أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصعب قاسم عزاوي - مراجعات في فكر أبيقور















المزيد.....

مراجعات في فكر أبيقور


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 7102 - 2021 / 12 / 10 - 13:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.

ولد الفيلسوف اليوناني أبيقور في عام 341 قبل الميلاد، في جزيرة ساموس، على بعد أميال قليلة من ساحل تركيا الحديثة. لقد كان ذا لحية طويلة بشكل غير عادي، وكتب أكثر من 300 كتاب، وكان واحداً من أشهر الفلاسفة في عصره، وامتدت حياته المفعمة بالإبداع الفكري حتى سنة 270 فبل الميلاد.
ما جعل أبيقور مشهوراً هو تركيزه الماهر والمتواصل على موضوع فكري مركزي بعينه: السعادة. في السابق، أراد الفلاسفة أن يعرفوا كيف يكونوا صالحين؛ بينما أصر أبيقور على كونه يريد التركيز في فلسفته على كيفية إدراك السعادة.
هناك قلة قليلة من الفلاسفة سبق لهم أن اعترفوا بمثل هذا الاعتراف الصريح الواقعي بأهدافهم الفكرية دون مواربة أو تزويق من قبل. ولقد استهجن الكثيرون من معاصري أبيقور نهجه خاصةً عندما سمعوا بأنه قد بدأ إنشاء مدرسة للسعادة تسمى الحديقة في أثينا. وكانت فكرة ما يجري في داخل المدرسة غير مألوفة بالحد الأدنى للكثير من معاصري أبيقور آنذاك. وقام عدد قليل من الأشخاص الذين لم يرقهم ما كان يجري في المدرسة ببعض التسريبات المضللة والمشوهة والتي لا أساس لها في الواقع حول ما كان يجري في المدرسة. فقد قال تيموكراتس إن أبيقور كان عليه أن يتقيأ مرتين في اليوم لأنه قضى جميع وقته على أريكة يتغذى على اللحوم والأسماك الفاخرة من قبل فريق من العبيد. ونشر ديوتيموس الرواقي خمسين رسالة بذيئة قال فيها بأن أبيقور كتبها إلى بعض الطلاب الشباب عندما كان في حالة سكر وهوس جنسي. وبسبب هذا القيل والقال، لا نزال الآن نستخدم أحياناً صفة "الأبيقوري" لوصف الرفاهية والانحطاط. ولكن الحقيقة كانت على غير ذلك التشويه المتعمد. فالحقيقة حول أبيقور أقل دراماتيكية بكثير، لكنها أكثر إثارة للاهتمام المعرفي الفلسفي الحق. لقد ركز الفيلسوف اليوناني حقاً على السعادة والسرور، لكنه لم يكن مهتماً بالوجبات باهظة الثمن أو العربدة. كان يمتلك فقط عباءتين وعاش على الخبز والزيتون و- كمتعة تكميلية – بإضافة شريحة من الجبن في بعض الأحايين على خبزه و زيتونه. وبعد دراسة السعادة بصبر لسنوات عديدة، توصل أبيقور إلى مجموعة من الاستنتاجات البارزة والثورية حول ما نحتاج إليه فعلاً لكي نكون سعداء؛ استنتاجات تتعارض كلياً مع افتراضات عصره، ومع عصرنا إلى حد شبه مطلق.
لقد اقترح أبيقور أننا نرتكب عادةً ثلاثة أخطاء عند التفكير في السعادة:

1. إننا نعتقد أننا بحاجة إلى علاقات رومانسية مثالية
وقتذاك - وكما هو الحال الآن - كان الناس مهووسين بالحب. لكن أبيقور لاحظ أن السعادة والحب (ناهيك عن الزواج) يكادا لا يسيران سوياً. هناك الكثير من الغيرة وسوء الفهم والمرارة. فالجنس دائماً علاقة إنسانية معقدة ونادراً في وئام مع العاطفة. وخلص أبيقور إلى أنه سيكون من الأفضل عدم السعي لإنجاز العلاقات العاطفية المثالية، وتقبل تناقضات تلك العلاقات بعجرها وبجرها الذي قد يصعب إدراك سواه في الواقع المعاش يومياً. على النقيض من ذلك، أشار إلى مفاتيح الحفاظ على العلاقات بكل أشكالها، والتي تقتضي دوماً أن نكون مهذبين لا أفظاظاً غلاظاً، نبحث عن نقاط الاتفاق، لا نوبخ أو نتعالى أو نرفض بالمطلق طروحات الطرف الآخر، والأهم من ذلك الإيمان بأننا لا نمتلك الطرف الآخر ولسنا أوصياء عليه. لكن المشكلة هي أننا لا نرى أصدقاءنا وأحبابنا بما فيه الكفاية. تركنا العمل وتعظيم الثروة ليأخذا الأولويِّة. ونعلل ذلك بأننا لا يمكننا العثور على الوقت، وإنهم يعيشون بعيداً عنا في أحيان أخرى، وهي علل لترقيع الخطل الذي نحن فيه من تقصير تجاه الأحباب والأصدقاء.

