بحث في الحرية والديموقراطية (2)
أسس الديموقراطية :
ومع تطور المجتمعات والبنى الاجتماعية تطور فهم الشعوب لمستوى ، وعمق العلاقات الديموقراطية ، لتشمل مجمل العلاقات في المجتمع بدءاً من الأسرة ، والمدرسة ، والحي ، ومركز العمل ، والنشاط الاجتماعي ، حتى مستوى العلاقة بين الشعب والحكام .. ولكي تتحقق العلاقات الديموقراطية السليمة لا بد من توفر ظروف اجتماعية يسود فيها مناخ الحرية والعدالة .. كما ترافقت الدعوة إلى الديموقراطية بالدعوة لتطبيق مبدأ المساواة . ولا بد من الاستدراك هنا للقول بأنّه قد أسيء كثيراً فهم مبدأ المساواة لدرجة أنّ البعض شبهه بوضع الناس على سرير بروكرست Procrustes ..(8) وذلك بالدعوة لمساواة الناس في جميع مجالات الحياة ، ولقد جلب هذا الفهم وتطبيقاته الويلات للمجتمعات التي حاولت تطبيق النظام الاشتراكي في أوائل القرن العشرين .. فالدراسة المعمقة للإنسان من مختلف جوانبه البيولوجية ، والفزيولوجية ، والنفسية ، والعقلية في مختلف المجتمعات ، وعلى مر العصور تثبت أنّ الناس لا يمكن أن يتساووا لا طموحاً ، ولا عقلياً ولا بنيوياً ، فهل يُعقل أن نقسرهم على المساواة ؟!
عالج علماء الاجتماع هذه المشكلة مبينين أن المقصود بالمساواة في النظام الديموقراطي هو حرية الاستفادة من الفرص المضمونة للجميع على قدم المساواة .. ليس بالضرورة أن يحوز الجميع على نفس النتيجة ، بل هناك فرص متكافئة ، ومتساوية للجميع في حرية أن يسعوا للحصول على أفضل النتائج .
كيف يتجلى ضمان تحقيق المساواة في الفرص أمام الناس ؟!
نستطيع إجمال المبادئ التي حددها المفكرون ، لخلق مجتمعات وبنى اجتماعية تكفل مبدأ العدالة والمساواة في الفرص المتاحة لجميع الناس في الأنظمة الديموقراطية ، أهمها :
ـ بناء نظام سياسي اجتماعي وفق عقد اجتماعي أساسه التراضي بين الحكام والمحكومين ، يكون الحكم فيه للأغلبية مع ضمان حقوق الأقلية بما في ذلك ضمان فرص تحولها إلى أغلبية ، ويحوز هذا العقد على احترام جميع الأطراف مع ضمان عدم طغيان أي طرف على الآخر ، وعدم تغيير أسس العلاقة بين الأطراف ، أو انتزاع السلطة قسراً وخلافاً لأسس العقد الاجتماعي ..
ـ فصل السلطات التشريعية ، والقضائية ، والتنفيذية ، وتنظيم العلاقة بينها وفق أسس وقوانين واضحة ، وعدم هيمنة أي سلطة على الأخرى ..
ـ سيادة القانون والمساواة أمامه ، مع التطوير المستمر للقانون بما ينسجم ويحفز التطور الاجتماعي ..
وفي سياق الحديث عن المساواة السياسية ، من المفيد إيراد تعريف نابليون لها ، بأنّها: " الوظيفة المفتوحة أمام الموهبة " . وتطبيقها يستدعي إلغاء مسألة شغل المناصب بالوراثة ، لتصبح متاحة أمام كل إنسان ..
ـ الحرية بالمعنى العام هي منطلق الديموقراطية والمساواة في الاستفادة من الفرص المختلفة لتطور الفرد والمجتمع .. وفي إطار ضمان الحريات تأتي الحريات السياسية والفكرية وضمان الحقوق الأساسية للفرد بما فيها حق الحياة وحق الملكية التي لا تقيد حرية الآخرين عن طريق استغلالهم واستعبادهم ..
بعد هذا التطور المتراكم وطويل الأمد الذي عرفته الديموقراطية ، يمكن تعريفها عصرياً بأنّها طريقة في الحكم والحياة الاجتماعية ، تؤمن مناخاً اجتماعياً ، وسياسياً ، واقتصادياً ، وفكرياً ، وثقافياً يضمن لجميع أفراد المجتمع فرصاً متكافئة للمشاركة في الحياة الاجتماعية ، إنّها أحد أشكال مشاركة الأفراد في الحكم ، ومراقبة الحكام عن طريق حرية المشاركة في اتخاذ القرارات ، والمساهمة في تطبيقها في نواحي الحياة المختلفة ..
وتتصف المجتمعات الديموقراطية والأفراد الديموقراطيون بخصال ومواصفات تميزها، وتتجلى في الممارسة العملية ، أهمها :
العدالة وإنكار الظلم والاستغلال والرقي في حماية حقوق الإنسان عن طريق تكافؤ الفرص ، والقاعدة العريضة في اتخاذ القرارات ، وهذا ما يضمن المشاركة الواسعة والفعالة في تنفيذها ، والشعور الفردي والجماعي بالمسؤولية عن القرار والفعل ، في إطار حرية التعبير والنقد ، مع الإقرار بحتمية الاختلاف الذي قد يصل إلى مرحلة الصراع في إطار الآليات الديموقراطية في الاقتصاد ، والسياسة ، التي لا تسمح لهذا الصراع أن يصل إلى درجة العنف ، والقمع ، والإرهاب بمختلف أشكاله .. مع تهذيبها للغرائز التسلطية الذاتية ، والأنانية القوية المتضخمة عن الأفراد ..
