|
المتدين بفطرته وتغيرات السعودية
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7115 - 2021 / 12 / 23 - 20:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
------------------------------------------------------------
قرأت تصريحا منذ أيام قليلة ، أنه سيتم افتتاح 57 مسجدا جديدا فى 9 محافظات . ومنذ شهور قليلة ، قرأت أيضا تصريحا مماثلا ، عن بناء وافتتاح عدد من المساجد ، فى القاهرة ومحافظات أخرى . شئ فى منتهى الغرابة ، والاستفزاز . تقريبا ، بين كل فترة وجيزة وأخرى ، أقرأ عن بناء وافتتاح مساجد للصلاة . وتساءلت هل هذا ما فهمته المؤسسسات الدينية الرسمية ، عما نقصده من تجديد الخطاب الدينى ؟؟. منذ عام 2014 ، والمؤسسات الدينية متعثرة فى التعامل مع مقولة " تجديد الخطاب الدينى " ، قصور فى الفهم ، وفشل فى التطبيق ، ولف ودوران وتناقض فى التصريحات ، وكأنها معضلة معقدة ، تستعصى على الحل . الحل فى منتهى السهولة ، والبساطة ، ولن نخترع الأشياء فى الألفية الثالثة . المعضلة الحقيقية الواقفة فى الطريق ، هى أن المؤسسات الدينية فى الدولة ، لا تريد تغيير وتجديد وعصرنة علاقة الشعب المصرى بالاسلام المتوارث منذ 1400 ، سنة من صحراء الجزيرة العربية . يريدون لنا الاستمرار محبوسين ، ومحبوسات ، بجنازير الحديد ، فى زنزانة القهر وكراهية الحرية ، وطاعة الأوصياء على عقولنا ، وعلى أجسادنا ، وعلى كل تفاصيل حياتنا منذ أن نصحو حت ننام ، منذ الميلاد وحتى القبر . منْ تريد الحرية ، ورفض الوصاية ، فهى كافرة ، غير طبيعية ، محرضة على الفسق والفجور ، تزدرى الدين والرسل ، ومنْ يشتهى الحرية ويرغب فى الانعتاق من المعتقلات الدينية ، فهو منحل ، يتطاول على المقدسات ، يهين الذات الالهية العليا ، خطر على الأسرة المسلمة الفاضلة ، وعلى المجتمع المتدين بفطرته . يعنى ايه " الشعب المصرى متدين بفطرته " ؟؟. سوف أساير هذا المعنى الذى لا أوافق عليه ، وأسأل لو كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، فلماذا اذن نشأ الاسلام ، بقرآنه ورسوله وخلافته وأحاديثه ، ونواهيه ، وأوامره ، وناره ، وجنته ، ثم جاء الى مصر بعتاده ومفاهيمه وجيوشه لكى يحولها من دار الأقباط ، الى دار المسلمين ؟؟. اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، فلماذا لا يترك لفطرته المتدينة لكى تقوده فى الحياة ؟؟. اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، فلماذا هناك الأزهر ، والأوقاف ، ومجمع البحوث الاسلامية ، ودار الافتاء ، والجمعيات الشرعية ، والمشايخ ، الذين يأخذون من ميزانية الدولة المليارات من الجنيهات ؟؟؟. ماذا يفعلون ، اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ؟؟. ولماذا حزب النور الذى أخذ رخصة سياسية للعمل الحزبى ، على أساس أنه " حزب مدنى بمرجعية دينية " ، يقول أنه يشتغل على الدعوة الاسلامية ؟؟ . لماذا الدعوة الاسلامية ، اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ؟؟. ولماذا يزيد عدد المصريات والمصريين اللادينيين ، والذين تركوا الاسلام ، أو تركوا كل الأديان ، اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ؟؟. واذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، لماذا جرائم القتل والذبح ، والرمى بالرصاص ، والتشويه بماء النار ، والتمثيل بالجثث ، والقائها فى الترع ومقالب القمامة مقطعة الرأس والأطرف والأعناق ، بسبب مفاهيم مجرمة همجية اسمها " شرف الذكور " ، " الأخذ بالثأر " ، " خيانة الزوجة " ، " سمعة العائلة " ، " عرض الزوج " ، " اختفاء عذرية الفتاة " ، " عدم طاعة المرأة أو الزوجة للأب أو الزوج أو الأخ أو الابن أو العم أو الخال ؟؟. وما هى العلاقة بين التدين بالفطرة والرغبة فى تغطية النساء ، واعتبارهن فضيحة وعارا وعورة وخبثا فاسدا بالسليقة ، شيطانيا نجسا ، يمشى فوق الأرض ؟؟. اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، لماذا يعد التحرش الجنسى بالألفاظ والأفعال ، فى مصر ، من أعلى النسب على مستوى العالم ؟؟. اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، فلماذا العلاقات السرية ، تحت بئر السلم ، والخيانات الزوجية ، والازدواجيات غير الأخلاقية ، التى تقنن الانفلات الشهوانى للذكور ، وتبرر أمراضهم الذكورية القاهرة للنساء ، وتغفر كل انحرافاتهم الجنسية والأخلاقية ، قبل الزواج وبعد الزواج ؟؟. اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، فلماذا " بيزنس " التجارة بالدين ، من الفقهاء والمشايخ وأهل الفتاوى ؟؟. ولماذا ينخر الفساد والرشوة والواسطة ، والمحسوبية ، والكذب ، وسوء استغلال السلطة والنفوذ ، فى جسد المجتمع ، لماذا أخطاء طبية تؤدى الى الوفاة أو الى عاهات مستديمة ؟؟ . اذا كان الشعب المصرى متدين بفطرته ، لماذا يرضى بالفوارق الطبقية البشعة التى تجعل ناس يعيشون كالملوك والأمراء ، وناس تعيش بجانب مكبات النفايات ؟. ان حل المشكلات يبدأ دائما بالتشخيص السليم ، والا جاء العلاج بلا فائدة ، وبلا معنى ، وفى أغلب الأحيان تسوء المشكلة أكثر ، ونكون قد تكلفنا المال ، وبذلنا الجهد ، وضيعنا الوقت ، عبثا ، وهدرا . اذن تؤكد التصريحات التى نقرأها بلا توقف ، عن ترميم وبناء وافتتاح ، المساجد والجوامع ، أن المؤسسات الدينية الرسمية فى البلد ، قد شًخصت مشكلة المسلمات والمسلمين ، هى " نقص فى عدد المساجد والجوامع " ،وأن تجديد الخطاب الدينى ، لا يعدو أن يكون الا تجديدا للمساجد والجوامع ، وأن نقص التدين الحقيقى ، هو نقص فى الصلاة ، وأن زيادة عدد المساجد ، هو الذى يجعل شعوب العالم الأخرى تطمئن ، وتبعد خوفها المتأصل من الارهاب الاسلامى على أرضها . ان حال المسلمات والمسلمين ، فى مصر ، يؤكد بألف مليون دليل ،وظاهرة ، أن مشكلاتهم لا علاقة لها ، بعدد دور العبادة . وتأمل حال الشابات والشباب المسلم ، الذى يكتئب ، أو ينتحر ، أو يعتكف ، أو يطفش ويهاجر الى بلاد " غير اسلامية " ، ليس سببه أنهم حينما يريدون الصلاة ، لا يجدون مساجد تكفيهم . وعندما تصفعنا الاحصاءات والأرقام ، أن البلاد الاسلامية ، فى ذيل دول العالم ، من كل النواحى ، فى نوعية الحياة ، وصحيةالبيئة ، ومستوى الجامعات ، والمستشفيات ، والمدارس ، والخدمات العامة ،ومكانة النساء ، وسعادة الطفولة ، والبحوث العلمية ، وحريات التعبير والنقد ، وعمق الاعلام ، وحرية الدين والعقيدة ، ورقى الابداع ، وعدالة قوانين الأحوال الشخصية ، وانحسار الارهاب ، وغيرها من ضرورات التقدم الانسانى ، ومؤشرات التحضر الفكرى ، والتمدن ، حتى فى حدودها الدنيا . عندما تنبغ امرأة مصرية مسلمة فى الخارج ، بعد أن تركت عالمها المسلم ، وتتفوق حتى على نساء البلد المهاجر اليه ، فى أى مجال ، أيكون هذا بسبب أنها لم تجد فى وطنها ، أماكن كافية لصلاة النساء ؟؟. وعندما يشيد العالم كله بانجازات رجل مصرى ، فى الطب أو العلم ، ترك مصر ، واستوطن بلدايصفونه باحدى بلاد الغرب " الكافر " ، أيكون بسبب غضبه ، لأنه كلما حان وقت الصلاة ، لا يجد له مكانا ؟؟.
نسيت أن أوضح شيئا ، مرتبطا بهذا الموضوع ، أننى كنت أكتب هذا المقال وقت صلاة العصر ، والمسجد المجاور لبيتى ، ماسك الميكرفون بصوته المرتفع جدا ، لمدة نصف ساعة . ويوميا يحدث هذا مع كل آذان . ماذا نصف هذه السلوكيات ؟؟. حتى منع الميكرفونات فى المساجد والجوامع ، فشلنا فيه !!!. الملفت للنظر ، أن السعودية التى صدرت لنا الوهابية المتشددة المتزمتالصحرواية فجة الذكورية والسلفية لمدة نصف قرن من الزمان ، قد تعهدت السعودية بقيادة ولى العهد الجديد محمد بن سلمان بتحقيق رؤية 2030 ، تطوير وتقدم وتغيير فى المملكة من جميع النواحى ، تحت شعار " أمة طموحة .. مجتمع طموح ". وفعلا ، توالت التغيرات التى تنقل السعودية من أزمنة الوهابية السلفية المتشددة فى تزمتها وذكوريتها وتشبثها بفقه اسلامى لا يستجيب لتغيرات العصر والألفية الثالثة ، بعد أن قامت بتصدير هذا الفكر الى مصر ، ومولت أوجه الحياة المصرية لكى تروج وتفرض الثقافة الوهابية السلفية ذات الذكورية الفجة ، وقامت بتدعيم الاخوان المسلمين وجنود الدولة الدينية ، لكى تتحول مصر وهذا ما حدث بكل اسف ، على مدى النصف قرن الماضى ، الى اسلام صحراوى جامد يضطهد النساء والفن والموسيقى والغناء . محمد بن سلمان ، أخذ على عاتقه وتعهد أمام العالم ، الى نقل السعودية الى مسار النهضة والتقدم ومجاراة العصر وتعويض الوقت . لفظ الوهابية ، ومنع تدريس كتب الفقهاء والآئمة والمشايخ المحاطين بقدسية فى مصر ، وأكد على القيم العليا النبيلة ، التى تتوخى العدالة وعدم التمييز ، وأقام حفلات الغناء والموسيقى الفاخرة ، وأوقف هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عن ملاحقة الناس أوقات الصلاة ، ومطاردة غير المحجبات ، وكم أبهرنا باقمة أول مهرجان سينمائى دولى فى السعودية ، وهو مهرجان البحر الأحمر فى جدة 6 - 15 ديسمبر 2021 ، وأحدث ثورة غير مسبوقة فى تاريخ الفقه الاسلامى ، وهو الأخذ فقط بالحديث المتواتر ، وأى حديث آخر، ( الآحاد والخبر ) آ لابد أن يكون متفقا مع نص قرآنى . وأيضا يكون ملائما لمتغيرات العصر والقانون العادل . المرأة السعودية الآن فى حال مزدهر وأعتقد أنها ستقود المزيد من النهضة والتقدم فى السعودية ، فى جميع المجالات ، خاصة فى الفن قال محمد بن سلمان ، الشاب الطموح المتفتح المتقدم المثقف ، أن السعودية لا تتبع أى مدرسة اسلامية ، ولا أحد من السلف أو مدارس التراث " مقدس " ، والاجتهاد المتفتح المستنير متواصل ليقضى على فوضى الفتاوى وعدم