عياد أبلال
الحوار المتمدن-العدد: 1657 - 2006 / 8 / 29 - 10:07
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
المجال والتحولات الاجتماعية
قراءة في كتاب" التحولات الاجتماعية وإعادة تنظيم المجالات السهبية"*
** عياد أبلال
إن المجال – كجغرافية وبنيات تحتية وموارد طبيعية وفضاء روحي – لا يمكن تغييبه أو تهميشه في دراسة الإنسان كذات تاريخية, وكجماعة وكفاعل اجتماعي في أي حقل من حقول المعرفة والفعل, وبالتالي فإن تغييبه يفضي في النهاية إلى تضليل وتسطيح البحث والدراسة في قضايا وشؤون الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا وفاعلا سوسيو-ثقافيا دائم الحراك والفعل من أجل بناء وإعادة بناء شروط حياته ووجوده وترسيخ أو خلخلة منظومة القيم والمعتقدات وكافة أنماط الحياة التي يؤثر ويتأثر بها والتي لا يمكن اعتبار الفصل بين خلفياتها السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية سوى فصلا منهجيا من أجل الدراسة والتحليل خاصة فيما إذا تعلق الأمر بالمجالات السهوبية التي يمكن اعتبارها مجموعة أنظمة معقدة وتجزيئية في الآن نفسه,وإذا كانت شروط إنتاج المعرفة ومدركات الإنسان تجاه العالم والآخر والأشياء وتكريس هويته وحضارته تتحدد انطلاقا من الكثافة السكانية و طبيعة الحركية الثقافية وطبيعة العلاقات الاجتماعية في إطار منظومة ثقافية كبيرة كثافتها تحدد إلى حد ما خطاطات وانماط التواصل السياسية والاجتماعية وكذا تأثر وتأثير قوى وتقنيات الإنتاج على باقي المحددات الأخرى, إذ لا يخفى بعد دراسات كل من عبد الله حمودي وحسن رشيق ومحمد مهدي ومحمد الطوزي وأخرون تداخل وتواشج العلاقات البنيوية بين تقنيات الإنتاج والطقوس والقوانين من جهة,و تصورات الإنسان في المجال حول العالم والأشياء,ومن تم لم يعد غريبا على الدارسين معرفة أن الثقافة - من منظور انثربولوجي – هي نتاج انصهار واندماج مختلف أشكال تعاطي وتفاعل الإنسان بالبيئة والعمران والمجتمع, الأمر الذي يبدو واضحا من خلال المجالات السهبية les éspaces steppiques التي تعتبر بحق الراصد الاجتماعي والسوسيو اقتصادي الحساس لكل التحولات الواقعة على مستوى العلاقات داخل المجموعات المحلية, وذلك من خلال مختلف أشكال إعادة التنظيم التي تلحق المجال في حد ذاته, ومن تم تصبح المعرفة الدقيقة بمرجعيات وخلفيات هذه التحولات التي تمس مجمل حياة الساكنة بهذه المجالات,شرطا أوليا من شروط صياغة وتدبير المشروع التنموي المنشود بخصوصياته وميكانيزماته التي تختلف باختلاف طبيعة المجالات من جهة إلى أخرى,لكن بفضل انتشار عدد من النماذج الثقافية من جهة وكذا تشابه المميزات المرفولوجية والأيكولوجية لبعض المجالات – كما سوف نرى ذلك من خلال شهادة الباحث الأنثربولوجي الفرنسي" بيير بونت " – يمكن الإمساك بالمشترك بين مجالات وأخرى بالرغم من اختلاف الموقع الجغرافي كما هو الشأن في عدد من الدول الإفريقية , خاصة دول الساحل وجنوب الصحراء, ومن هذا المنطلق وفي أفق فك العزلة عن مناطق بقيت مهمشة ومعزولة تأتي أعمال ثلة من الباحثين المغاربيين والأجانب, وفي هذا السياق يمكن تأطير مشروع البحث من أجل التنمية الزراعية (PRAD) الذي اتخد في السنوات الأخيرة من منطقة ميسور حقلا خصبا للدراسة والبحث, تحت إشراف مشترك بين المغرب وفرنسا, ويمثل في ذلك الباحث المغربي محمد مهدي المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس, والباحث الفرنسي جان بول شاسني Jean Paul Chassany المعهد الوطني للبحث الزراعي بمونبوليي,والحصيلة اللقاء العلمي الذي جاء بعد عدة سنوات من الإشتغال على المجال السهبي بميسور,الذي نظم تحت عنوان " التحولات الاجتماعية والمجالية ومآل الإقتصاد الرعوي الترحالي في سهوب ميسور " أيام 8/9 نونبر 2001 . وفي إطار نشر وتعميم الفائدة العلمية ومدا لجسور التواصل العلمي وفتح الباب مشرعاً أمام السجالات العلمية وتبادل الرؤى والتصورات,سوف يعمل الباحث المغربي محمد مهدي على نشر بعض الدراسات التي قدمت في هذا اللقاء في الكتاب الذي نحن بصدد تقديمه للقارئ والباحث المغاربي, والذي يحمل العنوان التالي: " التحولات الاجتماعية و إعادة تنظيم المجالات السهبية " .
