|
الليبرالية العربية -3 رد على د.شاكر النابلسي
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 09:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الرد هنا لايأتي نقضا ولا نقدا فقط للفكر الذي يطرحه أستاذنا الدكتور شاكر النابلسي في مقالته الأخيرة على موقع الحوار المتمدن والمعنونة [ أمريكا الهبلة 29/8/2006 ] بل ربما تعميقا للحوار واستفادة منه ومن الفكر السياسي للدكتور النابلسي كعلم من أعلام الليبرالية العربية الراهنة. خصوصا أنني في سياق كتابة مجموعة مقالات عن الليبرالية العربية الراهنة. والتي يشكل غياب مفهوم التعايش حجرها الأساس في دعوتها الليبرالية. هذا في الواقع ما يثير الاستغراب من الفكر الليبرالي العربي في هذا الزمن الذي هو زمن قحط في الحقيقة حيث تضيع المفاهيم والرؤى في ظل انهيار حاد للنظم المعرفية والسياسية والثقافية في هذه المنطقة الأخطر في العالم : منطقة النفط والسجون والإرهاب المنظم وغير المنظم، والمعايير المتهتكة في الحكم وانتاج آليات الحكم على الظواهر السياسية والفكرية، والثقافة الضحلة في الحقيقة وغير القادرة على أن تترجم إلى مواقف سياسية من طبيعة عقلانية بالدرجة الأولى وليس لها صفة التأسيس ذو الديمومة ! والضحالة في الثقافة ليست ناتجة عن قلة إطلاع ومعرفة وبحر من الأيديولوجيا المنتقاة بعناية، بالعكس تماما فلا أحد يشكك بسعة إطلاع وثقافة رموز الليبرالية العربية الراهنة، بل وبالعكس تماما أيضا فهم على سعة إطلاع لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على البقاء في منطقة التفاصيل في هذا الواقع العربي والشرق أوسطي بكل تعقيداته وحمولته على كافة المستويات. إن الانخراط في التفاصيل هو الذي يجعلنا نشتق مستقبلنا من خلاله، لأنه من نافل القول ان الحداثة التي يبشر بها الليبراليون لن تأتي إلا مشروطة لتفاصيل واقعنا وفي سياق تدخل الإرادات البشرية / سياسية ثقافية أيديولوجية مصالح..الخ / هذه الإرادات التي هي جزء من واقعنا !! والذي ليس لدينا حتى الآن واقع غيره، من أين نأتي بجماهير تدعم طرحنا الليبرالي ؟ أليس من هذا الواقع نفسه ؟ وكيف نجعل هذه الجماهير تتبنى حمولتنا الليبرالية ؟ وكيف نتحول إلى جزء رئيسي وأساسي من ميزان القوى اللازم للتغيير الديمقراطي في المجتمع أمام هذا الهول الديني والتخلف الثقافي كما يراه الدكتور النابلسي في أكثر من مقالة له، ولكن مقالته هذه تحمل وجهان من أخطر ما تواجهه الليبرالية الجديدة وهما وليعذرنا الدكتور : الوجه الأول : بصاق على الذات الجمعية العربية والذي يتداخل مع الوجه الثاني : تعظيم الآخر المحرر وتنزيهه عن مصالحه وأخطائه القاتلة وخصوصا في العراق والتي دفعنا وسندفع ثمنها إلى أجل غير مسمى نحن الذين نريد تغييرا حقيقيا وديمقراطيا لمجتمعاتنا المنكوبة بسلطات لقيطة، لقيطة في كل شيء وهذا أيضا الجزء الأكثر مأساوية في تفاصيل واقعنا : فهي سلطات دولة وسلطات مشخصنة، دول قانون ولا قانون، دول مدنية وما قبل مدنية..الخ نحن الذين كنا ولازلنا مع تحرير شعوب هذه المنطقة أصبنا بنكسة مريرة جراء هذا التعجرف البوشي الرامسفلدي النفطي في التعاطي منذ البداية مع الوضع العراقي وقد اعترف الدكتور بلاعقلانية السلوك السياسي لهذه الإدراة وهذا يسهل علينا الحوار، ويجب ان نعترف بهذه النكسة لأنها بفضل هذا الفعل السياسي الخلاق !! لإدارة بوش والنظم الأقليمية المضادة للتغيير، تحولت هذه النكسة إلى جزء من تفاصيل هذا الواقع جزء تستفيد منه قوى الممانعة العربية / السلطوية بالطبع من أجل أن تؤكد أنها هي البديل الصح ولسان حالها الذي بات يردد على مسامع أجيالنا : أرأيتم ماذاحدث في العراق، لهذا لم يعد هنالك مواطن واحد قادرا على أن يغامر