|
هل العراق واسرائيل دولتان من دول الديمقراطية الليبرالية ؟
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7090 - 2021 / 11 / 28 - 23:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل العراق واسرائيل تنتميان الى دول الديمقراطية الليبرالية ؟ 1 - دعا الرئيس الامريكي كلاً من العراق واسرائيل لتمثيل منطقة الشرق الاوسط ، في مؤتمر عن الديمقراطية يزمع عقده الشهر المقبل . تتوزع دول منطقة الشرق الاوسط على نوعين من الانظمة السياسية ، ( اذ لم تتبلور بعد ملامح الانظمة السياسية الاخرى في ليبيا واليمن ، ولم يستقر وجود ثابت للمؤسسات في تونس ، وفي سوريا لم يتم الاتفاق بعد على فقرات الدستور بين نظام الاسد والمعارضة ) اولها أنظمة سياسية : تتوارث الحكم فيها عوائل ملكية واميرية ثابتة ، وثانيهما أنظمة سياسية تتوارث المؤسسة العسكرية السلطة فيها ، وفي كلا النظامين يراقب فقهاء الطوائف نوعية التشريعات والقوانين الصادرة ، ولهذا تتصدر دساتير كلا النظامين فقرات : " الاسلام دين الدولة " في إلغاء واضح لوجود مواطنين من ديانات مختلفة ، ونفي حياد الدولة ، وفقرة : " الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساس للتشريع " في تحد مقصود لمفهوم المواطنة ولمفاهيم حقوق الانسان . 2 - توارث السلطة في منطقة الشرق الاوسط يعني توارث القوة وتداولها من قبل أقلية صغيرة : عائلة او مجلس عسكري ، تركز نشاطها على منع ولادة اية امكانية لولادة قوة سواها ( نفي المعارضة ) . على عكس الانظمة السياسية الحديثة التي تستمد شرعيتها في الحكم من التفاعل المستمر لتوازنات القوة داخل المجتمع ، والذي تتبدل فيه ، نتيجة تطوره : مراكز القوة بانتظام ، ولهذا تتعاقد المجتمعات الحديثة - حفاظاً على السلم الأهلي ، وأبعاداً لشبح الحرب الأهلية - على اجراء انتخابات دورية وفق آليات يشارك فيها جميع افراد المجتمع ممن بلغوا السن القانوني للانتخابات من الجنسين . يقرر نتيجة الانتخابات : صندوق الاقتراع والجهاز القضائي ، ثم تتم عملية تداول سلمي للسلطة : بين الحاكم القديم والحاكم الفائز في الانتخابات الاخيرة . 3 - اذا كانت الديمقراطية تعني تغير وجوه الحكام دورياً ، فأن هذا ما يحدث فعلاً في العراق منذ غزوه من قبل ادارة بوش الابن في 2003 ، وهو ما يحدث في اسرائيل منذ سبعة عقود . قد تحدث بعض التجاوزات اثناء الانتخابات ( سيعطي القضاء رأيه فيها ) وقد تحدث - في فترة الدعاية الانتخابية - عودة الى الماضي وتذكير الناس ببطولات( نا ) ، وتضحيات( نا ) ، وهذا يدخل في باب الدعاية الانتخابية : المسموح بها ، لكن النتيجة تظل واحدة : لا بد ان تحدث الانتخابات تغييراً في قيادات السلطة . 4 - بهذا المعنى تعني الديمقراطية التغيير المقصود لوجوه البلاد السياسية مع كل دورة انتخابية ، ولكنها بالمقابل تمنح الديمومة والبقاء لمؤسسات الدولة كالدستور ودورية الانتخابات ، التي تجلب معها ثقافة جديدة هي ثقافة توقير : صندوق الانتخابات واحترام ما يقرره من نتائج ، وما يلتحق به من طرق فرز الاصوات ، كما وتبزغ ثقافة اضفاء الهيبة على رموز جديدة كانت غير موجودة كالمحكمة العليا ، او كانت موجودة ولكنها ليست بمنجاة من تدخل الحاكم او السلطان . 5 - الديمقراطية التي تدعو لها امريكا : اما ان تقوم على انتخاب اعضاء برلمان ، سينتخبون بدورهم : رئيس الوزراء ( كما في بريطانيا ) ، او تقوم على انتخابات متزامنة للبرلمان وللرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب ( كما في امريكا نفسها ) . والانتخابات الرئاسية اقرب الى الديمقراطية الأثنية في القرن الخامس قبل الميلاد ، التي كان ينتخب فيها حاكم المدينة بشكل مباشر من مواطنيه . 6 - فكرة النيابة حديثة جاءت مع الافكار السياسية البرلمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتبلورت كمؤسسة ثابتة في القرن العشرين . تعني فكرة النيابة : ان المواطن يذهب للتصويت وهو بكامل الوعي وحر : على التنازل عن حقه في تقرير مصيره لمدة اربع او خمس سنوات : لصالح شخص سيتخذ القرار بدلاً منه في ما يجب ان تكون عليه حياته ( وهو شيء غير معقول برأيي ) . 