|
قراءة في الخارطة الجيوسياسيةواحتمالات المرحلة المقبلة
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 1658 - 2006 / 8 / 30 - 04:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
24 /8/ 2006 = = = = = = ــ قبل تحديد احتمالات المستقبل السياسي في المنطقة العربية عموما ً، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً بناءً على المعطيات الراهنة المؤثرة موضوعياً على مجمل المستويات الاجتماعية ـ السياسية ـ الإقتصادية، رأينا أنه من الضروري التوقف عند بعض المفاصل التاريخية التي انعكست أثارها على المناخ الدولي عموماً . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ دخلت المنطقة العربية مع سقوط المنظومة السوفيتية مرحلة تاريخية مختلفة نوعياً وموضوعياً عن المراحل التاريخية السابقة ( وهذا التغيير لا ينحصر في تأثيره فقط على الواقع العربي ) وأعقب هذا التغير الموضوعي القائم على ترابطٍ وتمرحل تاريخي جدلي هيمنة باتت واضحة للولايات المتحدة الأمريكية ولتحالفها الدولي التابع [المطلق والنسبي] بما يتناسب مع اللحظة التاريخية المحددة ، و بما تقتضيه المصالح السياسية و الإقتصادية لهذه الدول ، وأيضاً بما يتلائم مع مقومات القوة لكل دولة ، أو وفق تحالفٍ مرحلي تفرضه السياسة الأمريكية .(موضوعياً من يحدد شكل ومستوى هذه العلاقة هو الطرف الأقوى والمتمثل حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية. ). من هذه الزاوية نرى بوضوح الفارق الكبير بين الأصدقاء الإستراتيجيين التي تعتمد عليهم الولايات المتحدة الأمريكية في لحظة الفصل ، واللحظات التاريخية الحرجة . وبين أصدقاء وحلفاء مرحليين من الممكن التخلي عنهم في لحظة معينة، أو التضحية بهم وزجهم في حقول التناقض الإيديولوجي للسياسية الأمريكية . لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية مرارا اختبار مدى قدرتها على قيادة تحالفات دولية تفترضها مصالحها الحيوية والإستراتيجية منطلقة من قلب أوربة إلى أفغانستان و العراق و( إيران ـ سوريا ) وصولاً إلى لبنان بشكل متوازي ومتساوق ومترابط. وقد نجحت في قيادة بعض هذه التحالفات بامتياز وفشلت نسبياً في بعضها الآخر ، لكنها حافظت على سيرورتها الصاعدة في تحقيق مصالحها الحيوية مستغلة هامشية الدور الروسي ، وضعف الإتحاد الأوربي ، جاهدة بنفس الوقت على ترتيب البيت الأوربي بما يتلائم مع مصالحها الإستراتيجية في ترتيب المنطقة العربية ، والخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، وصولاً إلى تحقيق مشروعها الهيمني المحمل بأهدافه الحيوية والإستراتيجية على المستوى العالمي وفق معطيات سياسية واقتصادية جديدة ، تتمخض إحدى نتائجها عن مشروع شرق أوسط جديد يُفترض أن يتمظهر بأشكال ديمقراطية تدّعيها الإدارة الأمريكية في خطابها الأيديولوجي المشوه والمجزوء في إطار محاربتها للإرهاب الإسلامي ، والنظم الاستبدادية . فيما تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أحد الدعامات الأساسية في نشوء الكثير من الظواهر الإرهابية والاستبدادية المتنوعة الأشكال والمضامين ، على قاعدة التوافق الوظيفي . ــ لقد حملت الولايات المتحدة الأمريكية لواء الديمقراطية المشوه بما يخدم مصالحها في المنطقة في مواجهة الإرهاب الأصولي الغير محدد المعالم [الغائم ـ الضبابي ـ الملتبس] في بعض جوانبه، بعض انقضاء مرحلة المد السوفيتي والذي كان يعتبر العدو الأول لأمريكا لنصل إلى نقطة مفادها أن تحقيق المصالح الأمريكية يقتضي التناقض والصراع العالمي الذي يفترض بالضرورة ويقتضي وجود خصوم وأعداء حتى لو كانوا وهميين. ــ لقد تبادر لأذهان البعض بأن دور الكيان الصهيوني أخذ يفقد أهميته ودوره الإستراتيجي في المنطقة بعد الوجود المباشر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لكن الأحداث الأخيرة في لبنان أثبتت العلاقة العضوية والترابط البنيوي بين المشروع الأمريكي والمشروع الإسرائيلي المندمج والموحد ذلك لكونهم يندرجان في إطار إستراتيجي واحد ليتجلى من جديد مدى أهمية الدور الإستراتيجي للكيان الإسرائيلي في المنطقة باعتبارها تمثل قوة إقليمية وقاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية في مشروعها الشرق أوسطي الجديد. ــ لقد تجدد بقاء واستمرار النظم السياسية العربية في صيرورتها على هامش الصراعات الدولية مستفيدة بنفس الوقت من التناقضات