رقية كنعان
شاعرة وكاتبة
(Ruqaia Kanaan)
الحوار المتمدن-العدد: 1658 - 2006 / 8 / 30 - 04:09
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عن دار الشروق في عمّان وبدعم مالي جزئي من وزارة الثقافة في الأردن، صدرت المجموعة القصصية الأولى للكاتبة رقية كنعان بعنوان عبور الروبيكون، و المجموعة تقع في 112 صفحة و تتنوع بين قصص سبق لها النشر في الانترنت والمجلات الأدبية المختلفة وأخرى تظهر للمرة الأولى.
من قصص الكتاب: خفقات متقاطعة، أشيلوس، ريموت كنترول، حق الليلة الأولى، عمّان بلا خسائر وغيرها. الكاتبة معروفة بحبها للتنقل بين أكثر من غصن أدبي وتفضل أن لا تحصر بلقب قاصة أو شاعرة إلى آخر ما هنالك من ألقاب تخصصية، وهي تمارس الترجمة الأدبية أيضا و سبق ان أصدرت من ترجمتها وعن دار الشروق مجموعة قصصية بعنوان بيت الأشباح للكاتبة الأشهر فرجينيا وولف.
ها هي آراء بعض الكتاب الذين قرأوا المجموعة وأحبوا المشاركة في كتابة بطاقة تعريفية لها:
محمد جبر الحربي: زوربا يرقص من جديد
رقية كنعان اسم شعري موجع يشدك إلى فضاء الألم الذي عاشته أمة لم يتوقف نزفها, ولكنه في نفس الوقت يحيلك إلى أفق الفأل بكاتبة بديعة تعيد للقصة القصيرة جمالها وحضورها الذي أفسده التجريب الذي لا يستند إلى قاعدة ثرية, ولا إلى ذائقة تتكحل بضوء إرث حميم, ومفردات حياة تختزن من اللون ما لا تستطيع المدارس الفنية جمعه.
في هذه المجموعة الجميلة التي تنطق بلسان عربي مبين, وأرضية عربية تعيدك دونما تقليد لزمن شرق المتوسط المنيفيّ الجليل ألماً وتألقا, سترى حضوراً مدهشاً للحوار الذاتي والخارجي, وستكتشف دواخل النفس القلقة, وترددها حيال التفاصيل مهما كانت صغيرة أومهملة.
لقد تمكنت القاصة رقية برقيّ, وبشكل يبعث على الفرح الصادق غير العابر على إذابة مخزونها ومرجعياتها الثقافية داخل البنية القصصية.
وهاهي بمهارتها تبعث زوربا للرقص من جديد, حينما تمسح نتوءات الادعاء المعرفي الذي يشكل عائقاً أمام كثير من النماذج القصصية التي نقرأها اليوم, والتي أصبحت معضلة مزعجة أمام تواصل المثقف مع هذا الإبداع الرفيع, ناهيك عن القارئ العادي الذي هو في النهاية أس للكتابة, وللفعل الثقافي.
لقد أمسكت رقية بكل أدوات القص, ولكنها وبحذر باد وصلت إلى تخوم التحديث دونما بهرجة أو اصطناع.
رقية كنعان اسم سنتذكره دائماً لقاصة ومبدعة تدهش البياض حقا, وتزيد أعيننا دهشة حين نعلم أن هذا هو عملها الأول, وكنزها الذي تريد إشراك الجميع في فتح غموضه, محاره, وذهبه المدفون منذ عصور.
في هذه المجموعة التي أطربتني بإيقاعاتها السحرية تدفق أنهار, وإحالات روافد لا تنتهي لمرجعيات ثقافية واجتماعية رصدتها عين مدربة, وعقل جميل, وهي لا تمر برتابة كما في كثير من الكتابات القصصية التي نطالعها اليوم, ولا بغموض من أجل نرجسية التعالي الذي يصيح بالناس ولا يُسمع, بل بجمال متناسق سلس يدفعك للوقوف إجلالاً لتقول: وهذه قاصة عربية تضع نفسها في الصف الأمامي لمبدعاتنا العربيات, دون مضخات إعلامية, ودون بريق زائف.
رقية كنعان الكاتبة الجديدة, موغلة في تقاليد الكتابة حتى لكأنها تكتب قبل أعمارنا اللاهثة..
وهي هنا تمطرنا بتجربة خصبة في زمن مجدب, أو هكذا ظننا حينما ظلمناه خطأً.
فشكرا للكنعانية أنْ نبهتنا لتقصيرنا الكبير مثقفين ومؤسسات في دعم الجمال الذي بين أيدينا, ولكننا يا للغبن لا نراه.
د. مقداد رحيم: كاتبة ذات منحى
رقية كنعان قاصة أردنية ذات منحى، وهي كذلك لأنها متأنية صابرة حتى الكسل، وإذا كان الكسل من الصفات غير الحسنة على أية حال إلاَّ أنها صفة ساعدت رقية على أن تتحف قارئها بما هو أنيق من الكلام الذي يتشكَّل قصة آناً، ونصاً شعرياً آناً آخر، وروايةً تلوح في الأفق آناً ثالثاً، ونصاً مفتوحاً آناً رابعاً.
