حقيقة نفسك True of Thyself -(2 من 11)

راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 7092 - 2021 / 11 / 30 - 15:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

Mystical Writings of Bahá’u’lláh and Ken Wilber’s system of integral philosophy
بقلم ولفغانغ كليبل Wolfgang A. Klebel

يعتزم هذا المقال الحالي متابعة هذا الحوار بين ويلبر وحضرة بهاءالله، بل سيمتد ذلك إلى نطاق أوسع، بما في ذلك الجوانب الكونية من كل نظام، وسوف، علاوة على ذلك، يتم تبييّن في أى المجالات الخاصة التى فيها ظهور حضرة بهاء الله ليس فقط مطابقاً، ولكنه أيضا يحوّل ويتجاوز نظام ويلبر للفلسفة المتكاملة وعلم النفس. فالفردية الحادة عند ويلبر، و نظرته العالميه العرفانية المبنية على حِدانية /وحدة الوجود سوف توضع في دائرة ضوء ظهور حضرة بهاء الله، الذى يتجاوز التأمل و التفكر الفلسفي والبحث النفسي لويلبر، كما سنرى.6 [6: ويستند نظام ويلبر النفسي والفلسفي على علم النفس لما وراء الشخصى Transpersonalism. و في نقد واسع وداخلي لهذه الفلسفة، و الذي يصنف ويلبر في إطار التقاليد البوذية الحديثة والغربية، فإن جونس تويقل Johannes Toegel يدعو موقف ويلبر الفلسفى بأنه "المادية الروحانية Spiritual Materialism". و فى ورقة بعنوان (لاهوت روح العصر، عرض ونقد باستخدام مثال علم النفس لما وراء الشخصية)؛ أطروحة (28684)، جامعة فيينا، 1991، فقد أفاد تويقل أنه لمدة ثلاث سنوات كان قد حاول نفس النهج، في حين كان يعيش في كهف في هضبة التبت، حيث إلتقى في نهاية المطاف بمرشد حقيقى وأدرك أن التجارب العرفانية الحقيقية تتمثل في الثقة والقبول وليس في السعي جاهداً لبلوغ تقنيات أعلى لما وراء الشخصية.]
هناك موضوع آخر، والذى يحتاج إلى أن يثار. ما هي العلاقة بين هذين النظامين، أحدهما ظهور إلهى (وحى إلهى)، والآخر فلسفة، و بينهما مسافة قرن من الزمان؟ علينا أن نسأل بأى طريقة يمكن أن تُفهم رسالة حضرة بهاءالله بأنها هى الأرض المهد التي نمت عليها فلسفة ويلبر؟ وقد أثيرت كذلك هذه المسألة حول مفكرين حديثين آخرين، على سبيل المثال مارتن هايدغر Martin Heidegger ، و الأهم منهم كلهم، تلار ده شاردان Teilhard de Chardin، الذى كانت كتاباته كمبشر سبق تفكير ويلبر حول العلاقة بين المادة والروح.
فمن رأي هذا الكاتب أن فهم حضرة بهاءالله الوجودي للكون يتوافق، على الأقل في بعض النقاط الهامة مع الأفكار التي قدمت وفسرت من قِبل كين ويلبر، و الذي لديه مؤخرا، أي بعد أكثر من قرن من الزمان بعد ظهور حضرة بهاءالله، عمل يصف فيه هيكل وتكامل الوجود في إمكانية مرتقبة تسمى "نظرية كل شيء Theory of Everything". و مثل هذه النظرية يجب أن تشمل كافة الواقع في شكل مجرد، وهذه هي الطريقة التي يصف بها ويلبر هذه النظرية. إنه رجع إلى النموذج اليوناني لكلمة الكون cosmos و إعادة تقديم كلمة "كوزموس Kosmos"، [9: كوزموس يحتوي الكون cosmos