فالممارسة الديموقراطية هي عملية اجتماعية متكاملة منطلقها الأساسي الفرد وغايتها خدمة الفرد وتطويره ضمن المجتمع المتحضر المتطور . ولنجاح العملية الديموقراطية لا بد من وجود أفراد ديموقراطيين ، يترعرعون في بيئات ديمقراطية .. من هنا تأتي أهمية غرس الديموقراطية في الشخصية والأسرة والمدرسة ومكان العمل والحياة ..
الشخصية : تتعدد تعريفات الشخصية حسب تعدد مدارس علم الاجتماع ، فهناك من يعرفها بمجموع العلاقات الاجتماعية للكائن الفيزيولوجي الحي لذي يدعى الإنسان ، وهناك من يعرفها بالتنظيم الدينامي الكامن داخل الفرد ، والمنظم لعوالمه النفسية والجسمية التي تحدد خصوصية الفرد المنعكسة في السلوك والتفكير(9) . وللشخصية جوانب متعددة : جسدية ، وعصبية ، ونفسية ، ومعرفية تنمو ، وتتطور في الأسرة ، والمدرسة والمجتمع .. في إطار عملية التنشئة الاجتماعية : التي يتم خلالها تلقين المرء مجموعة القيم والمعايير السياسية والثقافية والفكرية المتراكمة في المجتمع ، ونواتها الأولى هي الأسرة ، ومن ثم المدرسة .
الأسرة : للأسرة دور كبير في تنشئة الفرد على مبادئ السلوك الديموقراطي ، ففي الأسرة يتعلم الفرد المشي ، والكلام ، والملبس ، واللغة ، والدين ، والعادات ، والتقاليد ، والقيم .. هنا يكتسب لأول مرة هويته البشرية ، وجانبه الإنساني في الحياة والتعامل مع المجتمع ، والبيئة المحيطة .. فالأفراد الذين ينشئون في أسر تعيش حياة ديموقراطية بعيداً عن الأسلوب الأبوي التسلطي ، بين أهل متسامحين يشجعون على المشاركة في مناقشة القضايا ، واتخاذ القرارات المتعلقة بمصيرهم وسلوكهم ، تجدهم ملتزمين بالسلوك الديموقراطي كأنّه جزء من شخصيتهم ..
المدرسة مرحلة هامة في تعلم واكتساب السلوك الديموقراطي :
لا ديموقراطية من دون وعي ، والجهل هو المناخ الملائم للتعصب والعنف ونكران الآخر .. والمدرسة هي أهم منارات الوعي ، وهي في مناهجها الاجتماعية والثقافية والتربوية المميزة في الدول الديموقراطية تغذي الفرد بالمعلومات الضرورية عن الديموقراطية ، كما أنّ علاقة الأساتذة مع الطلبة وعلاقة الطلبة مع بعضهم ، فضلاً عن العلاقة بين الجنسين المبنية على الأسس الديموقراطية تكسبهم خبرة في الممارسة الديموقراطية ..
العرب والديموقراطية (نظرة تاريخية )
نظريات الفرق الإسلامية في الحكم
يُعَدُّ ظهور الإسلام مرحلة حاسمة ومصيرية في تطور المجتمع العربي ، وأساليب الحكم في شبه جزيرة العرب ، وفي البلدان التي ساد فيها الدين الإسلامي ، ولم يقتصر التطور على النواحي الفكرية والثقافية ، بل شمل جميع مناحي الحياة ، بما في ذلك مسألة الحكم وعلاقة الرعية بالحاكم . فقد كان للثورة في العلاقات الاجتماعية الداعية إلى تحرير العبيد ، وإعادة توزيع الخيرات المادية وفق مبادئ الزكاة ، والأساس الفكري الجديد في الوعي الاجتماعي القائم على مبدأ أنّ الناس متساوون كأسنان المشط .. كان لكل ذلك أثر في البنيان الفوقي وآلية الحكم ..
وعلى الرغم من عدم وجود إدارات حكومية طوال عهد الرسول وأبي بكر وفترة من خلافة عمر ، إلاّ أنّه وفضلاً عن الميزات الهامة التي زينت الرسول العظيم محمد بن عبد الله الذي كان يأخذ قراراته بعد التشاور مع الصحابة ، فقد أكدت الرسالة المحمدية على أهمية وضرورة الشورى ، إذ ورد لفظ " الشورى " مرتين في القرآن في قوله تعالى " وشاورهم في الأمر .." ( آل عمران :59) و " .. أمرهم شورى بينهم .." ( الشورى : 39) ، هذا الذكر الذي يحمل في طياته أهمية قصوى على الرغم من أنّ بعض المفسرين يرى أنّ الشورى مندوبة وليست واجبة ، أنّ هاتين الآيتين لا تُعَدَّان من آيات الأحكام ، كما هو الشأن بصدد آيات المواريث أو القصاص أو الزواج والطلاق أو في المعاملات ..(10)
إلاّ أنّ هذه الشورى لم تأخذ شكلاً واحداً في جميع مراحل تطور المجتمعات العربية والإسلامية .. وتُعَدُّ وفاة الرسول محمد بن عبد الله نقطة تحول في النظرة السياسية الإسلامية للحكم ، ولأسباب سياسية وأيديولوجية تعدد فهم المسلمين لمسألة الحكم والشورى ، ويقسم الباحثون النظريات الإسلامية في الحكم حسب الفرق الإسلامية الأساسية التي نشأت في أواخر حكم الخلفاء الراشدين وما تلاها ، وهم أهل السنة ، وأهل الشيعة ، ومنظريهم الذي يدعون بالفقهاء :
أهل السنة والحكم : يوصف الحاكم لدى أهل السنة بالخليفة أو الإمام ويرى الفقهاء أنّ هذين اللفظين مترادفان ، وللحاكم (الخليفة) فضلاً عن سلطانه السياسي سلطة دينية .. ولقد وضع الفقهاء شروطاً يجب توفرها فيمن سيتولى الخلافة كالنسب وهو أن ينتمي إلى قريش ، فضلاً عن الصفات البدنية كسلامة الأعضاء والحواس ، والعقلية المكللة بالرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح ، والعدالة والشجاعة ..