وإذْ أقول هي ذات منحى فلأنها تهتمُّ بنظم الكلام، بمعنى أنها تهتمُّ برصف ألفاظها لتشكل منها نصوصاً ممتعة في ذاتها، وهذا ما أردتُهُ بالأنيق من الكلام، فهي لا تفرِّقُ كثيراً بين أنْ تكتب نصاً قصصياً أو نصاً شعرياً أو نصاً بلا هوية، فهويته الكلام المُتقَن الذي يسيل عذوبةً وجمالاً، ولهذا السبب فإنَّ قصصها لا تسمح للقارئ بالملل مهما كانت موضوعاتها، وإذا كان لابد من التمثيل فلابد من الإشارة إلى قصة "عبور الروبيكون" وقصة "أشيلوس" اللتين نالتا من القاصة الدرجة الرفيعة من التجلّي والاعتناء اللغوي.
ويجدر بي أن أبادر إلى الإشارة إلى موضوعاتها حتى لا أتيح لقارئ كلماتي هذه الظن بأنَّ من الموضوعات لديها ما يقلُّ شأنُهُ، فألمع إلى طرافة الكثير من موضوعاتها وتمتعها بالكثير من الجرأة والشفافية، وأقول الجرأة والشفافية لأن من الموضوعات ما اختصتْ بالرجال من الأدباء دون النساء لتُشكل ما يسمَّى بالأدب الذكوري الذي تعهدتْهُ مجتمعاتُنا بالترحيب ولم تعترض عليه منذ طفولة الأدب العربي إلى الآن.
إنَّ " عبور الروبيكون " مجموعة قصصية جديرة بالقراءة، ولاشكَّ في أنها ستثير الكثير من الجدل في الأوساط الأدبية.
د.عزيز التميمي: الكتابة في ثغر الجدار
حتى نرى الشمس علينا أن نزاول برؤوسنا بين الجدران، وحتى نتلمس الدروب لأحلامنا علينا أن نواجه متاهة الحوار مع الوثن المتجسد في سطوة الشارع الملتف حول قاماتنا، وحتى نتمكن من تدوين حكاية العشق فينا علينا عبور غابة التأريخ الهجري والميلادي، وفي لحظة اعتقادنا الابتسامة نجدنا نبلل شفاه غادرها المطر ونرسم للعيون حيرة أليفة تمدنا بما يجعل من سبيل الهروب يسير، لماذا نلتقي ونحن لانملك خرائط واضحة المعالم ترشدنا لخيوط حيرتنا التالية، كل شيء فينا يتقاطع مع الآخر، نحضر في أماسينا الباردة حتى نؤكد تلاشينا في بخار فناجين القهوة، نمد كفوفنا لتصافح لحن البكاء فينا، ننسج الحلم في دفاترنا مثل طفل بريء وجميل ونطوي أيامنا لنجعل من الحكاية وريقات صفر متكسرة، تجمعنا المنافي في خيام المأساة وتفرقنا اللغات التي لم نألفها يوماً، نخوض المشي فوق جمر الفجيعة لنقترب، وحينما نتقابل جالسين ندرك عري المسافات في جسد الطاولة التي تلمنا .
كل هذه التساؤلات والهواجس تثيرها فينا تداعيات سرد قصصي يغرينا بالمنطق تارة وبالمشاكسة تارة أخرى، يوحي لنا بالهناك، ذلك المكان المتخيل في صفحات إرثنا المعطلة، مقاهينا ومجالسنا في أعقاب الحروب والهزائم، أزمنتنا المدونة في حكايات القوّالين، تحثنا لغة السرد على مغادرة مجراتنا المكسوة بغبار الشعارات والتآكل لتجوس فينا وضح اللحظة الآنية، اللحظة التي طالما بشّرنا بها وتوعدنا ذواتنا في معاقرة الحياة عند تخومها، لحظة الانسجام مع كينونات تخصنا وتعرّف عنا، وتكشف لنا حقيقة الفشل الذي دونته لافتات القهر والإلغاء فينا، "معك أمضي ما دام الشارع يمتد بنا وليته لا ينتهي "، الذوات تتمنى أن تكون حتى لو كانت الكينونة فوق سطور المجهول الممتد حيث لا نهاية واضحة تختم نشيجه، يأخذنا السرد لحقول دافئة ثم يورطنا في مفازة يحاصرنا فيها كل من الحلم والكابوس، ويدعنا نرتجي أيما لحظة قدسية نختصر فيها هذا الوهن والتردد، يستدرجنا إلى مسرح ضاحك ليمارس ضدنا الكيد، يقتنصنا في خلوتنا ووقوفنا المزمن أمام لوح المرآة، ويفضح قداستنا الوهمية، عوراتنا المفترضة وأكاذيبنا المسيسة، يحثنا لعبور الروبيكون المتماهي في ضواحي مدننا وقرانا، الوقوف ضعف والعبور حمق ومابين الضعف والحمق تمر القوارب الورقية المحملة بأضغاث أحلامنا المحتضرة.
