|
بين فشل الادارة التربوية و أزمة البيداغوجيا، المنظومة التربوية - في مهب اللجان
علاء الدين حميدي
كاتب .
(Hmidi Alaeddine)
الحوار المتمدن-العدد: 7111 - 2021 / 12 / 19 - 01:17
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
“تربية أساسيَّة تتضمَّن تعليمه عملا يدويّا نافعا يجعله منذ بداية تعلّمه عضوا نافعا في المجتمع ”.
غاندي
يُقصد بالاصلاح عموما الوصول إلى مستوي أفضل وذلك بالقضاء على الأخطاء والعيوب إضافة الي تجاوزها و معالجتها،و إصلاح التعليم هو الاسم الذي يتم إطلاقه على العملية الهادفة الي تحسين التعليم و تطويره. و تاريخيا، أخذت الإصلاحات في مجال التعليم بتونس أشكالاً مختلفة باعتبار أن أهداف القائمين عليه كانت تختلف وتتغير حسب طبيعة النظام الحاكم و حسب الفترة الزمنية، و قد شهدت المدرسة التونسيَّة منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عديد التجارب الإصلاحيَّة في مجال التعليم. تعود أولي الاصلاحات الي زمن بورقيبة حيث كانت اصلاحات 1958 تهدف أساسا الي سد حاجة الدولة الملحة للاطارات بغاية تعريب الادارة التونسية و تقليص الاعتماد على الفرنسيين، غير أن محدودية الخارطة التربوية و ارتفاع الانقطاع المدرسي في مختلف المراحل التعليمية كان أحد أهم العوائق أمام هذه الإصلاحات، و من بعدها كانت اصلاحات1991 الهادفة الي تعريب اللغة بالمدارس و المعاهد ، مرورا باصلاحات مدرسة الغد لسنة 2002 التي مثلت اصلاحات النظام القائم في تلك الفترة. وصولا الي الحوار المجتمعي حول التربية الذي دُونت مُخْرجاتِه ضمن "الكتاب الأبيض، مشروع إصلاح المنظومة التربوية في تونس" الصادر في ماي 2016 وبه تم تضمين "المخطط الاستراتيجي القطاعي التربوي 2016-2020".
لكل نظام سياسي رؤية و اصلاحات ، و لكل حكومة لجانها و مخرجاتها، و لكل رئيس أجنداته و أهدافه، وقد كانت أجندة التعليم في زمن الرئيس الحبيب بورقيبة و من بعده بن علي تهدف أساس الي الـتركيز أساسا على العلمانية في البرامج التونسية و الحد من تأثير الفكر الإسلامي و انتشاره. و الثابت لدينا أن واقع المدرسة التونسية لا يزال مُحتاجا لرؤية اصلاحية استراتيجية طويلة المدي تعنى بالشأن التعليمي التربوي تستمد قوتها و شرعيتها من القيم الثابتة و المرجعية الحضارية و الدينية للشعب و ترتكز علي مؤسسات استراتيجية ثابتة لا متغيرة و لا مرتبطة بظرفيات تغيير وزير أو حكومة.
لئن شغلت مسألة الإصلاح التربوي وتطويره جل اهتمام السياسيين والتربويين فتعددت الاصلاحات و تعددت اللجان الا أن مخرجاتها ظلت هي نفسها و ظلّت الوجوه المشرفة هي نفسها : التأكيد علي تردّي أوضاع المدارس من حيث البناءات والتجهيزات، عدم كفاءة الاطار المُسير و أليات الانتداب، الترفيع في عدد ساعات التدريس و التمدرس، تربية الناشئة و غرس العديد من القيم لديهم، تربية التلميذ أولوية وطنية مطلقة دون أن تجد هذه اللجان حلولا فعلية للنقاط السوداء التي تؤرق المدرسة كعلاقة الأسرة بالمدرسة والصحة النفسية للمربين وواقعهم المادي و تكوينهم المستمر اضافة الي التسرّب المدرسي والعنف بكل مصادره وضحاياه داخل الفضاء المدرسي وخارجه. وكلّ هذا يندرج ضمن أحادية القرار و اقصاء الأولياء و ممثليهم ناهيك عن الخضوع للحسابات و الأجندات الحزبية الضيقة.