ولم يتفق الفقهاء على عدد المبايعين للخليفة ، ولا على عدد المؤهلين لخلعه ، وشهد التاريخ الإسلامي تبايناً كبيراً بين الآراء النظرية وتطبيقها على أرض الواقع .. فالحكم منذ معاوية أصبح حكراً على الغلبة ..(11)
ومع تطور المجتمعات الإسلامية واحتكاكها بالمجتمعات والشعوب الأخرى ، نشأت تيارات فكرية تدعو للحداثة في الحكم الإسلامي ، بما ينسجم مع تطور المجتمعات ، وهكذا وجد المفكرون الإسلاميون أنفسهم أمام مفاهيم جديدة كمفهومي " الديموقراطية " و " السيادة " تتطلب تحديداً " فذهب كثير من المفكرين ـ بتأثير الفكر الغربي ـ إلى أنّ السيادة في الإسلام للأمة مادامت الشورى هي لب الديموقراطية وأصلها .(12)
وترجم ذلك في دساتير الدول الإسلامية التي " يلاحظ أنّ معظم دساتير ها تنص على أنّ الأمة مصدر السلطات ( تركيا مصر ، الكويت ، الأردن ، المغرب وتونس).(13)
يفسر ذلك كله برغبة المفكرين الإسلاميين الحداثويين في الانسجام مع الفهم الإنساني العام لمسألة الديموقراطية التي تستند إلى أولوية الإرادة العامة للأمة صاحبة السيادة وتقوم على أساس حكم الأغلبية ممثلة في المجالس النيابية .
إلاّ أنّ هذا الرأي لم يستقر بشكل نهائي ، بل وجد معارضة ممن أخذوا الجانب المظلم من التراث للوقوف في وجه المعاصرة ، وبنوا معارضتهم على أسس أيديولوجية متزمتة تقول بأنّ :
"1 ـ أنّ الديموقراطية نظام غربي يقوم أساساً على فكرة الفصل بين الدين والدولة ، ويتعذر الفصل بين الأمرين : الديموقراطية والعلمانية .
2 ـ إنّها تقوم على أساس أنّ الإنسان هو الذي يشرع لنفسه ويصوغ نظام حكمه ، وأنّ الأمة قد تجنح إلى الإعراض عن بعض أحكام الشرع ، وبخاصة ما يتعلق منها بالقصاص كالإعدام والجلد وقطع اليد ، وما يتعلق منها بالمواريث كالمفاضلة بين الذكر والأنثى ، بل إنّها ـ بدعوى الحرية الشخصية ـ قد تبيح ما حرمه الشرع كالزنى واللواط بعد أن أباحت معظمها شرب الخمر ، ومن ثم ذهب هذا الفريق من المفكرين إلى أنّ السيادة للشرع مطلقاً ، ووجدوا لموقفهم تعزيزاً كاملاً من كل العلماء السابقين ابتداء من الماوردي (ت 450هـ ) حتى الشوكاني (ت 1250 هـ )(14)
ومع احتدام النقاش والسجال الفكري واستيلاء فكرة الديموقراطية على ألباب الكثيرين أخذ بعض الباحثين في الفكر الإسلامي يبحثون عما يزيل التعارض بين الشرع والشعب ، فذهبوا إلى القول بالازدواجية بين الشرع والأمة ، وإذا كانت الأمة ممثلة في المجالس النيابية في الفكر الأوروبي ، فإنّها في الفكر الإسلامي إنما تغدو ممثلة في أهل الحل والعقد . (15)
وترافق هذا الصراع الفكري مع الصراع على الصعيد العالمي مع ازدياد شأن الفكر الماركسي ومحاربة الاحتكارات الرأسمالية العالمية والصهيونية له ، وبحثهم عن حلفاء فكريين جدد ، وفي هذا السياق تم التأسيس للإسلام " الأمريكي" المعادي للماركسية والديموقراطية بحجة أن المرجعية للشرع وحده ، أو بالأحرى إلى الكتاب والسنة، فالحاكمية لله، أي الدعوة للحكم الثيوقراطي .
وأخذوا يستنكرون وصف الحكومة الإسلامية بالديموقراطية ، وإنما هي حكومة ثيوقراطية أي إلهية ..
ولمواجهة التحدي العصري والتطور التاريخي أخذ بعض المفكرين المعاصرين يدعون لتطبيق الشورى كبديل إسلامي عن الديموقراطية الغربية ، واستندوا في دعوتهم إلى ممارسات عملية للرسول محمد بن عبد الله عندما اعتمد رأي الصحابة في اختيار موقع بدر ، ويوم أحد ، وحفر الخندق .. كما استندوا على ورود لفظ " الشورى " مرتين في القرآن ، كما ذكرنا ..
