مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 08:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثر المتحدثون باسم الأمة في الآونة الأخيرة, ورحمة بهذه الأمة وإشفاقاً عليها، أرجو من المتحدثين باسمها، أن يضعوا اليد على الجرح، ــ لا ملامسة خارجية فقط ــ بل فتحاً له وتطهيراً من كل الجراثيم والشوائب التي اختلطت بدم المصاب, حتى الشفاء التام، وليس التمني بالشفاء فقط.
لقد اختلط عليّ الأمر، عن أية أمة يتحدثون؟. عن الأمة العربية؟! عن الأمة الإسلامية؟! أم عن الأمتين معاً؟!. أم أنهما أمة واحدة؟!. أم عن الأمة التي هي (( ... أمة أخرجت للناس ))؟!. لست أدري.
وهنا أتساءل: هل لدينا أمة؟.لا أظن.
وحتى تصبح لدينا أمة، يجب ــ أن نستفيق من الغفوة, فاللطمات والنكبات والويلات التي مرت بنا, كفيلة بأن يستفيق لها الميّت, وليس فقط المغمى عليه, فكيف إذا كان المرء ليس نائماً؟!.
يجب أن نصارح أنفسنا أولاً, وبعضنا ثانياً, أنظمة وشعوباً, أحزابا وحركات و...و...و... وأفرادا --فليس المحكوم بأفضل من الحاكم (( كما تكونوا يوّلى عليكم )) ولذلك فإنه :
1ـ يوجد عرب, ولا توجد أمة عربية. يوجد مسلمون, ولا توجد أمة إسلامية. لأن الأمة هي تعبير حيّ عن الدولة, والدولة هي التي ُتوجِد الأمة, فلا أمة بدون دولة.وكل ما عدا ذلك " ضحك على الذقون " وتضليل للآخرين. وكذلك لا توجد دولة بدون وجود الحرية /الديمقراطية/. كل الهياكل غير الديمقراطية لا تشكل دولة, بل هي ألدّ أعداء الدولة.
وحتى لا أكرر كلمة ــ الدولة ــ فالفكر القانوني بجميع مؤسساته وأشكاله العملية والنظرية, يعرف معنى الدولة ويحدده. ولذلك فعدم وجود الدولة العربية يعني عدم وجود الأمة العربية.
2ـ كيف نوجد الدولة؟: تأسيساً على أن وجود الدولة يوجد الأمة, ووجود الدولة والأمة يعني وجود الوطن. لذلك يصبح السؤال: كيف نوجِد الوطن؟! بل كيف نبني الوطن؟. هناك مقولة مفادها:((لا يمكن بناء الوطن إلا من خلال بناء المواطن )) . وعليه فإن وجود الأمة – الوطن – الدولة – مرتبط كل الارتباط ومتوقف على وجود المواطن .
لا أريد أن أفصّل في موضوع الوطن والمواطن ــ أو المواطنة ــ لأني كتبت عنها مفصّلاً في بحث ــ الوطن والمواطنة ــ وإن كان لابد من كلمة أقولها:الوطن ليس الجغرافيا فقط, وإنما هو قوة الوجود وشرعيته, والمواطن ليس فقط مجرد فرد يعيش على أرض, وإنما هو كتلة من الحقوق والواجبات المتجددة والمتحققة دائماً وأبداً, فلا يوجد وطن ولا مواطن إلا في الفضاءات الرحبة, وليس ضمن الغرف المغلقة المعتمة وداخل القوالب الحديدية الصدئة. وأخيراً أقولها بصراحة: الوطن والمواطن ليس ــ مرعى وقطيع ــ
