|
تقييم مخاطر الفساد وإدارتها
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 7120 - 2021 / 12 / 28 - 00:54
المحور:
الفساد الإداري والمالي
يكمن الهدف من عملية تقييم المخاطر وإدارتها في وضع مجموعة من الإجراءات التي يمكن للمؤسسة اتخاذها لمنع الفساد وكشف مؤشراته.
تقييم بيئة العمل
تتمثل الخطوة الأولى في أن يقوم الفريق العامل بالتفكر في العوامل الخارجية التي تصوغ سلوك المؤسسة وسلوك موظفيها والصلاحيات التي تتمتع بها المؤسسة إزاء هذه العوامل، والقيود التي تواجهها في ممارسة تلك الصلاحيات. يكثر الفساد في البيئات الخصبة له مثل حقل الصحة والعقود والمشتريات على اختلاف أنواعها والجهات التي تشرف وتمارس تطبيق العقود.
وينبغي للفريق العامل، لدى دراسة السياق الخارجي، أن ينظر في طائفة واسعة من العوامل التي تؤثر على المؤسسة، بما في ذلك البيئة القانونية والتنظيمية والمالية والتكنولوجية والاقتصادية والطبيعية والتنافسية. وعلى مستوى المؤسسة العمومية، من المرجح أن تتمثل أهم العوامل الخارجية في العوامل القانونية والسياسية. فما هي القوانين التي تحكم عمليات المؤسسة؟ وما هي الصلاحيات التي تمنحها هذه القوانين للمؤسسة؟ ومن يشرف على المؤسسة؟ هل البرلمان أو المؤسسة العليا أم الهيئات الرقابية هو من يقوم بمراجعة الحسابات أو المحاكم أو هيئة أخرى؟ وكيف تؤثر رقابة تلك الجهات على العمليات؟
ويجوز للفريق العامل أيضا أن يستشير مراجعا أو مفتشا داخليا، أو هيئة خارجية لإنفاذ القانون أو مكافحة الفساد، بشأن قضايا الفساد أو الشكاوى المتعلقة بعمليات المؤسسة. ورهنا بالسياق، يمكن أن تشمل المصادر الأخرى التي يمكن الاستفسار منها أصحاب المصلحة المعنيين بالمؤسسة أو جماعات المجتمع المدني أو وسائل الإعلام.
تقييم كيفية تأثير العوامل الخارجية على خطة المؤسسة للتخفيف من آثار الفساد
ما هي القوانين التي تحكم عمليات المؤسسة، وما هي الصلاحيات التي تمنحها تلك القوانين للمؤسسة؟ • ما هي الهيئات الحكومية التي تشرف على المؤسسة؟ هل هو البرلمان أو ديوان المحاسبات أو المحاكم؟ • كيف تتعامل هذه الهيئات مع البلاغات المقدمة عن الفساد؟ • من يحقق في مزاعم الفساد؟ هل هو مفتش داخلي، أو الشرطة، أو هيئة مكافحة الفساد؟ • من هم أصحاب المصلحة في المؤسسة؟ • هل تتفق مصالح أصحاب المصلحة مع مصالح المؤسسة؟ • ما هي جماعات المجتمع المدني التي تراقب سلوك المؤسسة؟ • ما مقدار التغطية الإعلامية التي تحظى بها المؤسسة؟ • ما مدى الالتزام بالقواعد والمؤسسات الرسمية؟ • هل تؤثر المؤسسات غير الرسمية على عمليات المؤسسة أو على سلوك أصحاب المصلحة فيها؟
والمسائل الرئيسية، التي ينبغي النظر فيها في كل تقييم تقريبا، هي تساؤلات تتعلق بالقوانين واللوائح التي تحكم تعيين الموظفين العموميين وترقيتهم وإنهاء خدمتهم وسلوكهم، وكذلك قوانين النزاهة ومكافحة الفساد التي تُعنى بتضارب المصالح: هل الموظفون مطالَبون بالإفصاح عن مصالحهم المالية؟ هل لدى المؤسسة مدونة للأخلاقيات؟ هل هناك قنوات للإبلاغ عن وقائع الفساد المحتملة، وهل توجد تدابير حماية للمبلِّغين عن المخالفات؟ ما هي القواعد التي تحكم إدارة المال العام والمراجعات الداخلية والخارجية للحسابات؟
العوامل التي تشكل بيئة الرقابة الداخلية للمؤسسة :
-1 النزاهة الشخصية والمهنية للموظفين، بما في ذلك دعم الضوابط الداخلية -2 الالتزام بالكفاءة -3 فلسفة الإدارة وأسلوبها )الإدارة العليا كقدوة يُحتذى بها( -4 الهيكل التنظيمي -5 سياسات وإجراءات الموارد البشرية
تحدد المبادئ التوجيهية الحالية للرقابة الداخلية لمؤسسات القطاع العام، الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة، خمسة عوامل تشكل أساس بيئة الرقابة الداخلية لأي مؤسسة. وتُبرِز المبادئ التوجيهية المدرجة في الإطار الكيفية التي توفر بها هذه العوامل الخمسة الانضباط والهيكل المناسب، وكذلك المناخ الذي يؤثر على النوعية العامة للرقابة الداخلية . ومن شأن نشوء مواطن ضعف في أي منها أو ثغرات في تطبيقها أن تصبح المؤسسة عرضة لخطر كبير من حدوث شكل من أشكال الاحتيال أو الفساد.