فسهب ميسور كنموذج للمجالات السهبية يعتبر مسرحاً لعدد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والتي أصبحت واضحة المعالم اليوم خاصة على مستوى تربية المواشي واستغلال السهب كمراعي متحولة نتيجة عمليات الترحال, وهذه التحولات حسب مختلف الدراسات الأنثربولوجية والسوسيولوجية تعتبر في الحقيقة نتاج خلل وظيفي في التوازنات التقليدية بين المجموعات الاجتماعية والموراد الطبيعية وبلغة الجغرافيين بين المجال والإنسان,خاصة أمام تدهور وتهميش وضع الرعاة والمربين الصغار نتيجة توالي سنوات الجفاف ومنافسة التقنيات الحديثة التي أدخلها عدد من الفلاحين والمستثمرين المحليين والمتمركزين في أغلبيتهم في مدينة ميسور,والنتيجة أن هاته التحولات السوسيومجالية قد أثرت على التنظيم الرعوي الذي أثر بدوره على الساكنة القروية, كما هو الشأن كذلك على مدينة ميسور كمركز حضري, بسبب الطابع الليبرالي للإقتصاد المغربي وتأثيرات العولمة ,الشيء الذي فسح المجال أمام فاعلين اجتماعيين جدد بسبب غياب هذه المجالات عن أجندة الدولة في مجال التنمية القروية, مشيدين بذلك نوعا جديدا من العلاقات مع الدولة التي أصبحت تتبنى خطاب اللامركزية والتشاركية كأفضل مقاربة للتنمية المحلية وضمن هذا الإطار تأتي الدراسات الميدانية المتعددة التخصصات لتضع تشريحاً دقيقا لهذا المجال السهبي وللتحولات الطارئة عليه ولخلفياتها السوسيواقتصادية والثقافية,كخطوة اولى لإبداع أشكال جديدة للتنمية المحلية, ومن بينها للمثال لا الحصر السياحة السهبية كإمكانية استراتيجية ماتزال غير مستغلة.
إن الكتاب موضوع هذه الورقة وكما سبق الذكر هو ثمرة حوالي 10 سنوات من البحث واللقاءات العلمية مغاربية وفرنسية مغربية, يجسد بحق اختلاف المقاربات النظرية والمنهجية التي أطرت اشتغال هؤلاء الباحثين,والخيط الناظم طبعاً هو تحليل وخلخلة التطور الحاصل بين المجال والموارد الطبيعية والبشرية لهذا المجتمع السهبي وذلك من خلال ثلاث تيمات بنائية متكاملة:
تحولات التربية الرعوية ,رهانات العقار الرعوي و أشكال تدبير الموارد الطبيعية,تهدف الدراسات من خلالها إلىالوقوف على حجم الدور الذي يلعبه الرأسمال البشري في التنمية المحلية, وخاصة على عمق التحولات السوسيو مجالية التي من بين أبرزها ظهور فاعلين جدد, فعلى المستوى الفردي سوف تشهد المنطقة حركية حقيقية للشباب والنساء الشيء الذي لم يكن معرفا في السابق نتيجة خطاطات التواصل الثقافية داخل العائلة الممتدة و بعد هذه المناطق عن التأثيرات الخارجية وخاصة تأثير المدينة والمراكز الحضرية والشبه حضرية, ونقصد استقبال واستدماج نماذج ثقافية حضرية بفضل انتشاريتها نتيجة انفتاح هذه المناطق على العالم الخارجي بفضل الهجرة من جهة والتعليم الذي يعتبر عاملا من عوامل الحركية الاجتماعية داخل أوساط الشباب والنساء من جهة ثانية , أما على المستوى الجماعي فسوف يشهد هذا المجال السهبي ميلاد جمعيات وتعاونيات تنموية,يمكن اعتبارها على المستوى الأنثربو ثقافي تحولا جوهريا لأشكال التضامن التقليدية التي ميزت هذه المجالات تاريخياً .
