|
الاكتشافات النفسية المتطرفة في المجموعة القصصية -محيطات التيه- للسعيد عبدالغني بقلم الباحثة رشا مكي
السعيد عبدالغني
شاعر
(Elsaied Abdelghani)
الحوار المتمدن-العدد: 7117 - 2021 / 12 / 25 - 16:02
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
القراءة الأولى للمجموعة القصصية "محيطات التيه" لمؤلفه سعيد عبد الغني، تجد أن كل فصل مستقل بذاته، ولكن بقراءة المجموعة لمرة أخري، يتضح أن للمجموعة هدف، نقطة بداية تنطلق منها ونقطة نهاية تتكشف معها أغراض المؤلف، رحلة يأخذنا فيها "سعيد" تبدأ بالقصة الأولي وتنتهي بالقصة الأخيرة؛ رحلة مليئة بالتفاصيل، الاكتشافات والرسائل المستترة. محيطات التيه رغم أنها تحمل متعة المجموعة القصصية بتنوعها وتعدد أبطالها، إلا أنك تجد نفسك أمام نسيج واحد، وبطل واحد؛ هذا البطل الذي قرر أن يتحرر من كل شيء، وأن يثور على كل شيء (ذاته-عقله-مجتمعه)؛ وكما ظهر سعيد كعابر سبيل ترك كلماته كخريطة لنا في رحلة الحرية داخل مجموعته؛ سنحاول نحن بدورنا فك شفرة تلك الخريطة. رحلة الحرية في محيطات التيه:- تمتاز محيطات التيه بتدرج ملوحوظ من الفصل الأول الذي عليه النص الشعري ولكن مع التقدم في قراءة المجموعة يختفي الشعر؛ وكأن سعيد يحال أن يحرر النص الشعري. هذا جانب من الرحلة، فالحرية متعددة الأوجه في المجموعة. أحد أهم أوجه الحرية التي تلمسها أثناء القراءة، هو التحرر الصوفي أو التحرر الروحي الذي يظهر قويًا، وكأن الانتهاء من قرأة كل فصل هو بمثابة خطوة للخلاص الصوفي من سلطة العالم إلى الاتحاد مع الواحد، أو الاتحاد مع الأنا. الخروج من الجسد، هو من أهداف سعيد الأصيلة في المجموعة؛ ففي ثنايا السرد القصصي ننتقل مع المؤلف من الاستلام الكامل للجسد؛ إلى الانتصار عليه، وقد تحقق هذا على يد البطلة الصغيرة في آخر قصة؛ وفي اختياره لفتاة كبطلة جمالية مقصودة سيأتي الحديث عنها. ولم يكن سعي سعيد، هو مجرد الخروج عن الجسد، بل هذا محض غطاء، وبإماطته نكتشف أن سعى سعيد هو تحرير الذات، لا تحرير الجسد وحده. قد ينتاب القارء، شعور بأن النصوص تهدف إلى ثورة على تقاليد أو أعراف ومعتقدات؛ ولكن في الحقيقة هو يثور على أفكاره الخاصة... وهنا يأتي السؤال الأهم الذي طرحه سعيد على نفسه ووجد الإجابة واضحة؛ وكان هذا – من وجهة نظري- هو محور المجموعة القصصية (كيف لسعيد أن يتحرر؛ بل دعنى نقول كيف للإنسان أن يتحرر إن لم يتحرر المجتمع والعالم بأسره؟). هو لا يريد الحرية لذاته، كان وعي سعيد أعمق من هذا وأكثر شمولية، ما وصل به حد أنه يريد الحرية للقارء والإنسان والمجتمع والعالم. جعل من سطوره وقصصة وأفكاره وعقله سبيل للثورة ومعبر للحرية. تعرية المجتمع في مجموعة سعيد هناك مجتمعين يعيشان في توازي، داخل نفس الأرض وفي نفس العالم، لا يلتقيان ولا يتفقان؛ وهذا ما خلق عالم آخر يثور