ومن المزايا الرئيسية للتقييم الذاتي أن القائمين عليه يرجَّح أن يكونوا على اطلاع جيد بالسياق التنظيمي بحيث لا يلزم سوى وقت ضئيل لاستعراضه. وحيثما يكون القصد من ذلك على وجه الخصوص تنفيذ محاولة أولى متواضعة لتقييم مجموعة غير معقدة من المشاكل، يمكن معالجة هذه الخطوة بسرعة.
تحديد مخاطر الفساد المحتملة
يراد من الخطوة الثانية من العملية تحديد أنواع مخاطر الفساد التي تتعرض لها المؤسسة أو التي قد تتعرض لها. وأثناء هذه الخطوة، يدرس الفريق العامل المهام التي تؤديها المؤسسة ويحدد المواضع التي يمكن فيها لشخص غير شريف أن يستفيد من الأعمال غير المشروعة.
ويعتمد أعضاء الفريق على ما يعرفونه عن عمليات مؤسستهم. ومن المفيد في كثير من الأحيان أن يستكملوا معارفهم ويرسخوها من خلال المقابلات التي تجرى مع الزملاء ومجموعات التركيز واستعراضات الوثائق.
ويوصى بأن تتخذ عملية تحديد مخاطر الفساد شكل جلسة لتطارح الأفكار، حيث يتبادل أعضاء الفريق العامل الأفكار بحرية لإعداد قائمة بمخططات الفساد التي يُحتمل أن تكون المؤسسة عرضة لها. ومن الأساليب المتبعة في هذا الشأن مطالبة الفريق العامل بالتفكير بعقلية اللص ؛ أي مثل شخص يرغب في الحصول على مزية من خلال التهرب من الإجراءات أو المتطلبات القانونية.
ويمكن تحديد نقاط الضعف ومخاطر الفساد على مستوى المؤسسة بعدد من الطرائق، بما في ذلك ما يلي:
• تحديد المجالات ذات الأداء الضعيف في المؤسسة ، مثل ذلك الإدارات التي تقل فيها الأموال المحصلة عن الحصيلة المتوقعة في ضوء الاتجاهات التاريخية، أو وحدة يقل فيها عدد التراخيص أو التصاريح أو الخدمات الأخرى المقدمة عن المعتاد. وتشمل المسائل المتعلقة بالمشتريات المجالات التي تكون فيها نوعية السلع أو الخدمات أو أعمال التشييد المسلَّمة متدنية بدرجة غير معقولة، أو يكون السعر فيها مرتفعا بشكل غير معقول . وقد توفر الشكاوى أو التصورات المتعلقة بالمحسوبية أو إساءة استعمال المنصب هي أيضا مؤشرا على الوجهة التي ينبغي التركيز عليها.
• يمكن إجراء استعراض بعض السيناريوهات النموذجية لوقائع الفساد ، على أن يراعى الحذر البالغ في تناولها لأنها يمكن أن تدفع إلى إجراء مناقشات تضاف إلى مناقشات جلسة تطارح الأفكار )أو يستعاض بها عنها). هذه بعض الأشكال الشائعة للاحتيال المتعلق بالموجودات والفساد:
القشد: تؤخذ المبالغ النقدية من المؤسسة قبل تسجيلها. على سبيل المثال، يحتفظ موظف في مؤسسة مهمته جمع رسوم الدخول إلى أحد المتنزهات بجزء من المال.