الدولية مما أدى موضوعياً إلى بقاءها حتى الآن رغم كافة التناقضات (البنيوية ) التي تعاني منها متسببة بمجموعة من الإشكاليات المجتمعية (تخلف واستبداد وغياب لدور المؤسسات المستقلة وللفرد الحر والمستقل المغيب في إطار المؤسسات السلطوية ....) لنصل إلى لحظة محددة تاريخياً تتغير فيها موازين الصراعات و التحالفات الدولية لتتحول بذلك الدول العربية عموماً ونظمها السياسية خصوصاً إلى موضوع وهدف تشتغل عليه الإدارة الأمريكية في سياق تحالفاتها الراهنة الهادفة إلى بسط نفوذها على المستوى العالمي ، لنرى بأن التبعية والارتهان لايفضي بالضرورة إلى حماية البعض من هذه النظم من تزايد الضغوط عليها أو حتى الإطاحة بها في لحظه تتناقض مصالح الإدارة الأمريكية مع مصالح هذه النظم وتحديداً في حال استمرار وجودها في إطار أشكال سيطرتها السابقة و التي لم تعد مجدية بل تتناقض شكلياً مع مصالح الإدارة الأمريكية ، لكنها تتوافق معها في العمق السياسي والإقتصادي بمضامينه النهائية ، لكن أشكال سيطرة هذه النظم باتت سبباً للتناقضات الإجتماعية والسياسية الداخلية ، ولا يختلف عمق هذا التناقض إلا شكلياً في حال تبدل القيادات السياسية المسيطرة ، وتحديداً إذا كان التغيير بمستواه السياسي والإقتصادي يتم بمفاعيل خارجية (أو بأدوات من داخل البنية السياسية المسيطر) مما يؤدي بالشكل العام إلى تأبيد غياب الديمقراطية بأبعادها السياسية والإجتماعية ويساهم لاحقا ً في زيادة حدة الإحتكار والتمركز ، وزيادة معدلات الاستغلال وهذا يتناقض جوهرياً مع اليافطات الديمقراطية المرفوعة والتي من خلالها يتم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان ، بمعنى آخر إن السياسات الأمريكية تتناقض موضوعياً مع مصالح شعوب المنطقة ، وليس هذا فحسب بل تترسخ مصالحها بأشكال تتناقض مع الديمقراطية بأبعادها الإجتماعية والسياسية ، مكرسة الاستلاب والاحتكار والاستغلال وفق أطر متجددة لنصل إلى مفصل هام يتحدد بأن مصالح الشعوب السياسية والإجتماعية والإقتصادية لا تتقاطع مع السياسية الأمريكية وفق مشروعها الجديد بل تتناقض معه . وإن أي مشروع مجتمعي راهني تكمن إمكانية تحقيقه بمدى فاعلية التنظيمات السياسية والمدنية ، ومدى وعمق المشاركة الإجتماعية في الحياة السياسية والمدنية . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ لقد ساهم التحول والانعطاف الناتج عن إنهيار المنظومة السوفيتية في نجاح الغزو الأمريكي للعراق واحتلالها بعد إضعاف القطبين ( الإيراني ـ العراقي) في حرب الخليج الأولى ، وتعزز هذا التحول مع حرب الخليج الثانية والاحتلال الأمريكي للعراق و لتتمظهر جلياً المحاولات المتكررة للإدارة الأمريكية في فرض شروطها السياسية والإقتصادية على المستوى الإقليمي في محاولة منها للتحكم الشامل والكامل بمفاعيل المنطقة بكافة مستوياتها السياسية والإقتصادية من خلال تطبيق مشروع الشرق أوسط الجديد . لكن ومع تعثر المشروع الأمريكي في العراق وتحوله من مشروع ديمقراطي موهوم إلى مشروع تقسيم طائفي وسط ساحة مفتوحة لتناقضات مختلف القوى السياسية والدينية ، الداخلية والخارجية، والتي أسس لها النظام الإستبدادي، وساهم في تطويرها وتكريسها لتتحول لاحقاً إلى منطقة خصبة لكافة المتناقضات الوجود السياسي الأمريكي من خلال مساهمته في دعم استمرار بعض النظم الاستبدادية والشمولية في المنطقة . وزاد من حجم التناقضات السلبية للمشروع الأمريكي في العراق تزايد حجم الدمار ( السياسي والاجتماعي والإقتصادي ...) من خلال إتباع سياسيات تقود بشكل أو بآخر إلى حالات من الفوضى السياسية والإجتماعية والدمار الإقتصادي ، وهذا ما حصل نتيجة اعتماد سياسة الفوضى البنّاءة أو الخلاقة بحسب ما سميت والتي من المفترض أن تقود مع تطور المناخ السياسي إلى الديمقراطية . لكن ما تم الوصول إليه في العراق هو فشل المشروع الديمقراطي وارتكاسه ليس إلى ديمقراطية طائفية كما يزعم البعض بل إلى حرب طائفية وقودها أبناء المجتمع العراقي وبناه الأساسية ونتيجة فشل المشروع الأمريكي ، أو تراجعه كما يحلو للبعض تسميته ....