أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الأممية الشيوعية - المؤتمرات العالمية الأربع الأولى للأممية الشيوعية-المؤتمر الثالث















المزيد.....



المؤتمرات العالمية الأربع الأولى للأممية الشيوعية-المؤتمر الثالث


الأممية الشيوعية

الحوار المتمدن-العدد: 1655 - 2006 / 8 / 27 - 14:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يونيو 1921
موضوعات حول الوضع العالمي ومهمة الأممية الشيوعية
أولا: جوهر المسألة

.1- تميزت الحركة الثورية في نهاية الحرب الإمبريالية ومنذ تلك الحرب باتساع لا سابقة له في التاريخ. في آذار/مارس 1917، أطيحت القيصرية. وفي أيار/مايو 1917، نضال إضرابي عاصف في انكلترا. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1917، البروليتاريا الروسية تستولي على سلطة الدولة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1918 سقوط الحاكمين الملكيين في ألمانيا والنمسا-المجرية. حركة الإضراب تسيطر على سلسلة من البلدان الأوروبية، وتتطور، بشكل خاص في مجرى السنوات التالية: ففي آذار/مارس 1919، أقيمت الجمهورية السوفياتية في المجر. وفي نهاية السنة نفسها تقريبا، اهتزت الولايات المتحدة بفعل الإضرابات الضخمة لعمال المعادن، والمناجم والسكك الحديدية. وفي ألمانيا، بعد معارك كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 1919، بلغت الحركة أوْجها، غداة عصيان كاب في آذار/مارس 1920. وفي فرنسا بلغ التوتر الداخلي أشده في شهر أيار/مايو 1920. وفي إيطاليا، كانت حركة البروليتاريا الصناعية والريفية تتنامى دون توقف، وأدت في أيلول/سبتمبر 1920 إلى مصادرة المصانع والمعامل والملكيات العقارية على يد العمال. وحملت البروليتاريا التشيكية، في كانون الأول/ديسمبر 1920 سلاح الإضراب العام السياسي. وفي آذار/مارس 1921، وقع عصيان العمال في ألمانيا الوسطى وإضراب عمال المناجم في إنكلترا.
وبلغت الحركة أبعادا كبيرة جدا، واحتداما أكثر عنفا في البلدان التي كانت في حالة حرب بالأمس، وخاصة في البلدان المهزومة، غير أنها امتدت أيضا إلى البلدان المحايدة. وفي آسيا وإفريقيا كانت تستثير أو تعزِّز السخط الثوري لدى العديد من الجماهير المستعمَرة.
ومع ذلك لم تنجح هذه الموجة العاتية بأن تطيح الرأسمالية العالمية، ولا حتى الرأسمالية الأوروبية.
.2- خلال العام الذي انقضى بين المؤتمر الثاني والمؤتمرالثالث للأممية الشيوعية، قامت الطبقة العاملة بسلسلة انتفاضات ونضالات انتهت جزئيا إلى الهزيمة (تقدم الجيش الأحمر نحو فرصوفيا في آب/أغسطس 1920، تحرك البروليتاريا الإيطالية في أيلول/سبتمبر 1920، انتفاضة العمال الألمان في آذار/مارس 1921).
تميّزت المرحلة الأولى من الحركة الثورية، بعد الحرب، بعنفها البدائي، وغموض الأهداف والأساليب المعبّر جدا، والذعر الشديد الذي استولى على الطبقات الحاكمة؛ وقد بدا أنها انتهت إلى حد بعيد. وقد تعزَّز شعور البرجوازية بقوتها وبالصلابة الخارجية لأجهزة دولتها. وتضاءل الخوف من الشيوعية ولئن لم يختف كليا. وراح يتباهى قادة البرجوازية بقوة آلية دولتهم، وينتقلون في كل البلدان إلى الهجوم ضد الجماهير العمالية، سواء على الجبهة الاقتصادية أو على الجبهة السياسية.
.3- نظرا لهذا الوضع، فالأممية الشيوعية تطرح على نفسها وعلى الطبقة العاملة الأسئلة التالية: إلى أي حد تتناسب حقا العلاقات المتبادلة الجديدة بين البرجوازية والبروليتاريا مع ميزان القوى الأعمق القائم بينهما؟ هل أن البرجوازية قادرة فعلا على إعادة التوازن الذي حطمته الحرب؟ هل هناك أسباب للافتراض أنه بعد حقبة من الاضطرابات السياسية والصراعات الطبقية، أتت حقبة جديدة طويلة من تجدّد الرأسمالية وتوسعها؟ ألا تترتب على ذلك ضرورة مراجعة برنامج الأممية الشيوعية، أو تكتيكها؟



--------------------------------------------------------------------------------

ثانيا: الحرب، ازدهار المضاربات والأزمة. البلدان الأوروبية
.4- شكل العقدان اللذان سبقا الحرب حقبة نمو رأسمالي قوي بشكل مميز. وتميزت فترات الازدهار بطول أمدها واتساعها، فيما تميزت فترات الركود أو الأزمة، على العكس، بقصرها. عموما، كان النبع قد ارتفع فجأة؛ واغتنت الأمم الرأسمالية.
وإذا طوّق أسياد مصائر البشر السوق العالمي بتروستاتهم وكارتيلاتهم واتحاداتهم، فقد تنبهوا إلى أن التطور المسعور للإنتاج سوف يصطدم بحدود القدرة الشرائية للسوق الرأسمالية العالمية، وحاولوا الخروج من هذا الوضع عبر أساليب عنفية، وجاءت الأزمة الدموية للحرب العالمية لتحل محل فترة طويلة من الركود الاقتصادي المتهدِّد، وبالنتيجة السابقة نفسها، أي تدمير قوى إنتاج ضخمة.
بيد أن الحرب قد جمعت ما بين القدرة التدميرية القصوى لطرائقها والمدة الطويلة بشكل غير متوقع لاستخدام تلك الطرائق، وكانت النتيجة أنها لم تدمّر فقط الإنتاج «الفائض»، بالمعنى الاقتصادي، بل أضعفت كذلك الآلية الأساسية للإنتاج في أوروبا، وزعزعتها وخربتها. وساهمت في الوقت نفسه بالتطور الرأسمالي الكبير في الولايات المتحدة والنمو المحموم في اليابان. لقد انتقل مركز ثقل الاقتصاد العالمي من أوروبا إلى أميركا.
.5- لقد بدت مرحلة إيقاف المجزرة التي امتدت أربع سنوات، مرحلة تسريح الجيوش والانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم، والتي تترافق بشكل حتمي مع أزمة اقتصادية نتيجة الإنهاك وفوضى الحرب، بدت أمام أعين البرجوازية –ولديها الحق في ذلك- كمرحلة حبلى بأكبر المخاطر. والحقيقة أنه في السنتين اللتين تلتا الحرب، أصبحت البلدان التي خربتها هذه الحرب حلبة لتحركات بروليتارية ضخمة.
وشكّل واقع أن ما حدث بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب لم يكن الأزمة المحتومة بل انتعاشا اقتصاديا، أحد الأسباب الرئيسية في أن البرجوازية حافظت مع ذلك على موقعها المسيطر. امتدت هذه المرحلة حوالي عام ونصف وشغّلت الصناعة العمال المسرّحين بمجملهم تقريبا. ومع أن الأجور لم تستطع عموما أن تبلغ أسعار السلع الاستهلاكية إلاّ أنها ارتفعت بشكل كافٍ لخلق سراب مكاسب اقتصادية.
إن نتيجة هذا الازدهار الاقتصادي بين عامي 1919-1920، الذي لطّف المرحلة الأكثر حدّة لتصفية الحرب، كانت بالضبط تجدُّد ثقة البرجوازية بنفسها، وقد طرح مسألة قدوم حقبة عضوية جديدة من التطور الرأسمالي.
مع ذلك، فإن الانتعاش بين عامي 1919-1920 لم يشر في الحقيقة إلى بداية إحياء الاقتصاد الرأسمالي بعد الحرب، بل إلى استمرار الوضع المصطنع للصناعة والتجارة الذي خلقته الحرب، والذي أمكنه أن يزعزع الاقتصاد الرأسمالي.
.6- اندلعت الحرب الإمبريالية في مرحلة كانت فيها الأزمة الصناعية والتجارية، التي ولدت في أميركا (1913) قد بدأت باجتياح أوروبا.
لقد انقطع التطور الطبيعي للدورة الصناعية بفعل الحرب التي أصبحت هي نفسها العامل الاقتصادي الأقوى. وخلقت الحرب سوقا غير محدود إلى هذا الحد أو ذاك للفروع الأساسية في الصناعة، في مأمن من كل منافسة. لم يكن يحصل المشتري الكبير أبدا على ما يكفيه مما يجري توفيره له. وتحول إنتاج وسائل الإنتاج إلى إنتاج وسائل التدمير، وأصبح ملايين الأفراد، الذين لا ينتجون، ولا يقومون إلاّ بالتدمير، يحصلون على السلع الاستهلاكية الشخصية لقاء أسعار ترتفع باستمرار. وكانت هذه بالذات سيرورة التدمير، ولكن بموجب التناقضات المخيفة للمجتمع الرأسمالي اتخذ هذا الخراب شكل الثراء. وأصدرت الدولة قروضا فوق قروض، وإصدارات مالية فوق إصدارات مالية، وانتقلت الميزانيات التي كانت تبلغ في السابق الملايين إلى مليارات. وتم تخريب الآلات والمباني ولم يجر استبدالها. وأهملت زراعة الأرض. وتوقفت الإنشاءات الأساسية في المدن والسكك الحديدية. فيما كان يزداد في الوقت نفسه عدد سندات الدولة، وسندات الائتمان وسندات الخزينة وإصدار النقود دون توقف. وتضخم الرأسمال الإسمي بالقدر الذي كان فيه الرأسمال الإنتاجي يدمّر. وتحول نظام الأقراض، وهي وسيلة لتبادل البضائع، إلى وسيلة لتداول الثروات الوطنية، بما فيها الثروات التي من المفترض أن تخلقها الأجيال القادمة.
وخوفا من أزمة كان يمكن أن تكون كارثة، تصرفت الدولة الرأسمالية بعد الحرب على الشاكلة نفسها التي تصرفت بها أثناءها: إصدارات مالية جديدة، اقتراضات جديدة، تنظيم أسعار مبيع السلع الأكثر أهمية وأسعار شرائها، ضمان الأرباح، مواد غذائية بأسعار مخفضة، ومخصصات عديدة إضافة إلى المعاشات والأجور ـ بالإضافة إلى كل ذلك رقابة عسكرية ودكتاتورية ضباط.
.7- وفي الوقت نفسه، كشف توقف الأعمال الحربية وإعادة العلاقات الدولية، الطلب الكبير على السلع الأكثر تنوعا، على امتداد الكرة الأرضية. لقد تركت الحرب كميات ضخمة من المنتجات، ومبالغ ضخمة من الأموال، تجمعت بين أيدي المورّدين والمضاربين الذين كانوا يستخدموها حيث يكون الربح أكبر ظرفيا. وأدى ذلك إلى نشاط تجاري محموم، في حين أنه مع الارتفاع المذهل في الأسعار وأرباح الأسهم الخيالية، لم تقترب الصناعة في أي من الفروع الأساسية من مستواها قبل الحرب.
.8- ولقاء التدمير الاقتصادي للنظام الاقتصادي، نمو الرأسمال الإسمي، وانخفاض الأسعار، والمضاربة، فإن الحكومة البرجوازية ـ بدل أن تضمد الجروح الاقتصادية - نجحت بالاتفاق مع الاتحادات المصرفية وتروستات الصناعة في إبعاد بداية الأزمة الاقتصادية، في الوقت الذي كانت تنتهي فيه الأزمة السياسية لتسريح الجيش وأول امتحان لذيول الحرب.
وبحصولها بذلك على استراحة طويلة، ظنت البرجوازية أن خطر الأزمة قد استبعد إلى وقت غير محدد. واستحوذ تفاؤل كبير على العقول، وبدا أن حاجات إعادة البناء سوف تفتح حقبة من الازدهار الصناعي والتجاري، وبشكل خاص حقبة مضاربات موفّقة. لقد كان عام 1920 عام الآمال المخيبة.
بشكل مالي بالبداية، ومن ثم بشكلٍ تجاري وأخيرا تحت شكل صناعي، وقعت الأزمة في آذار/مارس 1920 في اليابان، وفي نيسان/أبريل في الولايات المتحدة (كان انخفاض طفيف في الأسعار بدأ في كانون الثاني/يناير)، وانتقلت الأزمة إلى انكلترا، وفرنسا وإيطاليا، في شهر نيسان/أبريل ذاته، وإلى بلدان أوروبا المحايدة، وظهرت بشكل خفيف في ألمانيا، وانتشرت في النصف الثاني من العام 1920 في العالم الرأسمالي بأكمله.
.9- انطلاقا من ذلك، فإن أزمة عام 1920، لم تكن حقبة من حقبات الدورة «الطبيعية» الصناعية. وهذا أساسي لفهم الوضع العالمي، بل كانت ردة فعل أكثر عمقا على الازدهار الصوري في زمن الحرب، وفي السنتين التاليتين، ازدهار قائم على التدمير والإنهاك.
كان التناوب العادي للأزمات وفترات الازدهار يتواصل في السابق وفقا لمنحنى النمو الصناعي وعلى العكس، ففي السنوات السبع الأخيرة، بدل أن ترتفع القوى المنتجة في أوروبا، انخفضت بشكل عنيف.
لابد أن يظهر تدمير أسس الاقتصاد بالذات، في البداية، في مجمل البنية الفوقية. ومن أجل الوصول إلى انسجام داخلي معين، سيتوجب على الاقتصاد الأوروبي في السنوات القليلة القادمة أن يتقلص وينخفض. وسيهبط منحنى القوى المنتجة من ارتفاعه الصوري الحالي. ولا يمكن لفترات الازدهار في هذه الحالة إلاّ أن تكون قصيرة الأمد وستتخذ بشكل خاص طابع المضاربة. وستكون الأزمات طويلة ومضنية. إن الأزمة الحالية في أوروبا هي أزمة نقص إنتاج. وهي ردة فعل البؤس على الجهود المبذولة من أجل الإنتاج، والاتجار والعيش على منوال الحياة في الحقبة الرأسمالية السابقة.

