http://home.chello.no/~hnidalm
في زيارته لمصر بعد المحادثات التي أجراها مع شارون وأبو مازن وتخللت بالفشل الواضح في إقناع البلدوزر بقبول خطة الطرق على الرغم من المائة تعديل إسرائيلي التي أضيفت عليها مسبقا وكذلك بالرغم من تنازل الطرف الفلسطيني عن كل تحفظاته حفاظا منه على نجاح الخطة التي في أحسن أحوالها سوف تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000،كشف باول عن انحياز بلاده التام لجانب المجرم وعلى حساب دماء الضحية،فعطل منذ البداية أية أحلام كان بناها بعض الذين راهنوا على تلك الزيارة. ولأن زيارة باول كانت تعتبربمثابة بداية لعودة الحياة بالتدريج للمسار التفاوضي وللعملية السلمية بعد أن تغيرت خارطة المنطقة باحتلال العراق وفقدان الفلسطينيين لحليف معنوي ومادي هام مثلما كان العراق قبل الاحتلال. فقد ظن البعض أن باول سيفلح في إقناع شارون بقبول الخطة والبعض الآخر أعتقد بأن شارون سيعمل على نجاح زيارة باول لأنها تأتي للتأكيد على رفض أمريكا وعدم اعترافها بشرعية عرفات،ولأن باول جاء ليحارب عرفات في عقر داره وبين إخوانه الفلسطينيين والعرب. وما الامتناع عن لقاء الأخير والاكتفاء بلقاء أبو مازن سوى دليل أمريكي قاطع على أن أمريكا ستتعامل فقط مع رئيس الحكومة الفلسطينية ولن تعترف من الآن ولاحقا بالرئيس عرفات وشرعيته،وسوف تقوم بحث العرب والأوروبيين ودول العالم على مقاطعة عرفات وعدم الاعتراف بقيادته،وإن لم تفلح بتحقيق ذلك عبر الترغيب فسوف تستعمل الترهيب.
في هذا الإطار جاء طلب باول من وزير الخارجية المصري أحمد ماهر مقاطعة الرئيس ياسر عرفات وقصر تعامل مصر مع الفلسطينيين على رئيس الحكومة محمود عباس. لكن ماهر رفض الطلب الأمريكي وعلق على ذلك بالقول أن عرفات هو الزعيم المنتخب للشعب الفلسطيني. إذا كان هذا هو موقف الحكومة المصرية فلماذا لا يقوم وزير خارجيتها بزيارة عرفات أو يقوم رئيسها بالاتصال به في مقره المحاصر فقط للاطمئنان والتضامن لا لشيء آخر؟!!، كما عبر وزير خارجية مصر عن خيبة أمل العرب بتهاون باول الأخير مع المواقف الإسرائيلية المعارضة لخارطة الطرق والتي أعاقت إحراز أي تقدم في العملية السلمية المتوقفة،فتعنت شارون وعدم اهتمامه بالخريطة المذكورة ورفضه الموافقة عليها يحرج ولا يحفظ حتى ماء وجه الوزير الأمريكي. لكن من الواضح أنه لا ماء وجه لدى السيد باول كما هو الحال مع الرئيس بوش. شارون عامل الوزير الأمريكي بطريقته المعهودة التي نعرفها،فحول زيارة الأخير من مهمة عمل لمجرد زيارة أمل في إسرائيل،أما على الجانب الآخر فجاءت زيارة وعيد و تهديد للفلسطينيين خاصة و للعرب بشكل عام.
أعترف باول بفشله في إقناع شارون بالموافقة على خارطة الطرق بشكل صريح،وقال أنه يمكن التقدم بين الطرفين عبر خطوات عملية صغيرة ومن خلال مفاوضات مباشرة يبحثان خلالها خلافاتهم. كما زعم الوزير باول في لقاءه مع الرئيس المصري حسني مبارك أن إسرائيل بدأت فعلا بالتعاطي ايجابيا مع خارطة الطرق من خلال قيامها بمجموعة مبادرات إنسانية اتجاه الفلسطينيين. وكان باول يقصد بتلك المبادرات أطلاق سراح بعض المعتقلين الفلسطينيين الإداريين الذين لا يوجد بحقهم أية تهم تدينهم وكانوا معتقلين ظلما وعدوانا.
