|
ما معنى أن نكون مجتمعا حضاريا متقدما؟
زهير ساكو
باحث في الفلسفة
(زهيٌ سçكو)
الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 14:27
المحور:
المجتمع المدني
لا شك أن هذا السؤال يحمل في ثناياه جوابا صريحا يقضي ألا نكون ننتمي إلى مجتمعات متخلفة غير قادرة على فهم واستيعاب روح حضارة العصر. ألا نكون مجتمعات غير مواكبة للتغيير والتجديد اللذين يطبعان المجتمعات المتقدمة والقائمة على الإنفتاح الواعي الحر والإرادي، وليس على استيراد قهري لتجليات ونتائج روح الحداثة دون المشاركة في بناء الأسس. وعليه، فإما أن نكون من أهل الجدة ذوو الفراسة والنباهة، أو أن نكون مع من تجاوزهم التاريخ منشدّون إلى الوراء. فالصنف الأول) وإن كان التصنيف ليس قدرا إلهيا أبديا( يتطلعون دائما وأبدا إلى الأمام بفعالية يريدون أن يتجاوزوا واقعهم وتحقيق إمكانياتهم والتحرر من وهم هويات السلف الصالح، والإيمان بالماهيات المتعددة والمتنوعة وذلك انسجاما مع نغمات ولوحات الطبيعة. لكن الصنف الثاني فهو على العكس من الأول يريد أن ينزع الحركة من صميم التاريخ، والتغيير من عمق الحضارة، والتجديد من روح الأحداث. يبدو أن المجتمعات المتخلفة غالبا ما تتأسس على ثقافة الخنوع والرضى بما هو كائن، تستكفي بأوضاعها وبأحوالها. تستمجد موروثها التاريخي وترى فيه تحقيقا للخلاص وانفكاكا من ثقل الوجود ولا سبيل للرقي إلا بإعادة إحيائه ومعاودة عيشه كما هو. إنها ثقافة السكون والمكوث والبحث عن هوية مجهولة في غياهب التاريخ . فلكي نكون مجتمعا حضاريا متقدما، لا بد أن يكون لدينا موقفا اتجاه العالم، موقف مبني على إرادة واختيار، وليس على التبعية والرضوخ. فأن تريد معناه أن تكون قادرا على الفعل بكل عزم ووفق تفكير وتخطيط مسبقين قابلين للتعديل وإعادة التعديل، مستوعبين للجدلية اللاثابتة واللامتناهية بين النظرية والواقع. وأن تختار، يعني أن تدخل غمار السباق والتصارع الحضاري بكل وعي وبمسؤولية صارمة. حيث الإنفتاح على الأخر المختلف والتنافس معه ليس أمرا هينا، بل هو طريق محفوف بالمخاطر. نتساءل اليوم، أمام عالم يوصف بالقرية الصغيرة، هل يمكن تحقيق هذا التقدم وهذه الحضارية دون كسب حقيقي لخيرات العلم والتكنولوجيا؟ هل من سبيل واقعي للخروج من التخلف دون المشاركة الفعّالة في إبداع الفنون وإنتاج العلوم؟ تحرير العقول ودفعها نحو الإبتكار وتمكينها الأدوات اللازمة لذلك، لا يتأتى بالقمع وتعنيف المربيين والمربيات، المعلمين والمعلمات ، وإمطار الموطنين ببرامج وبقرارات فوقية موجهة من قبل قوى بنكية سفاكة للدماء وقاطعة للأعناق، بل بالإنصات لما تريده الجماهير والعمل على تطبيق إرادته وتحقيق تطلعاته. وعليه، تبنى الشعوب بالأمانة وليس بالخيانة، بالثقة وليس بالغدر. تبنى وتدبر الشؤون العامة للأمم بمعايشة أحوالها اليومية وبمناصرة أصوات ورغبات أفرادها قولا وفعلا. بالتماهي والتحايث لواقعهم وليس بالتعالي عليهم والنظر إليهم من المكاتب المكيفة والفنادق الناعمة والفلل الباذخة. تدار الشعوب بالعلم وبالتشجيع على عشقه ومحبته، وليس بتنفيرهم منه، حيث الاكتظاظ في المدارس وإغلاق المسارح ووضع للدسائس، وإبلاء القوم بأشباه المثقفين والصحفيين، وأندل السياسيين والفنانين، ثم إيهام الناس بأن الإصلاح ات فلا داعي للوساوس. إن اللحاق بالسباق الحضاري والحصول على مكانة رفيعة وسط العالم ضمن أهل التقدم والتمدن يقتضي منا، أولا وقبل كل شيء، أن نرى أنفسنا في مرآة الأخر المتقدم بروح نقدية وبعقل تفكيكي يفضح ويفصح عن أوهامنا وخرفاتنا. وبمناهج عقلانية قادرة على مواجهة واقعنا المتخلف محاولين تغييره جذريا وليس بستره ومحاصرته، حيث الترقيعات والإصلاحات المرحلية والارتجالية. هكذا، فإما أن نكون متقدمين حضاريين، أو أن نكون متخلفين راضين بما نحن عليه. فالاختياران بينهما برزخ لا يبغيان، الأمر الذي يعني أنه لا خيار ثالث لنا. لهذا، فالانضمام لأهل العلم والمدنية يقتضي من ناحية أخرى استيعاب روح العصر والذي لا يتحصّل إلا بالمساهمة الفعّالة في إنتاج المعرفة العلمية، وفي الإبتكار النشط للأدوات التقنية التي تتطلبها الحياة اليوم. هكذا، فالتقدم والحضارة والعلم والتعلم هي متطلبات غير مفصولة، إنها كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه البعض. نتساءل أين نحن من هذا كله؟ ما الذي هيأناه لكي نكون حضاريين متقدمين؟ هل نريد فعلا لمؤسساتنا "مؤسسات التنشئة الاجتماعية" أن تكون قادرة على صناعة مواطن حر ومسؤول، يستطيع الإبداع؟ هل تقدر هذه المؤسسات اليوم على بناء أفراد يتمتعون بروح المواطنة وقيم الإنسان الكوني الذي ينظر إلى الأخر المختلف بعين التسامح وبضرورة الحوار؟ إلى أي مدى مؤسساتنا هذه تستطيع إكساب الناس قيمة احترام الفضاء العام، قيمة أن يحبوا ذواتهم وأن يكنوا أنفسهم؟
#زهير_ساكو (هاشتاغ)
زهيٌ_سçكو#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضعية المنطقية: مبادئ وأصول.
المزيد.....
-
إعلام: ترامب يعتزم توقيع أمر تنفيذي للانسحاب من مجلس حقوق ال
...
-
الأونروا: الأوضاع الصحية بغزة متدهورة.. وأجساد المواطنين لم
...
-
اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام
-
الجامعة العربية تبحث ملف الأونروا
-
بيان عربي جديد ضد قرارات إسرائيل بحق الأونروا وتهجير الفلسطي
...
-
الجزيرة نت تكشف مصير الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى الخارج
...
-
أوكرانيا تطالب بإنقاذ أسراها من عمليات الإعدام الروسية
-
مستوطنون يقتحمون مبنى الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس المحت
...
-
مستعمرون يقتحمون مبنى -الأونروا- في حي الشيخ جراح
-
الجامعة العربية: حظر الأونروا يقوض أسس حل الدولتين
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|