|
الإسلام وازدواجية الشخصية العربية
محمد حسني
الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 08:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولاً قبل أن أشرع في كتابة هذا المقال أريد توضيح أنني أقصد بالإسلام ( القراءة السائدة للإسلام ) و هي قراءة أهل السنة و الجماعة ، كما أعني بالشخصية العربية العربي المسلم أو غير المسلم ، فالإسلام هنا ثقافة و بنى عقلية و ليس مجرد معتقد إننا إذا تفحصنا مجتمعاتنا العربية بنظرة تحليلية موضوعية سنلاحظ الازدواجية الحادة التي يعيشها المواطن العربي ، و التي أصبحت جزءًا أصيلاً في تكوينه ، و سمة تميز شخصيته ، بل و علامة يمكنك أن تعرفه بها من بين سكان المعمورة أجمع ، و سأذكر هنا بعض النقاط لتوضيح ما أعنيه بالازدواجية 1 إزدواجية ذكر/أنثى : هي من أبرز ازدواجيات الشخصية العربية ، بدءًا من مستوى الأسرة التي تفرق بينهما حتى في مواعيد الحضور للبيت و الخروج مع الأصدقاء و استقبالهم و صولاً إلى مستوى الدولة التي تفرق بينهما بشكل سافر، فبعض الدول منعتها من القيادة ، و بعضها أعطوا أولوية للرجل في العمل و الترقيات و منع النساء عن بعض المهن و المناصب ، هذا بخلاف من منعها من السفر بدون إذن زوجها و أحيانًا فرض الحجاب عليها ، و في مصر يتعامل القانون مع قضايا الشرف بشكل غريب ، حيث لو وجد الزوج رجلاً مع زوجته في فراش الزوجية و قتلهما فله حكم لا يتعدى ثلاثة شهور و إذا حدث العكس تحاكم المرأة على أنها قضية قتل عمد عادية ، و الطامة الكبرى في تعامل المجتمعات مع زنا الشاب على أنه أمر منكر يستوجب التوبيخ ، و زنا الفتاة أو أقل هو عار يستوجب القتل ثأرًا للشرف في أغلب الأحيان 2 إزدواجية حق/باطل: إن الشخص العربي بغض النظر عن انتماءه الديني أو الطائفي يرى أن ما يعتقده هو الحق المطلق ، و بالتالي فما يعتقده سواه هو باطل مطلق ، و هذا الباطل على أفضل الفروض يستوجب العذاب في الآخرة ، و على أسوأها يستوجب القتل في الدنيا ، فنظرة الإنسان العربي نظرة أحادية تنفي الآخر تمامًا ، و لا تراجع معتقداتها إلا فيما ندر ، و ترفض أي خروج عليها إلا في بعض الصغائر التي لا تقدم و لا تؤخر ، أما إذا وصل الأمر لخلاف حقيقي فغير مقبول و لا مكان له 3 إزدواجية ديموقراطية/ديكتاتورية: كان أبي دائمًا ما يلعن أبو الحكومات العربية التي أخرتنا بديكتاتوريتها حسب وجهة نظره ، و كان يطالب بالحرية و الديموقراطية ، تلك الديموقراطية التي لم يمارسها أبدًا في محيط الأسرة ، و هذا حال كل الأسر العربية ، فرب الأسرة هو صاحب الكلمة الأخيرة حتى و إن استشار ، و بالطبع تتعدى المشكلة محيط الأسرة إلى مدرس الفصل الديكتاتور ، و أستاذ الجامعة الطاغية ، و رئيس العمل المطلق اليد ، و ينسى الشخص العربي أن الحكومة هي إفراز مجتمعي ، و أن الديموقراطية لا تهبط على الناس بالباراشوت ، و إنما تبدأ من بينهم حتى تصل لأعلى تمثيل لها في الحكومات 4 إزدواجية الماضي/الحاضر: الشخص العربي هو الوحيد في العالم الذي يتغنى بأمجاد ليس له أي دور في صناعتها ، بل لم يقدر على الحفاظ على أبسط منجزاتها ، أو الأخذ بأسباب تقدمها ، إن الشخصية العربية تختلق لحاضرها المهان أسبابًا خارجةً عنه تخترعها اختراعًا ، و تتباهى بتاريخٍ لم تعيه حتى ألهاها عن حاضرها فصارت لا تعيهما معًا ، و تصر أن تقدمها سيحدث إن عادت للماضي ، ناسيةً أن أجدادها تقدموا بفهم حاضرهم و تطويره و ليس بالرجوع لماضيهم 5 إزدواجية السارق/المتصدق: لقد عملت في أكثر من شركة عربية كبرى ، و لاحظت أن أصحاب تلك