ودعّم القائلون بالثيوقراطية رفضهم للديموقراطية في الإسلام بحجج استمدوها من التراث ، منها :
1 ـ لا يوجد سند تاريخي ثابت لا في أفعال الرسول ولا الخلفاء الراشدين يؤيد الأخذ برأي الأكثرية .. وبما أنّ التشريع يقوم على الاجتهاد ، فلا يمكن لأية أغلبية بالغة ما بلغت أن تجعل لرأي معين صفة الإلزام .(16)
2 ـ الديموقراطية تدعو إلى استقلال الهيئات والسلطة القضائية والتشريعية عن التنفيذية ، وهذا ما لم يعرفه الإسلام إذ لا يوجد استقلال للقضاة عن الحاكم في الإسلام .. كما لم يؤيد وجود أية إشارة إلى أهل الحل والعقد في التاريخ الإسلامي ..
نظريات أهل الشيعة في الحكم :
يتلخص الخلاف السياسي الرئيس بين السنة والشيعة في الإجابة عن سؤال كيفية تنصيب الإمام بالاختيار أم بالنص .. وقد وجدنا أنّ أهل السنة يقولون بأنّه يتم بالاختيار لأنّ النبي في معتقدهم لم يستخلف ولعدم وجود نص ، أما أهل الشيعة فيرون أنّ إمام المسلمين (الحاكم) بعد النبي قد جرى تعيينه بالنص ، إذ استخلف النبي ـ حسب معتقدهم ـ علياً .. والأئمة اللاحقون من ذريته .. فالشيعة تنتقد مبدأ الاختيار ، وتعترض على نظام البيعة في الإسلام ..
وتشعبت الشيعة إلى عدة مذاهب ، حسب نظرتها السياسية ، أهمها :
آ ـ الشيعة الإثنا عشرية :
النظرة السياسية لشيعة الاثني عشرية نظرة ثيوقراطية ، وتعدُّ الحكم عقداً ثيوقراطياً بين أطراف ثلاثة هي : الله سبحانه ، والإمام الذي عليه الامتثال لأوامر الله ، والرعية التي يجب عليها انتظار الإمام المهدي الثاني عشر ليقودها ويخلصها .. ولقد عانت هذه اليتوبيا من
تناقضات بسبب غياب الإمام المهدي وإلى متى الانتظار ، وتعرضت لانشقاقات أهمها انشقاق زيد بن علي على أخيه ..
وضع قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني ، التي أسقطت حكم الشاه في سبعينيات القرن العشرين ، حلاً في نظام حكم إسلامي يستند إلى ركنين :
1 ـ قانون إلهي 2 ـ ولاية الفقيه
فحكومة الإسلام حكومة قانون إلهي حيث المشرع والحاكم هو الله ، ولما لم يكن يوجد نص على شخص معين ينوب عن الإمام في حال غيبته ، فإنّ الولاية إنما تكون للفقيه الذي يشترط فيه شرطان :
1ـ العلم بالقانون الإلهي 2 ـ العدالة
وللفقيه أن يلي كل ما يليه رسول الله أو أمير المؤمنين ، مفوضاً لكل ما فوض للرسول أو الإمام ، وينهض بكل ما ينهضا به ، لا ينقص من ذلك شيئاً : من حكم بما أنزل الله ، إلى جمع لفضول أموال الناس ، وتنظيم لبيت المال ، وقيادة الجيوش ، وإدارة المجتمع ، والدفاع عن الأمة ، والقضاء بين الناس ؛ ذلك أنّ الفقهاء أمناء الرسول ، أمناؤه في كل الأحكام والولاية العامة على الناس ."(17)
ب ـ الزيدية : خلال مراحل الصراع السياسي والأيديولوجي بين أهل الشيعة وأهل السنة حول الحكم ، ظهر اختلاف في صفوف أهل الشيعة بين الإمامة والزيدية ، بدا في ظاهره أنّه خلاف بين الأخوين : محمد الباقر وزيد بن علي ، إلاّ أنّه في حقيقته كان خلاف حول أحد مبدأين : التقية ، أم الخروج ؟
فوفقاً لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح إلاّ الخروج ، فليس من إمام من جلس في بيته ، وأرخى سترته ، وثبط عن الجهاد ؛ ذلك أنّ النهي عن المنكر واجب كله ..
هكذا ظهرت نظرة المذهب الزيدي في الحكم والتي تقوم على أسس ثلاثة : ـ قصر الإمامة على ذرية النبي ، ـ الدعوة هي سبيل الأمة إلى الحكم ، ـ الخروج أو الثورة .(18)
جـ ـ الإسماعيلية :
لما كانت " التقية سمة التشيع الإثني عشري ، والخروج شعار الزيدية ، ولكل المنهجين في المعارضة للسلطات القائمة الغاشمة سلبيات ، فالتقية تفتقر إلى صبر طويل ، إلى أجل غير معلوم ـ حتى يظهر الإمام الغائب ، وأما الخروج فقد أدى إلى توالي الهزائم ، وتتابع القتل على الأئمة الخارجين . ظهرت الحاجة إلى تغيير أسلوب المعارضة فكان انشقاق التيار الإسماعيلي عن التشيع الإمامي العام ، ويمكن القول بأنّ التيار الإسماعيلي امتلك منهجاً للوصول إلى الحكم ، يتمثل في الإمامة الباطنية عقائدياً ـ لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل ـ والحركات السرية سياسياً ، وقد يكونوا أول من ابتدع التنظيمات السرية والأسماء الحركية والانقلابات العسكرية وعرف الحرب النفسية على أسس علمية وأيديولوجية ..إنّه أسلوب ثالث فيه التقية الاستتار والخروج وعدم السكوت ، إنّه كالنار تحت الرماد .. كما امتاز هذا المنهج بالأبوة الروحية : فتلميذ الإمام أو الداعية أحرى أن يكون ابناً له من ابنه دماً .. "
وترافق تطبيق منهجهم العملي بدعاية أيديولوجية ذكية حيث و ظَّفَ الشيعة الإسماعيلية التاريخ وقصص القرآن من أجل التمهيد لحركتهم ثم استعانوا بعلم الفلك أو بالأحرى التنجيم وانطلقوا من الفلسفة في تفسير الكون إلى نظرياتهم السياسية في الإمامة ، فارتبط تفسيرهم بالفلك أي بالميتافريق ..