و هذه المخرجات كلها في تقديرنا، لا تلامس الواقع، اذ تبتعد عنه و عن التشخيص العقلاني الرصين لواقع المنظومة التربوية في تونس.. و الواضح لدينا أن المدرسة التونسية ابتعدت عن جانبها الشعبوي العمومي الي الصبغة النخبوية الاقصائية فطفت علي السطح ظاهرة الانتقاء و الاهتمام بالأذكياء المتفوقين و اهمال البقية ،و يتمظهر ذلك جليا من خلال المدارس و المعاهد النموذجية، و المدرسة الشعبية تُعرق بكونها المدرسة التي لا يمنع الفقر فيها التلميذ الطالب للعلم من تحصيل العلم ولا يدفعه الى مغادرة مقاعد الدراسة مبكرا و سن صغيرة، فالمؤكد لدينا أن واقع المدرسة التونسية بات يقتضي حتمية تفعيل الشراكة مع كل المنظمات والجمعيات والنقابات ذات الصلة المباشرة بملف إصلاح المنظومة التربوية على أساس التفاعل الايجابي والتعامل الشفاف بعيدا عن تكريس مبدإ الولاء الايديولوجي والسياسي وتقبل كل الأراء والاقتراحات فالرأي الواحد دوما ما يُؤدي ،معظم الأحيان، الي الانغلاق والتحجر. لا شك أيضا أنه ومن الأسباب الأساسية لتفاقم أزمة المنظومة التربوية التونسية عدم مبالاة الكبار قبل الصغار، استهتار وتقاعس البعض من المدرسين وضعف قدرات الإطار المسيّر للمدرسة، ولنا في المديرين الذين عيّنتهم النقابات بعد أحداث 2011 خير دليل، إضافة الي المحاباة في الانتداب، و لنا في عدم ارجاع نتائج مناظرات الانتداب في وزارة التربية التونسية خير دليل، أضف الي ذلك ضعف البرامج التربوية التعليمية الخاضعة للنّزعة الموسوعيّة ، وهو ما أفرز برامج جديدة – قديمة تميَّزت بطول محاورها، لأنّها كانت تسعى إلى الإلمام والشّموليّة. وهو ما انعكس سلبا على مردودية المنظومة التعليمية التربوية وعلى مستوي خريجي المدرسة التونسية الذين باتوا يُعانون من ضعف كبير في اللغات وعجز كبير في التواصل. إن المتتبّع والمهتم لشأن المؤسسات التربوية في تونس يُدرك بأن التهميش قد مسّ جُلّ المؤسسات التربوية، وبأن سرطان الدروس الخصوصية قد استشري في الوسط المدرسي وبات عبئا ينخر جسد المدرسة التونسية، وحتى الكفاءات القليلة الموجودة في التربية قد أُلحقت بوزارة التعليم العالي، دون أن ننسي العمل النقابي العاجز عن تقديم البدائل والبرامج و عن الدفع نحو النهوض بالمدرسة و المُتخذ من المطلبية المادية سبيلا. إن من أوكد الأمور اليوم كخطوة أساسية أولية ،في اعتقادي، لمحاولة إنقاذ ما يُمكن انقاذه هو مراجعة القوانين المتعلقة بتسيير المؤسسات التربوية و إقرار ألية الانتخاب لخطة مدير مؤسسة تربوية، ناظر دراسات و لبقية الرتب الإدارية الأعلى كمُدَرَاءْ جميع مراحل التعليم ، كاهياتهم و غيرها من الرتب الادارية في مختلف مواقع هرم القيادة الادارية التي ينظمها الأمر عدد 1245 الصادر في أفريل سنـــ2006ـــة إضافة الي السعي نحو ترسيخ مبدأ الاستقلالية في توزيع جداول الأوقات و الانتدابات العرضية التعاقدية بهدف سد الشغورات بعيدا عن وصاية الإدارات الجهوية بما يكرس لاستقلالية المؤسسة التربوية ويفك ارتباطها بها وبما يمنح الحرية الكاملة للمشرفين عليها في رسم و تحديد سياسات المؤسسة و علاقاتها مع محيطها وفقا لخصوصياتها. إن الواقع يُؤكد لنا بأن مسيري الادارات الجهوية قد أفسدوا على مديري المدارس والمعاهد التربوية حياتهم الادارية، فترسّخت البيروقراطية والتعقيدات الإدارية والتنظيمية دون أن ننسي سوء التصرف الإداري والمالي الذي طال المؤسسات التربوية وخاصة من قبل المشرفين علي الإدارات الجهوية المختصة في البناء و التجهيز التابعة لوزارة التربية..
يعتقد العديد بصلاح المنظومة التربوية من بوابة الجانب البيداغوجي. والحال أن هذا الاعتقاد يُعتبر رؤية جزئية لعملية الإصلاح التربوي يري في العمل التربوي بيداغوجي بالأساس ويُعدم الجانب الإداري فيُغيبه عن ساحة الاصلاح التربوي ... وقد كانت هذه الرؤية الأكثر شيوعا وتداولا بين مُختلف الأطراف الفاعلة في الحقل التربوي الي حين الحوار الأخير الذي أرسي لدعائم الإصلاح الإداري.
#علاء_الدين_حميدي (هاشتاغ)
Hmidi_Alaeddine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..
-
في ذكري المسار الثوري في تونس.. هل يتحقق يوما ما علّقه التون
...
-
المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا.
-
الذكري 170 لإلغاء العبودية في تونس.
-
إشكالية التزكيات المزورة في ظل ثغرات القانون الانتخابي.
-
تسقط المناسبتية وتحيا المرأة أبديا.
-
البحث العلمي في تونس بين الواقع و المنشود ( الجزء الأول )
-
كانت يومها المرّة الأولي.
-
ثماني و ستون سنة علي الاعلان العالمي لحقوق الانسان ،مالذي تغ
...
-
الكيان الصهيوني ، اعتداءات متكررة علي السيادة الوطنية التونس
...
-
الذكري 170 لالغاء العبودية في تونس .
-
الفكر الاصلاحي في تونس ..هل من سبيل لاحيائه ؟
-
هل هناك تعارض بين متطلبات حماية الأمن الوطني للبلاد ضد الإره
...
-
الارهاب يعزف ألحان رشاشاته في تونس _هل هو كتاب فتح عليها ؟ أ
...
-
المناضل الثائر ارنستو تشى جيفارا....كيف كان سبتصرف مع ( أدعي
...
-
المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا ( الجزء الاول)
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|