ثم ها هي السلطات الإسرائيلية تعيد تشديد الحصار و خنق الأراضي الفلسطينية من جديد وبشكل عنصري صارخ.فهل كلام الليل يمحوه النهار؟هذا إذا كان حصل أو قيل في تلك الليلة أي كلام إسرائيلي مسالم ومهادن يستحق أن يمحوه النهار.
إذا كان هناك نتيجة واضحة لزيارة باول،فهي أنه جاء وعاد كما جاء خالي الجعبة من جهة إسرائيل،لكنه ترك وراءه فراغا كبيرا في مسار السلام وأعطى لشارون حرية العمل والانفراد بالطرف الآخر،كما وترك الفلسطينيين في حيرة من أمرهم بعدما أمتنع الطرف الإسرائيلي عن إعلان موقفه بخصوص خارطة الطرق.كما أن باول لم يترك الأمور على حالها بانتظار زيارة شارون ولقاءه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في العشرين من مايو الحالي،لأنه باعتباره أن شارون أتخذ مبادرات إنسانية،يكون وضع الكرة في الملعب الفلسطيني.وأثنى على المبادرات الإنسانية الإسرائيلية التي هي خديعة وكذبة كبرى.
أما شارون فقد كرر كلامه السابق عن أن إسرائيل لن تقدم أية تنازلات في المسألة الأمنية،ولن تقوم بتجميد الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة،وأبلغ موقفه بصراحة للوزير باول.وهذا يتعارض مع ما جاءت به خارطة الطرق ،لكن الوزير باول لم يعر تلك الثوابت الإسرائيلية ما تستحقه من اهتمام،لأنها ببساطة ثوابت أمريكية ومطالب إسرائيلية سرعان ما تتحول مع الأيام وتصبح مطالب أمريكية. سرعان ما تقوم الإدارة الأمريكية بطرحها كمبادرة سلام جديدة وتمارس كل أنواع الضغط على الجانب الفلسطيني الأضعف لقبولها، ولا تنسى الولايات المتحدة الأمريكية خلال حملة الضغط تلك أن تحرك الدمى العربية لتمارس بدورها ضغوطا إضافية على الجهات الفلسطينية. وقد ازدادت المطالب الإسرائيلية من الأمريكيين بصفتهم راعي عملية ذبح الفلسطينيين وتصفية قضيتهم الوطنية وحقوقهم المشروعة،حيث أشار كل من شارون ووزير دفاعه موفاز،أن إسرائيل لا تكتفي بوقف إطلاق النار كما جاء في خارطة الطريق أو الهدنة لكنها تضيف الآن مطلبا جديدا يتناسب مع التغييرات الجديدة التي عصفت بالمنطقة بعد سقوط بغداد واحتلال العراق وفرض السيطرة الأمريكية الكاملة على الخليج العربي والفارسي.وهذا المطلب هو تفكيك الفصائل الفلسطينية المسلحة.يعني إسرائيل تريد كل شيء مقابل فتات أو لا شيء للفلسطينيين.وبينما تطالب إسرائيل بكل هذه الأمور فأنها تحتفظ لنفسها بحق الاستمرار بالعدوان وسياسة التصفية والاغتيالات والأجتياحات وتدمير البيوت وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وسجن مئات آلاف الفلسطينيين في مدنهم وقراهم وبيوتهم.