كما أن انفتاحهم على الثقافات الأخرى قد جعلهم أكثر الفرق الإسلامية اهتماماً بالعلوم المدنية كالرياضيات والفلك والطب وازدهرت الحضارة في الدول التي أقاموها كالفاطمية في مصر والصليحية في اليمن على نحو لم يسبق له مثيل .. " (19)
د ـ الخوارج : يرجع الباحثون النشأة التاريخية للخوارج إلى واقعة التحكيم عقب معركة صفين بين علي ومعاوية ، وهناك من يعيد تاريخ نشأتهم إلى زمن الرسول (ص) حيث عارضوه في إحدى الوقائع .. من آرائهم :
1 ـ لا حكم إلاّ لله ،
2 ـ الإمامة تستحق بالشورى من قريش أو غيرهم من العرب ،
3 ـ الإمامة للأفضل ولا يجوز تجاوز الأفضل وتقديم الشجاعة على العلم ، الحدة في الاعتراض ولو على الرسول ..
4 ـ تكفير الحكام الجائرين ..
قد تبدو بعد طروحاتهم قريبة من الديموقراطية ، إلاّ أنّهم بعد استلامهم للسلطة انتهى الأمر إلى أن تتحول الإمامة إلى وراثة ، واتخاذ الألقاب كالعباسيين : المعتز والمتنصر .. وكما فعل بني رستم في دولتهم الإباضية في تاهرت من عام 151 هـ 987 م في شمال أفريقيا ..(20)
رأي :
من الصعب وصف أية نظرية من النظريات الإسلامية السابقة ، في الحكم ، بأنها ديموقراطية بحتة ، ويمكن القول أنّها جميعاً تلتقي في التطبيق العملي في شكل الحكم الثيوقراطي سواء أخذ مظهراً ميتافيزيقياً يتوبياً ، أم جمهورياً ..
مشكلات تطبيق الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي والرد عليها :
يرى مفكرون غربيون وإسلاميون عدم صلاحية النظام الديموقراطي للمجتمعات الإسلامية ، ويبررون نظرتهم بحجج ومزاعم قد تكون مختلفة إنما تخدم غاية واحدة هي عزل هذه المجتمعات عن مسيرة التطور العالمي .. وهناك من ينظِّر لمثالب الديموقراطية ، ومخاطرها على المجتمعات البشرية ..
حجج بعض المفكرين الإسلاميين
يستند المفكرون الإسلاميون الذين يرون في نظرتهم بعدم إمكانية تطبيق الديموقراطية في المجتمعات الإسلامية على عدة حجج أهمها ، كما بينا سابقاً :
ـ الفكر الإسلامي لا يقر بفصل الدين عن الدولة ، أو استقلال الهيئات والسلطة القضائية والتشريعية عن التنفيذية ، هذا الفصل الذي يُعَدُّ من أسس الديموقراطية ، بالتالي فهي نظام علماني غربي وغريب عن المجتمعات الإسلامية ..
ـ الدين هو أساس التشريع في الفكر الإسلامي ، أما في النظام الديموقراطي فالإنسان هو الذي يصوغ النظام الذي يناسبه ويشرع لنفسه ، مما قد يعني الابتعاد عن بعض أحكام الشرع ، كالمفاضلة بين الذكر والأنثى ، والجلد وقطع اليد .. وشرب الخمر ..الخ
ـ الاجتهاد يعني أنّ الرأي للإمام المفتي وليس للأغلبية ، كما تدعي الديموقراطية ، فضلاً عن عدم وجود سند تاريخي ثابت في أفعال الرسول والخلفاء الراشدين يؤيد الأخذ برأي الأكثرية ..
حجج بعض المفكرين الغربيين
أما المفكرون الغربيون ـ الذين يتساءلون عن إمكانية تطبيق الديموقراطية في جميع المجتمعات بلا تفرقة ، أم أنّها شكل خاص من أشكال الأنظمة السياسية يحتاج إلى مجتمع معين ـ يزعمون بأنّ المجتمعات الشرقية والمتخلفة غير مؤهلة لتطبيق النظام الديموقراطي، فإنّهم ينطلقون من حجج بعضها قريب إلى العنصرية ، مع التقدير للخدمة الجليلة التي قدموها للبشرية على صعيد النهوض الفكري ..
فهذا مونتسكيو يعتقد أنّ الحكومة الديموقراطية المعتدلة هي أصلح ما يكون للمجتمعات المسيحية ، والحكومة المستبدة أصلح للعالم الإسلامي..(21)
كما أنّ أرسطو كان يجعل الجنس اليوناني أرقى الأجناس وأصلحهم للحكم الديموقراطي ، أما الهمج والبرابرة ومنهم شعوب الشرق القديم فلا يصلح لهم سوى حكم الاستبداد والطغيان ..