2. إننا نعتقد أننا بحاجة إلى الكثير من المال
وقتذاك - كما هو الحال الآن - كان الناس مهووسين بحياتهم المهنية، بدافع من الرغبة في المال والرفاهية. لكن أبيقور شدد على صعوبات العمل والسعي لإدراك الثروة من قبيل الغيرة، والنميمة، والمنافسة غير العادلة والمثبطة، وما كان على شاكلتها.
اعتقد أبيقور أن ما يجعل العمل مرضياً حقاً هو عندما نكون قادرين على العمل إما بمفردنا أو في مجموعات صغيرة للغاية، وعندما يكون ذلك العمل مفيداً؛ أي عندما نشعر أننا نساعد الآخرين بطريقة أو نصنع أشياء تعمل على تحسين العالم. فيكون الهدف المضمر من العمل ليس المال أو المكانة أو الرفعة في المجتمع، ولكنه شعور بقيمة الذات من خلال عملنا.

3. نظن بأن الرفاهية هي إكسير السعادة
إننا نحلم بالفخامة: منزل جميل، وغرف أنيقة، ومناظر ممتعة. فنحن نتخيل رحلات إلى أماكن شاعرية، حيث يمكننا الراحة والسماح للآخرين بالاعتناء بنا.
لكن أبيقور اختلف مع طموحاتنا تلك بشكل كلياني. وراء خيال من الفخامة والأبهة والرفاهية، ما اعتقد أننا نريده حقاً هو الهدوء. لكن الهدوء لن ينشأ ببساطة من خلال تغيير المنظر أو امتلاك مبنى مبهج، ورفاهية، وخدم، وحشم.
الهدوء هو الصفاء الداخلي والسكينة الباطنية التي تكون نتيجة التحليل الاستبطاني العقلي لحيواتنا وذواتنا والمحيط الذي نعيش فيه، والتي تأتي حصراً عندما ندقق في آلية تفكيرنا ومخاوفنا ونفهمها ونتكشف أسبابها بشكل صحيح. لذلك فإننا بحاجة إلى وقت كافٍ للقراءة والكتابة، والأهم من ذلك كله، بحاجة لأن نستفيد من الدعم المنتظم من مستمع جيد لما نفكر به، وهو لا بد أن يكون شخصاً متعاطفاً ولطيفاً وذكياً، واهو ما كان يعني في زمن أبيقور الإنسان الفيلسوف، أو المجتهد لأن يكون كذلك.
من خلال تحليله للسعادة وكيفية إدراكها، قدم أبيقور ثلاث ابتكارات فكرية مهمة:
• أولاً، قرر أنه سيعيش مع الأصدقاء ليتمكن من رؤيتهم على الدوام وليس فقط بين الحين والآخر. ولذلك اشترى قطعة أرض متواضعة خارج أثينا وبنى مكاناً يمكن أن يعيش فيه هو وأصدقاؤه جنباً إلى جنب على أساس دائم. كل شخص لديه غرفته، وكانت هناك مناطق مشتركة في الطابق السفلي وفي القبو. وبهذه الطريقة، كان السكان محاطين دائماً بالأشخاص الذين يشاركونهم وجهات نظرهم، وهم أنيسون ولطفاء فيما بينهم لكونهم أصدقاء أحقاق. ويتم الاعتناء بالأطفال بتقسيم واجب الاعتناء بالأطفال بين البالغين بالقسط. وكان الجميع يأكل معاً. ويمكن للمرء أن يُجري دردشات في الردهات مع خلانه حتى وقت متأخر من الليل.
• ثانياً، توقف الجميع في المجتمع عن العمل لصالح أشخاص آخرين. لقد قبلوا فكرة تدني مدخولهم المادي في مقابل القدرة على التركيز على إنجاز العمل الذي يريدون القيام به. كرس بعض أصدقاء أبيقور أنفسهم للزراعة، والبعض الآخر للطهي، وعدد قليل لصنع الأثاث والفن. كان لديهم أموال أقل بكثير من أقرانهم في مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون فيها سالفاً، ولكن كان لديهم الكثير من الرضا الجوهري الوافر، والسكينة العقلية والداخلية الراسخة.
• ثالثًا، كرس أبيقور وأصدقاؤه أنفسهم لإيجاد الهدوء من خلال التحليل العقلاني والبصيرة. وأمضوا فترات من كل يوم في التأمل في أسباب قلقهم، وتحسين فهمهم لأنفسهم، وإتقان الإجابة عن الأسئلة الفلسفية الكبرى.

