|
ماذا لو حضر الحب وغابت الكراهية
محمود كرم
الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 02:30
المحور:
المجتمع المدني
أليس من حق الإنسان الذي يعيش طوال حياته متطلعاً إلى السعادة والحياة الهانئة أن يتساءل : لماذا دائماً تحضر الحروب وينتشر العنف وتسود الكراهية ، وفي مقابل ذلك يتلاشى السلام ، وتنعدم فرص التعايش ، وتستحيل الحياة إلى ساحة دامية وصراعات لا تنتهي ..
وفي ظل ما يعصف بالعالم منذ القدم وإلى يومنا هذا ، من حروب ومشاهد دموية وأحقاد وكراهيات وتفجيرات ، يصبح التساؤل الأكثر أهمية بالنسبة للإنسان في كل مكان : هل النزوع للحرب والعنف هو الأصل في النزعة والفطرة الإنسانية أم السلام والمحبة والتواصل البشري الأخوي ؟
فإذا كان الأصل هو الحرب والعنف ، فمتى إذن يحقق الإنسان السلام ويعيش في كنفه ، وكيف يتوصل إليه ويحقق من خلاله أجمل اللحظات السعيدة ..؟؟
أما إذا كان الأصل في الإنسان هو السلام والمحبة ، فلماذا إذن تحضر الحروب ويغيب السلام ، وتنحدر الإنسانية إلى مساويء الأحقاد والكراهية والعنف ؟؟
وألا يحق للإنسان أن يتساءل بعد أن ذاق ما ذاق من الحروب والمآسي والويلات : ماذا لو حضر الحب ، وغابت إلى الأبد الكراهية ، وهل حقاً يبدو الحب مستحيلاً لتحضر الكراهية بكل أمراضها المستفحلة ، وكيف للإنسان أن يمتلك القدرة الهائلة على استحضار الكراهيات والأحقاد ، ولماذا يعجز في المقابل عن أن يكون محباً ومتسامحاً ..
وكيف ستبدو الحياة حينما ترفل بالفرح والبسمة والسعادة ، وتختفي منها فجائع المأساة ، ألا تغدو الحياة في هذه الحالة جديرة بالاهتمام والاستمتاع والتواصل الجميل ..
ولماذا تتسيّد الجهالات العمياء تصرفات الإنسان ولا يلتفت إلى استخدام عقله فيغيب الوعي في دوامة الجهل والحماقة ، وهل فكّر لحظةً كيف سيكون مصيره حينما يرهن عقله لسلطة الجهالة ..؟؟
وهل فكّر الإنسان أنه بالكراهية لن يستطيع أن يبني شيئاً ولن يجني منها سوى الكراهية ، وأن العنف لا يصنع سوى مجتمعٍ مجبول على التطرف في كل شيء ، وقابل للتشاحن بالبغضاء والضغائن والأحقاد وتوارث الكراهيات ..
وحينما يغيب الوعي بسبب غياب العقل وتسيّد الجهالة والحماقة ، يغيب عن الحضور الرأي السديد والفكر المستنير وتغيب العقلانية ويتخبط البشر بالعنف والتعصبات والعداوات المهلكة ، وتنعدم المناخات الطبيعية للتفكير السليم ، ولذلك أجد أن مقولة الدكتور ( خالص جلبي ) في هذا الصدد منطقية جداً حيث يقول : ( أفكار السلم تعطي حصانة رائعة ، لأنها لا تضر أحداً وينتفع منها الجميع ) ، لأن مناخات السلم تمنح الشخص راحة نفسية عميقة وتمنحه شعوراً كبيراً بالاطمئنان كما يقول الأستاذ جلبي ، وهي في ذات الوقت تعود بالفائدة على الكل ، لأنها ببساطة لا تستهدف أحداً بالضرر أو الشر ..
في الحقيقة لا أدري لماذا أجدني عاجزاً عن التعبير جيداً في هذا الموضوع ، ربما السبب يعود إلى أني أطرح أمراً بديهياً لا يحتاج إلى تأويلات فلسفية ، أو ربما لأني أطرح تساؤلات عبثية لا جدوى من البحث عن أجوبتها في عالم اليوم الذي احتكم إلى العنف والكراهية ، ولكني ربما أكتب لأني أرغب وأتمنى أن أجد اليوم الذي فيه يكون العالم البشري قد تعافى من أمراضه المزمنة وتخلص من جنون الحرب ومآسي العنف وآفات التهور الانتحاري ، مؤمناً في بعض الأحيان بعبارة الروائي ( باولو كويلو ) في إحدى رواياته : ليست الرغبة ما ترى ، بل ما تتخيل ..
