|
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-16
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1658 - 2006 / 8 / 30 - 10:59
المحور:
القضية الكردية
تواصل الشعوب كياناتها اللغوية والثقافية، في الوقت الذي تقوم فيه البنى الثقافية المتشابهة في الشرق الأوسط بتطوير مشاعر الأخوة والتضامن بين الشعوب، لم تتردد الطبقات الحاكمة في خلق عداء إيديولوجي وسياسي بين الشعوب، وتمارس سياسة "فرق ـ تسد" بهدف تسهيل حكمها، كما لم تتردد هذه الطبقات في التحريض على الحروب الدينية والطائفية وتجعل من ذلك سياسة أساسية لها، بينما يستطيعون إنهاء هذا العداء في يوم واحد عندما يخدم ذلك مصالحهم، ويتركون الحروب الطائفية والعشائرية مستمرة لمئات السنين، ولكن علاقات الصداقة والأخوة بين الشعوب هي العامل الحاسم المصيري في الأيام الصعبة، وهذا هو الجانب الذي يغذي الحضارات من جذورها، وعندما ننظر إلى الأمور من هذه الزاوية، نرى أن ثقافة الشرق الأوسط، هي بمثابة اتحاد لشعوبه، وتشكل الأرضية القوية الراسخة لفيدرالية ديمقراطية، لم تتطور ثقافة مشتركة مشابهة في أمريكا ولا في أفريقيا ولا في الشرق الأقصى ولا في أوروبا حتى الآونة الأخيرة، بل كانت التفرقة والعداء سائداً، وفي الحقيقة نرى أن الثقافة السياسية في الشرق الأوسط تمتاز بخصائص نمط الفيدرالية، فقد كان الحكم الذاتي للمقاطعات واسعاً ومنتشراً منذ السومريين وحتى العثمانيين، حيث كان الاعتراف بالكيانات الثقافية والأثنية هو الأساس، ولا يتمسك أحد بسياسة إزالة المجموعات الثقافية والأثنية في أية إمبراطورية ما عدا الآشوريين، بينما كانت العوامل الدافعة إلى الوحدة والتقارب هي العوامل المصيرية. لقد جعلت المصالح الطبقية والسلالات أجواء الانقسام والمواجهات مستمرة، كشرط من أجل الصراع على السلطة، إن الأساس المادي لهذه المواجهات ينحصر بالمصالح العائلية والأسرية فقط، ويبقى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ممكناً على المدى البعيد عن طريق أخوة وتضامن الشعوب ووحدتها على الأرضية الثقافية في جو من الاستقرار، وتمتلك ثقافة الشرق الأوسط مشاعر التضامن والأخوة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، ويجعل التداخل الجغرافي والديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضرورية كسياسة مشتركة، أما الوحدات المنعزلة المعتمدة على التعصب القومي والعشائري والقتال الطائفي، فهي لا تملك إمكانية الاستمرار أو الدفاع عن نفسها، ولا يمكننا أن نقول بأن الشريحة العليا تقوم بإجراء التحليل الصحيح لهذا الواقع الموضوعي، وإلا فإنها لم تكن تقدم على تبني سياسة تمزيق الشعوب عن طريق الحروب الأثنية بين المدن في القرون الأولى، والقتال الطائفي والديني في العصور الوسطى والصراع القومي في العصور الحديثة، ولكنها جعلت هذا التوجه فناً للإدارة السياسية لديها. وجدت الطبقة الاستغلالية الحاكمة خصائصها المميزة في الشريحة العليا الكردية، بشكل أكثر سلبية وعاشت بطريقة أنكرت فيها كيان ثقافتها وتحركت بطريقة وروح استسلامية للقوى الخارجية، وهذا هو ما يميزها عن غيرها، إن هذه الطبقة هي المسؤولة الأولى عن التطورات السلبية في التاريخ الكردي، ولولاها لحدثت تطورات إيجابية، فهي لو استطاعت مواصلة الوفاق بشكل متوازن وتميزت بالتصميم بدلاً من الخصائص المذكورة، فإن سياسة اقتصادية وسياسية كردية تتخذ من المساواة في الحقوق والحرية أساساً لها، ستؤثر على تطورات الشرق الأوسط إيجابياً،وستؤثر على سياسات المنطقة، لأن الكرد يتواجدون في وسط مركز المجموعات الثقافية والجغرافية الهامة. إن الخاصية الأخرى الموجودة في الظاهرة الاجتماعية للكرد هي امتلاكها لقوة تذويب وصهر المجموعات التي تعيش بينها، فعلى الرغم من ذوبان الكرد في المؤسسات الأجنبية الحاكمة من الناحية السياسية، نرى أن هناك مجموعات كثيرة تدور بين الكرد بسبب بنيتها الاجتماعية القوية، أي أن هناك محاولة لإقامة توازن بين ضعفها من الناحية السياسية وقوتها من الناحية الاجتماعية، لقد جاءت مجموعات أثنية كثيرة إلى مناطق الكرد وعاشت بينهم عبر التاريخ ولم تتخلص أي مجموعة منها من الذوبان الطبيعي فيها، ابتداءً من الأستيكيين حتى الهلينيين، المجموعات ذات الجذور السامية وحتى التركية، لقد استمرت هذه