وأدخل ستيوارت ميل المجتمعات المتخلفة في نطاق القُّصَر ويعتبر نظام الاستبداد مشروع كنمط من أنماط الحكم في حكم الهمج والبرابرة شريطة أن تكون الغاية المنشودة هي إصلاحهم .. وهو يبرر الاستعمار بحجة إصلاح الشعوب المتخلفة ..
ويرى " برتراند رسل " استحالة ممارسة الديموقراطية في مجتمع تسوده الأمية ، قبل أن يتهيأ الناس فيها ! !(22)
تركيز البعض على مثالب الديموقراطية :
يطرح عدد من المفكرين بعض المشكلات الأساسية في النظام الديموقراطي كعقبة أمام تطبيق الديموقراطية ، ومن هذه المشكلات ما يسمى بطغيان الأغلبية ، وضياع حقوق الأقلية ، والتهديد المستمر لحرية القلة التي لا توافق على رأي الأغلبية . وكان المفكر الفرنسي ألكسيس دي توكفيل ( 1805-1859) أول من نبه الأذهان إلى طغيان الأغلبية وذلك في كتابه الهام " الديموقراطية في أمريكا " وهو يعتقد : " أنّ الشر الأكبر في المؤسسات الديموقراطية الحالية في الولايات المتحدة لا ينشأ من ضعف هذه المؤسسات بل من المغالاة في قوتها ، ولست أنزعج من الإفراط في الحرية التي تسود هذه البلاد ، قدر انزعاجي من عدم كفاية الضمانات الموجودة ضد الطغيان .." (23)
عندما يلحق الأذى بفرد ، أو بحزب أقلية فإلى من يتجه بالشكوى لرفع هذا الأذى .. أنما اتجه وجد تمثيل الأغلبية .. فمهما يكن الشر الذي يصيبك جائراً أو غير معقول ، فإنّ عليك أن تذعن له قدر استطاعتك ..
صاغ المفكر وعالم الاقتصاد الألماني روبرت مايكلز (1876-1936) مشكلة أخرى من مشاكل تطبيق الديموقراطية ، في قانون أطلق عليه اسم " القانون الحديدي للأليكارخية" فهو يرى أنّ السلطة في أي تنظيم سياسي تميل دائماً على السقوط في أيدي مجموعة قليلة من الأفراد أو عدد ضئيل من القادة بغض النظر عن تكوين التنظيم السياسي ، فالسلطة تصبح أكثر تعقيداً وبيروقراطية ، وتصبح متمركزة بأيدي النخبة من قمة التنظيم السياسي والحكومة، ويتعقد صنع القرار ، وتصبح المشاركة لجميع الأعضاء أكثر تعقيداً .. لتنتهي الأمور بيد مجموعة من القادة المحافظين .. وذلك لسببين الأول أن حجم التنظيمات السياسية وتعقدها يحتم وجود وظائف متخصصة ، مما يجعل من المستحيل على الأعضاء العاديين متابعة المتخصصين ، والثاني فيما يقول "مايكلز " أن الناس لديهم حاجة سيكولوجية داخلية تدفعهم ليصبحوا منقادين لقائد ..(24)
الرد على حجج ومزاعم عدم إمكانية تطبيق الديموقراطية :
وفي مقابل حجج المفكرين الغربيين والإسلاميين الواردة أعلاه ، هناك حجج لمفكرين غربيين وإسلاميين تفندها وترد عليها .. تنطلق في ردها من أنّ حضارات الشعوب وثقافاتها متداخلة ، لا توجد حضارة بمعزل عن الأخرى، وتستفيد جميعها من تجارب بعضها البعض، والفكر والتنوير الغربي لم يوجد بمعزل عن تأثيرات المفكرين العرب كابن رشد وابن سينا والفارابي وغيرهم ، والديموقراطية في تطورها العام ، وما دخل عليها من تأثيرات فكرية وعملية ، هي تجربة إنسانية عالمية عامة يفرضها العقل البشري ، وتتطلبها الأخلاق وضرورات اجتماعية لتحافظ على كرامة الإنسان وقيمته ، وهي ليست تجربة الآخرين "المختلفين عنا" ، تهدف لتحقيق الحرية والمساواة للإنسان بما هو إنسان ..
* ـ بما أنّ جوهر الدين الإسلامي هو العدالة والمساواة وتحقيق إنسانية الإنسان ، بالتالي لا يوجد في الدين الإسلامي ما يمنع من تطبيق الديموقراطية التي تعتمد على الحرية والعدالة والمساواة ، هذه القيم التي نجد الدعوة إليها صريحة في القرآن الكريم ..
أما فيما يخص القول بأنّ الديموقراطية مستوردة ، فمن المفيد والمهم التمعن في الواقعة التالية : " قدم أبو هريرة وكان والياً على البحرين ـ على الخليفة عمر ومعه مال كثير ، فقال له عمر : ماذا جئت به ؟ قال خمسمائة ألف درهم . قال عمر أتدري ما تقول ؟ قال: نعم، مائة ألف درهم (وكررها خمس مرات) . فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير ، فإن شئتم كلناه كيلاً ، وإن شئتم أن نعده عداً ، فخشي بعض الصحابة ألا يكون للغائب عن القسمة نصيب ، فقام إليه رجل زار فارس فقال : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون لهم ديواناً ، فقال عمر : دونوا الدواوين !