السرقة: تؤخذ المبالغ النقدية بعد تسجيلها. وتتسم هذه العملية بكونها أكثر تعقيدا من القشد، ويمكن أن تنطوي على تسجيل الاستلام في حساب مختلف واستحداث قيد كاذب لإخفاء السرقة. وعند تقسيم المسؤولية عن تلقي الأموال وتسجيلها بين شخصين، فلا بد أن يتورط شخصان على الأقل في ارتكاب الجريمة.
المدفوعات الاحتيالية : يُدفع المال عن سلع لم تسلَّم أو خدمات لم تنفَّذ. على سبيل المثال، يستأجر موظف صديقا لرش مبيد الحشرات في عطلة نهاية الأسبوع. ولا يؤدي الصديق هذا العمل أساسا ولكنه يقدم فاتورة بالخدمات المقدمة.
كشوف المرتبات: ترد في جدول المرتبات أسماء أفراد لا يأتون إلى العمل أو قد لا يكون لهم وجود أساسا. ويطالب الموظفون بأجر عن عمل إضافي لم يُضطلع به.
بدلات السفر والإقامة اليومية: يطالب الموظفون باسترداد نفقات تتعلق بسفريات لم تُنفَّذ أو يقدمون فواتير بنفقات سفر مبالَغ فيها. ويقدم موظفو الفنادق في بعض البلدان بانتظام فواتير مزورة أو مبالَغ فيها مقابل أجر.
سرقة المخزون: لا يبلَّغ على نحو سليم عن اللوازم المكتبية والأثاث وغيرهما من الأصناف التي يمكن بيعها بسهولة عندما تتسلمها المؤسسة أو يُتلاعَب بالسجلات بعد الاستلام.
المزالق المطلوب تجنبها:
عند وضع قائمة بمخاطر الفساد، تتضمن بعض المزالق الشائعة التي يجب تجنبها ما يلي:
وهم الضمان :
كثيرا ما يكون هناك افتراض بأنه عندما تتوافر ضمانات كافية للحماية من المخاطر، ينبغي عندئذ استبعاد تلك المخاطر من القائمة. بيد أن معظم مخططات الفساد تتحقق عندما يتجاهل الناس الإجراءات القائمة وينتهكون القواعد الموجودة. ولذلك، فإن مجرد وجود أحد الإجراءات لا يضمن الحماية من مخططات الفساد التي يستهدف هذا الإجراء مكافحتها أو التخفيف من حدتها.
التفكير الجماعي وهيمنة كبار السن:
خلال جلسات الفريق العامل، يمكن أن يترسخ التفكير الجماعي. فالرغبة في الانسجام أو التوافق في الآراء يمكن أن تدفع المشاركين إلى التقليل إلى أدنى حد من التضارب والتوصل إلى توافق في الآراء دون تقييم الآراء المختلفة تقييما نقديا. وعلاوة على ذلك، قد يؤدي احترام السلطة في بعض البيئات إلى إحجام المشاركين الأصغر سنا أو الأحدث عهدا عن الاعتراض على آراء الأعضاء الأقدم. بل إن قائد المناقشة قد يسهم، عن وعي أو عن غير وعي، في المشكلة بإنهاء المناقشة قبل الأوان، أو من خلال الظهور بمظهر المؤكِّد على الحاجة إلى وجود رأي توافقي.
يمكن تجنب مشكلتي التفكير الجماعي و هيمنة كبار السن بالتحسب لهما عند اختيار المشاركين في المناقشة الجماعية. ويتمثل بديل آخر في تشكيل مجموعتين، إحداهما تضم أعضاء أصغر سنا والثانية تضم أعضاء أكبر سنا، مع الحرص على عدم هيمنة الأكبر سنا عند التقاء المجموعتين من جديد. وإذا ثبت عدم جدوى هذه الأساليب، يمكن التماس آراء أعضاء الفريق مسبقا أو دون الكشف عن هويتهم أثناء الجلسة وعرضها للمناقشة دون تحديد مصدرها. وفي هذه المرحلة من العملية، من الأفضل إدراج المخاطر بدلا من استبعادها. وستأتي فرصة استبعاد المخاطر في مرحلتيْ التحليل والتقييم. ويُفترض أن تساعد هذه العملية الشاملة في التغلب على بعض أوجه التحيز المحتملة التي نوقشت أعلاه.