، كان من الضروري تطوير وتوسيع ميكانيزمات العمل السياسي الأمريكي في مناطق أخرى ، وذلك من خلال زيادة الحصار على بعض الدول مثل سوريا وإيران و سحب أوراق القوة التي تتمتع بها هذه الدول والتي تتمثل بالنسبة لإيران في الملف النووي ، والعمل على تحطيم حلمها في التحول إلى مشروع إقليمي يوازى في قوته أو يتفوق على المشروع الإسرائيلي في بعض الجوانب والمستويات ، وهذا لاينفي أو يغيب المصالح المشتركة الأمريكية الإيرانية القائمة بخصوص الأوضاع العراقية والعمل على تنسيق الجهود الثنائية لضبط تحركات الشيعة بما يتوافق مع المشروع والسياسة الأمريكية الراهنة في العراق،وممارسة الضغوط عليها بخصوص سلاح حزب الله في لبنان، لتتضح جلياً إمكانية التوافق والتناقض في السياسية الدولية ، مما يدلل على السياسة البراغماتية لكلا الطرفين ، في الاختلاف والتناقض والتوافق السياسي حسب الخارطة الجيوسياسية لكل منطقة، وأيضاً نرى محاولات الضغط على النظام السياسي في سوريا من خلال استصدار قانون / 1559/ على أثر التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود ، و اغتيال الرئيس رفيق الحريري ،وقد صدر هذا القرار بغطاء و تحالف دولي وبدعم بعض الأطراف اللبنانية في محاولة لفرض حصار على النظام السوري ، وتحجيم دوره في لبنان من خلال فرض الانسحاب السوري العسكري والأمني من لبنان ، وتجريد حزب الله من سلاحه ....، وتم لاحقاً استصدار القرار //1680// والذي يؤكد على ضرورة ترسيم الحدود اللبنانية السورية وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين .....لخ . ويضاف إلى ذلك فرض حصار على إمكانية التدخل السوري في العراق لدعم بعض أطراف المقاومة العراقية أو العربية ، ولمنع تسرب المقاومين العرب من سوريا إلى العراق من خلال إغلاق الحدود العراقية السوري ، إضافة إلى إغلاق مكاتب المقاومة الفلسطينية وغيرها في دمشق ، جميع هذه النقاط وغيرها ساهمت في زيادة الحصار والعزلة على النظام في سوريا ، وقلص بالتالي إمكانية التدخل المباشر سواء في العراق أو في لبنان ، ليشكل لاحقاً تمهيداً موضوعياً بحسب ما تدعي الإدارة الأمريكية في إنجاز مشروعها الديمقراطي في لبنان بعد فشلها الذريع في العراق . ـــ ما نريد التدليل عليه من خلال هذا العرض الموجز التأكيد على حالة الضعف والهامشية التي تعاني منها معظم النظم السياسية العربية ، والتأكيد إضافة إلى ذلك على تبعية وارتهان هذه النظم للسياسات الأمريكية ، والذي تأكد من خلال اصطفاف الكثير من الدول العربية خلف القيادة الأمريكية...، إضافة إلى توقيع اتفاقيات بأشكال ومضامين مختلفة سياسية ، إقتصادية ...لخ مع الحكومة الإسرائيلية ،ضاربة بعرض الحائط معظم الاتفاقيات البينية العربية وتحديداً اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية والتي أصبحت من أخبار الماضي والمتناقضة موضوعياً مع كل الاتفاقيات المقامة مع الكيان الصهيوني ، ويترافق هذا موضوعياً على المستوى الإجتماعي العام بتغييب الفاعليات الإجتماعية السياسية والمدنية ........لخ ، مما يفترض بالضرورة سيطرة نظم سياسية شمولية ، تعمل بشكل منهجي على ترويج أشكال ثقافة استهلاكية وتعميم ثقافة الخضوع والهيمنة مبعدة ً المواطن بالدرجة الأولى عن قضاياه الأساسية والعمل على تخريب و تدمير الإنسان من داخله ،وهذا ما يشكل جدلياً الأرضية المناسبة والملائمة للتدخل والسيطرة الخارجية. ======================== = في إشكالية اللحظة الراهنة : ======================== = تتميز المرحلة الراهنة عما سبقها من مراحل بكونها تحمل في آفاق تطورها المستقبلي الفقدان النسبي لأي أمل في التغيير الإيجابي ، وهذا ليس تشاؤماً أو تخيلاً افتراضياً لا يعتمد القراءة الموضوعية.إضافة إلى أن المرحلة الراهنة تدلل بمختلف معطياتها الراهنة على ذلك ، إضافة إلى أنها تحدد بملامحها العامة آفاق وسمات الانفراج المستقبلي المشروط بمجموعة من العوامل الداخلية ( الذاتية ـــ الموضوعية ) والخارجية . ومن السمات المحددة لملامح التغيير المستقبلي يأتي بالدرجة الأولى المناخ الدولي العام والذي يعبر عن استقطاب واضح لصالح السياسية الأمريكية ، وما يدلل على ذلك هو الاصطفاف الشبه الدائم خلف القرارات المتخذة من الطرف الأمريكي والمعبرة بالضرورة عن مصالحها بالشكل العام ، وما الاختلاف النسبي في الأوساط الدولية على البعض من هذه القرارات إلا تعبيراً عن اختلاف المصالح السياسية والإقتصادية والذي يدلل عليها الصراع في تقاسم مناطق النفوذ ، وهذا لا يلغي بالضرورة الهيمنة الأمريكية على المستوى الكوني ومحاولتها الدائمة لقيادة التحالفات الدولية وفق سياستها الإستراتيجية على المستوى الكوني والمعبرة بنفس الوقت عن مدى قدرتها الإقتصادية والعسكرية ...