فيه الإنسان على العالمين معًا، كان سعيد واعيًا أن الإنسان عندما يشعر بالقيد، يشعر بالفقد؛ هذا ما دفعه لخلق عالم يسمح فيه التعبير، وكان هذه ثورة سعيد على فكرة المجتمع والمعيار. الانتقال من الخيال إلى الواقع، هو شعور آخر ينتاب القارء، وكأنك تعيش داخل خيالك الخاص، أو دعنا نقول كهفك الأفلاطوني تعاني صراع الأفكار، ومع ذلك تقنع بالعيش فيه، ثم أتت "محيطات التيه" واستطعت الخروج بك إلى الواقع والتلامس معه بشكل كبير. من عالم صاخب.. إلى عالم عادي كان النص عند سعيد يحمل حالة غريبة، وسط الأحداث الصاخبة المفعمة بالحركة والحماس، تجد الكاتب يحافظ علي سطوره هادئة، يحكي وكأن كل شيء عادي، وكأن هذا هو واقع الحال؛ وبين الأحداث والسطور يلح عليك سؤال (هل هناك ما يسمى بالصاخب؟). وفي صفحة (132)، تتضح لك الصورة، عندما يحكي عن عائلة تحيا في عالمين متناقضين، أحدهما تنهار فيه القيم المجتمعية، ويظهر وجهًا آخر؛ في حين، أن الوجه الآخر للعائلة تمارس فيه القيم بصورة شكلية رتيبة. يأتي نص سعيد ليقف على الحياد بين العالمين ويرفض إصدار الأحكام، يكتفي فقط برسم الصورة الإنسانية لكلا العالمين. شيطان سعيد...شيطان ديكارت يقول سعيد عن شيطانه:" الآن يتراءى وجه أسميه الشيطان، وجه الشيطان في مخيلتي هو مهبل في الوجه، المهبل باب لوجه الله، ولكنه يخرج نورًا لا يستطيع أن يراه إلا من لديه شجاعة التطرف، العيون المسعورة للشيطان من خروجه من عرش الله، بها وجد رهيب لن يفقه آدم، دموع منفية في بوتقتان وشفتان ترتجف ليس من عقاب الله له، بل ترتجف من العشق الذي لايستطيع أن يتخلص منه، العشق الذي ليس لديه." في هذا النص، أو نقول الصورة الزخمة بالحركة والألون والموسيقي والأسطورية، هل كان سعيد يصف شيطان ديكارت؟.. للإجابة على هذا السؤال، يقول ديكارت عن شيطانه:" في معارفي، هناك شيطان ماكر يكرس نفسه دائمًا لتضليلي لذا فأنا أعتبر أن كل القضايا الصادقة اليقينية هي زائفة في واقع الأمر. هذا الفرض هو حدس الشيطان الماكر عند ديكارت." ما نستطيع قوله أن كلاهما، كان الشيطان سبيلهما للشك، وأن الشك سبيلًا لليقين؛ وأن الوصول إلى اليقين هو الخلاص لديكارت وسعيد. الحقيقة من رحم الشك/ المرأة رمز الخلاص المرأة في المجموعة القصصية "محيطات التيه" تأخذ ثلاثة أوجه، تتجلى بأوضح صورها في القصة الأخيرة والتي تحمل بداخلها كثيرًا، فعلى خلاف باقي قصص المجموعة، البطلة "فتاة صغيرة" قابلت بشاعة العالم بتحمله وانتصرت عليه عندما انتصرت على الألم بداخلها. عندما قرأت القصة تداعى إل ذهني لوحة الحرية تقود الشعب La Liberté guidant le peuple (1830)، للرسام يوجين ديلاكروا؛ تجسد اللوحة إلهة الحرية "ماريان" كامرأة حاملة لراية الثورة بيد، وبندقية باليد الأخرى وتقود الشعب إلى الإمام على جثث الذين سقطوا. الشيطان "مهبل" مشهد الشيطان الذي رسمه سعيد "وجه على شكل مهبل"، استخدم المرأة رمز للولادة؛ فكما يأتي المولود من رح الأم، تأتي الحقيقة من رحم الشك. سعيد هنا لا يسعى لتمجيد المرأة؛ أو صبغها بقداسة خاصة؛ وإنما الهدف الأساسي هو أحد وظائف المرأة الجسدية ... ألا وهي "الولادة". المقدس...