أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أحمد الخميسي - حجر وورد .. وجوه لبنانية














المزيد.....

حجر وورد .. وجوه لبنانية


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 10:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لكل إنسان عقلية ومعايير يزن بها ما حوله ويحكم من منظورها على الأحداث . من الصعوبة بمكان – لكن ليس مستحيلا - تفسير الكيفية الثقافية والذاتية والنفسية التي تختلف بسببها تلك العقلية من شخص لآخر، إذ تتداخل في تكوين العقلية على هذا النحو أو ذاك عوامل مثل التربية والمصلحة الاجتماعية والميول والوراثة وعوامل أخرى مستجدة . بالنسبة لي، كانت هناك - أثناء الحرب الأخيرة على لبنان - نشرتان للأخبار : الأولى تعرض لي الأنباء الظاهرة من الحرب ، أي عدد صواريخ المقاومة،واستبسالها، وحجم ونوع العمليات الإسرائيلية الفاشية، ونتائج الضربات المتبادلة. وكانت أنباء المعركة الظاهرة تمثل بالنسبة لي معيارا للحكم . نشرة الأخبار الثانية ، كانت تعرض لي في تقارير جانبية صغيرة ، أنباء الانفعال على وجوه بسطاء اللبنانيين ، والنبرة التي ينطقون بها ما يقولونه قرب بيوتهم المهدمة ، وإشارات أياديهم ، ودموعهم أحيانا . كانت تلك أنباء احتشاد الروح في هذا الاتجاه أو ذاك ، وبهذا القدر أو غيره . كنت أتابع عدد صواريخ المقاومة التي تسقط على حيفا ، ولا أحكم بشيء ، إلي أن أرى حجم الانفعالات المتوترة . كان رصد الانفعال بالنسبة لي نبأ وخبرا هاما ورئيسيا ، لا يقل أهمية عن عدد المعارك . كانت طبيعة تلك الانفعالات مؤشرا أحكم به . وفي هذا السياق لعلي لن أنسى وجه سيدة ضخمة كالشجرة تجاوزت منتصف العمر ، كانت تقف أمام كاميرا إحدى المحطات التلفزيونية في جلباب أسود منسدل قرب بيتها المهدم بالكامل . وسألها المراسل التلفزيوني عن بيتها الذي لم يبق من منه حجر على حجر ، وما تشعر به وهي ترى ذلك، فأشارت نحو الأنقاض تسأل المراسل التلفزيوني : ماذا ترى أمامك؟ . أجاب المذيع بهزة رأس اعتيادية دون أن يفهم ما تقصده : أحجارا .. نعم . فهتفت به ملوحة بذراعها أمام عينيه كأنه أعمى تحثه على الإبصار : كلا ليست أحجارا ، إنها زهور ، وستصبح غدا حديقة كبيرة ، سنعيد بناء كل شئ . ثم تقدمت سيدة أخرى شابة نحو الكاميرا قائلة : " الحجر يرمم ، لكن إذا تحطمت كرامتنا أصبحنا لا شئ " . كنت أتابع مظاهر الشعور بالكرامة كأنها ذخيرة ، يقاتل بها الناس جنبا إلي جنب مع ذخيرة المقاومة من صواريخ ومدافع . وبدون ذلك الشعور بالكرامة لا يمكن لأحد ، أو جماعة ، أو شعب ، أن يحقق انتصارا ذاتيا ، أو موضوعيا ، أو تاريخيا . فالشعور بالكرامة هو الشعور بأن من حق الإنسان أن يحيا كما يشاء وبالشكل الذي يريده ، وحين يصبح ذلك الشعور ظاهرة نفسية عامة ، فلابد أن يخطو بالتاريخ إلي الأمام . الكثيرون يحسبون الحروب والمعارك باعتبارها موازين قوى مادية فحسب ، لكن فيتنام الصغيرة استطاعت أن تنتصر على أمريكا ، وفقا لموازين قوى معنوية ، ووفقا لنشرة أنباء أخرى تخص الروح والانفعال . ومنذ زمن بعيد ، وعبر رحلة تاريخية طويلة ، أصبح ما هو معنوي لدي الإنسان قوة مادية أهم بكثير من القوة المادية الظاهرة . ولهذا فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقبل بالانتحار ، أو الاستشهاد ، أي الكائن الوحيد الذي يرضى عن وعي بأن يبيد ما هو مادي - أي بدنه وجسمه – من أجل ما هو نفسي ومعنوي ، أي كرامته ومبادئه . حالات الصمود حتى الموت داخل المعتقلات والسجون في كل بلدان العالم وتاريخه كثيرة ، وكلها تفيد معنى واحدا : إن الروح تنتصر على البدن ، وكل ما هو معنوي يقبل بالخسائر المادية ، لينقذ نفسه ، ومغزى حياته . وعبر تلك الخسارة فقط تصبح الروح قوة مادية ملموسة ذات أثر ضخم تعيد ترتيب العالم من حولها . ونحن في الحياة اليومية قد نرتضى البؤس ، أو الجوع ، لكننا لن نرتضي كلمة مهينة . لقد مات الموظف الصغير لدي أنطون تشيخوف في قصة " موت موظف " ليس بسبب الجوع ، لكن لشعوره بالضآلة والمهانة . والذين ينتحرون في قصة حب فاشلة ، يبيدون وجودهم المادي ، من أجل وجود معنوي ، والذين يفتدون أوطانهم أيضا يفعلون ذلك . ولهذا فقط تصبح الأحجار وردا ، تستنشق امرأة مقاومة عطره ، أو تظل أحجارا عند البعض الآخر.
وقصة تطور التاريخ الإنساني كله هي قصة التقدم من الحيوانية إلي الإنسانية ، ومن الجنس إلي الحب ، ومن حشو المعدة إلي الشعور بالكرامة، ومن الاستعمار إلي التحرر، ومن الحجر إلي الورد .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
- المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
- لن نغفر ولن ننسى
- المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
- الليل طويل والطيارات مش نايمة
- لم يبق في غزة سوى الهواء
- نبيل الهلالي . سحابة العدل
- انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
- جينا لندن ترصد أدق الرغبات
- ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
- سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
- شلنات وبرايز
- لا للتمييز ضد البهائيين المصريين .. نعم لحرية الاعتقاد
- البهائية والنزعة السحرية
- ما الذي يريده الشعب المصري ؟
- تبني مطالب الأقباط .. هو الطريق للخروج من الأزمة
- الآداب السلطانية . نص متجدد
- أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
- حكاية هند والفيشاوي
- الأزمة الدانمركية بين الدين والسياسة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أحمد الخميسي - حجر وورد .. وجوه لبنانية