أو المجال الفيزيائى ( physiosphere)، و الحيوى ( biosphere)، و النو /العقلى (noosphere)، و المجال الإلهي (theosphere)] مما يعني أنه من خلال تغيير هذا الإستهجاء للكلمة فهو يعني كل الواقع او ما هو كل شئ، وليس فقط الجوانب الجزئية، الخارجية والمادية، و التي يتم بحثها من قِبل عِلم الكونيات الحديث. و أنه يجد الوصول إلى هذا الكوزموس في تحليل الوعي البشري وتطوره، و قد شرح ذلك مطولاً في نظريته "كل الأرباع all-quadrants" "كل المستويات all-levels"، والتي سيتم شرحها أدناه.9
وبالمثل، في كتابات حضرة بهاءالله، فإنه يمكن القول إن حقيقة هذا الكون تنكشف فى "نفسك"، فىّ أنا و فيك أنت، و في الوجود الإنسانى. وهو يتألف من أربع حالات من الأولية و الآخرية، من الظاهرية و الباطنية (الشهود و الغيب) {انظر الوديان السبعة}، أو كما عُبر عنها في مصطلحات مماثلة لويلبر في الفردية والجماعية، و في الحالات الداخلية والخارجية. و بالنسبة لهذا البحث وكاتب هذه السطور فقد أصبحت هذه الكلمات لحضرة بهاءالله "الكلمات الأم"، بمعنى كما يفسرها هو:
"قل إن كل حرف يخرج من فم الله إنه لأم الحروف وكذلك كل كلمة تظهر من معدن الأمر إنها لأم الكلمات وإن لوحه لأم الألواح فطوبى للعارفين." (بهاءالله، منتخبات من آثار حضرة بهاء الله، رقم: 74)
و في هذه الورقة هذه الأربعة "كلمات الأم" لحضرة بهاءالله، "الأول والآخِر"، "يُرى وما لا يُرى"، " و التى هى حقيقة نفسك"، سوف يتم تحليلها وسيتم إجراء محاولة شرح بعض هذا المعني الوارد في هذه المصطلحات. ومن الواضح أن هذه المحاولة محدودة بقدرة وخلفية هذا الكاتب، ومن ناحية أخرى، فإن هذا المنظور المحدود بتضامنه مع تفسيرات أخرى بمعنى التشاور يمكن وينبغي أن يسهم في فهم أفضل لكتابات حضرة بهاءالله في الحوار الجاري للدراسات المعرفية البهائية.
وقد صرح بذلك ستيف بيركلاند Steve Birkland عندما قال: "إن جمالها هو: فى القيود و المحدوديات التى تتميز جميعها بالطريقة التى بها قد تم تدريب عقولنا، لذلك فوجهة نظر عالم الرياضيات، و الفنان، و الطبيب، أو وجهة نظر أي شخص معين تعطي شكلاً وصيغة لهذا التفسير". و علاوة على ذلك "سوف تثير هذه الكلمات من خلال عقل كل فرد، وفقا لمحدوديته وقدرته، لأشياء و التي لم يكن لدينا سابق معرفة بها."11
[11: هذا البحث في هذه "الكلمات الأم" لحضرة بهاءالله بحاجة إلى أن يُفهم بالمعنى كما وُصف في إجتماع الدراسات البهائية الأمريكية (2003) في حديث ستيف بيركلاند عندما يقول: "ولكن، قد قال حضرة عبد البهاء أن التجلى/العناية الإلهية هى مثل المطر: و عندما ينزل الى الأرض، فإنه فى هطوله ليس له أي صورة أو شكل أو حدود – بل أنه غير مقيد. ولكن في اللحظة التي يصل فيها المطر الأرض، فإنه يأخذ أيا كان شكل الحاوية أو مكان ما وقع فيه: في تجمع مربع يصبح مربعاً، و فى تجمع مستدير يصبح دائرة، وهلم جرا. و يقول حضرة عبد البهاء أنه هو الشئ نفسه مع البشر، أن كلمة الله غير محدودة وغير مقيدة، ولكن عندما تقع على شاشة إدراكنا الحسى فإنها تأخذ شكل القيود و المحدودية التى علينا. فنحن مهما نقدم من حيث وجهة نظرنا، فإن منظورنا لكلمة الله يظل محدوداً. إنها كانت غير محصورة سابقا، و غير محدودة سابقا، والآن فإنها تأخذ قيوداً.