.10- وفي أوروبا، فإن إنكلترا هي البلد الأقوى اقتصاديا والذي عانى أقل من غيره من الحرب؛ لا يمكننا مع ذلك الحديث، حتى بالنسبة لهذا البلد، عن إعادة التوازن الرأسمالي بعد الحرب. لا شك أن إنكلترا، بفضل تنظيمها العالمي وموقعها كمنتصرة، أحرزت بعد الحرب بعض النجاحات التجارية والمالية، وحسّنت ميزانها التجاري، ورفعت سعر الجنيه السترليني، وحصلت على فائض في العائدات بالنسبة للمصاريف في الميزانية؛ ولكن إنكلترا تقهقرت على الصعيد الصناعي منذ الحرب، فمردود العمل والعائدات الوطنية منخفضة بشكل لا يقارن عما كانت عليه قبل الحرب. والوضع الصناعي الأكثر أهمية، أي وضع صناعة الفحم، يتفاقم بشكل متزايد، مفاقما وضع الفروع الأخرى. وحركات الإضراب المتواصلة لم تكن السبب في خراب الاقتصاد الإنكليزي، بل نتيجة هذا الخراب.
.11- لقد دُمرت فرنسا وبلجيكا وإيطاليا بفعل الحرب بشكل لا يمكن تعويضه، ومحاولة إحياء الاقتصاد الفرنسي على حساب ألمانيا هو عمل لصوصية حقيقي يصحبه اضطهاد دبلوماسي يميل، دون أن ينقذ فرنسا، إلى إنهاك ألمانيا بشكل نهائي (عن طريق نهب الفحم، والآلات، والماشية، والذهب). وهذا الإجراء يوجه ضربة جدية لاقتصاد أوروبا القارية بمجملها. ففرنسا تكسب أقل بكثير مما تخسر ألمانيا، وتسير نحو الخراب الاقتصادي، على الرغم من أن فلاحيها قاموا بفعل جهود خارقة، بإصلاح جزء كبير من المزروعات، وأن بعض فروع الصناعة (مثلا صناعة المواد الكيمائية) قد تطورت بشكل ملحوظ خلال الحرب. فقد بلغت ديون الدولة ومصاريفها (المتأتية من النزعة العسكرية) أرقاما خيالية في نهاية مرحلة الازدهار الأولى، وهبط سعر الصرف الفرنسي بمقدار 60 بالمائة. وتعيق الخسائر الضخمة بالأرواح البشرية التي سببتها الحرب إحياء الاقتصاد الفرنسي، وهي خسائر من المستحيل تعويضها، بسبب النمو البطيء للسكان في فرنسا. وينطبق الشيء نفسه، إلى هذا الحد أو ذاك، على اقتصاد كل من بلجيكا وإيطاليا.
.12- إن الطابع الوهمي لمرحلة الازدهار جليّ بشكل خاص في ألمانيا. ففي مدة من الزمن ارتفعت فيها الأسعار خلال عام ونصف بمعدل ستة أضعاف استمر إنتاج البلاد بالانخفاض بسرعة كبيرة. إن المشاركة الظافرة ظاهريا من جانب ألمانيا، في التهريب التجاري العالمي لما قبل الحرب، تم دفع ثمنها بسعر مضاعف: تبذير الرأسمال الأساسي للأمة (عن طريق تحطيم جهاز الإنتاج، والنقل والائتمان)، والانخفاض المتلاحق لمستوى معيشة الطبقة العاملة. وقد عبّرت أرباح المستوردين عن نفسها بخسارة دون تعويض من زاوية اقتصاد الدولة. فتحت شكل التصدير، يجري بيع ألمانيا بالذات بسعر بخس. والسادة الرأسماليون يضمنون لأنفسهم حصة متزايدة باستمرار من الثروة الوطنية، التي تتناقص، من جهتها، دون توقف. لقد أصبح العمال الألمان حمالي أوروبا.
.13- وكما يقوم الاستقلال السياسي الصوري للبلدان الصغيرة المحايدة على التضاد القائم بين الدول الكبرى، فإن ازدهارها الاقتصادي يخضع للسوق العالمي، الذي كان قد حدّد طابعه الأساسي قبل الحرب كل من إنكلترا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا. حققت برجوازية البلدان الصغيرة المحايدة في أوروبا خلال الحرب أرباحا هائلة لكن دمار البلدان الأوروبية التي شاركت في الحرب وخرابها حمل الخراب الاقتصادي للبلدان الصغيرة المحايدة. فارتفعت ديونها، وانخفضت أسعار عملتها. لقد وجهت لها الأزمة الضربة تلو الأخرى.



--------------------------------------------------------------------------------

ثالثا: الولايات المتحدة، اليابان، البلدان المستعمَرة و روسيا السوفياتية
.14- يمثل تطور الولايات المتحدة خلال الحرب، بمعنى من المعاني، نقيض تطور أوروبا. فقد كانت مشاركة الولايات المتحدة بالحرب مشاركة مموّنين. ولم تشعر الولايات المتحدة أبدا بالآثار التدميرية للحرب. وكان التأثير التدميري غير المباشر للحرب على النقليات والاقتصاد الريفي، الخ.، أضعف بكثير في هذا البلد منه في إنكلترا ـ دون الحديث عن فرنسا وألمانيا. ومن جهة ثانية استغلت الولايات المتحدة بشكل كامل انعدام المنافسة الأوروبية أو على الأقل ضعفها الحاد، ودَفعت صناعاتها الأكثر أهمية إلى درجة من التطور غير المنتظر (النفط، الإنشاءات البحرية، السيارات، الفحم)، وليس النفط الأميركي وحده ولا الزُّروع [8] الأميركية، بل أيضا الفحم هو ما يبقي غالبية البلدان الأوروبية في حالة تبعية.
وإذا كانت أميركا تصدر، إلى حين اندلاع الحرب، المنتجات الزراعية والمواد الأولية (تشكل ثلثي حجم الصادرات الكلية) فهي في الوقت الحاضر تصدِّر بشكل خاص، وعلى العكس، المنتجات الصناعية (60 بالمائة من الصادرات). وإذا كانت أميركا حتى الحرب مدينة، فإنها أصبحت في الوقت الحاضر دائنة للعالم أجمع. فنصف احتياطي الذهب العالمي ما زال يتدفق إليها. وانتقل الدور الحاسم في السوق من الجنيه الاسترليني إلى الدولار.
.15- مع ذلك، فإن الرأسمال الأميركي قد خرج هو أيضا عن التوازن. فالازدهار الخارق للصناعة الأميركية قد تحدد حصرا بجملة شروط عالمية: إلغاء المنافسة الأوروبية، وبشكل خاص الطلب في سوق الأسلحة في أوروبا. وإذا لم تستطع أوروبا المدمَّرة أن تعود بعد الحرب إلى موقعها كمنافسة لأميركا أي إلى موقعها في السوق العالمي ما قبل الحرب، فإنها لا تستطيع من جهة ثانية كسوق لأميركا، أن تحصل من الآن وصاعدا إلاّ على جزء لا قيمة له من أهميتها السابقة. فقد أصبحت الولايات المتحدة بلدا مصدّرا بدرجة أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. إن الجهاز الإنتاجي فائق التطور لا يمكن أن يستخدم بشكل كامل خلال الحرب بسبب افتقاد الأسواق. وهكذا أصبحت بعض الصناعات صناعات موسمية لا يمكن أن تؤمن العمل للعمال إلاّ لجزء من السنة. إن الأزمة في الولايات المتحدة هي بداية دمار اقتصادي عميق ومستديم بنتيجة انهيار أوروبا. وهنا تكمن نتيجة تدمير تقسيم العمل العالمي.
.16- لقد أفادت اليابان أيضا من الحرب من أجل توسيع موقعها في السوق العالمي. إن تطورها أكثر محدودية بما لا يقارن مع الولايات المتحدة، ويتخذ في سلسلة من الفروع طابعا مصطنعا محضا. وإذا كانت قواها المنتجة كافية من أجل السيطرة على سوق خال من المنافسين، إلاّ أنها تبدو مع ذلك غير كافية من أجل الحفاظ على هذا السوق في الصراع مع البلدان الرأسمالية الأقوى، وقد نتج عن ذلك أزمة حادة كانت بالتحديد بداية الأزمات الأخرى كافة.
.17- وأفادت البلدان الساحلية المصدِّرة للمواد الأولية، ومن ضمنها البلدان المستعمَرة (أميركا الجنوبية، كندا، أستراليا، الهند، ومصر، الخ)، كل بدورها، من توقف المواصلات الدولية من أجل تطوير صناعتها المحلية. لقد امتدت الأزمة العالمية إلى هذه البلدان أيضا. إن تطور الصناعة الوطنية في هذه البلدان يصبح بدوره مصدرا لصعوبات تجارية جديدة لإنكلترا وأوروبا بأكملها.
.18- وفي مجال إنتاج التجارة والتسليف، ليس ثمة سبب للتأكيد ـ ليس فقط في أوروبا بل على الصعيد العالمي - بأن هناك أي إعادة لتوازن مستقر بعد الحرب.
فالانهيار الاقتصادي يستمر في أوروبا، ولكن تدمير أسس الاقتصاد الأوروبي لن يظهر خلال السنوات القادمة إلاّ بشكل خفيف.
السوق العالمي في فوضى. أوروبا بحاجة للمنتجات الأميركية، غير أنها لا تستطيع أن تعطي أميركا أي مقابل. أوروبا مصابة بفقر الدم، وأميركا مصابة بنمو زائد. ويشكل انخفاض قيمة العملة في البلدان الأوروبية (الذي يصل إلى نسبة 99 بالمائة) عائقا أمام التجارة العالمية يكاد يمكن تجاوزه. إن التقلبات الدائمة وغير المتوقعة للعملة تحوِّل الإنتاج الرأسمالي إلى مضاربة لا كابح لها. ولا يمكن إعادة سعر الذهب إلى ما كان عليه في أوروبا إلاّ عن طريق رفع الصادرات وخفض الواردات. وأوروبا المهدّمة غير قادرة على هذا التحول. وأميركا بدورها تقاوم الواردات الأوروبية المصطنعة (الإغراق) عن طريق رفع التعرفات الجمركية.
وتبقى أوروبا مستشفى للأمراض العقلية. فأغلبية الدول تصدر قوانين تحظر الاستيراد والتصدير، وتضاعف تعرفات الحماية لديها. إنكلترا تطبق حقوق الحظر على الصادرات الألمانية ومجمل الحياة الاقتصادية الألمانية رهن بعصابة من المضاربين في الدول الحليفة وخاصة فرنسا. وأراضي النمسا-المجرية تقسمها عشرات الخطوط الجمركية. وربطة خيوط معاهدات السلم تصبح أكثر تداخلا وتعقيدا يوما بعد يوم.
.19- لقد ساهم اختفاء روسيا السوفياتية كسوق للمنتجات الصناعية وكمموِّن بالمواد الخام في الإخلال بتوازن السوق العالمي. وعودتها في المرحلة القادمة إلى السوق العالمي لن تحمل إليه تحولات كبيرة. كان الجهاز الرأسمالي لروسيا، من ناحية وسائل الإنتاج، في تبعية كاملة للصناعة العالمية، وتعززت أيضا هذه التبعية تجاه الدول الحليفة خلال الحرب، فيما كانت صناعة روسيا الداخلية مستنفرة بشكل كامل. لقد قطع الحصار هذه الروابط الحيوية بضربة واحدة. وليس واردا أن يتمكن هذا البلد، الذي أنهكته ثلاث سنوات من الحرب الأهلية ودمرته، من تنظيم الفروع الصناعية الجديدة لديه، التي بدونها كانت الفروع القديمة تدمرت حتما بفعل استنزاف معداتها الأساسية. يضاف إلى ذلك واقع استيعاب الجيش الأحمر لعشرات الآلاف من أفضل العمال، إلى حد بعيد أكثرهم اختصاصا. ضمن هذه الشروط التاريخية، لم يكن أي نظام آخر ليستطيع، وهو مطوّق بالحصار، ومعرّض لحروب لا تتوقف، ويحمل إرثا رهيبا من الدمار، أن يحافظ على الحياة الاقتصادية ويخلق إدارة ممركزة. ولكن لا يمكننا أن نشك بأنه تم دفع ثمن النضال ضد الإمبريالية العالمية بالاستنزاف المتواصل للقوى المنتجة في روسيا في فروع أساسية عديدة من الاقتصاد ولم يحصل إلاّ في الوقت الحاضر، بعد فك الحصار، وإحياء بعض الأشكال الأكثر طبيعية للعلاقات بين المدينة والريف، أن توفرت للسلطة السوفياتية إمكانية قيادة ممركزة ثابتة وصلبة لا تلين لأجل إنهاض البلد.



