أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - كائنات جبارة من صنع البشر














المزيد.....

كائنات جبارة من صنع البشر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7101 - 2021 / 12 / 9 - 15:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يقتصر الوجود على كل ما هو مرئي ومحسوس، بل هناك وجود آخر موازي غير مرئي وغير محسوس لكن له أثر هائل قد يفوق الوجود المادي ذاته. والكون والكائنات ليست مجرد كتل من المادة الصماء متناثرة هنا وهناك وسط سكون لا متناه، بل هناك الحركة الدائمة، والحيوية والحياة، والروح. الكون ليس مادة بلا روح، وكذلك الإنسان. ومن هذه الروح الأثيرية اللامادية، خلق الإنسان وأبدع أكواناً وكائنات فاقت حتى الكون المادي ذاته قوة ونفوذاً، وجمالاً وجلالاً.

انظروا الله. ما من بشر على وجه الأرض قد ادعى، أو يدعي أو سيدعي، وجوداً مادياً مرئياً ومحسوساً له. أقصى الخيال كان نوراً- أثير- ملء السماوات والأرض. لكنه موجود، وياله من وجود عظيم يسمو ويعلو الكون كله؛ ومؤثر، وياله من تأثير، في حياة البشر بأكثر من تأثير أي شيء أو كائن حسي وملموس عبر الكون كله. انظروا زيوس وأثينا وإيزيس وآمون ورع ومناة واللات والعزى وهبل وما لا يحصى من الآلهة الأخرى. كم كانت تشيد لهم البيوت والمساجد والمعابد والأضرحة والمزارات والأهرامات والمسلات ولا تزال؛ كم بلغت الثروات المتدفقة عليهم من الهبات والعطايا والصدقات والنذور والتبرعات لاتقاء غضبهم وكسب ودهم أثناء الحياة والنجاة من عذابهم والفوز بجنتهم ونعيمهم بعد الممات؛ كم شنت باسمهم وتحت راياتهم حروب، وحشد من أجلهم بشر، ومات فداءً لهم ضحايا، وذبحت لهم أضاحي وقدمت قرابين- وعذارى في سالف الأزمان. لكن تلك الكائنات الإلهية- لانعدام وجودها المادي الذي لا ينكره حتى أغلظ المؤمنين بها- لا تسكن البيوت، لا تأكل ولا تشرب، لا تغضب من أحد ولا تحاربه وتقتله، ولا تتزوج العذارى ولا غيرهن، ولا تنزل الأسواق لتسفيد من التبرعات والنقود- لكن البشر يفعلون كل ذلك.

لما سقط الاتحاد السوفيتي ميتاً بالسكتة القلبية قبل عدة عقود مضت، بكاه ونعاه الكثيرون لكن لم يحضر جنازته أحد. في الحقيقة، لم تقام له جنازة من الأصل، ولا سرادق عزاء. أين وريت جثته؟ أين ذهبت أصوله وثرواته الطائلة، وجيوشه الباطشة، وقوته العظمى؟ وهل تتخبر إحدى القوتين العالميتين الأعظم هكذا من دون أثر؟! في الحقيقة، مثل هذه الكيانات لم تخلق من المادة ومن ثم لا جسد لها، بل هي روح فقط بلا جسد. هي فكرة أو نظرة، أو تفسير أو معنى معين يضفيه الإنسان على كونه وحياته المادية، ثم يدونها في معاهدة أو اتفاقية أو قانون أو نظام أو لائحة تأسيسية، أو يكتفي بمجرد تخزينها في الذاكرة والمواظبة عليها بالتكرار والتكييف في أعراف وعادات وتقاليد متوارثة ومبجلة. هي شكل تنظيمي معين يبتدعه الإنسان لإدارة جوانب شؤونه الحياتية المختلفة بطريقة يعجز عنها الشخص الطبيعي. تلك هي مادة الخلق لمثل هذه الكائنات غير الموجودة مادياً رغم تأثيرها الطاغي على الوجود المادي ذاته.

لقد زال وجود الاتحاد السوفيتي السابق بمجرد تمزيق المعاهدات والاتفاقيات المنشئة له، لتفترق الدول المؤسسة كل منها في حال سبيله حراً ومستقلاً. بتعبير آخر، هذا المارد العملاق الأسبق المدعو الاتحاد السوفيتي لم يكن أكثر من حبر على ورق، أو بالأدق فكرة من صنع الذهن البشري دونت في معاهدة وجسدت في مؤسسات وأصول حسية وملموسة، أو روح ثم كسيت عظاماً ولحماً عكس المخلوقات الطبيعية التي بدأت جسداً ثم نفخت فيها الروح.

نحن البشر لا يسعنا الكون المادي بكل ملكوته وكائناته الطبيعية المرئية والمحسوسة، وأنشأنا، من بنات أفكارنا، كوناً آخر موازياً أوسع وأرحب، أكثر قوة وتأثيراً من أي شيء صادفناه في محيطنا الطبيعي، وأقوى حتى منا أنفسنا كأشخاص طبيعيين. هناك أمريكا وروسيا والصين، الأمم المتحدة والناتو، أوبيك وأرامكو وآبل ومايكروسوفت. كائنات كثيرة منها من فارق الحياة وآخر لا يزال حياً وينمو ويزدهر، جميعهاً بدأت حياتها من الفكرة المدونة في دستور أو قانون أو لائحة أو عرف وتقليد متبع عمياناً، ثم تجسدت مادياً في بيوت ومقرات ومكاتب وأفرع وتوكيلات ومجالس، ورؤساء ومديرين وموظفين وجيوش ومصالح وأرباح وأحزاب وأسهم...الخ لتسع حياة البشر كلها، وتنظمها وتحكمها بقبضة من الفولاذ. لكن رغم كل هذه القدرات والقوى والطاقات الجبارة، لا يزال المتن مصنوع من ورق، الذي إذا تمزق انحلت وانفكت وزال وجودها وأثرها. فهل هي خلق من صنع البشر؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكائن المفكر الأوحد
- مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود
- لقاء مع إبليس
- كيف أصبحت الكلاب من أعز أصدقائنا: رحلة ممتدة منذ القدم حتى ا ...
- الاحتكار وابن عمه الشرير
- جنرال الكتريك والإيمان بسحر الإدارة
- سفاح الحمير
- أحياة بلا خطة هي؟
- عذاب الوعي
- دين وثلاث دول
- مدينة لكن بعقل قرية
- قرويون على أرصفة المدن
- إنصافاً للتجربة الديمقراطية في العراق
- نحن البشر لن ننعم أبداً بالحياة على كوكب المريخ، أو أي مكان ...
- لا غنى عن حقوق الإنسان حتى في أوقات المحن
- شرعية حقوق الإنسان
- إلى أين أنت ذاهب يا سعيد؟
- إسلام الطالبان
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الصين


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - كائنات جبارة من صنع البشر