|
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: ما هي العواقب الاستراتيجية
فارس إيغو
الحوار المتمدن-العدد: 7120 - 2021 / 12 / 28 - 17:18
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
إيزابيل لاسير، الفيغارو 13/12/2021. ترجمة بتصرف فارس إيغو بعد الرحيل الفوضوي في نهاية آب (أغسطس) للقوات الأمريكية المنتشرة على مدى عشرين عاما في أفغانستان، بدأ نظام جديد في الظهور. ما هي الدروس بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها؟ الديموقراطيون والجمهوريون نفس المعركة! بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يشككون في ذلك، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أثبت كيف أن تغيير الأولوية الإستراتيجية تجاه المحيطين الهندي والهادئ، في الولايات المتحدة، هو موضوع استمرارية كاملة بين الإدارات الثلاث الأخيرة. لقد بدأ باراك أوباما في إعادة رسم الأولويات الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية عن طريق وضع (المحور الآسيوي) كالأولوية الأولى في السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في السنوات والعقود القادمة. ومع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة عام 2017 قام بتسريع هذا التغّير العميق، في حين أن الرئيس الجديد جو بايدن قام بتأكيده. على الصعيد العسكري ، فإنّ الفشل الأفغاني قام بالقضاء على ((عقيدة كولن باول)) (1) التي وعدت بالنصر من خلال التفوق التقني والقوة العسكرية الساحقة، مع صفر ضحايا في الجانب الأمريكي. يقول الكاتب الأمريكي مايكل بيري المختص بالمسائل الأفغانية: ((هذا الفشل هو تغيير هائل للولايات المتحدة، لأنه يكشف عن نقص عسكري عميق للجيوش. كما أن النموذج الأمريكي بأكمله للديمقراطية والحريات الإنسانية والقيم الأساسية هو الذي تعرض للإذلال)). وأخيرا، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يعلن بداية النهاية للوجود الأمريكي المكثف في كل مكان، والانطلاق نحو استراتيجية جديدة تقوم على إغلاق العديد من القواعد العسكرية في العالم. يقول المحلل السياسي بنجامين حداد مدير الفرع الأوروبي للمجلس الأطلسي: ((إن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت بالفعل عصر ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001)). بينما تفاجئ الحلفاء الأوروبيون لواشنطن من هذا الانسحاب الأمريكي السريع، وكذلك من عدم إعلام الحلفاء الأوروبيون بتوقيته، بالإضافة إلى القلق العميق من تآكل قوة الردع الأمريكية، كل هذه الأمور جاءت بسبب الأثر العميق والدائم لعملية الانسحاب الأمريكي في الجانب الأوروبي. إن الشكوك تتزايد في دول أوروبا على الخصوص، وفي دول العالم على العموم، حول قيمة الوعود الأمريكية. وهناك كثير من التساؤلات بدأ يطرحها العديد من الخبراء في السياسة الدولية، هل ستذهب الولايات المتحدة الأمريكية لحماية تايوان (الصين الوطنية) تجاه تزايد التهديدات الصينية؟ وماذا عن الأمم الصغيرة الحليفة في شرق أوروبا (أوكرانيا ودول البلطيق)؟ وماذا عن الشرق الأوسط في ظل التمدد الإيراني مع تعثر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني؟ ماذا عن مصير أفغانستان! هل ستتحول أفغانستان إلى مقر آمن للجهاديين؟ بحسب آن ـ كليمنتين لاروك المؤرخة الفرنسية الخبيرة بالحركات الإسلامية أن ((انتصار حركة طالبان الساحق ستسمح للأيديولوجية الإسلامية بالتمدد في كامل منطقة الشرق الأوسط)). ومنذ الانسحاب الأمريكي، فإن أفغانستان عادت لتصبح المسرح الجهادي الذي منه تنطلق القاعدة والدولة الإسلامية لكوراسان (الفرع المحلي الأفغاني لداعش) لتتمدد في كافة أنحاء المنطقة المحيطة بأفغانستان. وأما سوزان راين الدبلوماسية البريطانية المتخصصة في الحرب على الإرهاب، فتقول: ((على العكس من الأمريكيين، لا أعتقد بأن حركة طالبان دخلت في عصر ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001)). وبالرغم من وعود حركة طابان خلال المفاوضات التي جرت في قطر، فإن العلاقات مع القاعدة لم تتغير، ولم تقطع. إن رحيل الأمريكيين سيوفر للجماعات الإرهابية المحلية صدى كبير في العالم كله، يمكنها من أن تتمدد من مركزها المحلي إلى إفريقيا الاستوائية (أوغندا، موزامبيق...) وإلى الساحل الأفريقي (1)، مروراً ببلدان آسيا الوسطى المحاذية لأفغانستان. يحذر الخبير الأمريكي مايكل بيري على عكس ما يعتقد المسؤولون الأمريكيون من أنّ ((أفغانستان ليست ثانوية فيما يخص الرمزية الإسلاموية العالمية. على العكس، إنها تمثل ساحة الانتصار))، على القوتين العسكريتين الكبريتين في العالم: السوفياتية (1989) والأمريكية (2021). فالفشل الأمريكي في أفغانستان سوف ينعكس نجاحاً واعداً لكل الخلايا الجهادية في العالم. بينما تنبّه آن ـ كليمنتين لاروك المؤرخة الفرنسية الخبيرة بالحركات الإسلامية من أن ((العرض الأيديولوجي سوف يتنوع، ويتشعب، ويغتني. بينما العرض الجهادي سوف يكسب الرهان في الآخر. اليوم، هناك أعداد من الجهاديين أكثر من عام 2015. في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، لدينا انطباع على أننا في عصر ما بعد داعش. إنها غلطة كبرى. على العكس، نحن في مرحلة جديدة من الدولة الإسلامية الداعشية)). وفي مواجهة تشكل أفغانستان كملاذاً آمناً للحركات الجهادية الإسلامية، فإنّ ىالأمريكيين ليس لديهم الوسائل الكافية لمراقبة ما سيجري في داخل أفغانستان. وتضيف آن ـ كليمنتين لاروك محذرة ((من سيقوم من الآن فصاعداً برفع المعلومات للجهات العليا في المخابرات؟ لن يكون لدينا معلومات مسبقة عن مصادر الخطر القادم)). هل كان الأمريكيون على إدراك كافي بالمخاطر قبل الانسحاب الكارثي من أفغانستان؟ على هذا السؤال يجيب كولن كلارك، مدير مجموعة التفكير الأمريكية حول وسط السودان بالقول: ((كلا. بعد عشرين عاماً من الحرب في أفغانستان، فإن التمويل المالي والقدرات الفنية تغادر ساحة الحرب على الإرهاب لكي تستمر في ساحة المواجهة الحالية والقادمة، أي الساحة الصينية. سوف نقوم بخفض قدرتنا على التنبّه من المخاطر تجاه الحركات الإرهابية)). هل يشكل الانسحاب الأمريكي تشجيع للقوى التحريفية في العالم؟ يبدو أن القوى المجاورة لأفغانستان، وهي الصين وروسيا وإيران، هي التي ورثت عبء إدارة الأزمة في بلد لم تتوقف فيه الحرب الأهلية منذ التدخل العسكري السوفياتي عام 1978 ـ 1989. ولقد بدأت الاضطرابات السياسية في أفغانستان منذ تمّ خلع الملك محمد ظاهر شاه عام 1973 عن طريق الانقلاب العسكري الذي قام به ابن عمه رئيس الوزراء محمد داود خان وقيام جمهورية أفغانستان. بعد أن أنشأ داود الجمهورية الأفغانية في عام 1973، تولى أعضاء من الحزب الديموقراطي الشعبي (وهو حزب