--------------------------------------------------------------------------------

رابعا: احتدام التعارضات الاجتماعية
.20- إن الحرب التي أنتجت تدميرا للقوى المنتجة لا سابقة له في التاريخ، لم توقف سيرورة التمايز الاجتماعي؛ بل على العكس حصل تقدم مخيف على صعيد بلترة شرائح متوسطة واسعة، بما فيها الطبقة الوسطى (المستخدمين، والموظفين) في البلدان التي عانت أكثر من غيرها من الحرب. لقد أصبحت المسألة ستينز Stinnes مسألة أساسية في الحياة الاقتصادية الألمانية.
لقد كان ارتفاع أسعار السلع الملازم للانخفاض الكارثي للصرف في كل البلدان الأوروبية التي شاركت في الحرب يشهد في الواقع على توزيع جديد للدخل الوطني على حساب الطبقة العاملة والمستخدمين والموظفين وأصحاب الريع الضئيل، وبشكل عام على حساب جميع فئات الأفراد الذين يحصلون على ريع محدد إلى هذا الحد أو ذاك.
على هذه الشاكلة عادت أوروبا لناحية مواردها المادية عشرات السنوات إلى الوراء وبعيدا عن أن يتوقف مجرى احتدام التعارضات الاجتماعية، الذي لم يعد ممكنا مقارنته من الآن وصاعدا بما كان عليه بالسابق، راح يتفاقم بسرعة مذهلة. هذه الواقعة الرئيسية كافية لتحطيم كل أمل مبني على تطور متواصل وسلمي للقوى الديمقراطية. إن التمايز المتنامي -«الستنزة» [9]، من جهة، ومن جهة أخرى البلترة والإفقار-، القائم على الدمار الاقتصادي، يحدد الطابع المتوتر والحاسم والقاسي للصراع الطبقي.
إن الطابع الحالي للأزمة يشكل إدامة، من هذه الزاوية، لعمل الحرب ولاندفاع المضاربة الذي تبع تلك الحرب.
.21- أدى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، بخلقه لوهم الثراء العام للريف، إلى ازدياد فعلي في دخول الفلاحين الأغنياء وثرواتهم. فلقد استطاع الفلاحون في الواقع أن يدفعوا ديونهم التي ترتبت عليهم حين كان لا يزال سعر العملة عاديا، بواسطة أوراق مالية هابطة القيمة كانوا قد راكموها بكميات كبيرة. على الرغم من الارتفاع الكبير بسعر الأرض وعلى الرغم من سوء الاستخدام الوقح لاحتكار وسائل المعيشة، وأخيرا على الرغم من إثراء كبار الملاكين العقاريين والفلاحين الميسورين، فإن تراجع الاقتصاد الريفي في أوروبا لا جدال فيه: وهو تراجع متعدد الوجوه يعبر عن نفسه بتوسيع أشكال الاقتصاد الزراعي، وتحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى حقول، وإبادة الماشية، وتطبيق نظام الأراضي المرتاحة. ومن أسباب هذا التراجع أيضا نقص الأدوات المصنوعة وغلاؤها وارتفاع أسعارها. وأخيرا الخفض المنظم ـ في أوروبا الوسطى والشرقية - للإنتاج، الذي جاء كردة فعل على محاولات سلطة الدولة وضع يدها على الإشراف على المنتجات الزراعية. ويخلق الفلاحون الميسورون، وإلى حد ما الفلاحون المتوسطون، منظمات سياسية واقتصادية من أجل حماية أنفسهم من هجمات البرجوازية ومن أجل أن يفرضوا على الدولة ـ كثمن للدعم الذي يقدمونه بمواجهة البروليتاريا - سياسة تعرفات وضرائب أحادية الجانب ولصالح الفلاحين حصرا، سياسة تعيق تجديد الرأسمالية. بذلك ينشأ تعارض بين البرجوازية المدينية والبرجوازية القروية، مما يضعف قوة الطبقة البرجوازية بمجملها. فيما يتبلتر، في الوقت نفسه، جزء كبير من الفلاحين الفقراء، وتتحول القرية إلى جيش من الساخطين، ويتنامى الوعي الطبقي لطبقة البروليتاريا الريفية.
من جهة ثانية، سبّب الإفقار العام في أوروبا، الذي جعلها عاجزة عن شراء الكمية الضرورية من الزروع الأميركية، أزمة كبيرة في الاقتصاد الريفي لما وراء الأطلسي. ونلاحظ تفاقم وضع الفلاح والمزارع الصغير ليس فقط في أوروبا بل أيضا في الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وأستراليا وجنوب إفريقيا.
.22- لقد تفاقم وضع الموظفين والمستخدمين بشكل عام، بفعل انخفاض القدرة الشرائية للعملة، بحدة أكبر من وضع البروليتاريا. واختلّت شروط المعيشة للموظفين الصغار والمتوسطين اختلالا كليا، بحيث أصبحت هذه العناصر خميرة سخط سياسي، يقوّض صلابة آلية الدولة، التي يخدمها هؤلاء. إن «الفئة المغلقة المتوسطة الجديدة» التي تمثل بالنسبة للإصلاحيين مركز القوى المحافظة، تصبح بالأحرى خلال مرحلة الانتقال عاملا ثوريا.
23- لقد فقدت أوروبا الرأسمالية أخيرا موقعها الاقتصادي المهيمن في العالم. من جهة ثانية، كان توازنها الطبقي النسبي يقوم على هذه الهيمنة الواسعة. وكل الجهود التي قامت بها البلدان الأوروبية (إنكلترا وإلى حد ما فرنسا) من أجل إعادة الوضع الداخلي إلى ما كان عليه، لم تكن إلاّ لتزيد من فوضى الحيرة والتقلب.
.24- فيما كان تركّز الملكية في أوروبا ينجز على قاعدة الدمار وصل هذا التركّز والتضاد الطبقي في الولايات المتحدة إلى درجة قصوى على قاعدة إثراء رأسمالي محموم. إن التحولات المفاجئة للوضع بفعل التقلب العام بالسوق العالمي، أعطت الصراع الطبقي على الأرض الأميركية طابعا متوترا للغاية وثوريا. ولا بد أن يلي بلوغ الرأسمالية ذروة لا مثيل لها في التاريخ بلوغ النضال الثوري ذروته.
.25- كانت هجرة العمال والفلاحين إلى ما وراء المحيط تخدم دائما كصمام أمان للنظام الرأسمالي في أوروبا وكانت تزداد خلال فترات الركود المتواصلة وبعد هزيمة الحركات الثورية. غير أن أميركا وأستراليا تعيقان الآن الهجرة ودائما بشكل متزايد. إن صمام الأمان الخاص بالهجرة لم يعد يشتغل.
.26- خلق التطور النشط للرأسمالية في الشرق، وخاصة في الهند والصين، أسسا اجتماعية جديدة للنضال الثوري وعزّزت البرجوازية في هذه البلدان روابطها بالرأسمال الأجنبي وأصبحت على هذه الشاكلة أداته الأساسية للسيطرة. إن صراعها مع الإمبريالية الأجنبية، صراع المنافس الأشد ضعفا، يتخذ أساسا طابعا نصف وهمي، فتطور البروليتاريا المحلية يشلُّ الميول الثورية الوطنية للبرجوازية الرأسمالية. ولكن، وفي الوقت نفسه، تجد الصفوف الواسعة للفلاحين، في شخص الطليعة الشيوعية الواعية، قادة ثوريين حقيقيين.
إن اجتماع الاضطهاد القومي العسكري بواسطة الإمبريالية الأجنبية، والاستغلال الرأسمالي بواسطة البرجوازية المحلية والبرجوازية الأجنبية، وكذلك بقايا العبودية الإقطاعية، كل ذلك يخلق الشروط التي تستطيع البروليتاريا الناشئة أن تتطور بفعلها سريعا، وتقف على رأس حركة فلاحية واسعة.
لقد أصبحت الآن الحركة الشعبية الثورية في الهند والمستعمرات الأخرى جزءا لا يتجزأ من الثورة العالمية للشغيلة، تماما كما هو الحال مع انتفاض البروليتاريا في البلدان الرأسمالية في العالم القديم أو في العالم الجديد.



--------------------------------------------------------------------------------

خامسا: العلاقات الدولية

.27- يحدد الوضع العام للاقتصاد العالمي وقبل كل شيء خراب أوروبا مرحلة طويلة من صعوبات اقتصادية كبيرة، وهزات وأزمات جزئية وعامة، الخ. وتتولى العلاقات الدولية، كما توطدت كنتيجة للحرب ومعاهدة فرساي، جعل الوضع أمام جدار مسدود.
لقد ولدت الإمبريالية تعبيرا عن حاجات القوى المنتجة التي تنزع إلى إلغاء حدود الدول القومية وخلق أرض أوروبية وعالمية اقتصادية واحدة؛ وكانت نتيجة الصراع بين الإمبرياليات المتعادية إتاحة حدود جديدة وجمارك جديدة وجيوش جديدة في أوروبا الوسطى والشرقية. لقد أعيدت أوروبا، بالمعنى الاقتصادي والعملي إلى القرون الوسطى.
وعلى أرض مستنزفة ومهدمة، تتم المحافظة حاليا على جيش أكبر مرة ونصفا مما كان عليه عام 1914، أي في ذروة «السلم المسلح».
.28- يمكن أن نقسم السياسة القيادية لفرنسا في القارة الأوروبية إلى قسمين: أحدهما يشهد على الغضب الأعمى للمرابي المستعد لخنق المستدين المفلس، والثاني يتمثل بجشع الصناعة الكبيرة النهّابة بغية خلق الشروط الملائمة لإمبريالية صناعية، قادرة على الحلول محل الإمبريالية المالية المفلسة، وذلك عن طريق أحواض السار والروهر وسيليزيا العليا.
غير أن هذه الجهود تتعارض مع مصالح إنكلترا. فمهمة هذه الأخيرة تقوم على فصل الفحم الألماني عن الركاز [10] الفرنسي، اللذين يشكل الجمع بينهما شرطا ضروريا لإحياء أوروبا من جديد.
.29- تبدو الإمبراطورية البريطانية حاليا في ذروة قوتها. فقد حافظت على ممتلكاتها القديمة واحتلت أخرى جديدة. ولكن اللحظة الحالية تحديدا تُظهر أن الموقع المهيمن لإنكلترا يتناقض مع انحطاطها الاقتصادي الفعلي. وقد سُحقت ألمانيا، برأسماليتها الأكثر تطورا بما لا يقارن لناحية التقنية والتنظيم، بواسطة القوة العسكرية. ولكن يقف بمواجهة إنكلترا خصم منتصر وأكثر تهديدا من ألمانيا، تمثله الولايات المتحدة، سيدة الأميركيتين اقتصاديا. إن مردود العمل في الصناعات في الولايات المتحدة، بفعل تنظيم أفضل وتقنية أفضل، أعلى بما لا يقارن مما هو عليه في إنكلترا. فالولايات المتحدة تنتج 65 إلى 70 بالمائة من النفط المستهلك في العالم أجمع، الذي يتوقف عليه استخدام السيارات والجرارات، والأسطول والطيران. إن الموقع العريق في القدم وشبه الاحتكاري لإنكلترا في سوق الفحم قد تحطّم نهائيا، واحتلت أميركا المركز الأول. فصادراتها إلى أوروبا تتزايد بشكل مهدِّد، وأسطولها التجاري يضاهي تقريبا الأسطول الإنكليزي، وهي لم تعد تريد الإذعان لاحتكار إنكلترا العالمي. وعلى الصعيد الصناعي، تنتقل بريطانيا العظمى إلى موقع الدفاع، وتحت حجة محاربة المنافسة الألمانية «الخبيثة» تتسلح بإجراءات حماية بمواجهة الولايات المتحدة. وأخيرا في حين توقف عن التطور أسطول إنكلترا العسكري، الذي يضم عددا كبيرا من الوحدات القديمة، استعادت حكومة هاردينغ برنامج حكومة ويلسون فيما يختص بالإنشاءات البحرية، التي ستمنح أميركا، خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، الهيمنة على البحار.
إن الوضع هو على الصورة التالية: إمّا أن تُدفع إنكلترا إلى موقع ثانوي وعلى الرغم من انتصارها على ألمانيا، تصبح قوة من الدرجة الثانية، وإمّا ـ وهو ما باتت ترى نفسها مجبرة عليه - أن تجند فعلا، في مستقبل قريب جدا، كل القوى التي اكتسبتها في الماضي في صراع مستميت مع الولايات المتحدة.
وضمن هذا المنظور تحافظ إنكلترا على تحالفها مع اليابان وتسعى، لقاء تنازلات تتزايد باستمرار، لكسب دعم فرنسا أو على الأقل حيادها.
إن تنامي دور هذه الأخيرة الدولي ـ في حدود القارة - خلال العام الجاري لا يعود إلى ضعف اعترى فرنسا، بل إلى الضعف الدولي لإنكلترا.
إن استسلام ألمانيا في أيار/مايو الماضي في مسألة تعويضات الحرب، يشير إلى الانتصار الظرفي لإنكلترا في كل مكان، ويؤكد الانهيار الاقتصادي اللاحق لأوروبا الوسطى، دون استبعاد احتلال فرنسا لأحواض الروهر وسيليزيا العليا، في مستقبل قريب.
.30- إن العداء بين اليابان والولايات المتحدة، الذي كان مستقرا ظرفيا بسبب مشاركتهما في الحرب ضد ألمانيا، ينمّي اتجاهاته علنا في هذه المرحلة، فقد اقتربت اليابان من شواطئ الولايات المتحدة بعد أن استولت على جزر ذات أهمية استراتيجية كبيرة في المحيط الهادي.
لقد أيقظت الأزمة الصناعية التي تطورت بسرعة في اليابان، مسألة الهجرة من جديد؛ فاليابان بلد ذو كثافة سكانية، وفقير بالموارد الطبيعية، مجبر على تصدير السلع أو الأشخاص. وفي الحالة الأولى كما في الثانية يصطدم بالولايات المتحدة، في كاليفورنيا وفي الصين وعلى جزيرة جاب.
تنفق اليابان أكثر من نصف ميزانيتها على الجيش وعلى الأسطول. وتلعب اليابان في البحر، بسبب النزاع بين إنكلترا وأميركا الدور الذي تلعبه فرنسا على الأرض في الحرب مع ألمانيا. وتستفيد اليابان حاليا من العداء بين بريطانيا العظمى وأميركا، غير أن الصراع النهائي بين هذين العملاقين على السيطرة على العالم، سيتقرر في النهاية على حسابها.
.31- لقد كانت المجزرة الأخيرة أوروبية بأسبابها وبالمشتركين بها. وكان محور الصراع هو العداء بين إنكلترا وألمانيا، وقد وسّع تدخل الولايات المتحدة أُطُرَه، دون أن يحوله عن اتجاهه الأساسي؛ لقد تم حل النزاع الأوروبي على مستوى العالم أجمع. إن الحرب التي أنهت على طريقتها الخلاف بين إنكلترا وألمانيا، ليس فقط لم تحل مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة وإنكلترا بل، على العكس، فقد وضعتها من جديد في الواجهة، بكل أبعادها، باعتبارها مسألة أساسية في السياسة الدولية. كما طرحت مسألة من الدرجة الثانية، وهي مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان. وبهذا المعنى كانت الحرب الأخيرة مقدمة أوربية للحرب العالمية حقا التي ستقرر السيطرة الإمبريالية المطلقة.
.32- ولكن هذا ليس إلاّ محورا من محاور السياسة الدولية. وهناك محور آخر أيضا: فاتحاد السوفياتات الروسية والأممية الثالثة قد ولدتها نتائج الحرب الأخيرة. وتجمع القوى الثورية العالمية موجه كليا ضد التجمعات الإمبريالية.
إن للحفاظ على التحالف بين إنكلترا وفرنسا أو على العكس، فرط هذا التحالف، الثمن نفسه من وجهة نظر مصالح البروليتاريا ومن وجهة نظر السلام، وسواء تجدّد أو لم يتجدد التحالف الإنكليزي-الياباني، وسواء دخلت الولايات المتحدة (أو رفضت الدخول) إلى عصبة الأمم، فالبروليتاريا لن تجد ضمانة كبرى للسلام في التجمع العابر والجشع وغير الموثوق به بين الدول الرأسمالية، الذي تتعهده سياستها المتطورة باستمرار حول التضاد الإنكليزي-الأميركي، فيما تعدّ لانفجار دموي.
إن إبرام بعض الدول الرأسمالية معاهدات سلمية واتفاقات تجارية مع روسيا السوفياتية هو أبعد من أن يعني أن البرجوازية العالمية قد تخلت عن هدف تدمير الجمهورية السوفياتية. إننا لا نستطيع أن نرى في ذلك إلاّ تحولا ربما كان عابرا لأشكال وأساليب الصراع. وربما دلّ الانقلاب الياباني في الشرق الأقصى على بداية مرحلة جديدة من التدخل المسلح.
ومن الواضح بشكل مطلق. أنه كلما تباطأت الحركة البروليتارية الثورية العالمية كلما دفعت تناقضات الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي البرجوازية كي تحاول مجددا إيجاد حل بقوة السلاح على المستوى العالمي. وهذا يعني أن «إعادة التوازن الرأسمالي» سترتكز بعد الحرب الجديدة على إنهاك اقتصادي وانكفاء للحضارة بحيث تبدو لدى المقارنة مع الوضع الحالي أوروبا، ذروة الرخاء.
.33- وعلى الرغم من أن تجربة الحرب الأخيرة قد أثبتت بيقين مرعب أن «الحرب هي حساب خادع» - حقيقة تشمل كل نزعة سلمية، سواء كانت اشتراكية أو برجوازية - فإن الإعداد لحرب جديدة، الإعداد الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي والتقني، يستمر بخطوات حثيثة في العالم الرأسمالي بأكمله. إن النزعة السلمية الإنسانية المعادية للثورة قد أصبحت قوة داعمة للنزعة العسكرية.
إن الاشتراكيين-الديمقراطيين بمختلف تلاوينهم ونقابويي أمستردام يوحون للبروليتاريا العالمية بالقناعة بضرورة التكيف مع القواعد الاقتصادية والحق الدولي للدول كما جرى إقرارها بنتيجة الحرب، ويبدون بذلك كمعاونين باهرين للبرجوازية الإمبريالية في الإعداد لمجزرة جديدة تهدد بتدمير الحضارة الإنسانية نهائيا.