الأجواء حتى أواسط القرن العشرين عندما بدأت الرأسمالية ببسط نفوذها وسيادتها على العالم، حيث بدأت مرحلة معاكسة بعد تفوق المجتمعات المجاورة من النواحي القومية والاجتماعية والاقتصادية بواسطة رأسمالية الدولة، وواجه الكرد مرحلة صهر وذوبان كبيرة، ولم يستطع المجتمع الكردي الصمود أمام الثورة الصناعية للعصر الرأسمالي، رغم تواصل تفوقه في العصور الوسطى استناداً إلى الثورة الزراعية والحيوانية التي حققت تحول العالم في العصر النيوليتي، وبدأت مرحلة الهبوط وتعرض الكرد للذوبان من الأطراف الأربعة، ولم يتوقف هذا التوجه إلا بالتدخل بمعرفة من الحركات السياسية، واستطاعت الحركة الوطنية الكردية إيقاف مسار الذوبان والصهر القومي والثقافي حتى وان لم يتحقق نجاح سياسي جاد فقد نجحت هذه الحركة في إحياء القضية الكردية. كان الكرد متقدمين على جوارهم في كثير من النواحي الاقتصادية والاجتماعية في القرون الوسطى، لقد أتاحت الظروف الجغرافية الملائمة والتراكم التاريخي إمكانيات تطور البنية الاقتصادية والاجتماعية للإقطاعية بسرعة، ووصل استقرار العشائر المتنقلة في الأرض إلى أبعاد متقدمة في هذا العصر، وحقق المجتمع المستقر تفوقاً على المجتمع المتنقل، ولكن البنى العشائرية التقليدية المتنقلة حافظت على وجودها بدرجة هامة، واكتسبت روح العبودية لدى أقنان الأرض عمقاً رغم طابع الثقافة العشائرية التي تقدم الحرية والمساواة، ومع ذلك بدأ تأثير البنى الذهنية والروحية للإقطاعية في البنى العشائرية، ونال كل من رئيس العشيرة وآغا الأرض مواقع اجتماعية متشابهة، وبدأ الفكر والسلوك على النمط الإقطاعي يظهر تأثيره في مؤسسة الآغا والنظام العشائري مع مرور الزمن. لقد تطورت التجارة في كردستان تحت إشراف التجار العرب وحقق الاقتصاد المالي تقدماً، وأدى هذا الوضع إلى تسريع التجارة واكتسابها ثقلاً، وكانت صناعة المعادن والحرف بيد الأرمن والآشوريين تقليدياً، وأدى هذا الوضع إلى تمركز الأرمن والسريان في المدن، فقد كانت الحرف والتجارة العمل الأساسي لسكان المدن، وكان التجار العرب والحرفيين الأرمن والسريان يشكلون سكان المدن بشكل أساسي، وبالمقابل زادت كثافة الكرد في الريف والسهول العالية بشكل عام، وكان الكرد والشرائح الاجتماعية الفقيرة تقوم بدور البروليتاريا المتذبذبة في المدن، ويتأكد هذا الوضع الموضوعي من خلال تمازج الحركات الباطنية المتمردة، فالذين شكلّوا الأساس الجماهيري لتلك الحركات كانوا من الريفيين الذين هاجروا بسبب الاقتصاد الريفي والبنية العشائرية التي بدأت تتزعزع. إن سيطرة الدولة المركزية التي ازدادت مع كل يوم وتجمع ملكية الأراضي في أيدي فئة قليلة، جعلت الفرز الطبقي حاداً وأدت إلى انفجار الحركات الباطنية، حيث كانت هذه الحركات تضطر للانتشار تحت الستار المذهبي والطرق المختلفة في ظل ظروف المجتمع الإقطاعي على مدى القرون الوسطى، ولم تدخل على شكل إيديولوجية حديثة أو علمية أبداً، كما لم تتمكن الطبقات من كسب أسماء خاصة بها وبمصالحها كتعبير علمي عنها إلا في العصر الرأسمالي. أكدنا سابقاً أن المجموعات الأثنية شهدت تغييراً في الشكل نحو مفهوم الأقوام، وهذا التوجه اكتسب سرعة عند الكرد، وتأتي ظاهرة القوم بعد الظاهرة الأثنية، وتعبر عن الارتباط بالأرض والالتزام الاقتصادي والاجتماعي الطويل الأمد الأساس المادي للتوجه إلى هذه الظاهرة، بينما الشكل العشائري يكسب أهمية في الظروف شبه الرحالة والانطواء إلى الداخل، كما يؤدي الاستقرار الطويل الأمد إلى القروية وهي بدورها تؤدي إلى الفرز الطبقي، لقد أزداد الفرز الاجتماعي الذي كان محدوداً في الوحدات العشائرية مع الاستقرار في الأرض والقرية، وتدخل المساحات الواسعة والسكان تحت إشراف الإمارات الإقطاعية وهي ظاهرة تتجاوز الاطار العشائري من حيث المعنى وتصبح روابط أمة وقومية، وأدى تصاغر الأسرة إلى إضعاف العشائرية مع أن الفرز الطبقي في المدن كان أكثر تطوراً، وتمتلك المدن بنية سكانية متداخلة، أما في الريف فقد تطوّرت الوحدة العشائرية المستندة إلى لغة وثقافة مشتركة والى معرفة مفهوم القوم مع مرور الزمن.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دول الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس
...
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|