الموضوع/ الإشكالية:
ينطلق المؤلف على المستوى التيماتي من ضرورة قراءة دينامية واقع المجتمع المدروس ، ويمكن تلخيص هذه القراءة في كون مجال ميسور أصبح يعرف توترات وتحولات اجتماعية واقتصادية عميقة تجد عناصر تأججها واشتعالها في أزمة النسق الاجتماعي التقليدي ،إثر انهيار التوازنات التقليدية التي كانت قائمة بين المجموعات الاجتماعية والموارد الطبيعية ,بين الإمكانيات التي تتيحها المنطقة ومستلزمات الساكنة وتبدو هذه التحولات على مستوى منظومة الإنتاج الرعوي والحياة الاجتماعية والمعيش اليومي للبدو الرحل, لكون المنطقة كانت معروفة تاريخيا بهيمنة الإقتصاد الرعوي الترحالي , وهذا المعطى هو صلب الكتاب
مورفولوجيا الكتاب:
يضم مؤلف " التحولات الاجتماعية وإعادة تنظيم المجالات السهبية " حوالي 360 صفحة ويحتوي على12 فصلاً أومساهمة ,بالاضافة الى مقدمة تحدد عناصره والقضايا المعالجة في كل فصل أو دراسة ، وقد ساهم فيه أربعة عشر باحثاً ,بينهم عدة طلبة في طور التكوين والدراسة, الشيء الذي يبدو لنا كباحثين وأساتذة سلوكاً يستحق التنويه, فاشراك الطلبة ممارسة للأسف جد هامشية في فضاءنا الأكاديمي,على عكس ماهو معمول به في أقطار أخرى, الأروبية والأمريكية على الخصوص .و كما سبق الذكر يضم المؤلف بالإضافة الى المقدمة التأطيرية التي صاغها محمد مهدي إثني عشر دراسة, لابأس من تقديم خطوطها العريضة ,حتى نصغ المؤلف في صورته الشامله :
1- من القبائل الى التعاونيات الأثنوسلالية Des tribus aux coopératives ethno lignagères لمحمد طوزي يتعرض فيه للمسألة العقارية داخل أراضي الجموع التي كانت تشكل مسرح الرعي الترحالي
2- التنمية الرعوية بالمناطق الصحراوية والساحلية,Développement pastoral en zone saharienne et sahélienne لأحد أبرز الانثروبولوجيين المعاصرين في فرنسا وهو بيير بونت (Pierre Bonte) وهذه المساهمة التي يمكن تأطيرها على المستوى المنهجي في التجريب العاملي والذي بموجبه يمكن للباحث الإجتماعي والأنثربولوجي قياس مدى تحقق الفروض والعوامل التي تفسر مجموع العلاقات المنتظمة بين متغيرات معينة في ظاهرة من الظواهر في مجتمع من المجتمعات بعد أن تم استخلاص الإنتظامات الحاصلة بينها في مجتمع أخر يتوفر على كل المتغيرات والمميزات الأنثربوثقافية التي تؤهله ليكون مجتمعاً تجريبياً ,على أن الحقل الأساسي للبحث الأنثربولوجي يعتبر في إطار هاته الدراسة المقارنة إلى حد ما حقلا ظابطا , وهذا المنهج يتيح للباحث والدارس – من خلال شهادة بيير بونت,التي تعتبر في الحقيقة نتاج سنوات طويلة قضاها هذا الباحث المتمرس,الذي يشغل حاليا مدير البحث الأنثربولوجي بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا CNRS ,في ملاحضة ودراسة المجتمعات الرعوية في عدد من مناطق القارة الإفريقية - إمكانيات المقارنة مع سياقات ثقافية واجتماعية أخرى ( الساحل والصحراء )