أريد أن أطلب منكم أن تنظروا في هذا الأمر بوصفه تحديا – ذلك أنه ربما كل منا، كمساهمة في تنمية علوم الدراسات البهائية، حتى في الأشهر القليلة المقبلة يمكن التفكير في كلمة واحدة من كتابات حضرة بهاءالله التى بمقدورنا التأمل فيها. لأن فى ذلك الحين، كما قال: أن هذه الكلمات سوف تثير من خلال عقل كل فرد، وفقا للقيود و المحدودية وقدرته، لأشياء لم تكن لدينا بها معرفة سابقة. و أريد أن أنهي بأن أطلب منكم أن تنظروا الى القيمة التي يجنيها أولئك الذين منكم ينخرطون فى مجهودات دراسية فى الوقت الراهن، في تقديري.]
و بما أنه قد تم إستخدام هذه المصطلحات الأربعة و بهذا المزج فقط في كتابات حضرة بهاءالله في وقت مبكر، وبقدر ما هى منشورة ومتاحة، فسياق هذه المصطلحات يحتاج إلى تفصيل و كذلك إرتباطها وكذلك معالمها المميّزة بالنسبة الى مصطلحات ويلبر المناظرة التى تم تحليلها.
بعد وصفٍ موجزا لمفهوم "الفرد individual والجمعى collective" من "الداخل interior والخارج exterior" كما يستخدمه ويلبر، وتوضيح هذه المفاهيم في نظامه الفلسفي، سيتم التحقيق فى المصطلحات المقابلة المستخدمة من قِبل حضرة بهاءالله و سوف تُبحث و موضعها في الوديان السبعة سيتم تقييمه.
يصفها حضرة بهاءالله بأنها "تُمنح لذاتك conferred to thyself"، كهدية لكل فرد إنسان و كتصوير وصفى، ليس فقط، لوعي الإنسان، ولكن لقدرة الإنسان أن يكون واعيا بكل شيء، من أجل الوصول إلى فهم هوية كل الموجودات. فتقليديا، فقد وصف أرسطو هذه الحقيقة بالفعل، عندما يشير إلى أن "العقل البشري (νουσ) يمكن أن يفهم بطريقة أو بأخرى كل شيء (τα παντα)". و هذا الخط من التفكير الميتافيزيقي يقودنا نحو فهم أفضل للوجود، و الى ما هو الواقع وما يمكن أن يكون البشر بالفعل و ما يمكن أن يعرفونه. فالأنطولوجيا (علم الوجود) و الإبستمولوجياً (نظرية المعرفة)، أى أن تكون و أن تَعْرِف، على حد سواء مُعبّر عنها في هذه الهياكل من التفكير.
ولذلك، في الجزء التالي من هذه الورقة، يتم الإتيان بهذه الفئات الأربع من ’كل شيء‘ الى العلن و تشرح في سياقها التوراتى الانجيلى، و القرآني والبهائي. و أن شرح هذه المفاهيم سيلقى مزيداً من التوضيح في نظام ويلبر الرباعى. و أن فكرة ويلبر "لجميع المستويات" في هذا النظام يمكن العثور عليها في المفاهيم الحديثة، وخصوصا التيلهارديانية Teilhardian، للتقدم والتطور، و فى المبدأ البهائى للظهور الإلهى التدريجي التصاعدى. فإنه هو تعبير عن فكرة نضوج الفرد والبشرية، وكلاهما مفاهيم أساسية للظهور البهائي.

ترجمة-حامد عبدالله

#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات