|
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والثلاثون
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 7107 - 2021 / 12 / 15 - 23:41
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ضع العملات الذهبية على طول الطريق
كافىء القارىء بالنقاط العالية ..... فى المنتصف على وجه الخصوص
كيف تحافظ على مسير القارىء خلال قصتك ؟
كنا قد وصفنا فى السابق ثلاث تقنيات تفى بهذا الغرض : الأنذارات ، الأحداث المثيرة ، ومحركات القصة .
يقدم دون فراى تقنية أخرى من خلال المثال التالى : تخيل انك تمشى على طريق ضيقة فى عمق الغابة .
تمشى مسافة ميل لتجد عند قدميك عملة ذهبية . تحملها وتضعها فى جيبك وتكمل المسير ميلا اخر لتجد ، بكل تأكيد ، عملة ذهبية أخرى .
ماذا تفعل حينها ؟ تكمل المسير لميل اخر بحثا عن عملة أخرى بالطبع .
مثل صاحبنا الذى يسير فى الغابة ، يُكون القارىء كذلك توقعات عما يختبىء له فى الطريق .
حين يواجه القراء معلومات وتفاصيل مملة فى البداية على وجه الخصوص ، سيتوقعون مزيدا من المادة المملة فى القادم من القصة .
أما حين يقرأ القراء سردا زمنيا فإنهم سيتساءلون عن الحدث القادم .
فكر فى العملات الذهبية على أنها تفاصيل تكافىء القارىء ، البداية الجيدة فى حد ذاتها مكافأة ، والكتاب المحترفون لديهم ما يكفى لوضع شىء براق فى النهاية ، مكافأة أخيرة ، دعوة للقراء ليعودوا إلى قراءة أعمالهم .
ولكن ماذا عن المساحة بين البداية والنهاية ؟
من دون حافز العملات الذهبية ، قد ينتهى الأمر بالقارىء إلى الانجراف خارج الغابة .
بيد أننى لم أقابل قط كاتبا وإن كان من كبار الكتاب ، كان قد تلقى المديح على إبداعه فى كتابة منتصف القصة ، وهو السبب الذى يجعل الاهتمام بالمنتصف ضئيلا .
يقول المحرر المعروف بارنى كيلغور : " أسهل ما يستطيع القارىء فعله هو التوقف عن القراءة " .
قد تظهر العملة الذهبية على هيئة مشهد صغير أو حكاية : " انثى حيوان كبير ذو قرون أسفل تتهادى عند السياج ثم تعدو نحو السهل ، بحوافر تطبل بقوة " .
هذا مشهد بديع " تمتم راعى بقر " . وقد تظهر العملة كذلك على هيئة حقيقية مفاجئة : " البرق .. يُخشى أشد الخشية من قبل أى رجل ممتط فى سهل مفتوح ، وكثير من رعاة البقر لقوا حتفهم على يده " .
وقد تظهر كاقتباس معبر : " قال السيد ملر : معظم رعاة البقر الحقيقين الذين أعرفهم ماتوا منذ زمن " .
هذه العملات الذهبية الثلاث ظهرت فى قصة فائزة تناولت ثقافة رعاة البقر الاٌيلة للزوال ، وهى بقلم بيل بلندل الذى كتبها لصحيفة وول ستريت ، وهى صحيفة تأخذ مسألة مكافأة قارئها على محمل الجد ، وأحيانا على محمل الهزل .
من الموضوعات الشائعة فى الدراسات الشكسبيرية ، أهمية الفصل الثالث . الفصلان الأولان يقومان بالبناء والتصعيد نحو لحظة تحوى تجليا أو فعلا قويا . بينما يقوم الفصلان الأخيران بحل التوتر ، الذى يتكون فى منتصف مسير المسرحية . بعبارة أخرى يضع الشاعر عملة ذهبية هائلة تماما فى منتصف مسسرحيته .
لقد اختبرت صحة هذه الفكرة فى أعظم مسرحيات شكسبير التراجيدية لأجد هذا النمط مكتملا فيها جميعا .
فى الفصل الثالث من " هاملت " ، يصنع الأمير الشاب مسرحية فى قلب المسرحية ليكشف بها غدر الملك ، وفى " عطيل " ، يحرض اللاجو الخائن ، الشخصية الرئيسية على الاقتناع بخيانة زوجته له .
وفى " الملك لير " . يعرى الملك العظيم تماما من كل شيى ليترك ، مولولا وسط عاصفة .
لقد قررت خوض تجربة أدبية ، متسلحا بأدلة تثبت وجود الذهب فى المنتصف . ومشيت نحو مكتبتى والتقطت أول عمل أدبى عظيم وقع عليه نظرى ، وكان رواية " هكلبيرى فن " للكاتب مارك توين .