3- كيف تتلاشى قيمة من القيم Comment disparaît une norme . للباحث المغربي حسن رشيق, وتتعرض هذه الدراسة لأستراتيجيات تدبير التحول الاجتماعي من طرف الفاعلين والدراسة تقدم عدد من الإجابات على سؤال مركزي في هذا السياق يمكن صياغته على الشكل التالي: "كيف يتخلى الأفراد والمجموعات عن معايير مؤسسة لمجتمعهم من أجل ضمان استمرارهم كفاعلين ؟
4- من الترحالية إلى الأشكال الجديدة لتربية المواشي Du nomadisme aux nouvelles formes d élvages للباحث محمد مهدي, وترصد هذه الدراسة مسار الإنتقال من الرعي الترحالي إلى ابداع وخلق أشكال جديدة من اقتصاد تربية الماشية أكثر تلاؤماً ,من خلال محاولة تجاوز الاكراهات الجديدة التي تؤطر الحياة الاجتماعية في المنطقة
5- سوق الأغنام في جهة ميسور: البنية, السلوك, والقدرة Le marché des ovins dans la région de MissourM structure,comportement et performance وهنا نحن أمام دراسة مشتركة بين الباحثين :خليل علالي, سعد دليل , ومحمد مهدي الذين حاولوا دراسة سوق الأغنام من خلال المقاربة (S.C.P) التي تم تطويرها وصياغتها في العشرية 1968-1978 من طرف مدرسة التنظيم الصناعي لدراسة الأسواق بالدول الصناعية,وذلك من خلال دراسة أشكال إشتغال سوق الماشية في المنطقة,انطلاقا من تسييج العلائق والإنتظامات الممنكة بين بنية هذه الأسواق التي تتحدد بأماكن التسوق والتجارة,ومسالك التوزيع في الأيام العادية وكذا المناسبات,ومدى تأثر التجار وبالتالي سعر اللحم بالسلوك التجاري المهيمن وبمدى شفافية السوق في حد ذاته, والهدف من هذه الدراسة هو تعيين عدد من المعايير والأنشطة التي يمكن اعتمادها لتحسين شروط الإنتاج وتخفيض ثمن التكلفة كشكل من أشكال تحسين وضعية الفلاحين والرعاة والفاعلين الإقتصاديين في هذه السوق.
6- عيد الأضحى: عنصر مبنين (من بنيوي) للإنتاج وتسويق الموارد الرعوية Layd al-kabir : un élément structurant de la production et de la commercialisation des ressources pastorales للباحثة الفرنسية آن ماري بريسيبار ( Anne-Marie Brisebarre) وهي دراسة تعتبر في الحقيقة امتداداً وتتمة تفصيلية لأشكال تسويق منتوجات الإقتصاد الرعوي , ويركز على عيد الأضحى كمناسبة تؤطر الإنتاج والتسويق الرعوي.
7- تحول وإعادة استغلال الملك الجماعي نتيجة الزراعة المسقية Appropriation du foncier collectif par l agriculture irriguée للباحثين زوبير شطو ومحمد العمراني, والدراسة تحاول رصد مختلف أشكال تحول واستغلال الملك الجماعي الذي كان مجالاً لنشاط الترحال, ومن بين ذلك وكأهم شكل من أشكال هذا التحول , نجد الزراعة المسقية.