7 - لم تنشأ فكرة الديمقراطية بمعزل عن الفكرة الليبرالية التي كانت تنادي بحق الناس في المشاركة في الحكم ، وقد تمت مشاركة الناس في الحكم عن طريق آلية الانتخابات التي اطلقوا عليها : اسم الديمقراطية ، فالديمقراطية مجموعة الآليات التي يتم من خلالها مشاركة المصوتين في الحكم عن طريق انتخاب من يمثلهم ويتكلم باسمهم في البرلمان . وقد حدث هذا الاختزال لإعداد غفيرة من الناس بشخص واحد : نتيجة اتساع مساحة كل بلد أوربي وكثرة اعداد ساكني المدن والأرياف : فلم يعد بالإمكان اجراء الاقتراع المباشر لانتخاب الرئيس . لقد تم الأخذ بما كان يجري على ارض بريطانيا من تقييد صلاحيات الملك من قبل مجلس العموم ، خاصة بعد الثورة المجيدة 1688 ، فكانت الانتخابات متساوقة مع فكرة النيابة : ان يتم انتخاب شخص واحد الى البرلمان : يحل محل عدد من الناس ويمثلهم ، وينقل الى البرلمان مطالبهم وطموحاتهم . 8 - مع ذلك تظل الديمقراطية آلية رفعت من قدر الناس ، وكسرت احتكار عوائل قليلة للحكم بحجة غير عقلانية : ان الله نفسه قد منحهم الحق الوراثي في حكم الشعوب الاوربية . وبدأت فكرة المشاركة في الحكم كحق لجميع الناس تنتشر بسرعة ، وقد ساعد على انتشارها ثلاث حركات : الحركة الإنسانية وحركة الإصلاح الديني والحركة العقلانية التي أفرزها تنوير القرنين السابع والثامن عشر . وكانت لكل هذه الحركات منهجية في النظر الى الامور ومحاكمة الظواهر : اكثر انفتاحاً من منهج الكنيسة الكاثوليكية المتشدد ، فمثلاً أباح الإنسانيون لأنفسهم الاطلاع على/ ودراسة آداب وفلسفات العصور الوثنية السابقة لعصر الديانة المسيحية واللاهوت . وأباحت البروتستانتية ترجمة الكتاب المقدس الى لهجات الشعوب الاوربية المحلية ، وساعد اختراع الطباعة على انتشار الكتاب والقراءة ، مما جعل حرية الافراد في الاطلاع على كتبهم المقدسة ممكناً من غير وساطة احد ، ومن هنا نشأت فكرة الدفاع عن الحريات الفردية التي تعتبر محور الفكر الليبرالي . ونتيجة لهذا النشاط الفكري بدأت تضمحل الى حد كبير منهجية تقديس كل ما هو موروث : فلم تعد لقرارات الكنيسة الكاثوليكية هيبتها المقدسة في وعي الناس ، ولم يعد تصديق الملوك بأن الله منحهم حق الحكم الوراثي رائجاً . لقد بدأ عصر تهشيم المقولات والمفاهيم الاساسية التي كانت تقود تصورات الناس عن كيفية الحكم وادارة الشأن العام . فالليبرالية واحدة من اعمق الحركات الفكرية التي ارتبط وجودها بتهشيم مقولات ومفاهيم الاستبداد ، والتبشير بحريات الناس : وبحقوقهم الاساسية مثل : الحق في الحياة والتملك ، وحقهم في التعبير وفي التجمع ، وحقهم في اختيار ديانتهم . والأنظمة التي تمنح هذه الحقوق لأفرادها هي أنظمة ليبرالية بامتياز : قد تبيح المشاركة السياسية لمواطنيها عن طريق اجراء الانتخابات وقد لا تبيحها . فالانظمة السياسية التي نشأت في اوربا في القرون الثلاثة الماضية : بعضها ديمقراطي لكن غير ليبرالي ، أي ان الحكام يتبوأون عرش السلطات نتيجة انتخابات لم يكن مسموحاً فيها للنساء وعدم دافعي الضرائب بالمشاركة فيها ، ثم تطورت الى مشاركة الجميع ، وهو ما يشبه ديمقراطية ايران التي تسمح للجميع بالمشاركة في الانتخابات ، ولكنها لا تسمح للمرشحين الا وفق ضوابط في الترشيح للمناصب الحكومية ، وديمقراطية ايران مستمرة في منع حرية الصحافة والرأي والتدين : فهو نظام ديمقراطي ولكنه ليس ليبرالي ... 