والمدنس الموميس التي تحمل كلمتها ومشاعرها الصدق، وجه آخر، اختار سعيد تناوله في مجموعته القصصية ومن خلال صورة الموميس حطم صخرة الأعراف، والمفاهيم والانماط خاضعة لنظرة دينية ساذجة؛ التي تحدد الموميس بأنها مصدر الشر، وتلقي بها في دائرة المدنس، وتحدد مفاهيم الطهارة والعفة، وكيف للمرأة أن تكون مقدسة. على العكس من كل هذا، كانت "موميس" سعيد الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رمز الاحتواء، الصادقة التي ساعدته في تحرير ذاته. في مشهد من فيلم 1984 لجورج أوريل، يسأل وينستون- جوليا:" كيف ترى الفضيلة؟" فأجابته:" أنها دخلت علاقة مع كل أفراض الحزب" كان رد وينستون أنه يكره الفضيلة ويكره العفة، ويتمنى أن ينشر العهر في كل العالم. وفي ذلك ثورة على اللغة غالبا ما تستخدم اللغة للترجمة ما يدور في عقولنا، وهي حلقة الوصل بين عالمنا الداخلي والخارجي؛ وفي الأعراف الموميس ليست هي الأفضل بين النساء، والدعارة والعهر ليست الحياة الأروع التي يتمنها الأباءلأبنائهم؛ وعندما تتحدى هذا فإنك لا تتحدى الأعراف في البداية، وإنما تتحدى إدراك الإنسان لهذه اللغة التي تضع الموميس في خانة المدنسة، وجاء سعيد ليهز عرش اللغة ويعيد ترجمة الكلمة، لتصبح في نظر سعيد هي المقدسة.
المجموعة اكتملت فيها عناصر السرد من رسم جيد للصور، الحركة في الأحداث، الموسيقى في النصوص، الحبكة؛ بالإضافة لذلك، استخدام الفصحى، دون الحاجة للعامية. وعلى الرغم من ذلك، تجد نفسك أمام لغة سلسة مفهومة، استطاع أن يحقق هدفه ويصل إلي غايته.
#السعيد_عبدالغني (هاشتاغ)
Elsaied_Abdelghani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلامي بُد أحجية وخَدش كونية
-
لوحة الملاك الساقط ، الكسندر كابانيل
-
الوحوش جميعهم بشر، الالهه ، الطيوف
-
الصادح
-
مفتاح الوحدة وقفلها اللغة
-
لماذا يجدر بالمرء أن يقرأ لدوستويفسكي ؟
-
تأملات في اللغة
-
يا خَالقي في وحدة ومن وحدة
-
تأملات فلسفية في الموسيقى وأغنية يا بحرية لمارسيل خليفة
-
سيكولوجية المختلف وسيكولوجية النُسَخ
-
من كتاب_وجع الإله ل آلان بوسكيه ترجمة السعيد عبدالغني
-
من كتاب_وجع الإله ل آلان بوسكيه ترجمة السعيد عبدالغني 2
-
الاكوان الفلسفية في ديوان- تساليزم ،إخناتون يقول - للشاعر طا
...
-
مقتطفات من ديوان أعلم أني سأموت منتحرا أو مقتولا
-
فصلان من رواية الجوكر العربي
-
يقول الإله
-
عندما حاولت الانتحار
-
لا
-
في أندريا القديمة
-
عنقاء مصرية
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|