تحليل مخاطر الفساد
بعد أن يحدد الفريق العامل قائمة بالمخاطر المحتملة، يمكن إجراء تحليل لتحديد طبيعة تلك المخاطر ودوافعها . وأثناء هذه الخطوة، يمكن للفريق العامل، على سبيل المثال، إجراء مقابلات مع الموظفين، أو فحص الوثائق الداخلية، أو مراجعة الضوابط القائمة فيما يتعلق بالفساد. وقد تتضمن الوثائق الداخلية تقارير مراجعة أو تحقيقات سابقة، أو سجلات محاسبية، أو سجلات تتعلق بعمليات الشراء.
يمكن إجراء مقابلات مع الموظفين في المؤسسة ، مثل المحاسبين وموظفي المشتريات والمراجعين الداخليين، إما لتحديد المسائل أو للتأكد من خلال التحليل من النتائج التي تتوصل إليها جلسات تطارح الأفكار.
يمكن إجراء استعراض للوثائق الداخلية ، بما في ذلك الشكاوى والإجراءات التأديبية والقضايا السابقة، ونتائج مراجعة عمليات إعادة التنظيم، ونتائج التحقيقات السابقة . ويمكن أن يكون ذلك طريقة لتحديد مواطن الضعف ومواصلة تحليل المخاطر المحددة بالفعل. ويمكن أن يشمل ذلك أيضا استعراض سجلات المشتريات ودفاتر الحسابات لتحديد الأنماط غير العادية.
يُعتبر استعراض ضوابط الفساد الحالية إحدى نقاط البدء التي اقترحتها بعض الأدلة الإرشادية في هذا الشأن.
وعلى الاستعراض أن يجيب على الأسئلة التالية: هل هي ضوابط فعالة؟ هل هناك أدلة على فشلها في منع أنواع الفساد التي صُممت من أجلها؟ ومن الأمور التي ينبغي إيلاء اهتمام خاص بها في أي استعراض للضوابط الداخلية معرفة ما إذا كانت الإدارة تنقُض باستمرار ضوابط الفساد القائمة. فعلى سبيل المثال، هل يكثر التساهل عن الحاجة إلى توقيع ثانٍ على أوامر الدفع؟ هل يُتغاضى عن القاعدة التي تتطلب أن يكون من يحرر الشيكات مختلفا عمن يوقع إيصال الاستلام في المستودعات؟ ويمكن أن تكون تلك الانحرافات دليلا إما على حدوث تدهور في فعالية تلك الضوابط أو مؤشرا على أنها تتعارض في كثير من الأحيان مع أداء مهام المؤسسة . وكلتا النتيجتين مؤشر قوي يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في الضوابط.
تقييم مخاطر الفساد
من المرجح جدا أن يكون تحديد ومعالجة كل مخاطر الفساد التي يمكن تصوُّر أن تواجهها المؤسسة، بدءا من تزوير الموظف لفاتورة لمرة واحدة ووصولا إلى مخططات الرشوة المُحكمة التي تشمل العديد من الموظفين وآخرين من خارج المؤسسة بمرور الوقت، أمرا غير عملي ومرهقا، ولكنه قد يكون ضروريا إذا كان الغرض هو إثبات وجود نظام امتثال مناسب.
أما إذا كان الهدف هو تحديد المخاطر ومعالجتها بالفعل، فلا يمكن أن يؤمل من الخطة أن تعالج قائمة طويلة للغاية من الاحتمالات إلا إذا كانت المؤسسة لديها موارد غير محدودة، وهو ما لا يملكه معظمها. ولذلك ينبغي لأي خطة أن تكون واقعية في تحديد أولويات مخاطر الفساد التي تتعرض لها المؤسسة.
وأثناء الخطوة الرابعة من عملية تقييم المخاطر، تُرتَّب مخاطر الفساد حسب الأولوية. وينبغي لأعضاء الفريق العامل أن يقيِّموا مخاطر الفساد التي ستكون لمعالجتها الأولوية في خطة التخفيف. فإذا كان عدد المخاطر المدرجة في القائمة صغيرا، وكانت الموارد اللازمة لمعالجة فرادى المخاطر متواضعة، قد لا يكون من الضروري ترتيب المخاطر حسب الأولوية.