ويقبل أن يحدث في وطنه ما حدث في العراق. رغم إيماننا العميق بأن ما يجري من تحولات له جانب موضوعي ويتعلق بروح العصر الذي مهما فعلت قوى الممانعة العروبية والإسلاموية لن توقفه رغم كل الكارثة العراقية. وبالعودة لمقال الدكتور بعد أن حلل في المقدمة ما جرى في العراق وحمل المسؤولية الأساسية للإدارة الأمريكية ونظم المنطقة عاد في الجزء الأخير ليقول ـ نعتذر على إيراد هذا المقطع الطويل نسبيا من المقال لكي لا نشوه المعنى يقول الدكتور بالحرف [ أما وقد لم تعد للعرب – في مجملهم - ثقة بالقرار الأمريكي والفعل الأمريكي، فاعتقد أن على أمريكا أن تترك الشرق الأوسط لحاله وماله وباله، وتنسحب من هذا الشرق التعيس، الذي لا يرغب لا في الإصلاح ولا في حمل السلاح (سلاح الفكر والعلم)، ويريد من العالم أن يتركه وحده كما فعلت الإمبراطورية العثمانية فيه، خلال أربعة قرون من حكمها للشرق الأوسط عن طريق المراسلة والانتساب وليس الالتصاق والالتحام الفعلي. فهؤلاء العرب كما وصفهم الروائي السوري هاني الراهب مثلهم كمثل حبات الرمل، تتقارب من بعضها بعضاً، ولكنها لا تلتصق ببعضها أبداً. وهذا الشرق كالدوامة التي تبتلع الأشياء وبشكل لا نهائي. وهذا الشرق كما وصفه المفكر الكويتي الليبرالي أحمد البغدادي في مقاله ( السيد الرئيس: إنه الشرق، جريدة "السياسة"، 7/8/2006)، "بأنه ينتفخ ويتورَّم بفعل ابتلاع الأشياء التي تمر عليه، وهو واثق أن لا شيء يؤثر فيه. فالشرق ببساطة محصن ضد كل شي. فهو لا يتغير مهما تغيرت الدنيا". وأثبتت الحالة العراقية ذلك. لقد ضاعت أموال دافعي الضرائب الاميركيين في رمال الشرق، وفي جيوب شيوخ القبائل، وحسابات الارهابيين. ويتساءل أحمد البغدادي منكراً على الإدارة الأمريكية (الهبلة) هذا الجهد الضائع في العالم العربي بقوله: ترى هل حفظ لك الكويتيون جميل تحريرهم من الاحتلال العراقي؟ ] إن هذه النظرة الأنثروبولوجية والتي سنأخذها فقط على محمل الرد الانفعالي والذي يحمل في طياته شيئا من اليائس ! ولن نأخذه في سياقه الأنثروبولوجي استشراقيا في تبخيس للآخر الذي عجزنا عن تحضيره !! لأنه سيدخلنا في نقاش نظري لا نتطاول فيه على الدكتور النابلسي. وهنا يأخذ الدكتور الموقع الاستشراقي في تأكيده أن هذا الشرق غير قابل للإصلاح مطلقا، فلتتركه أمريكا لحاله وباله وأمراضه وسلطاته ! وهل يقبل الدكتور أن تترك شعوبنا لسلطاتها، ما الذي يحدث في شعوبنا عندها ؟ ولاحظ المثال الأخير ياسيدي : أليس الملك المصري هو منخرط في سياق العولمة الأمركة ؟ إنه سيقوم بسابقة يريد توريث نجله وهو على قيد الحياة ! كيف ستتعلم شعوبنا المعنى الفعلي من تداول السلطة في حال أن مصر الدولة الأكثر حرية ستقوم بهذا الفعل ! وهل في هذه الحالة يتحمل الشعب المصري هذا التشبث المرعب في السلطة ولو على حساب أي شيئ ؟ وهل يعتقد الدكتور في حال تمت هذه الخطوة ستتم بلاغطاء غربي ؟ ومثل آخر : في ذروة الحرب المجرمة على لبنان ورئيسنا الشاب حامل مشعل المقاومة يصدر تعليماته لإعطاء البنك ـ بنك بيبلوس ـ الذي يملك ابن خاله جزء مهما ـ أعتقد 20% ـ من رأسماله حصرية التصدير والاستيراد من سوريا وإليها لمدة ستة أشهر، وهي التي كانت من اختصاص المصرف التجاري السوري والذي هو ملك للدولة !! ومر القرار على طريقة المثل الشامي [ لا من شاف ولا من دري ] ماذا سيفعل الشعب المصري أكثر من أن يتظاهر ويحتج..الخ أم تريده أن يحمل السلاح فعلا ليواجه من يقررون مصيره عنه ويقررون من سيخلف من ؟ في حكمهم ؟