8- بطالة حاملي الشهادات والديناميات المحلية Le chomage des diplomés et les dynamiques locales للباحث زوبير شطو, ويعرض من خلالها إلى تأثير حاملي الشهادات على الديناميات الفردية والجماعية في منطقة ميسور, من منطلق كونهم فاعليين حاملين لمشاريع ليست دائما متجانسة بل أحيانا تكون متناقضة فيما بينها وهذا الإختلاف في التصورات والمشاريع بين هؤلاء الشباب من جهة والأهالي أو الأباء من جهة اخرى يعمل على بلورة وتشجيع عدد من التحولات السوسيوثقافية والتي تعمل في العمق على إعادة تكوين وتركيب التنظيم الاجتماعي الذي بدوره يعمل على تغيير المجال في حد ذاته,كما يعرض لمدى تأثيرهذه التحولات على الساكنة وعلى مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية , أشياء وأخرى نجدها بتفصيل في دراسة محمد مهدي وفاطمة زهيد ووصال السلاوي 9- " النساء,الوضع والتحول الاجتماعي Femmes,statut et changement socialالذي يعرض لتأثيرات هذه التحولات الاجتماعية على وضعية المرأة بالمجال السهبي بميسور, كما يمكن للرصيد المعرفي ,وتدخل النساء الفعلي من خلال عدد من الأنشطة أن يعمل على تغيير المجال السهبي , وهذا ما نجده في دراسة مشتركة بين زوبير شطو و آن ماري دو شافان (Anne-Marie Dechavannes) التي تحمل العنوان التالي 10- المعرفة ومعرفة الفعل للنساء القرويات بالأوساط السهبية بميسور Savoir et savoir-faire des femmes rurales en milieu steppique de Missour
11- الزراعة بالواحات وعلاقاتها بالسهوب من خلال واحة أولاد سيدي بولعالم , هو عنوان الدراسة التي قام بها محمد مهدي ووجان بول شاسني ويامينة شرو "Y.CHERROU"
12- وأخيرا يختتم الكتاب بمقالة نظرية ل J.P.CHASSANY يدعو الباحث المتلقي من خلالها للخروج من ارغامات الوقائع الاجتماعية ومدى تعقد مستويات تحليلها ودراستها إلى التفكير في الأطر النظرية والتطبيقية لعمليات التدخل التنموي ميدانياً
الخلاصات والنتائج التي جاء بها الكتاب :
يمكن أن نورد أهم خلاصات هذا المؤلف في ست نقاط أساسية :
1- الخلاصة الرئيسية:
يؤكد المؤلف على انهيار الإقتصاد الرعوي القائم على الترحال, وبالتالي اختفاء مجتمع الرحل أو نزوعه نحو الاختفاء, فبعد أن كان الترحال يشكل مركز الحياة الاجتماعية في المنطقة ,أصبح اليوم هامشيا
2- إن انهيار الإقتصاد الرعوي الترحالي الذي كان يشكل نمط الانتاج السائد في المنطقة ،قد نتج عنه نزوح صغار المربين الى مركز ميسور, وكما يحدث غالبا في عمليات النزوح البشري من البادية الى المدينة فإن صغار المربين /الرحال سابقا يستقرون في ظل شروط مادية هشة ،إنهم أصبحوا يشكلون هامش مدينة ميسور :إنهيار الرعي الترحالي نتج عنه إذن تفقير الرحل
1- تطور استراتيجيات اقتصادية جديدة لدى الفاعلين المحليين, ويتجلى ذلك في الطرائق الجديدة التي أصبحت تمارس بها تربية الماشية ،وهي طرق تحكمها مستلزمات وإكراهات تكييف الإنتاج الرعوي مع السياقات الاجتماعية والإقتصادية الجديدة ,فمثلا عند رعاة بني كيل الذين درسهم حسن رشيق،سوف يتم الإعتماد على وسائل جديدة للتنقل مثل الشاحنة عوض الجمال,الشيء الذي نتج عنه اختفاء بعض القواعد والطقوس المؤسسة للحياة الجماعية لدى الرحل,والتي تؤطر الممارسات التي يرتكز عليها التنظيم الاجتماعي لحركية الرحل في إطار الدوار مثل: الشرط والمنيحة والصدقة, وضمن نفس أفق التحولات الاجتماعية، نجد اعتماد الأفراد والجماعات على نمادج سلوكية جديدة أكثر ملائمة للشروط السوسيو اقتصادية الجديدة ,مثال أخر لهذه التحولات :رعاة أولاد خاوة الذين درسهم محمد مهدي ، تخلوا عن الترحال لصالح أشكال جديدة لتربية الماشية مناسبة للواقع الجديد, فقد تم التخلي عن التربية الموسعة ELVAGE EXTENSIF لصالح نشاط اقتصادي يميل الى التربية المكثفة Elvage intensif