--------------------------------------------------------------------------------

سادسا: الطبقة العاملة بعد الحرب
.34- تتلخص بالواقع مسألة إحياء الرأسمالية على الأسس المذكورة أعلاه، على الشكل التالي: هل الطبقة العاملة مستعدة، وضمن شروط جديدة أصعب بما لا يقارن مما في السابق، لتقديم التضحيات اللازمة من أجل ضمان شروط استعبادها الخاص، الأكثر قساوة وتضييقا مما كان عليه قبل الحرب؟
من أجل ترميم الاقتصاد الرأسمالي، عبر استبدال جهاز الإنتاج المهدم خلال الحرب، هناك ضرورة لتأسيس قوى جديدة لرأس المال. ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ إذا كانت البروليتاريا مستعدة للعمل أكثر وبشروط معيشية متدنية جدا. هذا ما يطلبه الرأسماليون، وهذا ما يشير عليها به قادة الأممية الصفراء الخونة: دعم ترميم الرأسمالية في البداية ومن ثم النضال من أجل تحسين وضع العمال. ولكن البروليتاريا الأوروبية غير مستعدة للتضحية، وتطالب بتحسين شروطها المعيشية، الأمر الذي يتعارض تعارضا مطلقا حاليا مع الإمكانات الموضوعية للرأسمالية. من هنا الإضرابات والانتفاضات المتواصلة واستحالة إحياء الاقتصاد الأوروبي. إن إعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه، بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، النمسا، المجر، بولندا، البلقان) هو قبل كل شيء التخلص من الأعباء التي تتخطى إمكاناتها، أي أن تعلن إفلاسها. ويعني كذلك إعطاء دفعة قوية لصراع الطبقات من أجل توزيع جديد للعائد الوطني. إن إعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه، تعني مستقبلا خفض مصاريف الدولة على حساب الجماهير (رفض تثبيت الحدّ الأدنى للأجور، وأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية) ومنع وصول السلع الضرورية الرخيصة الآتية من الخارج، وإنعاش التصدير بخفض تكاليف الإنتاج، أي، مرة أخرى، تعزيز استغلال الجمهور العمالي بالدرجة الأولى. إن كلّ إجراء جدّي، يتجه إلى إعادة التوازن الرأسمالي سيزعزع التوازن المختل أصلا بين الطبقات أكثر مما هو مزعزع وسيعطي النضال الثوري اندفاعة جديدة. وبالتالي تصبح مسألة معرفة ما إذا كان بالإمكان إحياء الرأسمالية من جديد، مسألة صراع بين القوى الحية: القوى الطبقية والحزبية. ومن بين الطبقتين الأساسيتين، البرجوازية والبروليتاريا، إذا تخلت إحداهما، أي الأخيرة، عن النضال الثوري، فإن الثانية، أي البرجوازية، ستجد بلا ريب بنهاية الأمر، توازنا رأسماليا جديدا ـ توازن تفكك مادي ومعنوي - بواسطة أزمات جديدة وحروب جديدة، وإفقار مستمر لبلدان بأكملها، وموت عشرات الملايين من الشغيلة.
غير أن الوضع الحالي للبروليتاريا العالمية لا يقدّم أبدا أسبابا لتوقع هذا التوازن.
.35- لقد فقدت العناصر الاجتماعية المتمثلة بالاستقرار والنزعة المحافظة والتقاليد جزءا كبيرا من تأثيرها على عقول الجماهير الكادحة. وإذا كانت الاشتراكية-الديمقراطية والنقابات لا تزال تحتفظ ببعض التأثير على جزء هام من البروليتاريا بفضل إرث الجهاز التنظيمي وإرث الماضي، فإن هذا التأثير ضعيف كليا. فالحرب لم تغير عقلية البروليتاريا وحسب بل وتشكيلها. وهذه التغييرات تتعارض كليا مع التنظيم التدريجي لما قبل الحرب.
وفي أغلب البلدان لا تزال تسيطر في قمة البروليتاريا بيروقراطية عمالية متطورة جدا، وموحدة بشكل وثيق، تعدُّ طرائقها وأساليبها الخاصة للسيطرة. وترتبط بآلاف الروابط بمؤسسات الدولة الرأسمالية وأجهزتها.
تأتي بعد ذلك مجموعة من العمال، الأفضل موقعا في الإنتاج، الذين يشتغلون أو يسعون لشغل مراكز إدارية، والذين يشكلون الدعامة الأكثر ضمانة للبيروقراطية العمالية.
ومن ثم الجيل القديم من الاشتراكيين الديمقراطيين، والعمال النقابيين المتخصصين بأغلبيتهم، المرتبطين بمنظمتهم بعقود من النضال، والذين لا يستطيعون أن يقرروا القطع معها، على الرغم من خياناتها وإفلاسها. مع ذلك، وفي فروع عديدة للإنتاج يختلط العمال المتخصصون بالعمال غير المتخصصين، وخاصة النساء منهم.
وهناك أيضا ملايين العمال الذين تعلموا الحرب، وتعودوا استخدام السلاح وهم مستعدون، بغالبيتهم، لأن يستخدموه ضد العدو الطبقي لكن بشرط إعداد جدي مسبق وقيادة صلبة وهما أمران ضروريان لإحراز الانتصارات.
وكذلك ملايين العمال الجدد، والعاملات بشكل خاص، الذين جذبوا إلى الصناعة أثناء الحرب وحملوا إلى البروليتاريا ليس فقط أفكارهم المسبقة البرجوازية الصغيرة، بل أيضا تطلعاتهم المتلهفة إلى شروط معيشية أفضل.
وأخيرا هناك ملايين العمال والعاملات الشباب الذين تربوا أثناء العاصفة الثورية، وهم أكثر تقبلا للخطاب الشيوعي ويشتعلون رغبة بالتحرك.
وهناك بالدرجة الأخيرة جيش ضخم من العاطلين عن العمل وهم بغالبيتهم مقتلعون من جذورهم الطبقية أو شبه مقتلعين، وتعكس تقلبات هذا الجيش، بالشكل الأكثر عمقا، مسار انحطاط الاقتصاد الرأسمالي، وتضع النظام البرجوازي تحت تهديدها المستمر.
لم تنجذب هذه العناصر بعد الحرب على اختلاف أصولها وسماتها إلى الحركة في آن واحد وبالطريقة نفسها. من هنا تعثر النضال الثوري وتقلبه وتقدمه وتراجعه. غير أن الجمهور البروليتاري، بأغلبيته العظمى، يرص صفوفه بسرعة على أنقاض كل الأوهام القديمة، وعدم استقرار الحياة اليومية المخيف، وأمام كل قوة الرأسمال الممركَز، وأمام الأساليب اللصوصية للدولة المعسكرة. ويبحث هذا الجمهور الذي يضم عدة ملايين من الأشخاص عن قيادة حازمة وواضحة، وبرنامج عمل واضح، ويخلق بذلك بالذات قاعدة الدور الحاسم المدعو للعبه الحزب الشيوعي المتماسك والممركز.
.36- لقد تفاقم وضع الطبقة العاملة بالتأكيد خلال الحرب وازدهر وضع بعض المجموعات العمالية، ونجحت بعض العائلات التي استطاع عدد من أفرادها العمل في المصانع خلال الحرب أن تحافظ على مستوى معيشتها أو ترفع منه. ولكن بشكل عام، لم تزدد الأجور بالتناسب مع غلاء المعيشة.
في أوروبا الشرقية حُكم على الطبقة العاملة بعوز يتزايد باستمرار. أمّا في البلدان القارية المتحالفة، فكان انخفاض مستوى المعيشة أقل عنفا في هذه السنوات الأخيرة. ففي إنكلترا أوقفت الطبقة العاملة سيرورة تدهور شروط معيشتها عن طريق نضال نشط خلال المرحلة الأخيرة من الحرب.
وتحسّن وضع بعض شرائح الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، فيما حافظت بعض الشرائح على وضعها القديم أو تعرضت لانخفاض بمستوى معيشتها.
لقد انقضّت الأزمة على البروليتاريا في العالم أجمع بقوة مخيفة. وتخطى انخفاض الأجور انخفاض الأسعار، وأصبح عدد العاطلين عن العمل وأنصاف العاطلين عن العمل ضخما، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. إن التحولات المتلاحقة في شروط المعيشة الفردية تؤثر بشكل سلبي جدا على مردود العمل ولكنها تستبعد إمكانية إقامة التوازن الطبقي على الأرضية الأساسية، أي أرضية الإنتاج. إن عدم استقرار الشروط المعيشية، الذي يعكس الضعف العام للظروف الاقتصادية الوطنية والعالمية، يشكل في الوقت الحاضر العامل الأكثر ثورية.



--------------------------------------------------------------------------------

سابعا: الآفاق والمهمات
.37- لم تسبب الحرب مباشرة الثورة البروليتارية. وقد اعتبرت البرجوازية ذلك ـ مع بعض الحق في الظاهر- أحد أكبر انتصاراتها.
ليس إلاّ صاحب العقلية البرجوازية الصغيرة قصير النظر من يمكنه أن يرى إفلاس برنامج الأممية الشيوعية في واقع أن البروليتاريا الأوروبية لم تطح البرجوازية خلال الحرب أو بعدها مباشرة. فتطور الأممية الشيوعية في الثورة البروليتارية لا يفترض تحديدا دوغمائيا لتاريخ معين على روزنامة الثورة، ولا ضرورة قيام الثورة آليا في التاريخ المحدد. لقد كانت الثورة وستبقى نضالا لقوى حيّة على الأسس التاريخية المعطاة. إن تحطيم التوازن الرأسمالي بواسطة الحرب على الصعيد العالمي قد خلق الشروط الملائمة للقوى الأساسية للثورة، للبروليتاريا. وجهود الأممية الشيوعية كانت ولا تزال موجهة نحو استغلال هذا الوضع استغلالا تاما.
إن التعارضات بين الأممية الشيوعية والاشتراكيين الديمقراطيين من المجموعتين لا تقوم على أننا قد حددنا تاريخا معينا للثورة، فيما لم يقم الاشتراكيون الديمقراطيون وزنا للطوباوية و«النزعة الانقلابية»؛ فهذه التعارضات تكمن في أن الاشتراكيين الديمقراطيين يتحركون ضد التطور الثوري الفعلي، بدعمهم لإعادة توازن الدولة البرجوازية بكل قواهم سواء كانوا في الحكومة، أو في المعارضة، فيما يستغل الشيوعيون الفرص كافة، وبكل الطرق والأساليب من أجل إطاحة الدولة البرجوازية وسحقها بواسطة دكتاتورية البروليتاريا.
لقد أظهرت البروليتاريا في شتى البلدان خلال عامين ونصف انقضيا على الحرب، الكثير من الطاقة والاستعداد للنضال وروح التضحية بحيث كان أمكنها أن تضطلع بمهمتها إلى حد بعيد وتنجز ثورة ظافرة، لو أنها وجدت على رأسها حزبا شيوعيا أمميا حقا، حسن الإعداد وممركزا بقوة. غير أن ظروفا تاريخية عديدة وتأثيرات الماضي وضعت على رأس البروليتاريا الأوروبية، خلال الحرب ومنذ ذلك الحين، منظمة الأممية الثانية التي أصبحت وستبقى أداة سياسية لا تقدر بثمن بين يدي البرجوازية.
.38- كانت السلطة في ألمانيا، نحو نهاية عام 1918 وبداية عام 1919 بين يدي الطبقة العاملة. لقد حرّك الاشتراكيون الديمقراطيون والنقابات كل تأثيرهم التقليدي وكل جهازهم من أجل إعادة السلطة إلى البرجوازية.
وفي إيطاليا، نمت حركة البروليتاريا الثورية المندفعة، بشكل متزايد خلال الثمانية عشر شهرا الماضية وليس غير فقدان الحزم لدى حزب اشتراكي برجوازي-صغير، والسياسة الخيانية للكتلة البرلمانية والانتهازية الجبانة للمنظمات النقابية، هو ما سمح للبرجوازية بتجديد جهازها وتعبئة حرسها الأبيض، والانتقال إلى الهجوم ضد البروليتاريا المحبطة ظرفيا بسبب إفلاس أجهزتها القيادية الهرمة.
لقد تحطمت حركة الإضراب القوية، باستمرار، في السنوات الأخيرة، في إنكلترا بمواجهة القوة المسلحة للدولة، التي كانت تقوم بتخويف قادة النقابات. فلو بقي هؤلاء القادة أوفياء لقضية الطبقة العاملة، لكان من الممكن، مع ذلك، وعلى الرغم من كل أخطائهم، وضع آلية النقابات في خدمة المعارك الثورية. لقد ظهرت خلال أزمة «الحلف الثلاثي» الأخيرة إمكانية تصادم ثوري مع البرجوازية، غير أن العقلية المحافظة للقادة النقابيين وجبنهم وخيانتهم قد منعت هذا التصادم. ولو كان جهاز النقابات الإنكليزي يعمل لمصلحة الاشتراكية فقط بمعدل نصف العمل الذي يقوم به الآن لمصلحة رأس المال، لاستولت البروليتاريا على السلطة بأقصى التضحيات ولكان بإمكانها أن تأخذ على عاتقها مهمة إعادة تنظيم البلد بشكل منهجي.
وينطبق ما ذكرناه، إلى هذا الحد أو ذاك، على كل البلدان الرأسمالية.
.39- مما لا ريب فيه أن نضال البروليتاريا الثوري من أجل السلطة، يُبدي في الظرف الحالي، وعلى المستوى العالمي، بعض التراجع، وبعض التباطؤ. ولكن، في واقع الأمر، لم يكن من الممكن أن نتوقع تطورا غير منقطع للهجمة الثورية لما بعد الحرب بمقدار ما لم تؤد دفعة واحدة إلى النصر ـ فللتطور السياسي دوراته أيضا، وطلعاته ونزلاته. والعدو لا يظل سلبيا، فهو يقاتل أيضا، فإذا لم يكلل هجوم البروليتاريا بالنجاح، فإن البرجوازية تنتقل عند أول فرصة إلى الهجوم المضاد. إن خسارة البروليتاريا لبعض المواقع التي سبق أن احتلتها دون صعوبة، تنشر بعض الإحباط في صفوفها. ولكن إذا كان مما لا ريب فيه، في العصر الذي نعيشه، أن منحنى التطور الرأسمالي هابط بشكل عام، مع مؤشرات صعود عابرة، فإن منحنى الثورة صاعد مع بعض الانحناءات.
إن الشرط الذي لا بد منه لإحياء الرأسمالية هو تكثيف الاستغلال، وخسارة ملايين البشر إلى ما دون الحد الأدنى (Existenzminimum) للشروط المتوسطة للمعيشة، وعدم الاستقرار الدائم للبروليتاريا، الأمر الذي يشكّل عاملا ثابتا للإضراب والتمرد. وتحت ضغط هذه الأسباب وفي المعارك التي تولدها ينمو عزم الجماهير على إطاحة المجتمع الرأسمالي.
.40- إن المهمة الرئيسية للحزب الشيوعي خلال الأزمة التي نجتازها هي قيادة المعارك الدفاعية للبروليتاريا وتوسيعها وتعميقها وجمعها وتحويلها ـ تبعا لسيرورة التطور- إلى معارك سياسية من أجل الهدف النهائي. ولكن إذا تطورت الأحداث ببطء أكبر، وتبعت الأزمة الاقتصادية الحالية مرحلة صعود في عدد كبير إلى هذا الحد أو ذاك من البلدان، فلا يمكن تفسير ذلك باعتباره مجيئا لمرحلة «تنظيم». فطالما بقيت الرأسمالية، لا مفر من تقلبات في التطور. وهذه التقلبات سترافق الرأسمالية في احتضارها كما رافقتها في شبابها ونضوجها.
وفي حال أدى هجوم رأس المال في الأزمة الحالية إلى دفع البروليتاريا إلى الوراء، فهي ستنتقل إلى الهجوم ما أن يظهر بعض التحسن في الوضع. وإن هجومها الاقتصادي الذي ستقوم به حتما في هذه الحالة الأخيرة، تحت شعار الرد على كل مخادعات زمن الحرب، وضد كل النهب وكل الإهانات التي مورست خلال الأزمة، سيكون له، لهذا السبب بالذات، الميل نفسه، الذي يتخذه النضال الدفاعي الحالي، للتحول إلى حرب أهلية مفتوحة.
.41- سواء تبعت الحركة الثورية خلال المرحلة المقبلة مجرى أكثر تسارعا أو أكثر بطءا، فعلى الحزب الشيوعي، في الحالتين، أن يصبح حزب فعل. عليه أن يقود الجماهير المقاتلة، ويصوغ بحزم ووضوح شعارات قتالية، ويفضح الشعارات الملتبسة للاشتراكية-الديمقراطية، المرتكزة دائما على المساومات. وينبغي أن يسعى الحزب الشيوعي، خلال كل خيارات المعركة، لكي يعزز نقاط استناده الجديد عبر وسائل تنظيمية، وأن يدرّب الجماهير على المناورات القتالية النشطة ويسلحها بأساليب وطرائق جديدة ترتكز على الاصطدام المباشر والمفتوح بقوات العدو. وإذ يستغل الحزب الشيوعي كل استراحة من أجل استيعاب تجربة المرحلة السابقة من النضال، عليه أن يبذل جهده من أجل تعميق الصراعات الطبقية وتوسيعها والربط فيما بينها على الصعيدين الوطني والعالمي، ضمن فكرة الهدف والنشاط العملي، بشكل يمكن معه تحطيم كل مقاومة، في المستويات العليا للبروليتاريا، تعترض طريق الدكتاتورية والثورة الاجتماعية.