شيوعي قريب من الاتحاد السوفياتي) مناصب في الحكومة. في عام 1976، وضع داود خطة اقتصادية للبلاد مدتها سبعة أعوام. استحدث برامج تدريب عسكرية مع الهند وباشر محادثات التنمية الاقتصادية مع إيران. سلّط داود انتباهه إلى دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط مثل السعودية والعراق والكويت من بين دول أخرى للحصول على مساعدات مالية. تدهورت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي أثناء رئاسة داود. إذ رأى السوفيات أن تحول داود إلى قيادة أكثر صداقة للغرب أمر خطير، بما في ذلك ما قام به داود من انتقاد عضوية كوبا في حركة عدم الانحياز وطرد المستشارين العسكريين والاقتصاديين السوفييت المتواجدين في أفغانستان. ساهم قمع المعارضة السياسية الشيوعية في انقلاب الحزب الديمقراطي الشعبي المدعوم من الاتحاد السوفيتي ضد زعامة محمد داود خان، وهذا الحزب كان الحليف المهم في انقلاب عام 1973 ضد الملك. حقق داود في عام 1978 القليل مما اعتزم إنجازه. لم يحرز الاقتصاد الأفغاني أي تقدم فعلي ولم يرتقِ مستوى المعيشة في أفغانستان. تلقى داود الكثير من الانتقادات لدستور حزبه الواحد عام 1977 والذي جعله بمعزل عن مؤيديه السياسيين. بحلول عام 1978 تم تأسيس جمهويرية أفغانستان الشعبية بقيادة الحزب الديموقراطي الشعبي الأفغاني الذي أعلن تطبيق النظام الشيوعي، شعر الأفغان بخيبة أمل إزاء حكومة داود التي «لم تفعل شيئًا». خطّطّ ضباط الجيش المتعاطفون مع الشيوعيين آنذاك للتحرك ضد الحكومة. وفقًا لما ذكره حفيظ الله أمين، الذي أصبح رئيسًا للدولة الأفغانية في عام 1979، بدأ الحزب الديمقراطي الشعبي التخطيط للانقلاب في عام 1976، أي قبل عامين من تنفيذه، وقد رفضت جميع القبائل الأفغانية وعلماؤها النظام الشيوعي، وعند ذلك قامت الحكومة الشيوعية الجديده بمطاردة المعارضين وتصفية بعضهم بالقتل، ودخل الجيش السوفييتي أفغانستان للحفاظ على النظام الشيوعي ومنع السلطة الشيوعية من الانهيار وانقاذ حليفة في ظل المقاومة الشعبية المتنامية ضد الشيوعية في أفغانستان، وأعلنت كل من الصين وإيران والسعودية والولايات المتحدة وباكستان، الوقوف مع القبائل الأفغانية ضد الجيش السوفيتي حتى انسحابة عام 1989. وقد انهار النظام الشيوعي سنة 1992 باستقالة حكومة محمد نجيب الله واعدامه على يد طالبان في 27 سبتمبر/أيلول 1996. ونعرف تتمة الأحداث منذ استلام طالبان السسلطة عام 1996 إلى عودتهم إليها باتفاق مع الأمريكيين برعاية دولة قطر. لقد مضى على الانسحاب الأمريكي عدة أشهر دون أن نشهد أي تحرك مشهدي من طرف القوى المذكورة المحيطة بأفغانستان. بالنسبة لروسيا، سوف يكون تحرك دبلوماسيتها على الطريقة التي أدارت فيها المسألة السورية والليبية مع الانسحاب الغربي النسبي من قضايا الشرق الأوسط، وبالخصوص المشرق العربي منذ إعلان أوباما عقيدته السياسية الجديدية نهاية عام 2016، أي الحديث مع جميع الفرقاء، مع التأكيد على سيادة الدول في نطاق محيطها القومي، وسياسة عدم التدخل لتغيير الأنظمة، وهي السياسة التي تلقى الترحاب في منطقة نشهد فيها جموداً سياسياً، وانعدام الرغبة في التغيير والإصلاح من قبل النخب السياسية الحاكمة. باختصار، تبدو روسيا تتهيئ للعب الدور الجديد لها في الشرق الأوسط الكبير (من أفغانستان إلى المغرب)، أي دور الراعي الكبير للاستقرار