3- إذا كان مجتمع الرحل يفسر هاته التحولات بالظروف المناخية الغير ملائمة ( الجفاف ), فإن الدراسات التي تم نشرها في الكتاب ضمن أخرى بطبيعة الحال, لم تجد طريقها إلى النشر تظهر أن ذلك ليس إلا عاملا ضمن عوامل أخرى تتظافر فيما بينها لإنتاج تحول اقتصادي واجتماعي شامل
4- السمة الرئيسية للتحولات التي تعرفها المنطقة هي :ازدهار المنحى التسويقي للإنتاج الرعوي واندماجه الكبير في السوق , وهذا الإتجاه والتحول لصيق بسيرورة التفقير والتهميش التي تطبع مجتمع الترحال, ومن أهم نتائج هيمنة ( الطابع التجاري للإقتصاد الرعوي ) تحويل الماشية الى كبار المربين ،ولصالح فئة صاعدة من "مربي المدينة " ( مقاولين وغير ذلك )
5 - السمة الخامسة ,تهم النظام العقاري . فقد أفرزت مجمل الإنتقالات التي تعرفها المنطقة العديد من القضايا التي تضع النظام العقاري أمام المحك ,فأغلب الأراضي داخل المنطقة أراضي جماعية وقد تم التعرض لهذه القضايا من زاويتين : - من زاوية تدبير الأراضي الجماعية والموارد المائية
- ثم من زاوية تحويل العقارالجماعي الذي كان يتماشى والنظام الاجتماعي المنهار ( الرعي والترحال ) إلى الزراعة المسقية ومشاريع تنموية أخرى .
6 - السمة السادسة لهذه التحولات تتعلق بالظهور القوي لفاعلين جدد كانوا مغيبين في النظام الاجتماعي المنهار على الأقل في تمظهراته الرسمية أو الخارجية . وهؤلاء الفاعلون الجدد هم النساء والفئات الشابة وكذا حاملوا الشهادات أو الشباب المتعلم بصفة عامة ,ويظهر أن التحولات التي همت المنطقة أعطت دفعة قوية لهذه الفئات التي أصبحت تضطلع بأدوار رئيسية وتحاول أن تقدم إجابات وأن تطور استراتيجيات لمواجهة أزمة الإنتاج الرعوي
تلكم بصفة عامة السمات الأساسية للتحولات الاجتماعية والمجالية في منطقة ميسور كما رصدها المؤلف وختاماً نود أن نشير أولاً: إلى أن هذا الكتاب وضعه مؤلفوه كمساهمة في السوسيولوجيا والأنثربولوجية التطبيقية ، بحيث أرادوا أن يكون أولا أداة تساعد متخذي القرار والمتدخلين والعاملين في مجال التنمية لبلورة وابداع مشاريع تنموية حقيقية نابعة من انشغالات وحاجيات السكان من جهة واشراكا لهم من جهة أخرى, لكن هذا المؤلف في اعتقادنا تجاوز هذه الوظيفة المركزية التي أرادها لها محمد مهدي وفريقه ,لأنه بالنهاية كتاب ينتمي في نفس الآن إلى البحث السوسيولوجي الأساسي والتطبيقي, فهناك العديد من التحاليل تفيد البحث السوسيولوجي الأساسي (النظري ) :الميكانيزمات التي تحكم التحول الاجتماعي ,استراتيجات التكيف, العلاقة بين الفاعل الاجتماعي والقاعدة
وثانياً: باعتبار مكانة العلوم الاجتماعية والبحث السوسيولوجي في المغرب ،و نظراً للحجم الضئيل للبحوث الميدانية ذات الطابع الميكروسوسيولوجي أو الجهوي فإن المؤلف - موضوع هذه الورقة - هو في الواقع سوسيولو جيا لمنطقة ميسور ويستحق أن يحمل العنوان التالي: من أجل سوسيولوجيا منطقة ميسور:" . Pour une sociologie de la région de Missour "
** باحث في علم الاجتماع
والأنثربولوجيا الثقافية / المغرب
--------------------------------------------
* الكتاب صدر تحت إشراف الباحث المغربي محمد مهدي ,بمساعدة مؤسسة كونراد ,سنة 2002 / مطبعة النجاح الجديدة.
#عياد_أبلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