تدل هذه الواقعة على :
آ ـ أنّ أبسط شيء من شؤون الإدارة أو السياسة ، وهو أن يكون هناك دواوين (مصالح أو وزارات ) لم يكن معروفاً في العهد الأول من الإسلام ،
ب ـ لم يجد الخليفة العادل والمشهود له بالغيرة على الإسلام حرجاً أن يقتبس نظاماً من الأعاجم ، ما دام لا نظير له ولا بديل فضلاً عن الحاجة الملحة له ، ولم يستنكره عمر بدعوى أنّه " نظام مستورد " .
* ـ الديموقراطية ضرورية للأفراد وللمجتمعات كضرورة الحرية لها ، لأنّ "الحرية هي ماهية الروح " كما قال هيغل بحق : " فكما أنّ ماهية المادة هي الثقل ، فإننا من ناحية أخرى يمكن أن نؤكد أن ماهية الروح هي الحرية ، والناس جميعاً يسلمون بأنّ الروح تمتلك ، ضمن ما تمتلك من خواص ، خاصية الحرية ". (25)
ومن هنا فإنّ تنازل الإنسان عن حريته للحاكم ، أو لأي شخص آخر ، إنما يعني أنّه يتنازل عن إنسانيته ، أي أنّه يتنازل عن حقوقه وواجباته كإنسان كما يرى روسو"
* ـ الديموقراطية تصحح نفسها ، وكما أنّ ممارسة الحرية بحاجة إلى تعلم وتمرين وجهد ووقت ، وأنّ الإنسان كثيراً ما يسيء استخدام حريته عن جهل أو بسبب سيطرة الغريزة، فإنّه يحتاج إلى تصحيح أخطائه ، ويتم ذلك من خلال ممارسة الديموقراطية ، ولهذا قيل إنّ الديموقراطية ، التي هي التطبيق العملي للحرية ، هي ممارسة بالدرجة الأولى . وإساءة استخدام الحرية من قبل البعض لأسباب خاصة لا تبرر حجبها عن المجموع ، بل تتطلب تصحيح سلوك المخطئين في الممارسة المستمرة للديموقراطية . إنّ حجب الحرية عن شعب ما ، بحجة أنّه غير مهيأ لها ، أشبه بحجب الماء عن المزروعات قبل إنباتها ونضوجها .. وما الزعم بقصور المجتمعات والشعوب إلاّ حجة وضيعة لاستعبادها واستعمارها .. ويتجلى ذلك في تبرير وجود الحكام المستبدين الذين يدعون بأنّهم يعلمون شعوبهم ، وهم في الحقيقة يستعبدونهم ، ويزيدونهم ضعة وتخلفاً في أنظمة الاستبداد .. حيث " يحكم الطغاة والأقلية بقوانين من صنع حكوماتهم ، بينما تُحكم المدن الديموقراطية بالقوانين السائدة " إيسيخينيس 1/4/
" فالاستبداد يقف حجر عثرة أمام تطور المجتمع وتقدمه ، وذلك لأنّه بغير الشعور بالمساواة المعنوية والمادية ، وبدون ممارسة الحرية والمشاركة في أنشطة المجتمع يصعب تفجير طاقات المواطن التي يسحقها بالكبت والخوف والتردد والشعور بالإهمال ، وبدون التقاليد الديموقراطية يغيب الرأي العام عن تأثيره في فرض احترام قيمة الإنسان والعمل على توفير أسباب تقدمه ـ بل ويصعب تحقيق السلام الاجتماعي لأنّ الشعب هو مصدر السلطات، وهو أساس الشرعية ، وبدون الشرعية الشعبية تبقى الأنظمة معرضة للاهتزاز والثورة . لهذا تكثر الانقلابات العسكرية في البلدان غير الديموقراطية ، وهذا لا تجده في الدول الديموقراطية ـ لأن الجيش ليس هناك القوة الوحيدة القادرة على التغيير .. وإنما تستطيع الأحزاب السياسية، والقنوات الديموقراطية أن تقوم بالتغيير المطلوب ".
* ـ فيما يخص خطر طغيان الأغلبية في المجتمعات الديموقراطية ، فهذه المشكلة كغيرها يتم معالجتها بالمزيد من وعي الأفراد بالمعنى الحقيقي للديموقراطية التي تعني من بين ما تعني ، حرية التعبير لكل فرد ، وتحمل الآخر .. والمزيد من ممارسة الديموقراطية وانتشار التعليم والفكر الديموقراطي الحر عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة كفيل بمعالجة هذه المشكلة .
وينطبق هذا الرأي على تفنيد ما يسمى بـ" القانون الحديدي للأليجارخية " إذ أنّه لا يمكن تعميم هذه النظرة بانقلاب كل ديموقراطية إلى أُليكارخية صحيح الخطر موجود ولكن التوعية السياسية وممارسة الديموقراطية هي الحل .. فلا بديل عن الديموقراطية غير الاستبداد ..
خاتمة :
خلق الناس أحراراً ومتساوين ، و وهبوا حقوقاً لا يمكن التنازل عنها ، حق الحياة والحرية في طلب السعادة وغاية تطور المجتمعات هي تأمين هذه الحقوق وحمايتها ، وفي سياق هذا التطور ولتلبية هذه الغاية ظهرت الحكومات والديموقراطية كشكل يلبيها ويحميها ، فالنظام الديموقراطي يستهدف تنمية ملكات الإنسان وقدراته بعكس الاستبداد ..