أسئلة لتقدير احتمال وقوع مخاطر الفساد
1. ما مدى تعقُّد مخطط الفساد المحتمل، وكم عدد الأشخاص المطلوبين لارتكابه؟ 2. هل وقعت أنواع مماثلة من الفساد في المؤسسة أو في مؤسسات حكومية أخرى؟ 3. ما مدى الاستفادة التي قد يجنيها المشاركون في مثل ذلك المخطط؟ 4. كم عدد الموظفين الآخرين في المؤسسة أو موظفي المؤسسات الأخرى الذين سيتعين عليهم أن يغضوا الطرف لكي ينجح المخطط؟ 5. هل توفر الإجراءات الداخلية ضمانات كافية لردع من يريدون ارتكاب جرائم فساد؟
إعداد خطة التخفيف من مخاطر الفساد ووضعها في صيغتها النهائية
تتمثل الخطوة الخامسة من هذه العملية في معالجة مخاطر الفساد المحددة والمرتَّبة حسب الأولوية من خلال وضع وتنفيذ خطة للتخفيف من مخاطر الفساد. وتصف هذه الخطة الضوابط التي تهدف المؤسسة إلى تنفيذها من أجل التخفيف من مخاطر الفساد المحتملة والمحددة باعتبارها ذات أولوية أثناء الخطوة السابقة. وكما ذُكر أعلاه، تتمثل الضوابط في السياسات والعمليات ونظم الإدارة المصمَّمة لمنع الإجراءات غير السليمة و/أو ردعها و/أو كشفها، مما يقلل من المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة. ويجب أن تكون الخطة مفصلة، وأن تتضمن جداول زمنية محددة توكل إلى الموظفين المعينين مسؤولية التنفيذ الناجح للإجراءات الرئيسية، وينبغي دمجها في خطط العمل التشغيلية والإستراتيجية للمؤسسة. وسيساعد ذلك على ضمان تلبية الاحتياجات من حيث التمويل والموظفين. ويرد أدناه وصف تفصيلي لعملية وضع خطة التخفيف.
معالجة المخاطر الفردية
إضافةً إلى الضوابط الإجرائية للمؤسسة، ينبغي للفريق العامل أن ينظر في تقييم قدرة الموظفين على التعامل مع مخاطر الفساد وتعرضهم له. ذلك أن المؤسسة يمكن أن تكون لديها ضوابط كافية للتخفيف من مخاطر الفساد ذات الأولوية، لكن إذا لم يفهم الموظفون كيفية استخدام تلك الضوابط وإدارتها أو لم يكن لديهم الدوافع لإتباع الإجراءات الداخلية، فقد تظل مخاطر الفساد قائمة. وفي حين أن هذا الدليل لا يقترح تنميط الموظفين، من المهم أن يُفهم أن بعض الموظفين يشغلون مناصب تجعل خطر تعرضهم للفساد أكبر من الآخرين. وقد يكون من الضروري وضع ضوابط إضافية تتعلق بهؤلاء الموظفين، مثل إقرارات الذمة المقدمة على أساس منتظم. هناك عوامل خطر مختلفة قد تساعد على ممارسة الفساد. وتشمل هذه العوامل توافر الفرص ، الوصول إلى الموارد، واتخاذ القرارات، ومركز السلطة، والضغط المتوقع ، الجشع أو الحاجة الفعلية إلى المال والتبرير وشرح المرء لذاته كيف أن السلوك غير القانوني يتوافق مع معايير سلوكه وله ما يبرره في ظل الظروف السائدة . ومن القضايا التي تساعد على انتشار الفساد وتبنيه سياسة عامة توافر الظروف التالية على نطاق واسع:
الفرصة:
لا يستطيع الموظفون الاختلاس إلا إذا كان لديهم إمكانية الوصول إلى الموجودات التي يستغلونها أو لديهم سبل السيطرة عليها. وبالمثل، فإنهم لا يستطيعون التأثير في قرار إلا إذا كانت لديهم صلاحيات اتخاذ القرارات أو كانوا مستشارين لصانعي القرار. وببساطة، لا يمكن للأفراد ارتكاب الفساد إلا إذا كانوا في وضع يسمح لهم بذلك.
ولذلك، وكما ترتئي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، من المستصوب دائما اتخاذ تدابير خاصة لضمان نزاهة الموظفين الذين يشغلون مناصب حساسة. وقد تشمل هذه التدابير التدريب المتخصص، أو فرض قيود على المصالح الخارجية، أو اشتراط تقديم إقرارات الذمة المالية. وقد يشُترط أيضا إجراء فحص إضافي أو معزز على فترات منتظمة.
الضغط لا تكفي الفرصة وحدها لتفسير سبب تورط الموظفين في الفساد. ففي نهاية المطاف، هناك الملايين من موظفي الخدمة المدنية الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الموجودات أو لديهم صلاحيات صنع القرار وهم شرفاء تماما. ويتمثل العامل الثاني المهم في الضغط. وقد يتعلق ذلك بحاجة حقيقية أو متصورة، أو ضغط من الأقارب أو الزملاء أو المجرمين أو المعارف.