السياسي في منطقة شهدت اضطرابات سياسية مستمرة منذ بداية الخمسينيات إلى يومنا هذا. تبدو الأولوية الأولى بالنسبة للقيادة الروسية، هي تدعيم نفوذها على المنطقة المحيطة بأفغانستان في مواجهة المخاطر المتوقعة: الهجرات الواسعة، التطرف الإسلامي، خطر التمدد الجهادي في المنطقة انطلاقاً من أفغانستان، بالموازاة مع زيادة نفوذها العسكري والاستراتيجي للـ ((محيط الخارجي القريب)) حولها (3). بالنسبة للتنين الصيني، الذي يتمتع بقوى اقتصادية ومالية هائلة، فالدبلوماسية الصينية تتحرك منذ الساعات الأولى، وذلك عن طريق تكثيف اتصالاتها السياسية مع القيادة الجديدة في أفغانستان بهدف ملء الفراغ الذي تركه الأمريكان فيما يخص الاستثمارات في القطاع الاقتصادي والمالي في داخل أفغانستان. فالمدخل إلى السياسة والاستراتيجية عند بكين هو الرافعة المالية والاقتصادية القادرة على تحريكها لملء الفراغ الهائل المتوفر مع استلام طالبان السلطة، ولكن الأمر ليس سهلاً، فالقوة الناعمة الاقتصادية تتطلب الاستقرار السياسي والأمني، وهو أمر سيكون من الصعب على الصين القيام به لوحدها دون الأخ الروسي، والتعاون مع باكستان الأخ الإسلامي الكبير لأفغانستان في العهد الطالباني الجديد. يقول الخبير الأمريكي مايكل بيري متأسفاً: ((إن الرئيس جو بايدن برّر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بضرورة التركيز على مواجهة الصين. ولكنه لم يفعل سوى وضع أفغانستان في الحضن الصيني! ونشهد حاليا في أفغانستان عملية إقامة نظام ديكتاتوري أيديولوجي محكم الإغلاق، ومسنود من الجارة الإسلامية باكستان، مع مباركة من الصين وروسيا)) (4). من وجهة نظر عامة، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يترافق مع بداية انمحاء التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير، وأنّ خصوم الولايات المتحدة الأمريكية يقرأون هذا الانسحاب كضعف للغرب، ويشجع القوى الإقليمية في المنطقة على تصليب سياساتها الخارجية. يقول أحد الدبلوماسيين ((من المرجح، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيشجع روسيا على زيادة تهديدتها ضد أوكرانيا، دون أن نستبعد حدوث تدخل عسكري روسي كبير؛ بينما سيدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي في الوقت الذي تستمر فيه في إضاعة الوقت في مباحثات فيينا خمسة زائد واحد)). إن الانطباع الذي يتركه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هو انطباع ضعف واستقالة، ويمكن أن يسفر بعد فترة قليلة من الزمن ع تدخل عسكري روسي في أوكرانيا. أما بالنسبة للصين، فإنه من غير المستبعد من أن تغامر في الهجوم على جزيرة تايوان الصينية (5). ملحق خاص بالترجمة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتأثيره على الأزمة السورية؟ (6) تشعر كل من روسيا وتركيا أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان زاد من فرصهما في الحصول على ما يريدانه في سوريا. والسوريون الأكراد محقون في قلقهم. وهناك سباق بين الروس والأتراك على السيطرة على المناطق شمال وشرق سورية، الروس بحجة الوصول إلى منابع النفط التي تسيطر عليها قسد، والأتراك يريدون قضم المزيد من الأراضي وإضعاف الجانب الكردي في تلك المناطق لدفعهم لتسليم ما تبقى تحت سيطرتهم للنظام السوري. