليها من تقنيين أجانب أجرهم أيضا بالعملة الصعبة.
من أين لبلدان متخلفة مثل الصين وروسيا بالكثير من العملة الصعبة؟؟؟ الحل الوحيد هو التصدير. بطبيعة الحال وجب عليها تصدير ما هي بحد ذاتها في شديد الحاجة إليه من قمح و ذرة ونفط وغاز ومعادن. النتيجة كانت كارثية، ذلك أن نقص هذه المواد الأساسية خاصة الغذائية تسبب في انتشار المجاعة لتحصد ملايين الأرواح البشرية.
عند توفر الآلات يكون الإنطلاق،، التجريبي،، في التصنيع. ذلك أن المنتوجات في البداية تكون رديئة للغاية لنقص الخبرة . فمثلا لم يشتغل أول جرار روسي أكثر من سبع ساعات!! تفككت بعد ذلك كل البراغي وتصدع فولاذ المحرك وانهارت الآلة!! كما حدثنا أستاذ تقنية ألماني عن صديق له اقتنى جرارا صينيا ، تركه يشتغل وانشغل في حديث مع زوجته دام قرابة ال-45 دقيقة، عند عودته وجد الجرار أجزاء متفرقة ومنفصلة عن بعضها البعض نتيجة رداءة جودة البراغي!!!
في هذه المرحلة تطغى المحاكاة. منتوجات مصنعة مستوردة تفكك و تحاكى.البلدان الحديثة التصنيع تكون غالبا بطلة في المحاكاة مثل الصين واليابان في بداية تجربتها وتايوان... النقائص تتدارك ويقع رفع الجودة تدريجيا بمجهودات فردية وبالإستعانة بفنيين أجانب يوظفون كمرتزقة:يكافأون بسخاء مقابل نقل الخبرة والعلم.
في خطوة موازية يقع تكوين التقنيين والمهندسين والمصنعين المحليين في مدارس حديثة وجامعات عصرية لتوفير اليد العاملة والذكاء البشري اللازم.
حتى يبقى مستوى التصنيع عاليا وحتى تستقر الدولة المصنعة الناشئة في السوق العالمية وتصمد أمام المنافسة العالمية انخرطت كل من الصين وروسيا في ماراتون قوي لمحو الأمية و ترسيخ مجتمع جيد التعلم وذو مهارات كما استثمرتا بسخاء في بنيتهما التحتية. كان ذلك سهلا لأنهما دخلتا في التصنيع!!!فقد أصبحتا تنتجان ما يلزم من فولاذ واسمنت وآلات وكل مايلزم محليا دون حاجة للتوريد وإعانة الغرباء.
من خلال تجربة كل من الصين وروسيا نتبين أن الإنتقال من دولة متخلفة ذات اقتصاد غير مصنع: ريعي أو فلاحي إلى اقتصاد مصنع ومتطور ليس صعبا كما توهم البلدان الغربية وأن أصعب العراقيل هو توفير العملة الصعبة الكافية لتوفير الآلات العامة للإنطلاق.
متى توفرت الإرادة الصادقة والفولاذية لساسة بلد ما في الدخول في اقتصاد التصنيع إلا وانفتحت البوابة على مصراعيها كأنك علي بابا تلفظ: سمسم افتح أبوابك!! ما يبدو سحرا واعجازا يستحيل مستساغا وسهلا متى استوعبته وجربته. من درس الإختصاصات التقنية من هندسة وتكنولوجيا وذكاء صناعي ...يدرك أن عالم الآلات والتقنية سهل وفي متناول كل البشر!!!
هناك بلدان عديدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من تمتلك ثروات خيالية من العملة الصعبة تجعلها تهاجر بسهولة الإقتصاد الريعي المبني على عائدات النفط والغاز والمواد الخام المنجمية وعائدات السياحة إلى اقتصاد الصناعات الثقيلة من آلات وسيارات وأسلحة ومحركات دون أن تخسر الملايين من مواطنيها جراء مجاعات كما حصل لروسيا و الصين...بلدان مثل الجزائر وليبيا ودول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر وإيران والعراق...لكن أين هي الإرادة؟ أين هم الساسة الوطنيون الذين يفكرون في صالح المجموعة والأمة؟؟ أين هم الشجعان أمثال ستالين وماوتسي تونغ؟؟
بلدان تمكنت بفضل مساعدات أجنبية مثل إسرائيل من أن تصبح مصنعة و أخرى هي على الطريق الصحيح بفضل إرادة ساستها مثل تركيا.
#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفيقوا يا أمازيغ و انتفضوا!
-
السياسات النقدية بين الحقيقة والوهم
-
كيف نحارب الرأسمالية المتوحشة
-
علي بن أبي طالب، قديس أم مهووس سلطة؟؟
-
دروس من الفتنة الكبرى ونهاية الحوكمة الرشيدة
-
لماذا كل هذا الخوف من طالبان؟؟؟
-
الإقتصاد الريعي
-
ماذا يريد قيس سعيد؟؟
-
ماذا تريد قطر ؟؟؟ok
-
عشر سنوات من حكم التنين الإخواني
-
تونس: كابوس انزاح!!
-
الإستعمار العربي البشع لشمال إفريقيا
-
،،الطاعون،، لألبار كامي أو الحرب ضد الموت
-
رواية ،،الموت السعيد،، لألبار كامي تحليل
-
كيف نصنع مجتمعا ثريا؟
-
سبل التوزيع العادل للثروة
-
مدن الملح ،،بادية الظلمات،، لعبد الرحمان منيف أو تأسيس الممل
...
-
رواية شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف أو أي نوع من الكفاح نحتا
...
-
مدن الملح ،، الأخدود،، تحليل
-
،أولاد حارتنا،، أو،، الله مات،، لنجيب محفوظ
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|