وقد يأتي الضغط في شكل حاجة فعلية على سبيل المثال، المال اللازم لدفع تكاليف علاج طبي باهظ الثمن أو تعليم طفل، أو لتكملة راتب ضئيل، أو حاجة متصورة مثل الحاجة إلى شراء ساعة أو سيارة باهظة الثمن للتأثير في العملاء ، أو الجشع مثل المال اللازم لممارسة هواية مكلفة.
التبرير معظم الموظفين المتورطين في الفساد هم أشخاص اتخذوا سلسلة من القرارات الخاطئة سوف تفضي إلى ارتكاب خطأ نهائي يؤدي إلى انكشاف أمرهم. وهم نادرا ما يعتبرون أنفسهم مجرمين؛ بل إنهم يحاولون إيجاد تفسير منطقي لسلوكهم أو تبريره. ومشاعر الإحباط أو الرغبة في الانتقام أو الافتقار إلى الولاء أو إحساس المرء بأنه يعامل معاملة سيئة ولا ينال ما يعتبره حقا له إنما هي كلها عوامل قوية يمكن أن تزين للموظف ممارسة الفساد.
خاتمة تستطيع مؤسسات القطاع العام ذات الموارد المحدودة أن تستخدم هذه الموارد بفعالية أكبر لمعالجة الفساد والحد منه إذا اتبعت عملية لتقييم المخاطر وإدارتها. ومن خلال اعتماد هذا النهج، يمكن للمؤسسات أن تركز على تنفيذ تدابير واقعية تحد من خطر مخططات الفساد الأكثر احتمالا والأكثر ضررا التي تسبب خسارة مالية للمؤسسة أو تلحق ضررا بسمعتها أو تؤثر على قدرتها على الاضطلاع بمهامها.
ولدعم نجاح عملية تقييم المخاطر، ينبغي تعيين فريق عامل يتألف من موظفين في المؤسسة يتمتعون بمجموعة واسعة من المعارف والخبرات، ويحظى بالدعم من أعلى سلطة ممكنة. ويجوز للفريق العامل أن يستعين بخبراء استشاريين خارجيين في الحالات التي يفُتقر فيها إلى الخبرة أو الدراية الفنية، أو عندما يحجم الموظفون عن مناقشة الفساد بصراحة خوفا من انتقام زملائهم.
وينبغي بذل الجهود طوال هذه العملية للتأكيد على أن تقييم مخاطر الفساد ليس عملية تصيد للأخطاء. ولا يكمن الغرض من التقييم في كشف الأفراد الذين تورطوا بالفعل في الفساد، بل في تسليط الضوء على أي مَواطن ضعف في المؤسسة يمكن أن تتيح فرصا لوقوع الفساد. والغرض من خطة تخفيف المخاطر هو الحد عندئذ من هذه الفرص واستحداث أو تعزيز الضوابط والتدابير التي من شأنها تقليل مواطن الضعف في المؤسسة.
المراجع
Sandra M. Nutley, Isabel Wand Huw T. O. Davies, Using Evidence: How Research Can Inform Public Services Policy (University of Bristol Press, 2007)
حالة النزاهة ، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات 2021 Vienna International Centre, P.O. Box 500, 1400 Vienna, Austria
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغيتار ، فيديريكو غارسيا لوركا
-
أغنية الرغبة الأولى، فريدريكو غارسيا لوركا
-
من ليلى إلى المجنون، المستشرقة الألمانية أن ماري شيميل
-
عينان غجريتان، ماريا شو
-
عينان غجريتان، ديفيد نيلسون
-
الساعة الثامنة، سارة تيسديل
-
عطش ، المستشرقة الألمانية آن ماري شيميل
-
تكلم مولانا ، المستشرقة الألمانية أنا ماري شيميل
-
الثدي، أنا سيكستون
-
قمرا المساء ، فريدريكو غارسيا لوركا
-
من المجنون إلى ليلى، أنا ماريا شميل
-
الأول أم الأخير (أغنية) ، توماس هاردي
-
دين ، سارة تيسديل
-
شاطئ دوفر ، ماثيو أرنولد
-
كهولة، ماثيو أرنولد
-
التدريب الاستراتيجي – دروس وعبر
-
حلم موت، وليم بتلر ييتس
-
القيادة التحويلية وتعزيز ثقافة الابتكار
-
قدموس وهارمونيا ، ماثيو أرنولد
-
ما بعد النجوم ، تشارلز هانسون تاون
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|