--------------------------------------------------------------------------------

موضوعة حول التكتيك
1 - تعيين المسائل
«لقد تأسست الجمعية الأممية الجديدة للشغيلة من أجل تنظيم الأعمال المشتركة للبروليتاريين في مختلف البلدان، أعمال هدفها المشترك هو: إطاحة الرأسمالية، إقامة دكتاتورية البروليتاريا وجمهورية سوفياتات عالمية، بهدف إلغاء الطبقات بشكل كامل وتحقيق الاشتراكية، الدرجة الأولى من المجتمع الشيوعي».
إن هذا التحديد لأهداف الأممية الشيوعية، الوارد في أنظمتها الداخلية، يعيّن بوضوح كل مسائل التكتيك التي ينبغي حلها.
والمقصود هو التكتيك الذي يجب أن نستخدمه في نضالنا من أجل دكتاتورية البروليتاريا. والمقصود هو الوسائل المفروض استخدامها من أجل كسب جزء كبير من الطبقة العاملة إلى مبادئ الأممية الشيوعية والوسائل التي ينبغي استخدام من أجل تنظيم العناصر الحاسمة اجتماعيا داخل البروليتاريا في النضال من أجل تحقيق الشيوعية. والمقصود هو العلاقات مع الشرائح البرجوازية الصغيرة المبلترة، والوسائل والطرق التي من المفروض استخدامها من أجل تقويض أجهزة السلطة البرجوازية بأقصى سرعة ممكنة، وتحويلها إلى ركام وخوض النضال العالمي النهائي من أجل الدكتاتورية.
إن مسألة الدكتاتورية نفسها، باعتبارها الطريق الوحيد الذي يقود إلى النصر، مسألة لا نقاش فيها. فقد أظهر تطور الثورة العالمية بوضوح أنه ليس هناك إلاّ خيار واحد متوفر في الوضع التاريخي الحالي: إمّا دكتاتورية رأسمالية أو دكتاتورية بروليتارية.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يستأنف فحص مسائل التكتيك ضمن ظروف جديدة، بما أن الوضع الموضوعي قد اتخذ في عدد كبير من البلدان حدّة ثورية، وتشكّل عدد كبير من الأحزاب الشيوعية، التي لا تمتلك مع ذلك في أي مكان القيادة الفعلية للجزء الأكبر من الطبقة العاملة، في النضال الثوري الحقيقي.

2 - عشية معارك جديدة
إن الثورة العالمية، أي تدمير الرأسمالية، وتجميع الطاقات الثورية للبروليتاريا وتنظيم البروليتاريا كقوة هجومية ومنتصرة تتطلب مرحلة طويلة من المعارك الثورية.
إن الحدّة المتنوعة للتضادات واختلاف البنية الاجتماعية والعقبات الواجب تخطيها تبعا للبلدان، والدرجة العالية لتنظيم البرجوازية في البلدان ذات التطور الرأسمالي الرفيع في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، كانت أسبابا كافية كيلا تؤدي الحرب العالمية مباشرة إلى انتصار الثورة العالمية. كان الشيوعيون على حق إذن بأن يعلنوا، حتى الحرب، بأن المرحلة الإمبريالية ستقود إلى حقبة الثورة الاجتماعية، أي إلى سلسلة طويلة من الحروب الأهلية داخل دول رأسمالية عديدة ومن الحروب بين دول رأسمالية من جهة، والدول البروليتارية والشعوب المستعمَرة المستغَلة ، من جهة ثانية.
ليست الثورة العالمية سيرورة تتطور تبعا لخط مستقيم؛ إنها الانحلال البطيء للرأسمالية والتقويض الثوري اليومي اللذان يكثفان من وقت لآخر ويتركزان في أزمات حادة.
لقد طال مسار الثورة العالمية أكثر لأن منظمات قوية وأحزابا عمالية، أي الأحزاب والنقابات الاشتراكية-الديمقراطية، التي شكلتها البروليتاريا من أجل قيادة نضالها ضد البرجوازية، تحولت خلال الحرب إلى أدوات تأثير معادية للثورة، وأدوات لشل البروليتاريا، وبقيت كذلك بعد نهاية الحرب. هذا ما سمح للبرجوازية العالمية بتخطي أزمة تسريح الجيوش بسهولة؛ وهذا ما سمح لها خلال مرحلة الازدهار الظاهري لعامي 1919-1920، بأن توقظ لدى البروليتاريا أملا جديدا بتحسين وضعها في إطار الرأسمالية، كان السبب الأساسي وراء فشل انتفاضات 1919 وتباطؤ الحركات الثورية خلال عامي 1919-1920.
إن الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ظهرت في منتصف عام 1920 وتمتد اليوم إلى العالم أجمع، مضاعِفَة البطالة في كل مكان، تُثبت للبروليتاريا العالمية أن البرجوازية ليست قادرة على إعادة تعمير العالم. ويُظهر احتدام التضادات السياسية العالمية، وحملة فرنسا الضارية على ألمانيا، والتنافس الإنكليزي-الأميركي والأميركي-الياباني، مع سباق التسلح الذي ينتج عنه، أن العالم الرأسمالي المحتضر يترنح من جديد باتجاه الحرب العالمية. إن عصبة الأمم، التروست العالمي للدول المنتصرة من أجل استغلال المنافسين المهزومين والشعوب المستعمَرة، مشلولة في الوقت الحاضر بفعل المنافسة الأميركية. والوهم الذي حَرّفَت به الاشتراكية-الديمقراطية العالمية والبيروقراطية النقابية الجماهير العمالية عن النضال الثوري، وهْمُ أنها تستطيع، بتخليها عن الاستيلاء على السلطة بواسطة النضال الثوري، أن تمتلك تدريجيا وسلميا السلطة الاقتصادية وحق إدارة نفسها بنفسها، هذا الوهم هو في طريقه إلى الزوال.
إن مهازل التشريك في ألمانيا، التي سعت حكومة شيدمان-نوسكه بواسطتها إلى إمساك البروليتاريا عن القيام بالهجوم الحاسم، تُقارب نهايتها. والعبارات حول التشريك أفسحت المجال أمام نظام ستينز الحقيقي، أي إخضاع الصناعة الألمانية إلى طاغية رأسمالي وزمرته. وتشكل هجمة الحكومة البروسية تحت قيادة الاشتراكي-الديمقراطي سيفيرنغ ضد عمال المناجم في ألمانيا الوسطى مدخلا للهجمة الشاملة للبرجوازية الألمانية بهدف خفض أجور البروليتاريا الألمانية.
في إنكلترا، ذهبت كل خطط التشريك أدراج الرياح. فبدل تحقيق مشاريع التشريك التي وضعتها لجنة سانكي، تدعم الحكومة إقفال المصانع بوجه عمال المناجم الإنكليز، عن طريق تجنيد الفرق لأجل ذلك.
ولم تتوصل الحكومة إلى تأجيل إفلاسها الاقتصادي إلاّ بحملة نهب في ألمانيا. وهي لا تفكر بأي إعادة بناء منهجية للاقتصاد الوطني. وحتى إعادة بناء البقاع المدمرة في شمال فرنسا، بالمقدار الذي يتم تنفيذها فيه، لا تخدم إلاّ في إغناء رأسماليي القطاع الخاص.
وفي إيطاليا بادرت البرجوازية إلى الهجوم على الطبقة العاملة بمساعدة العصابات الفاشية البيضاء.
لقد اضطرت الديمقراطية-البرجوازية في كل مكان إلى نزع القناع عن وجهها، وبشكل أكمل في الدول الديمقراطية الهرمة مما في الدول الجديدة المنبثقة عن الانهيار الإمبريالي. الحرس الأبيض، تعسف الحكومة الدكتاتوري ضد عمال المناجم المضربين، الفاشيون والـ Guardaregia في إيطاليا والـ Pinkertons، طرد النواب الاشتراكيين من البرلمانات، وقانون لنش [11] في الولايات المتحدة، الإرهاب الأبيض في بولندا ويوغوسلافيا ورومانيا وليتونيا وأستونيا، إضفاء الشرعية على الإرهاب الأبيض في فنلندا والمجر ودول البلقان، «القوانين المناهضة للشيوعية» في سويسرا وفرنسا الخ..، في كل مكان تسعى البرجوازية لتحميل الطبقة العاملة آثار الفوضى الاقتصادية المتنامية، وتمديد يوم العمل وخفض الأجور. في كل مكان تبحث البرجوازية عن مساعدين بين قادة الاشتراكية-الديمقراطية وأممية أمستردام النقابية. والحال أن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يؤخروا نهوض الجماهير العمالية من أجل معركة جديدة، واقتراب موجات ثورية جديدة، ولكنهم لا يستطيعون أن يمنعوها.
لقد رأينا البروليتاريا الألمانية تعد نفسها للهجوم المضاد؛ ورأينا عمال المناجم الإنكليز، على الرغم من خيانة قادة النقابات، يصمدون ببطولة خلال أسابيع طويلة من النضال ضد الرأسمال المنجمي. ونرى كيف أن إرادة القتال تتنامى في الصفوف المتقدمة للبروليتاريا الإيطالية بعد التجربة التي عاشتها بفعل السياسة المترددة لمجموعة سيراتي، إرادة القتال التي يعبر عنها تشكيل الحزب الشيوعي الإيطالي. ونرى في فرنسا، بعد الانشقاق وانفصال الاشتراكيين-الوطنيين والوسطيين، كيف بدأ الحزب الاشتراكي ينتقل من التحريض والدعاوة للشيوعية إلى التظاهرات الجماهيرية ضد الشهوات الجشعة للإمبريالية الفرنسية. وفي تشيكوسلوفاكيا شهدنا إضراب كانون الأول/ديسمبر السياسي، الذي اجتذب مليون عامل على الرغم من افتقاده الكامل لقيادة موحدة، وأدى، كنتيجة لذلك، إلى تشكيل حزب شيوعي تشيكي، حزب للجماهير. وفي شباط/فبراير حصل في بولندا إضراب عمال السكك الحديدية، الذي قاده الحزب الشيوعي، وأدى إلى إضراب عام، وشهدنا التفكك التدريجي للحزب الاشتراكي البولندي، الاشتراكي-الوطني.
ما يجب أن ننتظره ليس تراجع الثورة العالمية، ولا انحسار موجاتها، بل على العكس: في الظروف القائمة يبدو الاحتدام الفوري للتناحرات الاجتماعية والصراعات الاجتماعية هو الأكثر احتمالا.

3 - المهمة الراهنة الأكثر أهمية
اكتساب التأثير المهيمن على الجزء الأكبر من الطبقة العاملة، وإدخال الأجزاء الحاسمة من هذه الطبقة في المعركة، هذه هي المسألة الأكثر أهمية بالنسبة للأممية الشيوعية.
لأنه عبثا نجد أنفسنا إزاء وضع اقتصادي وسياسي ثوري موضوعيا يمكن أن تنفجر فيه فجأة الأزمة الثورية الأكثر حدة (على أثر إضراب كبير، أو تمرد في البلدان المستعمَرة، أو حرب جديدة أو حتى أزمة برلمانية كبيرة، الخ...) فإن العدد الأكبر من العمال لم يتأثر بالشيوعية بعد، خاصة في البلدان حيث ولّدت السلطة القوية بشكل مميز للرأسمالية المالية شرائح واسعة من العمال الذين أفسدتهم الإمبريالية (مثلا في إنكلترا أو الولايات المتحدة) وحيث الدعاوة الثورية الحقيقية بين الجماهير ما زالت في بدايتها.
إن ما وضعته الأممية الشيوعية منذ اليوم الأول لتأسيسها كهدف لها، بشكل واضح ودون التباس، ليس تشكيل شلل شيوعية صغيرة تسعى لممارسة تأثيرها على الجماهير العمالية عبر التحريض والدعاوة فقط، بل الانخراط في نضال الجماهير العمالية، وقيادة هذا النضال في الاتجاه الشيوعي وتشكيل أحزاب شيوعية ثورية كبيرة في سيرورة المعركة.
وقد رفضت الأممية الشيوعية سابقا خلال السنة الأولى من وجودها الاتجاهات العصبوية إذ أشارت على الأحزاب المنتسبة، وإن كانت أحزابا صغيرة بأن تتعاون مع النقابات، وأن تشارك في القضاء على بيروقراطيتها الرجعية من داخلها بالذات وأن تحولها إلى منظمات ثورية للجماهير البروليتارية وإلى أدوات للمعركة. وأشارت الأممية الشيوعية على الأحزاب الشيوعية، منذ السنة الأولى لوجودها ألاّ تنغلق في حلقات دعاوية، بل أن تستخدم في تربية البروليتاريا وتنظيمها كل الإمكانات التي يجبر دستور الدولة البرجوازية هذه الأخيرة على تركها مفتوحة: حرية الصحافة، حرية الاجتماع والتجمع، والمؤسسات البرلمانية البرجوازية كافة، مهما كانت مدعاة للرثاء، من أجل جعلها أسلحة، ومنابر وساحات عرض للشيوعية. وقد رفضت الأممية الأممية علنا في مؤتمرها الثاني كل الاتجاهات العصبوية.
إن التجارب النضالية التي خاضتها الأحزاب الشيوعية خلال هذين العامين تؤكد بمجملها وجهة نظر الأممية الشيوعية. فقد قادت هذه الأخيرة، بسياستها، العمال الثوريين في عدد كبير من البلدان إلى الانفصال ليس فقط عن الإصلاحيين المعلنين، بل أيضا عن الوسطيين. فقد شكّل الوسطيون منذ ذلك الحين الأممية 2/1 2 المتحالفة علنا مع جماعات شيدمان وجوهو وهندرسون على أرضية أممية أمستردام النقابية، وبان ميدان المعركة مذاك أكثر وضوحا بكثير أمام الجماهير البروليتارية مما يسهّل المعارك اللاحقة.
وتحولت الحركة الشيوعية الألمانية من مجرد اتجاه سياسي، وهو ما كانت عليه خلال معارك كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 1919، إلى حزب جماهيري ثوري كبير، بفعل تكتيك الأممية الشيوعية (عمل ثوري في النقابات، رسالة مفتوحة، الخ...) واستطاعت هذه الحركة أن تمتلك تأثيرا في النقابات بشكل أجبر البيروقراطية النقابية، خوفا من التأثير الثوري لعملها النقابي، على طرد العديد من الشيوعيين من النقابات واتهامهم بالانشقاقية.
ونجح الشيوعيون في تشيكوسلوفاكيا بكسب أغلبية العمال المنظمين إلى قضيتهم.
وفي بولندا، لم يعرف الحزب الشيوعي أن يدخل في علاقات مع الجماهير فحسب، بفضل حفره داخل النقابات، بل أصبح دليلها في النضال، على الرغم من الاضطهاد المخيف الذي يفرض على المنظمات الشيوعية وجودا سريا على الإطلاق.
وفي فرنسا، كسب الشيوعيون الأغلبية داخل الحزب الاشتراكي.
وتُنجَزُ في إنكلترا عملية تمتين المجموعات الشيوعية على أرضية التوجيهات التكتيكية للأممية الشيوعية، ويجبر التأثير المتنامي للشيوعيين الاشتراكيين-الخونة على محاولة جعل دخول الشيوعيين إلى حزب العمال مستحيلا.
أمّا المجموعات الشيوعية العصبوية (مثل الـ K.A.P.D الخ...) فلم تلق في طريقها أي نجاح، فنظرية تعزيز الشيوعية بواسطة الدعاوة والتحريض وحدهما، وتشكيل نقابات شيوعية مستقلة، قد أفلست إفلاسا كاملا، فلم يُبنَ في أي مكان أي حزب شيوعي يمتلك شيئا من التأثير على هذه الشاكلة.