وأجزم إننا قد وصلنا إلى مرحلةٍ أصبحت فيها الرغبة بما نريد أو بما نتطلع إليه تقع في منطقة التخيلات ، ولكن لا بأس ، ربما القليل من التخيل في أمور رائعة وجميلة وراقية قد تبعث في أنفسنا طمأنينة ما أو راحة نفسية تعيننا على تجاوز حالات انعدام الحياة وتوقفها عن النبض في أغلب ما يدور حولنا ، فلا نريد لليأس المتمثل في واقع اليوم أن يسلبنا رغبتنا المشروعة في التخيل الجميل ، أوليست الحياة تكشف لنا عن جوانبها العديدة ووجوهها الأخرى حينما نتحشرج في مواقفها المأساوية والقاسية ..
وفي كثيرٍ من الأحيان أتساءل لماذا تُهدر قيمة الإنسان وتستباح حريته ويُصادر قراره وعقله في أجندة الأيديولوجيات المقيتة الموبوءة بالعنف وبالعبثيات المُهلكة لقداسة ذاته الإنسانية ، وكيف يتحول إلى مجرد آلةٍ غبية ينفذ برمجيات هذه الأيديولوجيات في غيابٍ كامل من عقله وقراره وإرادته وتفكيره ..
هل تولد الكراهية من العدم ..؟؟ لا أدري ، ولكن ما أعتقده يقيناً أن الكراهية تولد من الضعف ، من ضعف الإنسان المستكين للأدوات الشنيعة في داخله ، وتكبر الكراهية بالضعف أيضاً ، لأن الإنسان حينها يصبح مستسلماً للبشاعة في ذاته ، وللبشاعة في مناخه المتلحف بأيديولوجيات العنف ، والأقسى أن يبقى في هذه الدائرة الخانقة يستزيد بها كراهية وحقداً ..
ولكن حينما يولد الحب ، ليست الولادة المحكومة بالأطر الضيقة وبالهويات الخانقة القاتلة ، فهذه الولادة ستتلعثم في تشوهاتها التعصبية ، بل الولادة المحكومة بالأطر الإنسانية الرحبة المنعتقة من هيمنة الهويات المؤدلجة والنرجسيات المتسربلة بالأفضليات الدينية والعرقية ، حينما يولد الحب من بواعث تلك الأطر الإنسانية تولد معه الحياة بكل جمالها الأخاذ ، بفتنتها التي تزداد بهاءً وجمالاً عبر آفاقها المحلقة في المناخات النقية وامتداداتها الشاسعة البراح ، هذا الحب باستطاعته أن يحتل مساحات عميقة في القلوب والأنفس ، وباستطاعته أن ينتصر على الكراهية ..
فالحب يأتي من الأفق الرحب ويستوطن في الروح من المناخ الأرحب ويتجذر في القلب عبر الهواء الطلق ، ويتنفس الحياة من دفقات الإنسانية التي لا تقبل الاحتباس عند منحنيات الشرور الملوثة بالتعصب والأحقاد وجهالات العقل والمنطق الأعوج والأفكار المعتوهة بالتصلب والعدائية والنزعة الاستعلائية ..
ومَن يتقن الحب ، يتقن صناعة الحياة ، ويتقن فنون التواصل ، ويتقن استزراع النوايا بحقول المودة والتسامح ، لأن الحب مانحٌ للأبدية في الشعور والعواطف النبيلة والسلام الداخلي ..
لا أدري ربما ما نحلم به عن حضور الحب وانتهاء الكراهية ، وعن غياب الحرب وحضور السلام ، وعن نهاية المأساة وابتداء الفرح ، مجرد حلمٌ يجب أن نحافظ عليه في وجداننا سليماً معافى من أية تشوهات للذاكرة الأجمل وربما للذاكرة التي تسكن المستقبل وتتجاوز الحاضر ..
لا ضير في الأمر من أن نبقى نحلم ، فالحياة بكل تلاوينها الرائعة وتلويحاتها المدهشة بفتنة الضوء والحب والفرح ، تبقى تتخلق في الحلم لتتحول إلى حياة ماثلة تسري في عروقنا ، وتتجسد جمالاً في لحظاتنا المشرقة ، وتتهادى أغنيةً جذلى في مسامعنا ، وتكبر حثيثاً في قلوبنا ، لتتجدد دوماً في مواجهة الموت ..
#محمود_كرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمعات وهيمنة الموروث الثقافي
-
المنتصرون بثقافة الموت
-
الإصلاح والثقافة الصنمية
-
لبنان .. حلمنا المضرّج
-
الجميلون لا يغيبون
-
كيف نفسّر للأطفال بشاعة الحرب
-
هل يعشق اللبنانيون الحرب
-
الوعد الخادع
-
إيطاليا ملَكت العالم
-
الصومال في المأزق الديني
-
الثقافة صانعة الحياة
-
الانتخابات الكويتية : المرأة خذلت المرأة
-
الإنسانيون وقيم الفرد
-
مجتمعات المعرفيات الفاعلة
-
الزرقاويون الحزانى
-
ألمانيا 2006 وسحر الحبيبات
-
التفكير فعلٌ في الخَلق
-
الفكر العقلاني والفاعلية التغييرية
-
كفرتُ بسحر الشرق
-
ما أصعب الكلام
المزيد.....
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|