كانت نسختى ، التى صدرت عن " ماى رفيسدا " تحتوى على اثنين وأربعين فصلا ، فقفزت نحو المنتصف _ الفصل 21 _ لأرى ان كان الكاتب قد خبأ بعضا من الذهب لم يخب ظنى .
يروى " هك " حكاية مضحكة عن ممثلين شكسبيرين رديئين يجوبان الأنحاء بمسرحيتهما ، مدمرين صيت الشاعر الكبير بتمثيلهما المشين .
بذلك أصبحت أشهر مقولات شكسبير خليطا من عبارات مألوفة : " أكون أو لا أكون ، تلك المسألة المحض " .
وأتساءل إن كان استخدام توين لهذين الممثلين التافهين فى منتصف روايته للسخرية من المشهد المركزى لمسرحية هاملت محض مصادفة .
هذا يجرنى إلى الحديث عن عملتى الذهبية المفضلة على الإطلاق ، وهو مقطع من تحقيق كتب فى العام 1984 بقلم بيتر راينيرسن لجريدة سياتل تايمز .
ظهرت العملة الذهبية فى فصل طويل ضمن سلسلة عن صناعة طيارة جديدة ، هو بوينغ 757 .
الفصل الذى تناول الهندسة ، على سبيل المثال ، تضمن تفاصيل لا نهاية لها عن باب الركاب ، واحتوائه على خمسمائة جزء جُمعت بواسطة 5900 مسمار .
حالما بدأ أهتمامى بالتلاشى ، وصلت إلى مقطع وصف كيفية اختبار المهندسين لسلامة نوافذ قمرة القيادة ، والتى تتعرض دائما لاصطدام الطيور بها :
" تتعامل بوينغ بحساسية مع ما يتعلق بموضوع اختبارات الدجاج ، وتوضح أنها ملزمة من قبل إدارة الطيران الفدرالى على اجرائها " . اليكم ما يحدث :
تخدر دجاجة حية تزن 4 أرطال وتوضع فى كيس بلاستيكى رقيق ، للتقليل من قوة جذب الحركة الهوائية .
يوضع حينها الطائر المحفوظ فى كيس داخل مدفع ضاغط للهواء .
ثم يقذف بالطائر نحو نافذة الطائرة بسرعة 360 عقدة وعلى النافذة تحمل الاصطدام .
ويقال ان هذه التجربة قذرة . لم يكن اجتياز الاختبار يتطلب خروج الزجاج ذى سماكة البوصة الواحدة ، والذى يضم طبقتين من البلاستيك ، منه من دون خدوش ، وإنما يجب ألا يخترق . يعاد الاختبار تحت ظروف متعددة :
تبرد النافذة باستخدام النيتروجين السائل ، أو تطلق الدجاجة نحو منتصف النافذة أو حافتها .
" نحن نمنح بوينغ خيارا " ، يقول بيرفن مازحا . " إما أن يستخدموا دجاجة تزن أربعة أرطال بسرعة 200 ميل فى الساعة .
أو دجاجة تزن 200 رطل بسرعة أربعة أميال فى الساعة " .
بعد القراءة عن اختبار الدجاجة ، لا يستطيع أى أحد أن يفكر فى السفر عن طريق الطيران أو الكولونيل ساندرز بالطريقة ذاتها مرة أخرى .
فى حين يعلم كتاب الروايات والنصوص السينمائية قيمة النقاط العالية الدرامية أو الفكاهية فى القصة ، يواجه الصحافيون قصورا معينا .
فأعمالهم مثقلة للغاية لدرجة تدفع بالمحرر المتفانى إلى ارتكاب الفعل الخطأ للسبب الصحيح .
يقول المحرر المعجب بالكاتب : " هذا اقتباس رائع " ، فلنرفعه الى الاعلى " .
"سيتعلم القراء الكثير من تلك الملاحظة . فلنرفعها الى الاعلى " . وهكذا دواليك . رفع المقاطع الجيدة الى البداية يكرم المادة ، ولكنه قد يضر بالقصة .
والنتيجة هى اعلان خادع . بذلك ينتهى الأمر بالقارىء إلى ثلاث أو أربع فقرات جذابة ، متبوعة بالفائض المسموم الذى ينجرف إلى القاع .
والى الاداة الثانية والثلاثون فى مقال قادم
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثلاثون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة التاسعة والعشرون
-
عذابات الشعب الفلسطينى
-
نحن بشر
-
حكاية ولاء
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثامنة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة االخامسة والعشرون
-
بنت عسولة
-
أخلاق الضباع
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الرابعة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثانية والعشرون
-
# أشجار _ مصر من ينقذها
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والعشرون
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة العشرون
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة التاسعة عشرة
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثامنة عشرة
-
كتابة وجنس
المزيد.....
-
أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج
...
-
مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
-
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا
...
-
وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص
...
-
ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي
...
-
صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س
...
-
السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا
...
-
مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال
...
-
وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
-
واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|