4 - الوضع داخل الأممية الشيوعية
لم تذهب الأممية الشيوعية بعيدا بشكل كاف في أي مكان في هذا الطريق المؤدي إلى تشكيل أحزاب شيوعية جماهيرية، وحتى في اثنين من أهم بلدان الرأسمالية المنتصرة، ما زال عليها أن تفعل الكثير في هذا المجال.
ففي الولايات المتحدة لأميركا الشمالية، حيث لم توجد في السابق قبل الحرب، ولأسباب تاريخية، أية حركة ثورية على قدر من الاتساع، ما زال على الشيوعيين أن يقوموا بالمهام الأساسية الأكثر أولية: تشكيل نواة شيوعية وربطها بالجماهير العمالية. والأزمة الاقتصادية التي أنتجت خمسة ملايين عامل دون عمل، تقدم لهذا السبب أرضية ملائمة جدا. وإذ يعي الرأسمال الأميركي الخطر الذي يتهدده في تجذر الحركة العمالية، وممارسة الشيوعيين لتأثيرهم عليها، فهو يسعى لتحطيم الحركة الشيوعية الفتية بواسطة التعذيب الهمجي، وإبادتها، وإجبارها على الانكفاء إلى اللاشرعية، وهو يظن أن الحركة ستنحط بذلك، وعبر عزلها عن الجماهير، إلى شلة دعاوية ويصيبها الجفاف.
تلفت الأممية الشيوعية انتباه الحزب الشيوعي الموحد في أميركا لواقع أن التنظيم غير الشرعي لا ينبغي أن يشكل إلاّ أرضية للتجمع وللتوعية بالنسبة للقوى الشيوعية الأكثر نشاطا، ولكن من واجب الحزب الموحد أن يسعى بكل الوسائل وكل الطرق لتخطي هذه التنظيمات غير الشرعية والوصول إلى أوسع الجماهير العمالية التي تختمر؛ وعليه واجب اتخاذ الأشكال والطرق الخاصة من أجل حشد هذه الجماهير سياسيا في حياتها العامة بهدف النضال ضد الرأسمال الأميركي.
ولم تنجح الحركة الشيوعية الإنكليزية هي الأخرى، على الرغم من تركيز قواها في حزب شيوعي موحد، بأن تصبح حزبا جماهيريا.
إن الفوضى المستديمة في الاقتصاد الإنكليزي، والاحتدام المذهل للحركة الإضرابية، والسخط المتنامي لأوسع الجماهير الشعبية على نظام لويد جورج، وإمكانية انتصار حزب العمال والحزب الليبرالي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كل ذلك يفتح آفاقا جديدة أمام تطور إنكلترا ويطرح أمام الشيوعيين الإنكليز مسائل ذات أهمية قصوى.
إن المهمة الأولى والرئيسية المطروحة على الحزب الشيوعي في إنكلترا هي أن يصبح حزبا جماهيريا. وعلى الشيوعيين الإنكليز أن يقفوا بحزم متزايد على أرضية الحركة الجماهيرية القائمة في الواقع والمتنامية باستمرار؛ عليهم أن يتغلغلوا في كل الخصوصيات الملموسة لهذه الحركة وأن يجعلوا من المطالب المعزولة أو الجزئية للعمال نقطة الانطلاق لتحريضهم الخاص ودعاوتهم النشطة والتي لا تكل.
إن حركة الإضراب القوية تُخضِع للتجربة، أمام أنظار مئات الآلاف وملايين العمال، مدى قدرة النقابات وقادتها، وإخلاصهم وثباتهم ووعيهم. ضمن هذه الشروط يتخذ عمل الشيوعيين داخل النقابات أهمية حاسمة. ولا يمكن لأي نقد يوجهه الحزب من الخارج أن يمارس، حتى ولو على المدى الطويل، تأثيرا مماثلا لذلك الذي يمكن أن يمارس بواسطة العمل اليومي والثابت للأنوية الشيوعية في النقابات، بواسطة العمل المتجه إلى فضح الخونة والبرجوازيين في الحركة النقابية وإفقادهم حظوتهم، هؤلاء الذين يشكلون في إنكلترا أكثر مما في أي بلد آخر، لعبة سياسية بيد رأس المال.
وفي بلدان أخرى إذا كانت مهمة الأحزاب الشيوعية التي أصبحت أحزابا جماهيرية تقوم إلى حد بعيد على المبادرة إلى العمل الجماهيري، فإن مهمة الحزب الشيوعي في إنكلترا تقوم قبل كل شيء، وعلى قاعدة النشاط الجماهيري الذي يتطور في الواقع، على أن يظهر ويثبت بنموذجه الخاص أن الشيوعيين قادرون على التعبير عن مصالح الجماهير وحاجاتها ومشاعرها، بصدق وشجاعة.
إن الأحزاب الشيوعية الجماهيرية في أوروبا الوسطى والغربية هي في أوج تشكيل وسائل تحريضها ودعاوتها الثورية، في أوج تكوين طرائق تنظيم تستجيب لطابعها القتالي، وأخيرا، هي في أوج الانتقال من الدعاوة والتحريض الشيوعيين إلى العمل. وقد أعاق هذه السيرورة واقع أن دخول العمال الذين أصبحوا ثوريين إلى معسكر الشيوعية قد تم في العديد من البلدان تحت قيادة قادة لم يتخطوا بعد ميولهم الوسطية، وليسوا في وضع القيام بتحريض ودعاوة شيوعيين فاعلين بين الشعب ويخافون حتى هذه الدعاوة لأنهم يعلمون أنها ستقود الأحزاب إلى المعارك الثورية.
لقد أدت هذه الاتجاهات الوسطية إلى انشقاق الحزب في إيطاليا. فبدل أن يحوِّل قادة الحزب والنقابات، المجتمعون حول سيراتي، الحركات العفوية لجمهور العمال ونشاطهم المتنامي إلى نضال واع من أجل السلطة، نضال كان الوضع في إيطاليا ناضجا له، تركوا هذه الحركات تغوص في الرمل. لم تكن الشيوعية بالنسبة لهم وسيلة لهزِّ الجماهير العمالية وحشدها من أجل المعركة. ولأنهم كانوا يخافون القتال لجأوا إلى إذابة الدعاوة والتحريض الشيوعيين، وتسييرهما في قنوات المياه الوسطية، وعززوا، على هذا الشكل، تأثير الإصلاحيين مثل توراتي وتريف داخل الحزب وأراغونا داخل النقابات. وبما أنهم لا يتميزون عن الإصلاحيين لا على مستوى الأقوال ولا على مستوى الأفعال، لم يريدوا أيضا الانفصال عنهم، بل فضلوا الانفصال عن الشيوعيين. وهذه السياسة التي اتبعها اتجاه سيراتي، إذ عززت من جهة تأثير الإصلاحيين، خلقت من جهة ثانية الخطر المزدوج المتمثل بتدعيم مواقع الفوضويين والنقابيين، وبتوليد اتجاهات معادية للبرلمانية، جذرية على مستوى الأقوال فقط، داخل الحزب بالذات.
إن انشقاق ليفورن، وتشكيل الحزب الشيوعي الإيطالي، وحشد كل العناصر الشيوعية حقا في حزب شيوعي، على أرضية قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، تجعل من الشيوعية في هذا البلد قوة جماهيرية، شرط أن يحارب الحزب الشيوعي، دون هوادة أو ضعف، السياسة الانتهازية للسيراتية، ويمنح نفسه بذلك إمكانية البقاء مرتبطا بجماهير البروليتاريا في النقابات والإضرابات وفي الصراع مع المنظمات الفاشية المعادية للثورة، وتوحيد الحركات التي تضم هذه الجماهير، وتحويل نشاطاتها العفوية إلى نضالات معدّة بإتقان.
وفي فرنسا حيث السم الشوفيني لـ«الدفاع الوطني» ومن ثم نشوة الانتصار كانا أقوى مما في أي مكان آخر تطورت ردات الفعل المعادية للحرب أبطأ مما في البلدان الأخرى. وبفعل تأثير الثورة الروسية والنضالات الثورية في البلدان الرأسمالية وتجربة النضالات الأولى للبروليتاريا الفرنسية التي خانها قادتها، تطور الحزب الاشتراكي بأغلبيته نحو الشيوعية، حتى قبل أن يضعه مجرى الأحداث أمام القضايا الحاسمة للعمل الثوري. وهذا الوضع سيتم استغلاله بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع من قبل الحزب الشيوعي الفرنسي بمقدار ما يصفي بوضوح داخله، وخاصة في أوساطه القيادية، بقايا الأيديولوجية السلمية الوطنية والإصلاحية البرلمانية. ويجب على الحزب، وبدرجة أكبر ليس فقط مقارنة بالماضي، أن يقترب من الجماهير وشرائحها المضطهدة، ويقدم التعبير الواضح والكامل والعنيد عن معاناتها وحاجاتها. وعلى الحزب أن يقطع نهائيا مع الأشكال الكريهة والمشبعة بالكذب للبرلمانية الفرنسية، التي خلقتها البرجوازية، عن وعي، كي تبهر ممثلي الطبقة العاملة.
وعلى البرلمانيين الفرنسيين أن يسعوا جهدهم، في جميع مداخلاتهم، لنزع القناع الوطني-الديمقراطي، الجمهوري والثوري تقليديا، وأن يقدموا بوضوح كل مسألة على أساس أنها مسألة مصالح ونضال طبقي لا هوادة فيه.
ينبغي أن يتخذ التحريض العملي طابعا أكثر تركيزا بكثير، وأكثر توترا وحماسا. ولا ينبغي أن يتشتت عبر الأوضاع والتراكيب المتبذِّلة والمتنوِّعة للسياسة اليومية. ومن كل الأحداث الصغيرة أو الكبيرة، عليه أن يستخلص النتائج الثورية الأساسية نفسها، وأن يرسخها لدى الجماهير العمالية وحتى لدى أكثرها تخلفا. وليس إلاّ بشرط مراعاة هذا الموقف الثوري فعلا، يمكن أن يتوقف الحزب عن أن يبدو ـ ويكون بالفعل كذلك - مجرد جناح لهذه الكتلة الراديكالية اللونغيّة Longuettiste [12]، التي تقدم خدماتها للمجتمع البرجوازي بإصرار ونجاحات تكبر باستمرار، من أجل حمايته من الهزات التي تعلن عن نفسها في فرنسا، بمنطق عنيد. وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأحداث الثورية الحاسمة ستحصل بصورة مبكرة إلى هذا الحد أو ذاك، سيجد الحزب الشيوعي، الذي يمتلك تربية أخلاقية والمشبع بالإرادة الثورية، إمكانية تعبئة الجماهير العمالية على الأرضية السياسية والاقتصادية، حتى في مرحلة الإعداد الحالية، وإعطاء نضالها طابعا أكثر وضوحا واتساعا.
إن المحاولات التي قامت بها بعض العناصر الثورية والمفتقرة إلى الصبر والتي لا تملك تجربة سياسية، إذ أرادت استخدام الأساليب القصوى التي تشكّل في جوهرها أساليب الانتفاض الثوري الحاسم للبروليتاريا (مثل اقتراح دعوة الفرقة 19 لعدم الاستجابة للتعبئة) في مسائل ولأهداف معزولة، هذه المحاولات يمكن، فيما لو طبقت، أن تقضي لزمن طويل على الإعداد الثوري حقا للبروليتاريا من أجل استلام السلطة. إنه ليتعين على الحزب الشيوعي الفرنسي وكل الأحزاب الأخرى المشابهة، أن ترفض هذه الأساليب الخطرة جدا، ولكن لا ينبغي أن يفسح هذا الواجب المجال في أي من الأحوال أمام بلادة الحزب، بل العكس هو ما ينبغي أن يحصل.
إن تعزيز ارتباط الحزب بالجماهير يعني قبل كل شيء ربطه بالنقابات بشكل أدق. وهذا الهدف لا يقوم أبدا على إخضاع النقابات آليا ومن الخارج للحزب، والتخلي عن استقلاليتها المتأتية بالضرورة من طابع عملها: إنه يقوم على أن تبادر العناصر الثورية حقا، المجتمعة في الحزب الشيوعي، فتشكّل في إطار النقابات اتجاها ينسجم مع المصالح المشتركة للبروليتاريا، المناضلة من أجل استلام السلطة.
نظرا لهذا الواقع، يجب على الحزب الشيوعي الفرنسي أن ينتقد بشكل رفاقي ولكن حاسم وواضح كل الاتجاهات الفوضوية-النقابية، التي ترفض دكتاتورية البروليتاريا وضرورة اتحاد طليعتها في منظمة قيادية، ممركزة، أي في حزب شيوعي وينتقد كذلك كل الاتجاهات النقابية الانتقالية التي إذ تتمسك بشرعة أميان التي صيغت قبل الحرب بثماني سنوات، لم يعد بمقدورها أن تقدم اليوم جوابا واضحا على المسائل الأساسية التي تطرحها الحقبة الجديدة ما بعد الحرب.
إن العداء الذي يظهر في الحركة النقابية الفرنسية ضد عقلية الفئة السياسية المغلقة هو قبل كل شيء حقد مبرر تماما ضد البرلمانيين «الاشتراكيين-التقليديين». لكن الطابع الثوري الصرف للحزب الشيوعي يؤهله لإمكانية إفهام كل العناصر الثورية ضرورة التجمع السياسي بهدف استيلاء الطبقة العاملة على السلطة.
إن اندماج التجمع النقابي الثوري مع التنظيم الشيوعي بمجمله هو شرط ضروري ولا غنى عنه في كل نضال جدي للبروليتاريا الفرنسية.
ولن يكون من الممكن تخطي الميول نحو العمل المبتسر واستبعادها والتغلب على غموض المبادئ والانفصالية التنظيمية للنقابيين-الثوريين إلاّ عندما يصبح الحزب نفسه ـ كما قلنا أعلاه - مركز جذب لهؤلاء، بمعالجته مسألة الحياة والنضال اليومي للجماهير العمالية الفرنسية بشكل ثوري حقا.
لقد تخطت الجماهير الكادحة في تشيكوسلوفاكيا إلى حد بعيد خلال هذين العامين والنصف، الأوهام الإصلاحية والقومية. وانفصلت أغلبية العمال الاشتراكيين الديمقراطيين، في أيلول/سبتمبر الفائت، عن قادتها الإصلاحيين. وفي كانون الأول/ديسمبر تصدى حوالي مليون عامل، من أصل ثلاثة ملايين شغيل صناعي في تشيكوسلوفاكيا، بتحرك جماهيري ثوري، للحكومة الرأسمالية التشيكوسلوفاكية. وفي شهر أيار/مايو من هذه السنة تشكّل الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا من حوالي 350000 عضو إلى جانب الحزب الشيوعي في بوهيميا الألمانية، المشكّل سابقا والذي يضم حوالي 600000 عضو. ويشكل الشيوعيون بذلك جزءا كبيرا ليس فقط من بروليتاريا تشيكوسلوفاكيا بل أيضا من مجموع سكانها. ويجد الحزب التشيكوسلوفاكي نفسه أمام مشكلة اجتذاب الجماهير العمالية الواسعة أكثر من ذلك، بواسطة التحريض الشيوعي حقا، وتربية أعضاء جرى كسبهم سابقا أو حديثا، بواسطة دعاوة شيوعية واضحة ودون وجل، وتوحيد العمال من كل القوميات في تشيكوسلوفاكيا من أجل تشكيل جبهة دائمة للبروليتاريين بمواجهة النزعة القومية، معقل البرجوازية في تشيكوسلوفاكيا، وجعل قوة البروليتاريا، التي أنشئت على هذه الشاكلة، تتحول خلال المعارك اللاحقة ضد اتجاهات الاضطهاد الخاصة بالرأسمالية وضد الحكومة، إلى قوة لا تقهر. وسيصبح الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي على مستوى هذه الرسالة بسرعة متزايدة بمقدار ما يتمكن من التغلب بوضوح في الرؤية وحزم في القرار على التقاليد والأفكار المسبقة الوسطية، ويعتمد سياسة تربي أوسع الجماهير البروليتارية ثوريا وتحشدها، وبمقدار ما يغدو قادرا هكذا على إعداد هذه النشاطات الجماهيرية وإنجازها بنجاح. ويقرر المؤتمر أنه على الأحزاب الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا-البوهمية أن تدمج تنظيماتها وتشكل حزبا واحدا في مهلة تحددها اللجنة التنفيذية.
إن الحزب الشيوعي الألماني الموحد الذي نشأ عن اتحاد مجموعة سبارتاكوس مع الجماهير العمالية لمستقلي اليسار على الرغم من أنه بات حزبا جماهيريا كبيرا، تقع عليه المهمة الجسيمة المتمثلة بزيادة تأثيره على أوسع الجماهير وتعزيز منظمات الجماهير البروليتارية، والسيطرة على النقابات وضرب تأثير الحزب الاشتراكي-الديمقراطي والبيروقراطية النقابية، وبأن يكتشف إبان النضالات القادمة للبروليتاريا قادة الحركات الجماهيرية. وتتطلب هذه المهمة الرئيسية للحزب أن يبذل من أجلها كل جهوده في التكيّف والدعاوة والتنظيم، وأن يسعى إلى كسب تعاطف أغلبية البروليتاريا، التي بدونها لن يكون إحراز أي انتصار في ألمانيا ممكنا، نظرا إلى قوة رأس المال الألماني.
لم يبد الحزب الموحد لألمانيا بعد على مستوى هذه المهمة، لناحية اتساع التحريض ومحتواه. ولم يعرف بعد أن يتبع بشكل منطقي الطريق التي رسمها في «رسالته المفتوحة»، هذا الطريق الذي تتواجه على قاعدته المصالح العملية للبروليتاريا مع السياسة الخيانية للأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية والبيروقراطية النقابية. وما زالت صحافة الحزب وتنظيمه يحملان دمغة الشركات وليس صفة الأدوات والمنظمات النضالية. وقد أدت الاتجاهات الوسطية التي ما زالت تعبر عن نفسها داخل هذا الحزب والتي لم يجر تخطيها فيه، إلى هذا الوضع الذي فُرض بنتيجته على الحزب، إزاء ضرورة المعركة، أن يدخلها دون إعداد كاف، ولم يستطع أن يحافظ على اتصال معنوي كافٍ مع الجماهير غير الشيوعية. ولن يتمكن الحزب الشيوعي الألماني الموحد من تلبية متطلبات العمل التي ستفرض عليه قريبا، بفعل سيرورة تدمير الاقتصاد الألماني وهجمة رأس المال ضد الجماهير العمالية، إلاّ إذا أبقى الروح القتالية يقظة دائما في تنظيمه، ممتنعا عن معارضة هدفه من العمل بأهدافه الخاصة بالتحريض والتنظيم، وإذا أعطى تحريضه طابعا شعبيا بالفعل، واتخذ تنظيمه شكلا يجعله قادرا، عبر تطويره اتصاله بالجماهير، على أن يطرح وضع النضال بالشكل الأكثر اتقانا، ويهيئ هذا النضال بصورة لا تقل اتقانا.
إن أحزاب الأممية الشيوعية سوف تصبح أحزابا جماهيرية ثورية، إذا عرفت كيف تتغلب على الانتهازية في صفوفها وبقاياها وموروثاتها، عبر سعيها لأن ترتبط بالجماهير العمالية المناضلة بشكل وثيق، ولأن تستمد أهدافها من النضالات العملية للبروليتاريا، وأن ترفض في مجرى نضالاتها السياسية الانتهازيةً المتمثلةَ بتسطيح التناحرات التي لا تقهر ومحوها، كما العبارات الثورية التي تحجب ميزان القوى الفعلي وصعوبات النضال الحقيقية. لقد ولدت الأحزاب الشيوعية من انشقاق الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية القديمة. ونتج هذا الانشقاق عن واقع أن هذه الأحزاب قد خانت خلال الحرب بإقامة تحالف مع البرجوازية أو بسياسة مترددة تسعى لتفادي كل نضال. وتشكل مبادئ الأحزاب الشيوعية الأرضية الوحيدة التي تستطيع عليها الجماهير العمالية أن تتحد مجددا، لأن هذه المبادئ تعبر عن حاجات نضال البروليتاريا. ولأن الأمر كذلك، فإن الأحزاب والاتجاهات الاشتراكية-الديمقراطية والوسطية هي التي تمثل حاليا انقسام البروليتاريا وتشتتها، فيما تشكل الأحزاب الشيوعية عنصر توحيد.
في ألمانيا، كان الوسطيون هم الذين انفصلوا عن أغلبية الحزب، عندما تبعت هذه الأخيرة راية الشيوعية. ورفض الاشتراكيون-الديمقراطيون والمستقلون الألمان، والبيروقراطية النقابية الاشتراكية-الديمقراطية أيضا، خوفا من التأثير التوحيدي للشيوعية، أن يتعاونوا مع الشيوعيين في نشاطات مشتركة دفاعا عن أبسط مصالح البروليتاريا. وفي تشيكوسلوفاكيا، كان الاشتراكيون-الديمقراطيون هم الذين فجّروا الحزب القديم عندما تنبهوا لانتصار الشيوعية. وفي فرنسا كان اللونغيون هم الذين انفصلوا عن أغلبية العمال الاشتراكيين، في حين سعى الحزب الشيوعي لتوحيد العمال الاشتراكيين والنقابيين. وفي إنكلترا، كان الإصلاحيون والوسطيون هم الذين طردوا الشيوعيين من حزب العمال، خوفا من تأثيرهم، وخربوا تركّز العمال في نضالهم ضد الرأسماليين. وبذلك تصبح الأحزاب الشيوعية عوامل توحيد للبروليتاريا في نضالها من أجل مصالحها، وفي وعيها لدورها سوف تراكم قوى جديدة.