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يجعل حلفائهم ضد داعش الأكراد السوريون في شرق سوريا قلقين جداً. وقد سارع البيت الأبيض إلى طمأنة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بأن الولايات المتحدة لن تشرع في انسحاب مماثل في سوريا. ويمكننا أن نقول أن لا انسحاب للأمريكيين من سولرية على المدى المنظور. لكن الروس سوف يستغلون الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان لزرع الشك في أذهان قادة قوات سوريا الديمقراطية. على الرغم من أن البيت الأبيض ليس لديه خطط لمغادرة شرق سوريا على الفور ولا يخضع لضغوط كبيرة للقيام بذلك، فإن تركيا وروسيا ستحاولان استغلال تداعيات الأزمة في أفغانستان لتعزيز أهدافهما، الأمر الذي قد يؤدي على المدى المتوسظ إلى الانسحاب الأمريكي. ومع ذلك ، فإن قوات سوريا الديمقراطية لديها بعض الأسباب للشعور بالأمل. أولاً، دافع بايدن عن نفسه بشأن أفغانستان، لكنه سيحرص على عدم كسب حملة صحافية جديدة ضده بالتخلي عن حليف آخر. هذا وحده يشير إلى أنه حتى لو كان بايدن يرغب في مغادرة سوريا، فقد ينتظر حتى تهدأ الانتقادات حول كابول. ثمّ إن 900 جندي أمريكي تم نشرهم لدعم قوات سوريا الديمقراطية، وفي مناطق تقريباً محمية جيداً، ليس كالوجود الأمريكي في أفغانستان بأعداد كبيرة، وفي مواقع خطرة، ولا ننسى الهجوم الذي تعرصوا خلال انسحابهم حول المطار، والذي أدى إلى مقتل العشرات من الجنود الأمريكيين. ثم هناك البعد الإقليمي، والعامل الإيراني. يريد الحلفاء الرئيسيون في المنطقة (دول الخليج العربي بالخصوص، ودول عربية أخرى لا تصرح علناً بذلك) أن تبقى الولايات المتحدة في شرق سوريا لأن الانسحاب سيدفع هذه الدول نحو محاولة التقرب من إيران وروسيا، مع مزيد من تقوية التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل. في هذه الأثناء ، سوريا هي مسرح نائم الآن بعد أن تم تدمير خلافة داعش إلى حد كبير، ووقف العمليات في المناطق الأخرى بأمر روسي، لذلك تظل الخسائر الأمريكية منخفضة ويتم ممارسة ضغط أقل على بايدن للمطالبة بالانسحاب. أما ىالاستراتيجية الروسية القادمة، فيتمثل أحد أهدافها طويلة المدى في تسليم شرق سوريا إلى النظام السوري، الأمر الذي من شأنه أن يمنح اقتصاد دمشق المتعثر إمكانية الوصول إلى حقول النفط التي تشتد الحاجة إليها. ولكن على عكس إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، والتي يبدو أن الرئيس الأسد وموسكو مصممان على توليها عسكريا، يبدو أن استراتيجية روسيا في الشرق مقنعة. من الناحية المثالية ، تريد أن تتوصل قوات سوريا الديمقراطية إلى حل وسط مع الأسد وتطلب من الأمريكيين المغادرة. ليس الأمر مستبعدًا. كان لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي علاقات جيدة مع الأسد وروسيا قبل الحرب الأهلية السورية، وهناك فصيل يرى مستقبل القوات الديمقراطية تحت حماية دمشق وموسكو بدلاً من واشنطن. في الواقع ، عندما سمح ترامب لتركيا بغزو البلاد في عام 2019، تحولت قوات سوريا الديمقراطية على الفور إلى موسكو، التي تفاوضت على وقف إطلاق النار مقابل مواقع للقوات الروسية والأسد في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. تساعد أنشطة تركيا أيضاً روسيا على دفع قوات سوريا الديمقراطية لتغيير مواقفها. ترى أنقرة بشكل متزايد أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو مشكلتها الأولى في سوريا، حيث تنحسر هزيمة الأسد والدفاع عن المعارضة الإسلامية المسلحة من قائمة أولوياتها في سورية. وقد تكون أنقرة منفتحة على بعض الاتفاقات المحتملة بين الأسد وقوات سوريا الديمقراطية وروسيا، طالما أن ذلك يعني نزع سلاح أو تحييد حزب الاتحاد الديمقراطي. هناك بعض المؤشرات على أن الأمريكان سوف يبدون بعض المرونة في التعاطي مع العقوبات. ففي الآونة الأخيرة، تم إعفاء صفقة غاز بين مصر والأردن وسوريا ولبنان من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر. قد لا يكون الإبقاء على القوات الأمريكية في شرق سوريا لحرمان النظام السوري من النفط حافزاً قوياً لإدارة بايدن كما كان الأمر في السابق مع إدارة ترامب. بالنتيجة، لا يبدو أنّ هناك انسحاب متوقع في العام القادم للولايات المتحدة من سورية، ولكن الروس سيكررون محاولاتهم الدؤوبة لدفع الأكراد السوريون نحو اتفاق يضمن عودة سيطرة النظام على آبار النفط في محافظتي دير الزور والحسكة في غياب أي مؤشر لرغبة الغرب في المساهمة في إعادة إعمار سورية في غياب حل سياسي للأزمة السورية. الهوامش (1) تقتضي عقيدة كولن باول أن اللجوء إلى القوة العسكرية هو الملاذ الأخير بعد استنفاذ كل الوسائل السياسية والدبلوماسية. أما في إذا اقتضى الأمر هذا اللجوء إلى الحل العسكري فينبغي نشر الحد الأقصى من القوة اللازمة لإخضاع العدو بسرعة لتقليل الخسائر الأمريكية، كما يجب الحرص على وجود دعم شعبي كبير. (2) ما هو الساحل الأفريقي؟ هو المنطقو الممتدة من المحيط الأطلسي في جنوب إفريقية والمسماة الكاب الأخضر، إلى أريتيريا على البحر الأحمر. ويخترق هذا الشريط الطويل عدة بلدان أفريقية: جنوب أفريقية، السنغال، موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، الجزائر، النيجر، التشاد، الكاميرون، السودان، وأخيراً أريتيريا على البحر الأحمر. وأحياناً، يضاف إليها بلدان القرن الأفريقي: جيبوتي، أثيوبيا، الصومال. الفضاء الانتقالي بين الصحراء الكبرى ، من الشمال ، والمنطقة السودانية، إلى الجنوب ، والساحل تعني بالعربية (الشاطئ أو الحدود). والمنطقة هي على شكل شريط يبلغ طوله حوالي 5500 كيلومتر وعرضه من 400 إلى 500 كيلومتر. وهي موجودة في حوالي عشر دول أفريقية، من مصب نهر السنغال إلى الجزيرة السودانية (النيل الأعلى)، أي ما يقرب من 3 ملايين كيلومتر مربع. تتميز منطقة الساحل بطول موسم الجفاف (من ثمانية إلى تسعة أشهر)، وهي ليست لكل هذه الأسباب الصحراء المادية والبشرية. لقد تكيفت النباتات والناس والحيوانات والأنشطة بالفعل مع هذه البيئة الصعبة، مع الأخطار المناخية الشديدة، فضلاً عن تقلب توافر المياه. لكن هذه المنطقة لا تزال معرضة بشكل كبير، لا سيما لفترات الجفاف التي تضاعفت في نهاية القرن العشرين والتي غالبًا ما تكون عواقبها كارثية على القطعان والسكان. تم تصنيف منطقة الساحل اليوم بين أفقر المناطق وأكثرها هشاشة في العالم، لكنها شهدت منذ القرنين الحادي عشر والثاني عشر حياة مكثفة قائمة على التبادلات، مما يجعل الرابط بين شمال إفريقيا وساحل غرب إفريقيا. هناك إمبراطوريات وممالك قوية نشأت تاريخيا فيها. لكن منطقة الساحل في بداية القرن الحادي والعشرين ساءت وضعها بسبب الزيادة الكبيرة في عدد سكانها، مما شكل تحديات هائلة، لا سيما فيما يتعلق بالاكتفاء الذاتي