الخ ــــ وهذا يقودنا إلى القول بأن من يقود قاطرة التاريخ هو قوة رأس المال المدعومة بالقوة العسكرية والأدوات والمفاعيل الإقتصادية والسياسية بشكل مترابط جدلياً , و المعبر عنه بوحدة المتناقضات على المستوى الدولي في إطار تحالفاتها المنعكسة بآثارها السلبية عالمياً والمتجلية في زيادة حدة التمركز والتركيز للرساميل المالية والإنتاجية وزيادة معدلات الإستقطاب والاحتكار.... لخ ــــ لقد أدت السياسة الأمريكية المنحازة إلى الجانب الإسرائيلي إلى نشوء فرز واصطفاف اجتماعي وسياسي على المستوى الشعبي يتحدد عموماً بالمعاداة للسياسية الأمريكية المرتبطة بنيوياً بمصالح السياسة الإسرائيلية ، وذلك بحكم الترابط الموضوعي لمصالح الطرفين في إطار المشروع الأمريكي في المنطقة العربية وتحديداً منطقة الشرق الأوسط ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) . ويتعزز الموقف الشعبي الناتج بطبيعة الحال عن الإحساس العفوي لمجريات الأحداث الواقعية ، والمدرك بنسب وأشكال مختلفة لمخاطر المشروع الأمريكي في المنطقة و ما يجري من أحداث على الساحة العراقية وفي مناطق مختلفة من العالم إضافة إلى ما يخطط للمستقبل السياسي والإقتصادي اللبناني والذي تتكشف ملامحه جلية في هذه المرحلة . ــــ ويتقاطع مع المستوى الدولي المنحاز على أساس مصالحه السياسية والإقتصادية خلف السياسة الأمريكية ، تزايد اتساع حدة الفرز الإجتماعي المتناقض في العمق مع السياسة الأمريكية والدولية المشار إليها: ـ بداية تشكل التحالفات المعبرة عن مصالح الفئات المفقرة كونياً والمتضررة موضوعياً من زيادة معدلات الإستقطاب العالمي بالمستوى الإقتصادي والسياسي ، ويندرج في هذا الإطار تزايد حدة التناقض العالمي وتزايد الفرز الإجتماعي الذي يقوم على أساسه تشكل القطب الإجتماعي الأفقر في العالم (أمريكا اللاتينية )والذي يتعزز ويزداد قوة بوصول بعض الأحزاب اليسارية إلى السلطة ، وهذا لاينفي ضرورة التأكيد على بعض الملاحظات بخصوص هذه التجارب على المستوى الإقتصادي و السياسي (ضرورة تطوير التقانة الصناعية ــ تعزيز الحياة الديمقراطية) ، وذلك [لعدم توفر الإمكانية الكافية لمواجهة المستوى الصناعي الغربي الفائق التقنية ، وانعدام الإمكانية الموضوعية في الانفصال عن السياق الموضوعي العام للتطور التاريخي الراهني ]. ـــــ ويندرج في هذا الإطار أيضاً تنامي قوى وتنظيمات وتشكيلات ... دينية ومذهبية مما يزيد تعقيد آليات وأشكال مواجهة المشاريع والسياسات الأمريكية والغير الأمريكية لكون هذه التشكيلات[ العنفية تحديداً ـ والسلمية عموماً ] لا تعبر بشكل دقيق عن مصالح شعوبها ( إلا في لحظات تاريخية ذات خصوصية محددة )،و لكونها لا تقوم بالأساس على برامج سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة المعالم وغير قادرة على امتلاك وتطوير مشروع ديمقراطي مكتمل ومنسجم مع الواقع الراهن والآفاق المستقبلية لصيرورة التطور الإجتماعي ، إضافة إلى ارتهانها للماضي في قراءتها للحاضر والمستقبل ، والمؤسسة على مرجعيات مقدسة لايمكن المساس بها مما يجعل الماضي يمسك بتلابيب الحاضر . ـــــ ويأتي تنامي التيارات الدينية متناغماً ومنسجماً مع تراجع دور التيارات العلمانية بكافة تنويعاتها القومية والماركسية ...لخ ، بعد أن أثبتت التجارب القومية محلياً على أقل تقدير فشلها في قيادة مجتمعاتها للوصول إلى ما تصبوا إليه من تطور على المستويات السياسية والإجتماعية والإقتصادية .... وذلك من خلال ارتباط هذه السلطات كولونيالياً مع المراكز الرأسمالية ، إضافة إلى تكريسها أشكالاً سياسية شمولية متفاوتة نسبياً والتي تعززت بتغييب المشاركة السياسية لقاعها الإجتماعي المقموع عبر ممارسة القمع المتعدد الأوجه والأشكال إضافة إلىالهيمنة السلطوية ـ الجهوية ـ الفئوية ... ، والذي كان في نهاية المطاف يخدم سياسات الدول الكبرى في لحظات تاريخية تفترض مصالحها الهيمنيةالتدخل في هذه البلدان . ـــ أما فيما يخص قوى اليسار وتحديداً في منطقتنا ، فأنها تعاني من إشكاليات مختلفة ومتنوعة أولها الانقسامات الداخلية القائمة على مصالح شخصية وتضخم الأنا الذاتية ـ تزايد حدة التناقضات و الخلافات القائمة على مرجعية معرفية واحدة( الماركسية ـ اللينينية )بتنويعاتها المتباينة ـ النخبوية المتمثلة في الابتعاد عن القاع الإجتماعي وعدم القدرة على تمثيله ...