3ــ وجود الأمة وقوتها , لا تتحقق بالإيديولوجيات المتعصية الهدامة – دينية كانت أم سياسية , أم اجتماعية , وما أكثرها لدينا , فنحن نتبوأ الدرجات الأولى _ في العالم _ , ولكن في التخلف والجهل والتمزق والضعف . فالعرب لم يشاركوا في صنع التاريخ والحضارة والإنسانية , منذ سقوط بغداد على يد - هولاكو – وحتى هذه اللحظة , إن لم نقل منذ نهاية عهد --المأمون -- بن هارون الرشيد . وجود الأمة وقوتها , تتحقق بانتصار العقل المنتج على العقل المستهلك . بانتصار الفكر والتفكير الحرّ المواكب للتطور والحداثة , على الفكر والتفكير الغيبي والسلفي المنحصر ضمن الإيديولوجيا التي تلغي الآخر . بانتصار المجتمع المدني وإنسانية الإنسان , على السلطة المتسلطة الملتصقة بالمنصب , المعادية للوطن والمواطن . إنّ كل ما جرى سابقا , ويجري الآن في –المنطقة العربية – من أحداث وحروب , وقمع خارجيّ أحيانا وداخلي دائما , ما هو إلا من أجل القضاء على التململ النهضوي الذي تظهر ملامحه في رأي هنا أو دراسة هناك . أو بيان هنا أو مناقشة هناك . سواء أكانت هذه الملامح دينية أو سياسية , اقتصادية أو اجتماعية . متى نقتنع أن صراعنا مع الأعداء , يجب أن يكون صراعا بين النهوض والتخلّف ؟؟!!. ما زلت أذكر كتاب الاستقالة الذي قدّمه – سعد جمعة – رئيس وزراء الأردن عام 1967 بعد الهزيمة النكراء , حيث جاء فيه : (( لم ينتصر اليهود على العرب , بل انتصر العلم على الجهل )) . وهذا يقودنا إلى :
4 – الدين والأمة : نعلم جميعا . بل يجب أن نعلم جميعا – أن الدين - أي دين – هو فكر وتفكير غيبي , وإيمان مطلق أعمى , مرتبط بالسماء – (( ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون )) . وغير ذلك كذب ودجل وتضليل . فإذا ارتبط الدين بالأرض أصبح سياسة . وشتان ما بينهما . الأمة لا تبنيها ولا تحميها الديانات .الأمة كلّ مجتمعيّ تسوده رابطة الانتماء للأمة – لهذا الكلّ – والعمل من أجل وجودها وقوتها وكرامتها .
الدين إيمان وعمل فرديّ يلغي الآخر ويكفّره . الأمة توحّد , والدين يفرّق . الأمة تلاحم ، و الدين تمزيق .
وإن أي تلفيق بالتمازج بينهما هو تضليل و خداع و تخدير بكل معانيه . الدين لا يوجد بين أفراده اختلاف , ولا يرتبط أفراده إلا برباط واحد مقدس لا اختلاف فيه ولا تخالف . بينما الأمة , يوجد بين أفرادها – أبنائها – تمايز كثير من حيث الانتماء الديني . فلربما يكون أبناء الأمة الواحدة منتمين إلى مائة دين سماوي أو أرضي , إلهي أو وثني , لا يَسأل أي منهم عما يعتقده الآخر أو يعبده , وكلّ إظهار لدين فئة على أخرى يعتبر خيانة وطنية واعتداء على إنسانية الآخر و حريته .
5- القومية و الأمة : جميعنا يعلم أيضا تمام العلم أن القومية مفهوم عرقي يقوم على رابطة الدم وعامود النسب الذكري . (( زهير بن هيثم بن عبد الله بن عيسى بن هشام بن ...... بن .... بن قحطان , بن يعرب , من العرب العاربة من اليمن . هذا بالنسبة للقومية العربية . وكذلك الأمر بالنسبة للقوميات الأخرى في المنطقة أيضا .
أما الأمة فهي غير ذلك تماما , الأمة تقوم على مفهوم الانتماء للكلّ المجتمعي ولهذا النسيج الذي خيوطه و سداه
أبناء الأمة –المواطنون – على اختلاف انتماءاتهم , يتعاضدون فيها متكاتفين في بنائها بناء مدنيا سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و اجتماعيا بمختلف لغاتهم وأصولهم و عاداتهم وأعرافهم فالفرح للجميع كما الحزن للجميع.