من الغذاء. في هذا الفضاء الذي يمر بأزمة، يكون المستقبل غامضًا للغاية ويدعمه بشدة تغير المناخ. على الرغم من أن مشاريع التنمية قد تضاعفت هناك (أعمال المنظمات غير الحكومية، وأعمال الري الرئيسية، وما إلى ذلك) لتأمين السكان، فإن المنطقة لن تتجنب حركات الهجرة الكبيرة، وكذلك تواجد الجماعات الجهادية (مثل القاعدة، الدولة الإسلامية)، وجماعات التهريب المختلفة. (3) ولقد وفرت الإدارة الذكية والماكيافيلية للأزمة العسكرية في منطقة ناغورني كارباخ للروس مزيد من السيطرة الاستراتيجية على المحيط الخارجي القريب منهم. (4) هناك رأيان في الولايات المتحدة الأمريكية بين المختصين بالشؤون الدولية، بين من يقولون بأن الانسحاب من أفغانستان هو لإشغال روسيا والصين بالملف الأفغاني الصعب، ومن يقول (أمثال مايكل بيري)، بأن هذا الانسحاب هو إضعاف للموقف الأمريكي مقابل الصين وروسيا. وفي اعتقادي، أن الرأيين مخطئين في قراءة الحدث الأفغاني، فالانسحاب الأمريكي أصبح ضرورة، لأن الوضع في أفغانستان لم يعد يحتمل مع فشل كل المحاولات الأمريكية لبناء دولة ـ أمة هناك في السنوات الأولى للتدخل الأمريكي؛ بينما كانت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تنغمس في الوحول الأفغانية وفي الفساد المستشري في كل مكان، مع تحوّل طالبان في الأشهر الأخيرة إلى دولة داخل الدولة، تنخر مؤسسة الجيش والشرطة، وتسيطر على ثلث البلاد سيطرة كاملة أو جزئية. أما بالنسبة لنشاط الجماعات الجهادية في أفغانستان، فإن الأمريكيون سوف يلجؤون للحد من تمددهم إلى الضربات الجوية من مسافات بعيدة باستعمال الطائرت الخفيفة (الدرون)، كما حدث بالفعل في اليمن وباكستان وسورية والعراق وأماكن أخرى. (5) هي نوع من التهويلات التي تصدر عن أنصار استمرار الحرب الباردة في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، فأوكرانيا وتايوان ليستا أفغانستان. (6) كريستوفر فيليب، سورية: بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هل جاء الدور للانسحاب من سورية، 17/10/2021، موقع عين على الشرق الأوسط.
#فارس_إيغو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكيك دعوى غياب الكهنوت في الإسلام؟ (الشيخ محمد عبده مثالاً)
-
المعارضة السورية الجديدة، هل فعلاً من جديد؟
-
الفلسفة في علاقتها مع العلم
-
انقلاب دستوري في تونس
-
محنة المثقف في العالم العربي والإسلامي (نصر حامد أبو زيد نمو
...
-
قصة المجلس الوطني لإعلان دمشق (القسم الثاني)
-
قصة المجلس الوطني لإعلان دمشق عام 2007 (إصلاح المعارضة السور
...
-
هل كنا ساذجين؟ المعارضة السورية 1970 2020 (الجزء الأول)
-
الغرب بين الإندماج والإدماج التماثلي
-
تطور مفهوم الأيديولوجيا عند المفكرين الماركسيين
-
المشكلة في تعريف السياسة!
-
نثرات مناهضة للعولمة ((السوقيّة))
-
الأيديولوجيا واليوتوبيا
-
الأمة ضد القوميّة الغاضبة
-
ريجيس دوبريه: الكتاب المتشائمون يكتبون جيداً
-
محاولة لفهم ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكيّة
-
الإنترنيت والنهاية السريعة لإحدى السرديات الكبرى للحداثة الف
...
-
لا يمكن أن نُغِيِّر قبل أن نَتَغيَّر!
-
الشك المؤمراتي والنظرة النقدية
-
فلسفة التاريخ الإسلامي عند مالك بن نبي ووهم العودة الثانية ل
...
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|