الشركات جميعًا يستحلون التهرب من الضرائب ، و تهريب البضائع دون دفع رسومها الجمركية ، و الاحتكار و استغلال ظروف السوق ، و فصل العمال تعسفيًا لتخفيض التكاليف .. ، و برغم هذا فهم يتصدقون بشكل دوري ، و يذبحون الذبائح في المواسم و الأعياد و كافة المناسبات ، و يخرجون الزكاة على أموالهم الراكدة ، و لم أفهم منطقهم في هذه الأفعال المتناقضة ، ربما لأن هذه فريضة يقبضون مقابلها حسنات و أن الأخرى خدمة للمجتمع بالمجان ، و ربما لأن الحسنات يذهبن السيئات ، إن الأمثلة السابقة قليلة أمام مظاهر ازدواجية الشخصية العربية ، و هي للتدليل على الفكرة و ليست للحصر ، و لكن ما علاقة ذلك بالإسلام ؟ لقد رسخ الإسلام في رأينا لهذه الازدواجية ، و أسس لها ، و برغم رفض الدين الإسلامي لبعض هذه الممارسات إلا أنه ساهم بشكل كبير في تشكيل و تأصيل الازدواجية في العقلية العربية ، و سأورد هنا بعض الأمثلة التي أراها مساهمات للإسلام في هذا التأسيس 1 الحرام/المكافأة: و هذه في رأيي أخطر النقاط التي أوردها هنا ، فالإسلام هو الدين الوحيد على حد علمي الذي يمنع معتنقيه عن أشياء ليكافئهم بها بعد ذلك ، و أعني الخمر و الجنس الغير محدود و البطنة و التكاسل و الرفاهية التي تصل إلى حد غير مقبول ، كل هذه الأمور منعها الإسلام منعًا باتًا في الدنيا ، و وعد المؤمنين بمنحهم نفس الأشياء في الآخرة ، فأصبحت هذه الأشياء سيئة إلى درجة إقامة الحد ، و جيدة إلى حد التمني ، و أصبح المسلم يكره هذه الممارسات و يشتهيها ، يرفضها و يحبها ، يمارسها و يندم عليها ، لا يريدها و يخشى أن يحرم منها ، و هكذا تأسست هذه العقلية القابلة لهذا التناقض و المستسيغة لهذه الازدواجية 2 الذات الصفات: هناك الكثير من صفات الإله الإسلامي تتناقض مع بعضها في ازدواجية لا يقبلها المنطق إلا بتأويلٍ مفرطٍ مخل ، و لا يصح اجتماعها في ذات واحدة بداهةً إذا كانت مطلقة ، مثل الضار/النافع ، المنتقم/العفو ، الجبار/الرحيم ، و الكثير غيرها ، و كان لابد للعقلية الإسلامية قبول هذا التناقض لأسباب عقيدية ، حتى ألفت التناقض و لم يعد يزعجها أو يدهشها 3 التسيير/التخيير: مهما اجتهد علماء الإسلام لحل هذه المعضلة تبقى منها في الحلوق غصة ، فالعلم الأزلي يناقض بالضرورة حرية الاختيار ، و آيات التسيير الصريحة كثيرة ، و كذلك آيات التخيير الصريحة أيضًا ، و كلها مقبولة لذلك العربي الفصامي 4 العمل/الرزق: لقد حض الإسلام على العمل ، و إعمار الأرض ، و البحث و التفكير و التساؤل ، و اتخاذ الأسباب ، و كعادته في التأسيس للإزدواجية أخبرنا أن رزق الإنسان و عمره و شقاءه و سعادته أمور يكتبها عليه ربه و هو في بطن أمه ، كذلك أخبرنا عن اللوح المحفوظ بكل ما يحويه من إقرار واقعٍ مهما اجتهدنا ، فانفصمنا 5 ذكر/أنثى مرةً أخرى: الإسلام يخاطب ذكرًا في الأساس ، و الأنثى عرض بالنسبة له ، لذا نجد سورة تسمى بالنساء لاحتواءها على الكثير من الأحكام الخاصة بهن ، و لا نجد سورة تسمى بالذكور ، لأن القرآن كله خطاب للذكور و أما النساء فاستثناء ، و الإله الإسلامي ذكر و لو على المستوى اللغوي ، و قد فرق بين الذكر و الأنثى في الشهادة و الميراث و التعدد و الطلاق .... إلخ و الأمثلة السابقة أيضًا للتدليل و ليست للحصر ، و هي ليست شبهات كي لا ينبري لنا البعض مدافعًا أن هذا ليس في الإسلام ، و لكن الإسلام ليس بكائنٍ حي ينطق شارحًا نفسه ، و إنما ينطق به رجال ، و هذه رؤيتنا للقراءة السائدة و بعض آثارها
#محمد_حسني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|