5 - معارك ومطالب جزئية
لا تستطيع الأحزاب الشيوعية أن تتطور إلاّ في النضال. حتى أصغر الأحزاب الشيوعية لا يجب أن تكتفي بمجرد الدعاوة والتحريض. بل يجب أن تشكل في المنظمات الجماهيرية البروليتارية كافة، الطليعة التي تُظهر للجماهير المتخلفة والمترددة، كيف ينبغي أن تخاض المعركة، وتكشف لها بذلك خيانة جميع الأحزاب غير الشيوعية، إذ ترسم لهذه الجماهير الأهداف الملموسة لهذه المعركة، وتحثها على النضال من أجل المطالبة بحاجاتها الحيوية. وفقط إذا عرفت الأحزاب الشيوعية كيف تقف على رأس البروليتاريا في كل المعارك، وأن تتسبب بهذه المعارك، فإنها تستطيع أن تكسب بالفعل أوسع الجماهير البروليتارية في النضال من أجل الدكتاتورية.
ينبغي أن يكون كل تحريض وكل دعاوة وكل نشاط للحزب الشيوعي مشبعا بهذا الشعور بأنه، على قاعدة الرأسمالية، سيكون أي تحسن مستديم لوضع جمهور البروليتاريا مستحيلا؛ وأن إطاحة البرجوازية وتحطيم الدولة الرأسمالية سيتيحان وحدهما العمل على تحسين وضع الطبقة العاملة وإحياء الاقتصاد الوطني الذي دمرته الرأسمالية.
غير أن هذا الشعور لا ينبغي أن يجعلنا نتخلى عن النضال من أجل المطالب الحيوية الآنية والمباشرة للبروليتاريا، بانتظار أن تغدو قادرة على الدفاع عنها بواسطة دكتاتوريتها. وفي حين لم تعد الرأسمالية قادرة على ضمان حتى حياة عبيد مشبعين للعمال، فإن الاشتراكية-الديمقراطية التي تتقدم الآن بالبرنامج الاشتراكي-الديمقراطي القديم للإصلاحات السلمية، وهي إصلاحات ينبغي أن تتحقق بالطريق السلمي على أرضية الرأسمالية المفلسة وفي إطارها، هذه الاشتراكية-الديمقراطية تخدع الجماهير العمالية عن تبصر. هذا وليس فقط أن الرأسمالية عاجزة، وهي في فترة تفككها وانحلالها، عن تأمين شروط معيشة إنسانية بعض الشيء للعمال، بل كذلك فإن الاشتراكيين-الديمقراطيين، والإصلاحيين في جميع البلدان يثبتون كل يوم أنه لا نية لديهم إطلاقا لخوض أية معركة من أجل أكثر المطالب تواضعا، وهي مطالب واردة في برنامجهم الخاص.
إن المطالبة بتشريك الفروع الصناعية الأكثر أهمية أو تأميمها، كما تفعل الأحزاب الوسطية، هي أيضا خداع للجماهير الشعبية. إن الوسطيين لم يضللوا الجماهير فحسب بسعيهم لإقناعها بأن التشريك يمكن أن ينتزع الفروع الأساسية للصناعة من أيدي رأس المال دون أن يتم التغلب على البرجوازية، بل إنهم يسعون أيضا إلى حرف العمال عن النضال الحيوي الحقيقي من أجل حاجاتهم الأكثر مباشرة، بجعلهم يأملون بمصادرة تدريجية لمختلف الصناعات الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يبدأ بعده البناء «المنهجي» للنظام الاقتصادي. إنهم يعودون بذلك إلى برنامج الحد الأدنى للاشتراكية-الديمقراطية، أي إصلاح الرأسمالية، والذي يشكل تضليلا حقيقيا معاديا للثورة.
وإذا كانت فكرة لاسال، حول تركيز كل الجهود في مطلب وحيد لجعله رافعة النشاط الثوري الذي يقود في تطوره إلى النضال من أجل السلطة، ما زالت تلعب دورا في برنامج التأميم هذا، مثلا تأميم صناعة الفحم، فإننا في هذه الحالة أمام حلم لصاحب أوهام: فالطبقة العاملة تعاني اليوم في جميع البلدان الرأسمالية من ويلات عديدة جدا ومخيفة جدا، بحيث تستحيل محاربة كل هذه الأعباء الساحقة وضرباتها عبر ملاحقة موضوع دقيق جدا وخيالي بشكل كامل. يجب على العكس اتخاذ كل حاجة جماهيرية كنقطة انطلاق للنضالات الثورية القادرة بمجملها على تشكيل التيار الجارف للثورة الاجتماعية. إن الأحزاب الشيوعية لا تضع في الواجهة من أجل هذه المعركة أي برنامج حد أدنى يسعى إلى تدعيم البناء الرأسمالي المهتز وتحسينه. فانهيار هذا البناء يبقى هدفها الموجه، ومهمتها الراهنة. لكن من أجل الاضطلاع بهذه المهمة، فإن على الأحزاب الشيوعية أن تطرح مطالب يشكّل تحقيقها ضرورة مباشرة وملحة للطبقة العاملة وعليها أن تدافع عن هذه المطالب في النضال الجماهيري، دون أن تراعي ما إذا كانت هذه المطالب منسجمة أو غير منسجمة مع الاستغلال الربوي من جانب الطبقة الرأسمالية.
وليست إمكانات وجود الصناعة الرأسمالية وإمكانات المنافسة لديها، وليست قوة المقاومة لدى الأموال الرأسمالية، هما ما يجب أن تأخذه الشيوعية بالاعتبار، بل اتساع البؤس الذي لا تستطيع البروليتاريا ولا يجب أن تتحمله. وإذا استجابت هذه المطالب للحاجات الحيوية للجماهير البروليتارية الواسعة، وإذا تشبعت هذه الجماهير بالشعور بأنه من دون تحقيق هذه المطالب سيكون وجودها مستحيلا، فإن النضال من أجل هذه المطالب سيصبح نقطة الانطلاق للنضال من أجل السلطة. ومكان برنامج الحد الأدنى للإصلاحيين والوسطيين تضع الأممية الشيوعية برنامج النضال من أجل الحاجات الملموسة للبروليتاريا ومن أجل مجموعة من المطالب تقوِّض بمجملها قوة البرجوازية، وتنظِّم البروليتاريا، وتشكِّل مراحل النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا، وتعبر كل واحدة منها بوجه خاص عن حاجة من حاجات أوسع الجماهير، حتى إذا كانت هذه الجماهير لم تقف بعد على أرضية دكتاتورية البروليتاريا.
وبقدر ما يشمل النضال من أجل هذه المطالب جماهير متزايدة باستمرار ويعبئها، وبقدر ما يجعل هذا النضال الحاجات الحيوية للجماهير تدخل في تعارض مع الحاجات الحيوية للمجتمع الرأسمالي، سوف تعي الطبقة العاملة حقيقة أنها إذا أرادت أن تعيش، فيجب أن تموت الرأسمالية. وهذه الملاحظة سوف تولِّد لديها إرادة النضال من أجل الدكتاتورية. ومهمة الأحزاب الشيوعية هي أن توسّع النضالات التي تتطور باسم هذه المطالب الملموسة، وتعمقها وتربط فيما بينها. وكل نشاط جزئي تقوم به الجماهير العمالية من أجل مطالب جزئية، وكل إضراب اقتصادي جدي يؤديان مباشرة لتعبئة البرجوازية بأكملها من أجل حماية المهددين من أصحاب المشاريع، وجعل كل انتصار للبروليتاريا مستحيلا حتى لو كان جزئيا (دعم تقني لكاسري الإضراب البرجوازيين خلال إضراب عمال سكك الحديد البريطانيين، ودعم الفاشيين). وتستنفر البرجوازية أيضا كل آلية الدولة من أجل محاربة العمال (عسكرة العمال في بولندا، قوانين استثنائية خلال إضراب عمال المناجم في إنكلترا). إن العمال الذين يناضلون من أجل مطالبهم الجزئية، ينخرطون بشكل آلي بمحاربة البرجوازية بأكملها وجهاز دولتها. وبالقدر الذي تتسع فيه النضالات من أجل المطالب الجزئية، والنضالات الجزئية لمجموعات مختلفة من العمال وتتحول إلى نضال شامل للطبقة العاملة ضد الرأسمالية، يجب على الحزب الشيوعي أن يتقدم بشعارات أكثر تقدما وشمولا وصولا إلى شعار الإطاحة المباشر للخصم وبما فيه هذا الشعار.
وإذ تضع الأحزاب الشيوعية مطالبها الجزئية، عليها أن تسهر على ألاّ تقف هذه المطالب، ذات الصلة بمصالح أوسع الجماهير، عند اجتذاب هذه الجماهير إلى النضال بل أن تكون بذاتها قادرة على تنظيمها.
إن كل الشعارات الملموسة التي تنبع من الحاجات الاقتصادية العمالية يجب أن تندرج في خطة النضال من أجل الرقابة العمالية التي لن تكون نظام تنظيم بيروقراطي للاقتصاد الوطني في ظل النظام الرأسمالي، بل نضالا تخوضه السوفياتات الصناعية والنقابات الثورية ضد الرأسمالية. ولن يتمكن نضال الجماهير العمالية من اكتساب وحدة عضوية كما لن يمكن مواجهة انقسام الجماهير المسؤولة عنه الاشتراكية-الديمقراطية والقادة النقابيون إلاّ ببناء منظمات صناعية على هذه الشاكلة، وإلاّ عبر ربطها فيما بينها على شكل فروع صناعية ومراكز صناعية. إن السوفياتات الصناعية سوف تنجز هذه المهمة فقط إذا ولدت أثناء النضال من أجل أهداف اقتصادية مشتركة بالنسبة لأوسع الجماهير العمالية وفقط إذا خلقت ارتباط بين كل الأقسام الثورية من البروليتاريا: الحزب الشيوعي، والعمال الثوريين وكل النقابات السائرة في طريق التطور الثوري.
وكل اعتراض على رفع مطالب جزئية من هذا النوع، وكل اتهام بالإصلاحية تحت حجة هذه النضالات الجزئية، ينبعان من عدم القدرة نفسها على فهم الشروط الحية للنشاط الثوري التي ظهرت سابقا في معارضة بعض المجموعات الشيوعية للمشاركة في النقابات ولاستخدام البرلمانية. إن الأمر لا يتعلق أبدا بالاقتصار على تبشير البروليتاريا دائما بالأهداف النهائية بل بتطوير نضال ملموس بإمكانه وحده أن يقودها إلى النضال من أجل هذه الأهداف النهائية. إن هذه الاعتراضات على المطالب الجزئية تفتقد إلى أي أساس، وهي غريبة عن متطلبات الحياة الثورية. وهذا يبرز، بشكل خاص، في واقع أنه حتى المنظمات الصغيرة التي أسسها الشيوعيون الموصوفون باليساريين، على أنها ملاجئ للعقيدة الخالصة، وجدت نفسها مضطرة لأن تضع في الواجهة مطالب جزئية عندما أرادت أن تجذب إلى النضال جماهير عمالية أكبر عددا من تلك المجتمعة حولها، أو عندما تريد أن تشارك في نضالات الجماهير الشعبية الواسعة كي تتمكن من ممارسة تأثيرها عليها.
ترتكز الطبيعة الثورية للمرحلة الحالية، تحديدا، على التالي: وهو أن الشروط المعيشية الأكثر تواضعا للجماهير العمالية تتعارض مع وجود المجتمع الرأسمالي، وأنه لهذا السبب يتخذ النضال حتى من أجل المطالب الأكثر تواضعا أبعاد نضال من أجل الشيوعية.
وفيما يستفيد الرأسماليون من جيش العاطلين عن العمل المتنامي باستمرار من أجل ممارسة الضغط على العمل المنظّم بهدف خفض الأجور، يتحول الاشتراكيون-الديمقراطيون والمستقلون والقادة الرسميون للنقابات بجبن عن العاطلين عن العمل، ويعتبرونهم ببساطة كرعايا للإحسان الحكومي والنقابي، ويصفونهم سياسيا بأنهم بروليتاريا رثة. على الشيوعيين أن يعوا أن جيش العاطلين عن العمل يشكل في الظروف الحالية عاملا ثوريا عظيم الأهمية. وأن قيادة هذا الجيش تقع على عاتق الشيوعيين، وعبر الضغط الذي يمارسه العاطلون عن العمل على النقابات يجب على الشيوعيين أن يسرّعوا تجديد النقابات، وبالدرجة الأولى تحريرها من تأثير القادة الخونة. إن الحزب الشيوعي، بتوحيده العاطلين عن العمل مع طليعة البروليتاريا في النضال من أجل الثورة الاشتراكية، سوف يمسك العناصر الأكثر ثورية والأكثر نفاد صبر من العاطلين عن العمل عن القيام بتصرفات يائسة معزولة، ويمكّن كل الجماهير من أن تدعم ضمن شروط ملائمة الهجمة التي تبدأها مجموعة من البروليتاريين، وتتولى تطوير هذا الصراع ليتخطى الأطر المعطاة وتجعل منه نقطة الانطلاق لهجمة حازمة، وباختصار، سوف يحوّل كل هذا الجمهور، ومن جيش احتياط للصناعة سوف يجعله جيشا نشطا للثورة.
إن الأحزاب الشيوعية إذ تتولى الدفاع الأكثر عزما عن هذه الفئة من العمال وإذ تغوص في أعماق الطبقة العاملة فهي لا تمثل مصالح شريحة عمالية ضد شريحة أخرى، إنها تمثل بذلك المصلحة المشتركة للطبقة العاملة التي خانها القادة المعادون للثورة لحساب المصالح الآنية للأرستقراطية العمالية: كلما اتسعت شريحة العاطلين عن العمل والشغيلة بدوام جزئي، وكلما تحولت مصالحها إلى المصلحة المشتركة للطبقة العاملة كلما وجب إخضاع المصالح العارضة للأرستقراطية العمالية لهذه المصالح المشتركة. إن وجهة النظر التي تستند إلى مصالح الأرستقراطية العمالية من أجل استخدامها كسلاح ضد العاطلين عن العمل أو من أجل ترك هؤلاء الأخيرين يواجهون مصيرهم تمزّق الطبقة العاملة وهي معادية للثورة في الواقع. ولا يمكن أن يكتفي الحزب الشيوعي كممثل للمصلحة العامة للطبقة العاملة بالاعتراف بهذه المصلحة المشتركة في دعاوته. إنه لا يستطيع أن يمثل هذه المصلحة المشتركة بشكل فعال إلاّ إذا قاد أوسع الجماهير العمالية الأكثر اضطهادا وإفقارا في ظروف محددة، في معركة ضد المقاومة التي تبديها الأرستقراطية العمالية.