أعود وأكرر: هذا نحن, وهذا هو وضعنا الداخلي والخارجي. نحن بوضعنا الحالي, لا نشكّل أمة, ولا دولة, ولا وطناً. نحن أفراد تائهون نسعى إلى التجمع, تتقاذفنا الأهواء حيث تشاء, مثل كرة قدم في مباراة تتقاذفها أقدام اللاعبين, وكذلك رؤوسهم, لتحقيق أهدافهم ــ هم ــ, وليس أهدافنا ــ نحن ــ. نصبح أمة – دولة - وطنا , عندما نعمل جميعا مؤمنين بأنه لا شيء مقدس إلا الوطن الحرّ . عندما نؤمن بإنسانية الإنسان كفرد , و حريته كفرد, أليس الله هو القائل : (( و لقد كرمنا بني آدم)) ومن يكرمه اللّه هل يحق لأحد أن يمتهن أو ينتقص من هذه الكرامة؟!. وكذلك نظرية عمر بن الخطاب في الحرية((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)). ولن يتأتى لنا ذلك إلا برفض الفكر والتفكير الغيبي, وبالتخلص من حكم وتحكم الأساطير والبساطير. وباتّباع من حرّر أوروبا وحقّق تقدّمها ــ مقولة فولتيرــ (( كلّ مؤمن مغفّل, كل كاهن محتال, حتى تصل البشرية إلى مستوى عالٍ يجب أن يتم إعدام آخر ملك بمصران آخر قسيس)). بمعنى القضاء نهائياً على الأنظمة غير الديمقراطية, وعلى التفكير الغيبي الأسطوري. واتباع الفكر والتفكير العلمي والعلماني, وتحقيق المجتمع المدني تحت سيادة الحرية كل الحرية, التي تكفل إنسانية الإنسان وتحميها من غائلات أعداء الحرية, أعداء الإنسانية, أعداء الوطن والأمة والدولة. وهنا لا بدّ من التفريق بين الديّن / الديّان / والمتديّن / المنافق / فالأول هو من الذين وصفهم القرآن الكريم (( 0000 يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) . وهم الذين (( قالوا ربنا الله )). وهم المؤمنون ب (( ولو شاء ربك لآمن كل من في الأرض جميعا )) . (( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) . وأخيرا : هم المنقطعون لعبادة ربهم , المتبتلين إليه , والذين لاتهمهم الحياة الدنيا لأنها عندهم (( متاع الغرور )) . أما النوع الثاني : فهم الذين تقنّعوا بلباس الدين ,وأبدانهم نجسة كأرواحهم , يظهرون الإيمان بالله , ويمارسون الإيمان بالإنسان – إماما أو فقيها أو حبرا أو شيخا – ويتمسحون بالأصنام الحجرية – قبورا أو أبنية أو مقامات . يحاربون العقل والعلم والحضارة , وينادون بالعودة إلى الوراء آلاف السنين , لتسود ثقافة الجهل والتخلّف والانقياد الأعمى , ثقافة تكفير الآخر وقتله .
هذا هو الفكر الديني بكامله . بين ديّن لا يرى الدنيا إلا بعين الآخرة . وبين متديّن اشترى الدنيا بالآخرة . ففاز بالأولى , وخسر الثانية , وربما خسر الاثنتين معا . ولذلك صدق – ماركس – عندما قرر أن (( الدين أفيون الشعوب )) . بل هو ألدّ أعداء الحرية والعلم والإنسانية ..
فهل يعقل أن نستقبل ونبتدي الألف الثالثة للميلاد, والقرن الواحد والعشرين بعقلية الانتقام والاحتراب بين أبناء الدين الواحد ــ الإسلام ــ مبشرين بأحقاد الماضي وسيئاته, وتترد أصداء الحقد والكراهية, وتسود ثقافة القتل والموت بالجملة بين المسلم السني والمسلم الشيعي؟؟؟!!!. – العراق أكبر دليل على ذلك - .
أما قرأنا نظرية أبي العلاء المعري :
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له
أيّ ذلّ, وأيّ عار هذا, بل أيّة أمّة هذه؟؟!! فلنخجل من التاريخ, ولنخجل من العالم, ولنخجل من الإنسانية, ولنرمِ كل مخلفات الماضي, ولندفن أحقاده في مزابل التاريخ . وإلا فلن نكون أكثر من ــ غجر ــ قرباط , يرتحلون متنقلين بين أصقاع الأرض وبين الشعوب المحترمة, مطبّلين مزمّرين, أو راقصين بهلوانيين وشحّاذين ..
وأخيراً: علينا أن نختار بين الشعب والقطيع , بين المستقبل والماضي, بين العزة والذل, بين شريعة المدنية , وبين شريعة الغاب , بين الحرية والعبودية, بين القدوة والتبعية.
فهل نختار؟؟!!...
المحامي مناع النبواني 21/8/20006
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