9 - العراق بلد ديمقراطي : تمارس فيه انتخابات دورية تنتج حكاماً جدداً : وهذا هو الشرط الاول من شروط وجود الديمقراطية : ان يكون مصدر الحكم نابعاً من صفوف الشعب وليس من امتيازات الماضي ، وقد حاز العراق في الانتخابات الاخيرة على شهادة عالمية موقعة من الكثير من الدول والمنظمات العالمية ومنها : الامم المتحدة ، على حسن ادارة انتخاباته . ولأول مرة يحدث ان يصر الفريق الفائز في الانتخابات على الاحتكام الى نتائج الانتخابات الفعلية ، وليس الى تدخلات خارجية كما حدث في اعوام 2010 و2018 ، مع التشبث بان تشكل الأغلبية : الحكومة وان تذهب الأقلية الى المعارضة مثل كل الدول الديمقراطية . ولكن العراق غير ليبرالي : الحريات التي تمارس فيه منقوصة ، والأمن فيه لا يوفر حماية كافية لمن يمارس حريات التعبير والتجمع والصحافة والتظاهر : فاغتيال وخطف الناشطين من ممارسي هذه الحريات : جارية على قدم وساق . وكانت الليبرالية والديمقراطية ، كما تشير احداث تكون الدول القومية في التاريخ الاوربي : الى عامل من عوامل توحد المجتمعات الاوربية وبناء دول قومية حديثة : على عكس ما جرى ويجري في العراق من تفتت لحمته الوطنية وكأن الديمقراطية فيه تعني : ديمقراطية الطوائف الدينية والعشائر وديمقراطية السخرية من اديان وطوائف الآخرين ، وديمقراطية نهب المال العام والفساد الإداري . 10 - اسرائيل كذلك دولة ديمقراطية : تجري فيها انتخابات دورية نزيهة ومشهود لها بحسن ادارة الانتخابات ، وهي دولة ليبرالية برأي الكثير من المراقبين تكفل الحريات وحقوق الافراد ، ولكنها غير ليبرالية برأيي الشخصي ، لأنها دولة تنطوي آليات تصريفها للشأن العام على التمييز والتفرقة بين اليهود والمسلمين : وهذا التمييز ناشئ من سعي أحزابها اليمينية المسيطرة الى إعلانها دولة : يهودية بقوانين وتشريعات يهودية . لا احد ينكر ديمقراطية اسرائيل ولكن لا ينكر الا من يغطي الشمس بغربال : بأن اسرائيل دولة عنصرية ، وهي مستمرة بتشويه الواقع الجغرافي والسكاني لفلسطين باستمرارها ببناء المستعمرات في كافة ارجاء فلسطين . 11 - من زاوية نظر اخرى : نشأت الافكار الليبرالية والديمقراطية داخل المجتمعات الاوربية ، ولم يتم فرضها عليها من الخارج . قد يكون نابليون في حروبه الاوربية قد صدر شيئاً من الافكار السياسية عن الجمهورية وحقوق الانسان الى البلدان الاوربية التي احتلها ( وزاد من فرحة هيغل الذي لم ينظر اليه كفاتح ومحتل ) : ولكنها تظل في الحدود العملية أفكاراً حول ادارة الدولة ، ولم ترتق ابداً الى مستوى الانتخابات الديمقراطية وحريات وحقوق الافراد الليبرالية . فهل يصح تصدير الانظمة السياسية الديمقراطية وفرضها بقوة السلاح على المجتمعات قبل ان تشعر تلك المجتمعات بالحاجة الماسة اليها ، كما حدث في العراق ؟ وهل يصح توصيف المجتمع ودولته بالديمقراطية : حتى واجهزة عنف الدولة تستأصل السكان الأصليين بالقتل او بالترحيل كما حدث ويحدث في فلسطين ؟
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علي السوداني في مناظره الرائعة
-
الجزء الرابع عشر / الحسبة او هيئة الامر بالمعروف والنهي عن ا
...
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء الثالث عشر / 33
-
وماذا بعد نجاة رئيس مجلس الوزراء ؟
-
طالبان ارهابنا الذي صدرناه . الجزء الثاني عشر / 31 و 32
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء الثاني عشر - 30
-
ممنوعات: أغنية للثنائي الشيخ امام واحمد فؤاد
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - القسم الحادي عشر
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه / الجزء العاشر
-
طالبان: الارهاب الذي صدرناه - الجزء التاسع
-
في فقه الانتخابات : - 2 -
-
في فقه الانتخابات
-
طالبان : الارهاب الذي صدرناه / القسم الثامن
-
حركة الاول من تشرين
-
طالبان : الارهاب الذي صدرناه / الجزء السادس ( حفريات )
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء السادس : حفريات
-
خطوة الرئيس التونسي التاريخية
-
مفهوم :نائب الامام
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه / موضوعة : نائب الامام
-
التجنيد الإجباري
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|