لخ . وقد ساهم في تعزيز هذه الخلافات مجموعة من العوامل الذاتية المتعلقة بهذه القوى تحديداً، إضافة إلى أشكال السيطرة السياسية الشمولية ، وكان الأثر الأكبر في إنهيار المنظومة السوفيتية الداعمة للبعض من هذه القوى . وهذا لا يلغي مطلقاً دور هذه القوى والتشكيلات في قيادة حركة التاريخ الراهني و المستقبلي ، وتحديداً لكونها تمتلك رؤى سياسية وبرنامجية تقوم على أرضية معرفية إنسانية واسعة وعميقة بمقدورها أن تقدم الحلول بالمستوى النظري عن آفاق التطور التاريخي ،إضافة إلى أنها تعبر موضوعياً عن مصالح الفئات المهمشة والمفقرة في كافة المجتمعات رغم ما تعانيه من إشكاليات . ــــ ويتلاقى مع ما أوردناه سابقاً عودة النزعات الإثنية لبعض الأقليات القومية التي كان من المفترض أنها تلاشت في مجتمعات ادعت تجاوز هذه الإشكاليات ، لكنها عادت إلى الظهور بأشكال تبدو في بعض اللحظات وفي بعض الأماكن مهددة للنسيج الإجتماعي عموماً ،ويجب التأكيد هنا بأن تجاوز هكذا إشكاليات لايتم إلا من خلال حلول ديمقراطية تعبر عن كافة التنويعات الإجتماعية وتعيد لهذه الفئات وباقي الشرائح الإجتماعية حقوقها كاملة ً . ــــ نؤكد بأن كل ما أوردناه فيما يخص اللحظة الراهنة يخدم بالضرورة إذا لم يتوفر المناخ الديمقراطي لتجاوز الإشكاليات المذكورة ، المشاريع المعدة للمنطقة سواءً كانت أمريكية أو بإدارة أمريكية تحت غطاء دولي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= انعكاسات اللحظة الراهنة على أفاق التطور المستقبلي : ===========================================
تعتبر اللحظة الراهنة على غاية في الأهمية بما أحدثته وما تحمله من آثار على كافة المستويات ، وفي الكثير من البلدان . وإذا كنا سنحدد آثار هذه اللحظة على منطقتنا بشكل محدد ، فإننا نرى ضرورة التأكيد على ما أحدثته المواجهات الدائرة في لبنان من تأثير على الإجماع الدولي والذي كان قبل هذه الأحداث ، وفي مرحلتها الأولى يتحدد بالشكل العام بما تقرره الإدارة الأمريكية ليتشكل بناءً علية شبه إجماع دولي مبني على أساس مصالح هذه الدول المتوافقة مع سيرورة السياسات الأمريكية ، ولكن الأحداث الأخير أحدثت خللا ً في موازين القوى الدولية لم تكن تقدره جيداً الإدارة الأمريكية ، ولم يكن في مصلحتها بالشكل المباشر ، لتتفاعل المجريات السياسية المتغير والمتطورة منعكسة بشكل مباشر بما يتوافق نسبياً مع المجريات الدائرة على الأرض اللبنانية ، والمعبر عنها في القرار// 1701// بعد أن أحبط نجاح المقاومة العسكرية والإجماع الشعبي والرسمي اللبناني (والشعبي العربي ) على شرعية المقاومة، تنفيذ القرار الفرنسي ـ الأمريكي ، والذي كان يعبر بالشكل العام عن المصالح الإسرائيلية إن إرتفاع وتيرة المواجهات العسكرية ، والانتصارات التي حققتها عمليات المقاومة فرضت على الساحة السياسية الدولية إطاراً سياسياً جديداً بأداء مختلف نسبياً عما كان يجري في المحافل الدولية سابقاً . ـــ لكن التأثير الأخر لانتصارات المقاومة اللبنانية كان على الداخل الإسرائيلي ، وعلى الحكومة الإسرائيلية تحديداً لترى الأخيرة أن فقط توقف عمليات المقاومة يعتبر نصراً لها ، لتتفاعل لاحقاً وتتطور الأزمة السياسية داخل الحكومة تحت وقع اهتزاز هيبتها العسكرية ، وارتفاع الأصوات المعارضة للحرب المدعومة أمريكا ًعلى لبنان والتي تندرج ضمن إطار المخطط الأمريكي للمنطقة والتي كانت أداتها آلة الحرب الإسرائيلية ، ليتشكل مزاجاً على درجة من الأهمية داخل المؤسسة العسكرية والحكومة الإسرائيلية واليسار الإسرائيلي والشارع الشعبي مناهضاً في مواقفه للحرب على لبنان ، و هذه الأصوات لم تكن على نفس الأرضية من الرفض ، بل تتباين وتختلف في تقيمها لهذه الحرب وفق موقعها السياسي . ومن الممكن أن تقوم الحكومة الإسرائيلية تحت تأثير الهزيمة التي منيت بها بفصل المسارات والملفات المتعلقة بالمنطقة وذلك لإفشال التحالفات الإقليمية الراهنة و درءً لأي تحالف إقليمي يمكن أن تواجهه في المستقبل ، ومن الممكن أيضاً أن تفتعل حرباً جديدة مع حزب الله للخروج من أزمتها الراهنة الناتجة عن هزيمتها كما أسلفنا في لبنان ولتغطية التصعيد الإسرائيلي في قمع المقاومة على الساحة الفلسطينية ، وتساهم من خلال ذلك بخروج بعض الأنظمة الإقليمية من أزماتها السياسية المستعصية مساهمة بذلك من حيث تدري أو لا تدري بخدمة هذه الأنظمة. أما تأثير الانتصارات التي أحرزتها المقاومة على المستوى الشعبي فكانت نقطة تحول في التأثير الذي أحدثته على الوعي الشعبي العام من حيث ساهمت في تشكيل التفاف عام حول المقاومة مما أعطاها المصداقية والمشروعية والقوة في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي للمنطقة وتعتبر لبنان أحد مداخله الرئيسية . لكن من الملاحظ بأن مستوى الوعي الشعبي عامة لم يزل في نهوضه محصوراً في القضايا المتعلقة بالقضايا القومية والإقليمية ، بمعنى آخر أنه لم يرتقي لدرجة يعي فيها مصالحه الخاصة والذاتية ، ولذلك نراه بالشكل العام يعود في أعقاب كل حدث إقليمي إلى سابق عهده من الغياب عن المساهمة في القضايا الداخلية والمتعلقة به ذاتياً . لكن هذا الموقف لايمكن تعميمه عربيا ً وذلك يعود في أسبابه إلى مدى ترسخ السيطرة الشمولية للنظم السياسية أولاً ، وإلى فاعلية القوى السياسية ثانياً . لكن في اللحظة الراهنة يمكننا التأكيد على أهمية تفاقم الشرخ القائم والموجود بين الوعي الشعبي عموماً وبين النظم السياسية العربية ، وأثبتت الأحداث الأخيرة للمواطن العربي بأن النظم السياسية الراهنة عاجزة عن القيام بمهماتها في مواجهة التدخل الخارجي رغم الشعارات القومية التي تنادي بها وتدعي العمل بمقتضاها . لكن تمظهرات الوعي الشعبي تدلل على إمكانية توظيف الإحساس والمشاعر القومية للضغط على الأطراف الدولية التي تعمل على صياغة المنطقة بما يتلائم مع مصالحها ، لكن هذا يحتاج إلى أشكال سياسية مختلفة عما هو سائد ومن الممكن القول بأن النظم السياسية المسيطرة تخشى وتخاف على مواقعها السياسية من إمكانية تطور الإحساس والإدراك الشعبي بالشكل الذي يتجاوز في فاعليته ما هو محدد لهذه النظم من أجندات عموماً ، وتحديداً إذا ترافق مع تزايد فاعلية عمل القوى والتنظيمات السياسية والمدنية. ومن الممكن القول بأن المواطن بالشكل العام وصل إلى إدراك مدى قدراته الذاتية في مواجهة التدخلات الخارجية فيما لو أفسح له المجال في التعبير عنها . ـــ أما فيما يتعلق بالنظم السياسية العربية فإنها تندرج عموماً في سياق المخططات المرسومة للمنطقة في إطار تعاونها المباشر أو الغير مباشر مع مراكز صنع القرار الدولي ، وميول بعض النظم العربية واضحةً في ارتباطاها بعلاقات مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة وفي مقدمتها ( مصر ـ السعودية ـ الأردن ـ قطر .. ) ،وبناءً على العلاقة مع الخارج المحدِّد تتحدد العلاقة مع الداخل ، أي إن علاقة الأنظمة العربية بشعوبها تتحدد خارجياً ، وليس بناءً على المعطيات والمهمات الداخلية . ومن خلال هذه العلاقة ولضرورة استقرارها كان يجب أن ينتهي وجود حزب الله و كافة التنظيمات المقاومة عربياً ، للوصول إلى منطقة مندمجة ومندرجة ضمن المخطط المرسوم لها . ومن هنا نرى بأن وجود حزب الله أو حركة حماس والتي تعبر من خلال الحكومة الفلسطينية عن الغالبية الفلسطينية، أو( المقاومة العراقية الوطنية)...لخ . كان يشكل إشكالية لبعض الأنظمة العربية المندمجة ضمن المخطط الأمريكي ،بينما تعمل بعض الأنظمة التي مازالت تدعي العمل بالشعارات القومية الإستفادة من هذه التنظيمات كأدوات لتعزيز مواقفها التفاوضية ولتحقيق موقع أفضل على المستوى الإقليمي في المرحلة المقبلة ولكسر جدار العزلة المفروض عليها حالياً . إن النصر الذي أحرزته المقاومة اللبنانية شكل إشكالية كبيرة بالنسبة للدول المندمجة ضمن المخطط الأمريكي وتحديداً على مستوى علاقتها مع داخلها الشعبي الذي تجلى بممارسة العنف والقمع في مواجهة التحركات الشعبية ، وهنا يجب التأكيد على أن العلاقة مع المخطط الأمريكي تستدعي القمع الداخلي أي تغييب المناخ الديمقراطي .( في دول تدعي أمريكا إنها حققت خطوات في مسيرتها الديمقراطية ...). أما فيما يتعلق بالدول الداعمة للإرهاب حسب التعبير الدارج للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية فإن انتصار المقومة اللبنانية شكل لها دعماً على كافة المستويات السياسية ،لكن حصادها لنتائج النصر المحقق جاء من خلال خطاب سياسي أعجز من أن يستفيد من اللحظة الراهنة . لقد توقعت هذه الأنظمة بأن هذا النصر الذي حققته المقاومة سيحقق لها مكانة إقليمية متميزة باستغلالها اللحظة السياسية الراهنة جيداً لكن جاء الرد من المجتمع الدولي ، بأنه لا يوجد مكان حتى في لحظة تراجع المخطط الأمريكي لأنظمة قائمة على دعم الإرهاب وتكرس وجودها بممارسة الاستبداد ، سواءً في المرحلة الراهنة أو في المستقبل في منطقة تعمل الإدارة الأمريكية على أن تكون خاضعةً لشروطها السياسية والإقتصادية . ومن الداخل اللبناني كان الرد واضحاً بأن مستقبل لبنان المستقر يتمثل في استقلاله عن الصراعات والحسابات والتوازنات الإقليمية ، ولن يكون أداة في أيدي قوى إقليمية أو ساحةً للصراعات الإقليمية بعد هذه اللحظة . ومن الممكن أن يكون المتغير اللبناني زاد من حدة العزلة المفروضة على هذه الأنظمة ، وزاد أيضاً من حدة الضغوط المفروضة عليها في سياق تطورات إنهاء الملف النووي ، أو في إطار لجنة التحقيق الدولية بما يتعلق باغتيال الرئيس الحريري والشخصيات اللبنانية الأخرى . وأيضاً من الممكن أن تحاول الحكومة الإسرائيلية على التوصل مع النظام السوري إلى تسوية سياسية لإنهاء قضية الجولان في إطار فصل المسارات والملفات العالقة في المنطقة بشكل يتوافق مع المخطط الأمريكي المرسوم للمنطقة، وفي إطار التنسيق المشترك بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية والمعبِّر بطبيعة الحال عن المصالح الإسرائيلية بالشكل الذي يساهم في خروجها من أزماتها السياسية في المنطقة .لتتأكد من جديد القدرة الدبلوماسية السياسية للحكومات الغربية وتحديداً المصطفة خلف القيادة الأمريكية على تجاوز إشكالياتها الراهنة في لحظة تراجع وتيرة إنجاز مشاريعها ، ولتعود من جديد العجلة السياسية والدبلوماسية إلى الدوران بوتيرة أسرع بعد فشل العمليات العسكرية عن إنجاز ما كان موكل لها ، وكل هذا يأتي في سياق الغياب الرسمي العربي عن الفاعلية السياسية الدولية ، وفي إطار تغيب فيه الفاعلية الشعبية عن ساحة التعبير والتي من الممكن الإستفادة منها في إطار العمل السياسي الرسمي المفاوض للوصول إلى نتائج إيجابية ، لكن في السياق السياسي المتبع على المستوى الرسمي العربي يفترض أن تغييب كافة الأشكال الإجتماعية المستقلة لتبقى المؤسسات الرسمية ـ التابعة للسلطات الراهنة هي الشكل الوحيد المتاح في التعبير عن المزاج والإحساس الشعبي العام. بمعنى آخر يترافق تنفيذ المخطط المرسوم مع غطاء عربي ودولي استفادت منه الحكومة الإسرائيلية والإدراة الأمريكية جيداً، وتساوق هذا مع تغييب رسمي و قسري للفعاليات الإجتماعية المستقلة بشكل يتقاطع موضوعياً مع مصالح الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية . إن النصر الذي حققته المقاومة ، ساهم ويساهم بشكل غير مباشر في تدعيم وتكريس المظاهرالإستبدادية لنظم تقوم على السيطرة الشمولية ، وفي هذه النقطة لايمكن تحميل المقاومة الإنعكاسات السلبية التي من الممكن أن تتمظهر في الممارسات السياسية لبعض الحكومات العربية ، لكن ضمن الرؤية السياسية لبعض السياسيين والمثقفين والفئات والشرائح السياسة الرسمية والمعارضة ، فإن نصر المقاومة يشكل إعاقة حقيقية للمشروع (الديمقراطي الأمريكي ) مما يساهم في تدعيم مواقف الدول الممانعة لهذه المشاريع ومما يؤدي بشكل طبيعي إلى زيادة هيمنتها على القرار السياسي والإقتصادي ، وتكريس التغييب الشعبي و السياسي عن أي فاعلية سياسية أو مدنية مستقلة عن القرار الرسمي ، وأي تفعيل اجتماعي مدني أو سياسي مستقل فإنه سيُعتبر كالعادة عملاً يقود إلى زعزعة الأمن الداخلي أو يستدعي بشكل أو بأخر التدخل الخارجي أو ....لخ ،ولو قدر للمقاومة أن تفشل في مواجهتها الحالية فإن مصير هذه الحكومات المزيد من الحصار الدولي وبالتالي المزيد من العزلة الدولية مما يعزز بالتالي من تسارع وتيرة تنفيذ المشروع الأمريكي ، ويترافق هذا الميل على المستوى المحلي مع زيادة الممارسات الاستبدادية والإقصائية بدافع الاستهداف الخارجي لهذه الدول ، أي لكونها تقع في دائرة الاستهداف الخارجي المباشر والمعادي لمسيرتها (الوطنية والقومية ...لخ ). وهنا نرى بأن الحكومات الرسمية تؤكد على أن الخارج في كل الأحوال هو الخطر الدائم والداهم للاستقرار الوطني ، وأي تحرك سياسي داخلي يجيّر بالضرورة لخدمة المشاريع الخارجية ، وبالتالي فإن تهم الخيانة والعمالة مع الخارج في انتظار العاملين بالشأن العام . وقد تختلف هذه اللوحة نسبياً في البلدان التي حققت فيها القوى السياسية حضوراً أفضل وتجذر اجتماعي أكبر رغم أنها تعاني من انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان ، وتضييق دائم على تحركاتها . ــ أما فيما يتعلق بتأثير انتصار المقاومة المدعومة شعبياً في الداخل اللبناني فمن الممكن أن تساهم