والديموقراطية هي تجربة إنسانية عالمية عامة يفرضها العقل البشري وتفرضها الأخلاق وضرورات اجتماعية لتحافظ على كرامة الإنسان وقيمته ، تهدف لتحقيق الحرية والمساواة للإنسان بما هو إنسان .. وقد أثبتت الديموقراطية جدارتها وحقها في البقاء ، فقد ظهرت معها نظم كثيرة وزالت أو هي في طريقها إلى الزوال .. ولم تهاجم الديموقراطية صراحة سوى الفاشية والأنظمة الديكتاتورية والقمعية ، لما لها من نزعة عنصرية بارزة لا تستطيع إخفاءها .
كلُّ ذلك يؤكد أنّ :
* ـ الديموقراطية ليست تجربة غربية بحتة ، بل هي تجربة إنسانية .. ونظراً لقوة هذا المفهوم أخذت جميع الأنظمة الاستبدادية، والديكتاتورية، والشمولية ، وأنظمة الطغيان والثيوقراطية في الشرق والغرب تلبس أزياء مزيفة من الديموقراطية .. وقد دعمت ممارساتها إيمان الإنسان بالديموقراطية الحقة ، لأنّ البديل ببساطة لا ينسجم مع الطبيعة الإنسانية ..
* ـ الديموقراطية تصحح ذاتها ، إنها مشروع يتحقق طوال الحياة الإنسانية ويصحح من خلال النقد والفحص والمراجعة ..
* ـ للديموقراطية أشكال متعددة ، والثابت فيها هي المبادئ التي تقوم عليها كالحرية والعدالة والمساواة ..
* ـ من المخاطر التي تهدد مفهوم الديموقراطية ، خطر تحالف الصهيونية مع الاحتكارات الرأسمالية التي تدعي الديموقراطية ، ومحاولة فرض مفهومها للديموقراطية على البشرية عن طريق الحروب ، تحت شعار الحرية والديموقراطية ، مما يؤدي إلى تشويه مفاهيم الديموقراطية وفرض أخلاقية لاإنسانية على الشعوب .. إن الطغم الحاكمة الممثلة الاحتكارات الرأسمالية ، والصناعات العسكرية في بعض البلدان الرأسمالية المتحالفة مع بيوتات المال الصهيونية ، التي تشن الحروب بحجة نشر الديموقراطية توجه سهامها إلى الديموقراطية نفسها ، وهي تحارب الأسس الحقوقية والفكرية الديموقراطية التي بنت مجتمعاتها عليها واستطاعت أن تجدد نفسها بواسطتها .. لا يمكن أن تخدع الشعوب ، وستلفظها مجتمعاتها في إطار الحركة الديموقراطية التي تصحح نفسها .. وبنفس الوقت علينا أن لا ندير ظهرنا للديموقراطية ونعاديها ، بحجة أنّ الاحتكارات الرأسمالية المتحالفة مع الصهيونية تروج لها عن طريق الحروب ..
كما أنّ ادعاء نظم استبدادية ، وثيوقراطية ، ومونارخية أنها ديموقراطية ، وسعيها لإعادة تعريف مفهوم الديموقراطية ليتلائم مع مقاييسها .. يسيء إلى الديموقراطية ، ويشكل خطراً على تقبل الشعوب لها .. إلاّ أن خبرة البشرية كفيلة بفضح زيف تلك الأنظمة التي لا تنسجم مع طبيعة الإنسان الحرة التي تنشد الحرية والتي تصبو إلى ممارسة حريتها في الديموقراطية التي أساسها العدالة والمساواة أمام فرص سمو إنسانية الإنسان ..
طرطوس 2002 شاهر أحمد نصر
[email protected]
الهوامش :
(1) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص10
(2) أرتور روزنبرج ـ الديموقراطية الأوروبية بين 1845-1933
ترجمة ميشيل كيلو ـ منشورات وزارة الثقافة 1984 ص17 ـ 18
(3) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص17
(4) فرح أنطون ـ ابن رشد وفلسفته ـ دار الطليعة ـ بيروت 1981
(5) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص21
(6) نفس المصدر ص22
(7) نفس المصدر ص28
(8) نفس المصدر ص 34
(9) د. مصطفى أحمد تركي ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص118
(10) الطبري جـ 4 ص 153 ـ الكشاف جـ1 ص474 ـ القرطبي جـ 4 ص252 وانظر محمود الخالدي : قواعد نظام الحكم في الإسلام ص160 (انظر المصدر السابق ص148)
(11) د. مصطفى أحمد تركي ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص139-140
(12) العقاد ـ الديموقراطية في الإسلام ـ محمد نجيب المطيعي : حقيقة الإسلام وأصول الحكم24 ـ مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب38 (انظر المصدر السابق ص146)
(13) سليمان الطماوي : السلطات الثلاث ص35 (انظر المصدر السابق ص146)
(14) ـ إرشاد الفحول ص 8 ـ د. محمود الخالدي : قواعد نظام الحكم في الإسلام ص34 (انظر المصدر السابق ص146)
(15) د. محمد يوسف موسى : نظام الحكم في الإسلام ص 83 (انظر المصدر السابق ص146)
(16) د. سليمان الطماوي : السلطات الثلاث في الإسلام ص240 (انظر المصدر السابق ص148)
(17) د. مصطفى أحمد تركي ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص156
(18) المصدر السابق ص 159
(19) = = ص 160 - 165
(20) = = ص 167 - 170
(21) مونتسكيو ـ روح القوانين المجلد الثاني ـ ترجمة عادل زعيتر ـ دار المعارف بمصر ـ 1953 ـ ص 178
(22) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص36
(23) نفس المصدر ص 39
(24) نفس المصدر ص 40
(25) انظر هيغل " العقل في التاريخ ـ ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ـ درا التنوير ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1983 ص86