في معرض حديث أدلى به يوم الاثنين الموافق 12-05-2003 لموقع يديعوت أحرانوت بالعربية على شبكة الإنترنت، أكد شارون أن إسرائيل وافقت على كل ما جاء في خطاب بوش(حزيران 2002 )،لذا فأنه لا يوافق على أي أمر آخر ومن ضمنه خارطة الطرق الأمريكية،ويرى شارون أن الأمور الأخرى في خارطة الطرق ستكون محل نقاش وفحص.وبهذا يكون شارون أفصح وصرح علنا عن نواياه المسبقة في رفض خارطة الطريق كما هي الآن، ويؤكد بذلك أنه سوف يفتح نقاش وحوار حول ما فيها من بنود لا تقبل بها حكومته. وهذا يعني أن الأمور ستعود لنقطة الصفر من جديد.وبالعودة لتلك النقطة،ستكون حياة المواطنين الفلسطينيين في خطر شديد وسوف يتم خلال تلك الفترة حصد مئات الضحايا والأرواح الفلسطينية،هذا بالإضافة لمصادرة وتجريف أراضي فلسطينية جديدة وهدم وتدمير بيوت أضافية وإضافة عوائق جديدة ومطالب أمنية أيضا جديدة.
في تناسق مع كلام شارون فقد أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد ساترفيلد،مساء اليوم،رضوخ الإدارة الأمريكية للأملاءات الإسرائيلية الجديدة فيما يخص خارطة الطرق وتطبيقها ودور الاتحاد الأوروبي وبقية أطراف الرباعية في تلك الخطة. فإسرائيل تريد لأمريكا وحدها أن تكون الجانب الذي يطبق الشق الأمني من الخارطة.وهذا ما أيدته الإدارة الأمريكية عندما قال مساعد وزير الخارجية ساترفيلد أن بلاده أبلغت الاتحاد الأوروبي أنها ستترأس وحدها اللجنة المشرفة على تطبيق الجانب الأمني من الخطة وكذلك بقية الجوانب الحساسة مثل تفكيك البؤر الاستيطانية وتجميد البناء في المستوطنات. هذا كله أن دل على شيء فهو يدل على مدى الانحياز العلني الأمريكي لجانب الإسرائيليين وعلى نوعية الرعاية الأمريكية للسلام في المنطقة.فالجانب الأمريكي لا يمكن أن يكون وسيطا نزيها وعادلا،لأنه الراعي الحقيقي والمؤتمن على المصالح الإسرائيلية،وبنفس الوقت العدو النصف خفي والنصف علني للحقوق الفلسطينية. هذه المواقف الأمريكية المنحازة تحتم على الفلسطينيين معرفة ما الذي يردونه والتعامل بحذر شديد وحرص كبير مع الموقف الأمريكي، حيث لديهم الآن ما يتعلموه من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، وعليهم أن يتذكروا أن أول ما هو مطلوب منهم رفض أية تغييرات على خارطة الطرق التي هي بالأساس مضرة بالحقوق الفلسطينية وغير منصفة وتخدم إسرائيل فقط لا غير،على الرغم من إسرائيل شارون ترفضها كما هي الآن. لكن وبما أن الطرف الفلسطيني يعتبر الأضعف في هذه المعادلة وفي هذه اللعبة الشيطانية، فمطلوب منه قبل كل شيء المحافظة على الحقوق الفلسطينية وضمان عدم تدهور الأوضاع الفلسطينية أكثر مما هي عليه، والعمل الحقيقي والصريح والمخلص من أجل تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لأنها بكل بساطة آخر وامتن وأفضل وأعز سلاح يستطيع عبره إفشال وإسقاط كل المؤامرات التي تحاك ضده.
ونستغل هذه المناسبة لنقول للوزير باول بأنه ليس بحاجة لحث العرب على مقاطعة ياسر عرفات لأنه مقاطع من قبلهم قولا وفعلا. فمنذ أن حوصر وعزل في مقر المقاطعة في رام الله المحتلة أصبح الرجل في خبر كان، فلم تعد الحرارة موجودة في خطوط هواتفه الثابتة والنقالة،كما أن الرؤساء العرب قاطعوه منذ مدة طويلة ولم يقم أيا منهم بأي عمل يساعد على شد أزر الرجل أو فك الحصار عنه.لذا لا تقلق أيها الوزير من هذه الناحية،فكلام الرئيس بوش مطاع ومسموع ومحفوظ عند كافة الذين أبتلي بهم هذا الوطن العربي الكبير الآخذ في التقلص والاندثار.