في تزايد الضغوط السياسية على تكتل / 14/ آذار مما يؤكد فعلياً بأن سلاح المقاومة لايمكن نزعه بممارسة الضغوط و التدخلات الخارجية السياسية منها أو العسكرية ، بل يخضع بشكل فعلي إلى التفاعلات السياسية الداخلية ، إضافة إلى ارتباطه في هذه اللحظة موضوعياً بإنهاء ملف مزارع شبعا وملف الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية مما يرجح بأن نزع سلاح المقاومة سيتم بناءً على مآل الملفات العالقة و التطورات السياسية الداخلية القائمة على مجموعة من التناقضات والتي من الممكن في حال وصول الحوارات الوطنية الداخلية إلى طريق مسدود أن تؤدي إلى صراعات داخلية وتحديداً إذا أكدت بعض القوى السياسية الداخلية على ارتباطاتها مع القوى الإقليمية والدولية مما يجعل الساحة اللبنانية ساحة صراعات إقليمية ودولية تعززها القوى الداخلية بالوكالة ، وقد حاولت بعض الجهات الإقليمية وما زالت تعمل على إثارة النزاعات الداخلية ، لكن الأداء والفاعلية السياسية الداخلية تدلل على نضوج الأطراف السياسية اللبنانية بإستثناء الطرح المتسرع لنزع سلاح المقاومة ، وهذا لاينفي بالتأكيد على أن الساحة السياسية اللبنانية مفتوحة للكثير من التجاذبات والتناقضات الإقليمية والدولية مما يجعل منها بؤرة توتر دائمة إذا لم تعمل الحكومة اللبنانية وباقي الفرقاء على تجذير الحلول الديمقراطية بعيداً عن تأثير القوى الخارجية ذات المصلحة في إثارة التوتر الداخلي وتعزيز الانقسامات السياسية والطائفية التناحرية ، وإذا لم ترسخ الحكومة سيادتها ديمقراطياً على كامل لبنان . إن عدم تحول لبنان إلى ساحة نزاعات إقليمية من جديد مرهون أولاً بالفاعلية السياسية المستقلة للقوى الوطنية اللبنانية ، وثانياً إيجاد حدود وحلول لتدخل القوى الإقليمية والدولية المثيرة والداعمة للتوترات والنزاعات اللبنانية الداخلية والكف عن استخدام بعض الأطراف لبنانية والساحة اللبنانية في حل الصراعات الإقليمية والدولية .ثالثاً : بسط سيادة الدولة ديمقراطياً على كامل المساحة السياسية والجغرافية الوطنية في لبنان . ــ أما فيما يتعلق بأثر المرحلة الراهنة على القوى السياسية فإنه لايمكن فصله عن الإطار العام لانعكاسات اللحظة الراهنة ، وبالتالي فإن المناخ العام مترابط في تأثيره ومختلف نسبياً في حدة تأثيره على المستويات المتنوعة ، وبالتالي لن يكون تأثير اللحظة الراهنة بنفس الأثر على كافة المستويات والفاعليات،لكن التأثير على الفعاليات السياسية يترابط بالشكل العام مع ما يقع من تأثير على الحكومات ، ولا يخفف من حدة الإنعكاسات السلبية على هذه القوى إلا التأكيد على تطوير تحالفاتها الداخلية القائمة على الأهداف السياسية المشتركة والمرحلية بالشكل العام ،ومن دون أن يعني هذا تغييب الخلافات البينية ، والعمل على تكريس وتوسيع وتعميق وجودها الإجتماعي والإستفادة من المتغيرات الدولية بما يعزز وجودها السياسي والاجتماعي وهذا يفترض الإدراك الموضوعي لما يطرح من رؤية ديمقراطية (أمريكية) للمنطقة ومدى توافقها مع المصالح المجتمعية، أم أن المشاريع الإجتماعية مرهونة فعلياً بجهود أبناء المجتمع نفسه وقواه السياسية مع الاحتفاظ بإمكانية الإستفادة من المناخ العام والمتغيرات الدولية لإنجازها . ــ وهذا يوصلنا إلى نتيجة مفادها إن دائرة الاحتمالات التي تنتظر المنطقة مفتوحة ومتنوعة ، وإن المخرج من الوقوع في تنفيذ المشاريع المعدة للمنطقة والتخفيف من حدتها في اللحظة الراهنة يكمن في انفتاح الأنظمة العربية على الداخل ،وتوسيع دائرة المشاركة الإجتماعية والسياسية في صناعة القرار الوطني والبدء بعمليات التغيير والإصلاح الداخلي ( داخل مؤسسة السلطة ـ وداخل المجتمع ). ... ــ لكن: هل الحكومات العربية قادرة على فتح أبواب المشاركة الإجتماعية ؟ أم أن مثل هذا الانفتاح يهدد وجودها واستقرارها الراهني القائم على الشمولية ، أي يتناقض وجودها مع توسيع الدائرة الديمقراطية ....؟ . ــ وهل هي قادرة فعلياً على إنجاز ماهو منوط بها من تغييرات سياسية واقتصادية . أم أنها تعاني من أزمة بنيوية تتناقض كلياً مع أي خطوة تغيرية وإصلاحية ؟؟ ( انتهى )
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدل اللحظة الراهنة
-
الوهم الديمقراطي
-
ضرورة التلازم بين المستويين الديمقراطي والتنموي في ضبط التنا
...
-
الرأسمالية الراهنة
-
بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|