عصريتها وتناقضاتها . فى الحقيقة وبالطبع يحاربه ناس من الداخل والخارج ، وفى مصر هناك منْ يعتبره قد أساء الى الأراضى المقدسة ، بما أحدثه من تغيرات واقامة مهرجان دولى للسينما . كل هذا متوقع وطبيعى ، خاصة فى السعودية . لكن ولى العهد يستند الى قوة شعبية من الشباب رجال ونساء ، الذين يؤمنون بالتقدم ويشتهون الحرية ويعشقون الفن ويحلمون بالعدالة والازدهار ، والتوقف عن جعل الدين سلعة للتجارة والمزايدات والوصايا وأداة مقننة لترسيخ التأخر والتخلف والانغلاق . واذا تغيرت السعودية ، فالأمل كبير لضرب التأسلم والتشدد والضحك على الذقون وتكفين النساء وهن أحياء ، حتى فى مصر التى كانت شعلة التغيير الحضارى فى المنطقة ، حيث الشعب المصرى متدين بفطرته . هذا الشعب المتدين بفطرته ، استسلم فى عقله ووجدانه ومزاجه ، للهوى الاخوانى السلفى المتعصب اللاعقلانى متضخم الذكورية ، والآن هاجم فى قطاعات لا بأس بها ، التغيرات فى السعودية ، ورؤية محمد بن سلمان . يعنى أنه " سعودى أكثر من السعوديين أنفسهم " ، أو " ملكى أكثر من الملك نفسه ". لقد سببت التغيرات الجذرية فى السعودية ، ضربة كبيرة للتأسلم التجارى والانغلاق الحضارى ، وتسببت فى الكثير من الحرج للمؤسسات الدينية فى مصر ، التى لم تكن تدين بالوهابية السعودية السلفية ، وتدعى الاسلام الوسطى ، مع شعب متدين بفطرته ، ولكنها عجزت عن انجاز ربع ما تحققه السعودية الآن .
-----------------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذات الشَعر الأبيض .... ست قصائد
-
- الكتابة - وطنى وشغفى .. فرحى ونزفى .. بيتى وقبرى
-
- أعتذر - لأرتقى بنفسى
-
جسمى ملكى
-
حقوق الانسان بين سلطة السماء وسلطة الضمير
-
عذابك يشبهك كثيرا .... أربع قصائد
-
- حقوق الانسان - محنطة فى المتاحف
-
قيامة - ديسمبر - .... قصيدتان
-
أزمة العالم بين - تقدم - مظهرى و- تأخر - جوهرى
-
الأعياد بعد أمى - نوال - .... قصيدتان
-
خمس قصائد ... لذة العيش
-
ثلاث قصائد زمن الخفافيش .. لا أطلب حسن الختام والستر .. لقلب
...
-
تشريع قانون - ازدراء الحرية -
-
المؤامرة ..... سبع قصائد
-
- الله أعلم - لماذا اذن - بيزنس - الفتاوى ؟؟؟
-
تفسخ أخلاقى يغفره الله بالصلاة والصوم والحج
-
مصر ... وطنى وعملية - غسيل حضارة - عاجلة
-
هاربة من الصلاة وعباءات النساء ... أربع قصائد
-
أفتخر أننى بلا - هوية -
-
- صعلوك - يطرق باب الاعتكاف
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|