ألا تجد أن الشعب المصري يتعلم الحرية سريعا ويشكل قوى مجتمعه المدني بصورة راقية نسبيا رغم التشديد الأمني نسبيا للملك المصري ! وانا لا أقارن بين تجربة مصر وأي دولة عربية أخرى لأنها لاتقارن. لا يوجد ياسيدي شعب في العالم ولا حتى الشعوب الأوروبية صاحبة الفضل في هذه الحضارة قد ولدت تفهم معنى الليبرالية والحرية بل تعلمت الحرية في آتون الدم أيضا ما عدا بريطانيا التي شاءت الإرادة الملكية فيها كإرادة سلطة أن تقوم بهذا الانتقال السلمي من الملكية الكنسية المطلقة إلى الملكية الدستورية العرفية. أما سياسيا فانسحاب القوات الأمريكية في هذه المرحلة يعد كمن يهيء لمجازر ليس في العراق وحسب بل في كل المنطقة العربية، وعلى العكس يجب أن يتم تحويل هذا التواجد إلى تواجد باسم الأمم المتحدة. هذا الانسحاب الذي يطالب فيه الدكتور على أرضية : هؤلاء شعوب متخلفة أتركوهم في تخلفهم يموتون جوعا وطوائف وأديان وأرهاب وجحود ـ من خلال إيراده لمقولة الدكتور البغدادي في تساؤله عن أن الشعب الكويتي لم يحفظ جميلا للأمريكان الذين حرروهم من صدام..الخ ياسيدي : الحرية لا يمكن تعلمها إلا في جو الحرية وهذا هو المتكئ السلطوي العربي أن هذه الشعوب لا يمكن لها أن تكون ديمقراطية !! لتعط هذه السلطات الحرية وعندها نرى ؟ أما أن تحطم الدولة كما حدث في العراق وتسلمها لكل أنواع الآيات والعلماء وشيوخ العشائر..الخ وبعدها نقول أن الشعب العراقي لا يمكن له تعلم الحرية ! إنه وجه آخر للمأساة ياسيدي. هذا هو واقعنا وإن من يريد مساعدتنا يجب أن يتفهم هذا الواقع جيدا لا أن يبحث أولا عن كيفية حماية برميل النفط وبعدها ليأت الطوفان وهذا ما حدث آتى الطوفان لكنه لم يأت بماء لأرض العراق التي صحرت !! بل آتى بدم العراقيين والجنود الأمريكيين هؤلاء هم فعلا ضحايا وشهداء إن أردت، ونشكر أيضا دافع الضرائب الأمريكي الذي تحدثت عنه، ولكن ليس ذنب شعوبنا أبدا، شعوبنا التي لازالت ترزح تحت ثقافة نظم لقيطة أخذت من الغرب أسوأ مافيه ومن الشرق أسوأ ما فيه كي تنهب وتأمر وتنهي وتنفل وتتعامل مع شعوبنا كأرتال تهتف. وعلى مرأى ومسمع العالم الحر !! هذه هي تفاصيلنا وعلينا كما قال الراحل سعد الله ونوس في دفاعه عن فيلم لم يعرض حتى الساعة منذ أكثر من ثلاثين عاما يصور فيه يوم في قرية في شمال سوريا يقول : ليس مثقفا من لا يلوث أصابعه في طين هذي البلاد. وليس أهم من مفهوم التعايش يجعلنا نلوث أناملنا في طين بلداننا كي لا ننفصل عنها أنثروبولوجيا ! ولا أريد الحديث عن مفهوم التعايش نظريا ولكنني أود فقط أن أشير أنه مفهوم مرتبط بالعمل على الحرية وخلال هذه الحرية تتعلمه شعوبنا بالممارسة. وأشكر الدكتور لأن دوما مواضيعه حية لأنها تحاول على الأقل إزالة الأقنعة عن هذا الواقع المر والمؤلم ولنا في سعة صدره كرما. المقال على هذا الرابط
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=74180
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيران دولة جارة وسلطة جائرة
-
أسئلة باردة في زمن ملتهب
-
قانا والنظام العربي
-
الانفال والارتال ميزة النظم القومية
-
إنها نغمة ثابتة وما تبقى كله تكتيك
-
الاستقطاب منطق الأيديولوجيا ...شر لابد منه
-
قراءة ثانية في خطاب الأسد
-
قراءات في خطاب السيد الرئيس
-
خراب البصرة شرط بقاء السلطة
-
الهمجية الإسرائيلية وتخلف الفكر المقاوم
-
القرار 1696 والتحول الروسي الصيني إزاء الملف الإيراني
-
إيران وسوريا تقاتلان بآخر لبناني ..يجب ألا تخرج إسرائيل منتص
...
-
إيران وسوريا تقتلان بآخر لبناني ..يجب ألا تخرج إسرائيل منتصر
...
-
أطفال لبنان وفلسطين ..هلوكوست آخر
-
بين روما وبنت جبيل ضياع الإنسان
-
الجريمة في لبنان ومواقف المعارضة السورية
-
عذرا بيروت ..مرة أخرى نخذلك
-
حزب الله يقاوم ولبنان في قفص الجريمة
-
المؤتمر القومي العربي
-
وأخيرا ...حقوق الإنسان !!
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|