الكتابة لحظة هدم أحياناً، ولحظة خبل أحيان أخرى، وفي كلا الحالتين نحدس أننا نتعرى لكثرة الهدم من حولنا حتى لنشك في سقوط قاماتنا، نحاول التمرد على نمطيات التنظير فنمارس الخبل اللذيذ، الخبل الذي يهيئ لنا رؤية حقول الخيبة فينا، نرتجف في أحايين كثيرة ونحن نتوقع لحظات التحول التي تبذر المرارة في مفاهيمنا تحاصرنا، تفضحنا، تمزق كل مقدماتنا الاستهلالية، تسمعنا شيئاً من تعامينا، تغابينا، حتى لتدعنا نفقد لحظة صوابنا ووصايتنا على أبجديات الطاعة في طقوسنا، وحتى نرى البدر لابد لنا من ثغرة في شفة الغروب تمكننا من تعليق مسوداتنا وتناقضاتنا على هدب الليل، ولحظة الكتابة في هذا التجاسر السردي لهي لحظة تعرية للتشويه الذي تراكم وشكل صدأ الخطيئة في رؤية الواقع المرتكز على ملابسات وتلفيقات تداخل فيها الإرثي بالاجتماعي، والأخلاقي بالديني حتى أُنتج التقليدي النمطي الذي يحاكي الآني من خلال منظومة مشوهة معتلة، في زمن تكدس المخطوطات التي ترث الكساد تتطاير عند أفق المجالس المتخمة بالتبجيل والتنكيل صحائف الخوف من الذوات المقهورة، التماثيل المحرمة وخدور الجواري الممنوعات من الصرف، هناك عند مشارف الحواري تبعثر الريح الأوراق الصفر وتسمي الكنى والحقائق، تعلق الرموز والأوثان في مقابض الريح والسراب، وتجعل لحظة الارتجاف مساس حروف عناوين المرارة.
الكتابة في المنطقة الممكنة، حيث التنوجد يؤدي بالفعل لمسرح الحدث، الكتابة في زحمة الأسماع وزحمة اللغط الممسوس بالتعرية، هنا، هناك، التجسس اللذيذ الذي يمازح الذكريات والأشياء، السخرية المنهمرة في ترويض الكلمات، العبث، النداءات المغزولة في سحنات الغبشة، السواقي المملوءة بالرماد المحفورة في تضاريس وجوه ناحلة أنهكها الصمت والعذاب، هكذا تلامس وجداننا قصص هذا الروبيكون المتصيد لأحلامنا وكوابيسنا، بلغة مهادنة مقصودة تجتزئ الوعي المخصب بالتأويل، تطرق دروب الذاكرة بأنامل التراثي والقدسي، المحكي المعلن والمخبأ بحياء التكوين، تستلهم الفكرة دون عناء أو ارتباك، تحادث فينا اليومي المكرور والعبثي الطارئ، تقترب من حركة أرواحنا في سرد الأمنية والحلم العانس، تنسل في خيباتنا لترسم كرات اللهاث وهي تهرول أسفل جلودنا، تسافر مع طفولتنا وتحضر في خريفنا، تتجسس في خبايانا عن خيبة قسرية، بطولة وهمية، سذاجة صارمة، عشق منفي فوق سطوح مغلقة أو في دروب محشو بالأجساد كل الوقت.
قصص عبور الروبيكون تشبهنا، تحاكي صورنا لحظة انبثاق الخجل، البكاء، الندم، التأرق، تفند الخرس فينا، تفضح انكسارنا في برد التقاليد، تشتمنا، تشير إلى ملامحنا المكسوة بغبار التباريك، تهزأ من كرات الظل المتدحرجة وراءنا، تبصق في أخيلتنا المحتفلة بأنانا ونرجسيتنا، ترافقنا ونحن نندس خلسة في هيكل المدينة، في الأنفاق المهجورة حينما ترفضنا الحانات والألفة، قصص عبور الروبيكون تواسينا لحظة فقدان الوضوح، تشاطرنا البؤس الموروث بصحائف ومدونات أسلافنا، تنادي فينا ما تبقى منا، تتحسس خلجات الحزن المؤبن في سكوت ملامحنا، تسيح معنا، في ذات الدروب المكسوة بآهاتنا وعذاباتنا، تشاطرنا رقصاتنا المجنونة ونحن نطارد فراشات الأحلام في الأزقة المخنوقة بأنفاسها، في الطرقات الهاربة من عويل الكائنات، في المقاهي والساحات العامة، في تدوينات العشق المفترضة عند حواف السنين المكبوتة في صناديق التقليد والقداسة، بجمل مرهفة واسترسالات رشيقة تغرينا هذه التنويعات السردية في ممارسة يوغا التخيل بذاكرة متوثبة مستفزة، ذاكرة متواصلة دوماً وارتحالنا الأبدي في سفر كينونتنا المتجسد أبداً بذات الفصول والوجوه، بانوراما الوجع تتجانس وسيمفونية الوجدان في إشراقة أدبية لافتة لا نملك حيالها إلا التواصل.
#رقية_كنعان (هاشتاغ)
Ruqaia_Kanaan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