|
- حقوق الانسان - محنطة فى المتاحف
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7101 - 2021 / 12 / 9 - 21:15
المحور:
حقوق الانسان
--------------------------------------------------------------------------------
فى 10 ديسمبر 1948 ، تم اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الانسان . أليست حقيقة مؤسفة ، أن العالم كله ، بعد ثلاثة وسبعين عاما ، من وجود هذا الميثاق ، ما زال يشهد أشكال ودرجات مختلفة ، من انتهاكات صارخة ، لبنود الميثاق العالمى لحقوق الانسان . بل اننى أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض ، أن " حقوق الانسان " ، أصبحت محنطة فى المتاحف ، مثل التماثيل ، والكائنات المنقرضة . المفارقة المحزنة ، أن العالم قد وصل الى اكتشافات طبية وعلمية وتكنولوجية ، فى المائة عام الماضية ، اكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى . ومع لك ، فان انتهاكات " حقوق الانسان " فى المائة عام الماضية ، قد أصيبت فى العالم كله ، بضربات فى مقتل ، لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية والطبية الحادثة . المفروض ، والمتوقع ، أن الاكتشافات تسعى فى نهاية الأمر ، الى تحسين أحوال كوكب الأرض ، مما يعنى ازدهار " حقوق الانسان " ، وبلوغها أفاقا جديدة ، تحقق سعادة البشر ، وتمتعهم بالعدالة والحرية ، والعيش فى بيئة صحية متوازنة . المفروض أن أى اكتشاف لا يؤدى الى انتشال البشر من الفقر والعجز والبطالة والمرض والقهر والتعاسة والاحباط ، يُلقى فى عرض البحر ، فما الفائدة منه ؟؟ . كل اكتشاف ، يستلزم انفاق مبالغ خيالية على مدى سنوات من البحوث والدراسات والتجارب . فاذا كان بعد كل هذا العناء ، لن يفيد غالبية البشر ، نساء ، ورجالا ، وأطفالا ، فليذهب الى الجحيم . لست مندهشة . فالحضارة العالمية السائدة ، التى تحكم كوكب الأرض ، وتضحك علينا بمصطلح " حقوق الانسان " ، حضارة غير مؤهلة فى أساسها ، وأصولها ، لأن تنقذ البشر على كوكب الأرض . هى حضارة فى عداء واضح ، وفى تناقض جوهرى ، مع " حقوق الانسان " . " الانسان " المقصود هنا ، هو ما يمثل الغالبية العظمى من النساء ، والرجال ، والأطفال ، والمهمشين ، والمهاجرين ، والأقليات ، والملونين ، وضحايا الارهاب الدينى ، وضحايا الفقر ، والأحوال البيئية غير الانسانية ، وعدم العدالة فى توزيع الموارد والحقوق والامتيازات ، وضحايا الفنون الرديئة ، وضحايا غياب حريات الرأى والتعبير والفكر ، وضحايا التحرش السياسى والتحرش الجنسى ، وضحايا التجارة بالأديان ، و" مافيا " تجارة الأعضاء ، وضحايا الفساد ، وضحايا الوصاية الدينية ، والاعلام الدينى ، وصحوة النعرات العنصرية ، والعٍرقية ، والذكورية . غالبية عظمى بالملايين ، لا يملكون من أمرهم شيئا ، الا أجسادهم المتعبة المرهقة ، المنهوكة فى مهانة البطالة ، أو تحت عجلات الانتاج الرأسمالى الشرس ، وعقولهم المغسولة باعلام ، لا يعبد الا رأس المال ، وتكدس الأرباح ، وعرى النساء ، وسلطة الرجال ، وان تستر وراء التعاليم الدينية ، والمواعظ الأخلاقية . ان ميثاق " حقوق الانسان " ، موضوع لحماية الضعيف . أما الانسان القوى ، لا يحتاج الى وثيقة تسترد حقوقه الضائعة ، أو تحمى حقه ، فى الحاضر والمستقبل . فالحضارة العالمية السائدة ، مسخرة لحماية الانسان القوى ، وتدعيم ، ملكيته ، وسطوته ، وعنصريته ، وذكوريته ، ورفاهية حياته ، وأمان ، واستمتاعات أطفاله ، وأحفاده ، على مر العصور . ولكن هذه الحضارة العالمية السائدة ، تصدع أدمغتنا كل يوم ، ليلا ، ونهارا ، بالكلام عن حقوق الانسان المهدرة . اذن لدينا كالمعتاد منذ قديم الأزل ، هذه الآلية المتناقضة ، المتسترة وراء أسماء مخادعة، " الجوهر غائب " ، لكن " الشكل موجود " . فالاهتمام بالشكل ، وتحسين الصورة ، وطلاء المنزل من الخارج ، وانفاق الفلوس على على الزخرفة الخارجية المظهرية ، ما هى الا " تأكيد " ، لا يكذب ، على " انعدام " الجوهر . علمنا التاريخ ، أن اللصوص ، والنصابون ، والمحتالون ، والمرتزقة ، والقوادون ، والفاسدون ، والجواسيس ، والكاذبون ، وتجار الأديان وأجساد النساء والأطفال، وسماسرة الأوطان ، ومصاصو الدماء ، وأنصار الفاشية ، هم أبرع الناس فى الكلام عن الأمانة ، والشرف ، والصدق ، والنزاهة ، والعفة ، والفضيلة ، والعدالة ، والحرية ، وكرامة وحقوق الانسان . عندما عاد جورج برنارد شو ، ( 26 يوليو 1856 – 2 نوفمبر 1950 ) ، من زيارته لأمريكا ، سُئل عن رأيه ، فى تمثال الحرية . فأجاب بسخريته المعتادة : " الناس عادة ما يصنعون التماثيل للموتى ". بين كل فترة وأخرى ، تخرج علينا " الموضات " الفكرية ، بالضبط مثل الموضات فى الأزياء . وأنا طوال عمرى ، لم أحب أية موضة فكرية ، معلبة ، جاهزة ، صممها آخرون ، يُقال عنهم " خبراء " ، ولم يحدث أننى لبست ثوبا حسب تقليعات باريس ، أو روما ، لندن . كنت ألبس من الأفكار ما يتناغم مع عقلى ، الذى يشك فى كل الأشياء حتى فى نفسه . وألبس من الأزياء ما ينسجم مع قوامى ، وألوانى المفضلة ، وحالتى المزاجية . من " الموضات " الفكرية ، التى لم أقتنع بها ، ولم أحبها ، وكشفت خداعها ، مقولة تتردد على الألسنة ، وكأنها فى مقام النشيد الوطنى ، أو القسم المقدس ، وهى " حقوق الانسان التى يرعاها المجتمع الدولى والأمم المتحدة ". اذا كان " المجتمع الدولى " نفسه ، و" الأمم المتحدة " ذاتها ، هما أدوات الحضارة العالمية السائدة غير العادلة ، لترسيخ الأوضاع كما هى عليه ، والابقاء على أساس هذه الحضارة ، وتدعيم الأسمنت المسلح الذى أرساها . 10 ديسمبر 2021 ، بعد 73 عاما من اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الانسان ، لا يسعنى الا التحسر على " حقوق الانسان " ، سطور ، وبنود ، تشهد توقيع كل دول العالم ، وهى حبر على ورق . الحل فى رأيى ، هو " ابدأ بنفسك " ، و" ابدأى بنفسك " . كل انسانة ، أو كل انسان ، فى أى مكان فى العالم ، يبنى نفسه ، يتعلم ، يشتغل ، يتمرد ، يعى ويفكر ويتثقف ، يرفض أن يكون مقهورا فى البيت وفى العمل . المفروض أن أى قانون للبشر ، مثل قانون أو ميثاق حقوق الانسان العالمى ، أو حتى لو كان ميثاقا أو قانونا محليا ، أن يأخذ رأى البشر الذين يتحدث باسمهم رجالا ، ونساء وأطفالا. البشر المتضررون أنفسهم فى كل مجال ، هم الذين يضعون القانون والتشريعات والمواثيق. هذه بديهية منطقية ، غائبة ، وهذا هو سبب الكوارث ، واعادة انتاج القهر والظلم والتضليل والكذب والتعاسة . هذه " ألف باء " الديمقراطية والحرية والانسانية ..... والمنطق أيضا . ---------------------------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيامة - ديسمبر - .... قصيدتان
-
أزمة العالم بين - تقدم - مظهرى و- تأخر - جوهرى
-
الأعياد بعد أمى - نوال - .... قصيدتان
-
خمس قصائد ... لذة العيش
-
ثلاث قصائد زمن الخفافيش .. لا أطلب حسن الختام والستر .. لقلب
...
-
تشريع قانون - ازدراء الحرية -
-
المؤامرة ..... سبع قصائد
-
- الله أعلم - لماذا اذن - بيزنس - الفتاوى ؟؟؟
-
تفسخ أخلاقى يغفره الله بالصلاة والصوم والحج
-
مصر ... وطنى وعملية - غسيل حضارة - عاجلة
-
هاربة من الصلاة وعباءات النساء ... أربع قصائد
-
أفتخر أننى بلا - هوية -
-
- صعلوك - يطرق باب الاعتكاف
-
خطيئة المرأة غير القابلة للغفران
-
أين كل الأشياء ؟ .... ست قصائد
-
العجز عن الحب .. أزمة محلية عالمية
-
حبيب ليلة الأحد ..... أربع قصائد
-
الاساءة الى - سُمعة الوطن - وصاية ارهابية
-
رجل فى بيتى لا أتذكره ..... سبع قصائد
-
انتقام من وراء الكواليس
المزيد.....
-
تطهير عرقي وانتهاكات جسيمة.. الجنائية الدولية تتجه لإصدار مذ
...
-
الإمارات تستعرض تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لح
...
-
المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة:الانروا ستواصل عملها حتى
...
-
-السجن وليس الجيش-.. الحريديم يتظاهرون رفضا للتجنيد
-
لازريني لمجلس الأمن: تطبيق التشريع الإسرائيلي بشأن-الأونروا-
...
-
سيلينا غوميز تبكي بسبب خطة ترامب لترحيل المهاجرين و-قيصر الح
...
-
إعلام إسرائيلي: عودة النازحين لشمال غزة تعني فقدان أهم ورقة
...
-
بأمر ترامب.. هكذا تم ترحيل المهاجرين إلى كولومبيا
-
إسرائيل تعتزم قطع كلّ الاتصالات مع الأونروا
-
لبنان: إطلاق سراح 9 معتقلين من السجون الإسرائيلية
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|