تم فهم تجربة أبيقور في العيش من قبل الكثير ممن عاصروه ومن جاؤوا بعده. وتم تأسيس المجتمعات الأبيقورية في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط وجذبت الآلاف من المؤمنين بها. وازدهرت تلك المجتمعات على مدى أجيال حتى تم قمعها بوحشية من قبل الفئات المهيمنة في القرن الخامس الميلادي وخاصة الكنسية التي رأت في نمط حياتهم البسيط المتباسط في أهدافه عدواً لا بد من تهشيمه لكونه يقدم بديلا ملموساً عن سبل إدراك السعادة والطمأنينة غير تلك المرتبطة بالإذعان للكنسية وقسسها. لكن حتى ذلك الحين، نجا جوهرها الفكري واستمر في الحضور بأشكال مختلفة حتى بعدما تحول الكثير من المجتمعات الأبيقورية إلى أديرة بقوة الكنيسة آنذاك.
واستمر تأثير أبيقور بقوة في العصر الحديث. فقد قدم كارل ماركس أطروحته للدكتوراه حول فكر أبيقور، ناظراً إليه على إنه فيلسوفه المفضل. وقد يستقيم تسمية ما ندعوه بالطوبى الشيوعية بشكلها الماركسي بأنها في الأساس مجرد نسخة أكبر - وبتحوير استبدادي صراعي وبعض الرتوش التنظيرية ذات المظهر العلمي - من الأبيقورية بشكلها الأصيل.
حتى اليوم، يظل أبيقور دليلاً لا غنى عنه للحياة في المجتمعات الرأسمالية الاستهلاكية المتقدمة لأن صناعة الإعلان والترويج -التي يقوم عليها بنيان هذا النظام - تعمل على تشويش الناس بذكاء حول ما يعتقدون أنهم بحاجة إلى أن يكونوا سعداء به. فهناك عدد غير عادي من الإعلانات الرأسمالية يركز على الأشياء الثلاثة ذاتها التي حددها أبيقور كإغراءات مزيفة وخلبية عن السعادة المشتهاة: الحب الرومانسي، والوضع المهني، والرفاهية.

إن أبيقور يدعونا لتغيير فهمنا لأنفسنا ولتغيير المجتمع وفقا لذلك. يجب ألا نستنفد أنفسنا والكوكب الذي نعيش فيه في سباق لإدراك أهداف قد لا ترضينا حقاً، حتى لو أدركناها. إننا بحاجة إلى العودة إلى التفكير العميق والاجتهاد بالبحث عن حقيقة ما يجعلنا سعداء أحقاق وليس خير من تركة أبيقور الفكرية في هذا المضمار.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزالق الوعظ الفكري
- الأكلاف الاجتماعية والاقتصادية للسموم البيئية
- بنيان وطاقة الدماغ وخرافة ال 10٪
- مراجعات في فكر أفلاطون
- جدل العنفين العسكري والاقتصادي
- ما هو الغذاء الصحي؟
- وعي الإنسان المظلوم
- المسببات البيئية لاعتلالات الغدد الصماء والاضطرابات التناسلي ...
- عن الاتساق الفكري وحق تقرير المصير
- كيف يَدْرِسُ العلماء وظائف الدماغ البشري
- مسألة الشعب الكردي المظلوم
- هل من ترياقات صالحة لعكس مفاعيل الشيخوخة؟
- الدور السلبي للبرجوازية الدمشقية في سياق الثورة السورية
- كيف تتفاعل مورثات وخلايا البدن مع المؤثرات البيئية؟
- إرهاصات ومفاعيل حرب الخليج الأولى
- مفاعيل الضغط والتوتر النفسي على الصحة العقلية والبدنية
- عوار الأمم المتحدة والقانون الدولي
- مفاتيح جوهرية لترقية الصحة
- جرائم الإبادة الجماعية
- الميل الطبيعي للسَّلْمِ والسلام


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصعب قاسم عزاوي - مراجعات في فكر أبيقور