6 - الإعداد للنضال
إن طابع المرحلة الانتقالية يجعل من واجب كل الأحزاب الشيوعية أن ترفع روحها القتالية إلى أعلى درجة. فكل معركة معزولة يمكن أن تؤدي إلى معركة من أجل السلطة. ولا يستطيع الحزب الشيوعي أن يحصل على هذه الحيوية الضرورية إلاّ إذا أعطى دعاوته بمجملها طابعا هجوميا متقدا ضد المجتمع الرأسمالي. وإذا عرف أن يرتبط بهذا التحضير بأوسع جماهير الشعب، وإذا عرف أن يكلمها بطريقة تجعلها تكتسب القناعة بأن تكون تحت قيادة طليعة تناضل بشكل حقيقي من أجل السلطة. ولا ينبغي أن تكون صحافة الحزب الشيوعي وبياناته منشورات أكاديمية تسعى لأن تثبت نظريا صحة الشيوعية، بل يجب أن تكون صرخات دعوة للثورة البروليتارية. ولا ينبغي أن يتجه نشاط الشيوعيين في البرلمانات للنقاش مع العدو أو لإقناعه، بل لفضحه دون تحفظ ولا هوادة ولفضح عملاء البرجوازية، وشدّ عزيمة القتال لدى الجماهير العمالية ودفع الشرائح البرجوازية-الصغيرة، وشبه البروليتارية من الشعب للانضمام إلى البروليتاريا. إن عملنا التنظيمي في النقابات كما في الأحزاب لا يجب أن يهدف إلى بناء آلي وزيادة عددية في صفوفنا، بل يجب أن يكون مشبعا بروح النضالات القادمة. ولن يكون الحزب قادرا على إتمام رسالته في اللحظات التي ستتوفر فيها كل الشروط الضرورية للقيام بنشاطات قتالية أعظم، إلاّ عندما ستتجسد لديه إرادة القتال وذلك في كل تجليات حياته وفي كل أشكاله التنظيمية.
وحيث يمثل الحزب الشيوعي قوة ضخمة، وحيث يصل تأثيره، ما وراء أطر المنظمات الخاصة بالحزب، إلى أوسع الجماهير العمالية، عليه واجب أن يستحث بالعمل الجماهير العمالية إلى المعركة. ولا يمكن أن تكتفي أحزاب جماهيرية كبيرة بانتقاد عجز أحزاب أخرى ومواجهة مطالبها بمطالب شيوعية. فكونها أحزابا جماهيرية، تقع عليها مسؤولية تطوير الثورة. وحيث يصبح وضع الجماهير العمالية غير محتمل أكثر فأكثر، على الأحزاب الشيوعية أن تسعى جهدها لحمل الجماهير العمالية على الدفاع عن مصالحها عبر النضال. وبمواجهة واقع أن الجماهير العمالية في أوروبا الغربية وأميركا منظمة في نقابات وأحزاب سياسية، وحيث لا يمكن الاعتماد، بالتالي، وحتى إشعار آخر، على حركات عفوية إلاّ في حالات نادرة جدا، من واجب الأحزاب الشيوعية، مستخدمة كل تأثيرها في النقابات ومعززة ضغطها على الأحزاب الأخرى التي تستند إلى الجماهير العمالية، أن تسعى لتحقيق اندلاع شامل للمعركة من أجل المصالح المباشرة للبروليتاريا. وإذا كانت الأحزاب غير الشيوعية مجبرة على الاشتراك في هذه المعركة، فإن مهمة الشيوعيين هي في تحضير الجماهير العمالية مسبقا لخيانة محتملة من قبل الأحزاب غير الشيوعية خلال إحدى المراحل اللاحقة للمعركة، وتأزيم الوضع قدر الإمكان ومفاقمته من أجل أن تكون قادرة على مواصلة المعركة، عند الاقتضاء، دون الأحزاب الأخرى (أنظر الرسالة المفتوحة للـ V.K.P.D التي يمكن أن تخدم كنقطة انطلاق نموذجية لأعمال أخرى). وإذا كان ضغط الحزب الشيوعي في النقابات والصحافة غير كاف من أجل دفع البروليتاريا للانخراط في المعركة على قاعدة جبهة متحدة فمن واجب الحزب الشيوعي عندئذ أن يسعى وحده لدفع أجزاء واسعة من الجماهير العمالية للانخراط في هذه المعركة. وهذه السياسة المستقلة، القائمة على الدفاع عن المصالح الحيوية للبروليتاريا بواسطة جناحها الأكثر وعيا ونشاطا، لن تتوج بالنجاح، ولن تنجح في تحريك الجماهير المتخلفة إلاّ إذا كانت أهداف المعركة المنبثقة من الوضع الملموس، في متناول فهم أوسع الجماهير، وإذا رأت هذه الجماهير في هذه الأهداف أهدافها الخاصة، دون أن تكون قادرة بعد على المحاربة من أجلها.
لا يجب أن يكتفي الحزب الشيوعي مع ذلك بالدفاع عن البروليتاريا ضد الأخطار التي تتهددها وتدارك الضربات الموجهة للجماهير العمالية. فالحزب الشيوعي هو، في مرحلة الثورة العالمية وانطلاقا من جوهره بالذات، حزب صدامي، حزب هجوم ضد المجتمع الرأسمالي. ويترتب عليه، ما أن يتخذ صراع دفاعي ضد المجتمع الرأسمالي عمقا واتساعا، أن يحوّله إلى هجوم. وعلى الحزب الشيوعي بالإضافة إلى ذلك واجب أن يبذل كل جهده من أجل قيادة الجماهير العمالية دفعة واحدة إلى هذا الهجوم حيث تكون الشروط المؤاتية متوفرة.
إن من يعارض مبدئيا سياسة الهجوم ضد المجتمع الرأسمالي، إنما ينتهك التوجيهات الشيوعية.
وتقوم هذه الشروط أولا على احتدام الصراعات في معسكر البرجوازية نفسها في الإطارين القومي والعالمي. وإذا كانت صراعات البرجوازية الداخلية قد اتخذت أبعاداً يمكن على أساسها التوقع بأن الطبقة العاملة ستكون بمواجهة قوة عدوة مجزأة ومقسمة فعلى الحزب أن يبادر بعد إعداد دقيق في المجال السياسي وإذا أمكن في مجال التنظيم الداخلي، إلى قيادة الجماهير إلى المعركة.
أمّا الشرط الثاني للقيام بإغارات وهجمات على جبهة واسعة، فهو التخمر الواسع الحاصل في الفئات الحاسمة من الطبقة العاملة، تخمر يسمح بالتوقع بأن الطبقة العاملة ستكون جاهزة للنضال على كل الجبهات ضد الحكومة الرأسمالية. وإذا كان من الملح عندما تنمو الحركة اتساعا، أن تزداد حدة شعارات المعركة، فعلى القادة الشيوعيين أيضا عندما تتخذ الحركة مسارا تراجعيا أن يسحبوا الجماهير المقاتلة من المعركة بأقصى تنظيم وتماسك.
وتتوقف مسألة معرفة ما إذا كان على الحزب الشيوعي أن يستخدم الهجوم أو الدفاع على الظروف الملموسة. فالأساس أن يكون مشبعا بروح قتالية وأن يتغلب على هذه السلبية الوسطية التي تسقط بالضرورة دعاوة الحزب نفسها في الروتين نصف الإصلاحي. إن هذا الاستعداد الدائم للمعركة، يجب أن يشكّل خاصية الأحزاب الشيوعية الكبيرة، ليس فقط لأنه يقع عليها كأحزاب جماهيرية عبء المعركة، بل أيضا بسبب الوضع الحالي بمجمله: تفكك الرأسمالية والإفقار المتزايد للجماهير. وينبغي اختصار مرحلة التفكك هذه إذا كنا لا نريد إعدام كل الأسس المادية للشيوعية وتحطيم كل طاقة الجماهير العمالية خلال هذه المرحلة.

7 - دروس تحرك آذار (مارس)
لقد كان تحرك آذار/مارس صراعا فرضته على الحزب الشيوعي الألماني الموحد هجمة الحكومة على البروليتاريا في ألمانيا الوسطى.
وقد ارتكب الحزب الشيوعي الموحد، خلال هذه المعركة الأولى الكبرى التي كان عليه أن يخوضها بعد تشكيله، سلسلة أخطاء كان الخطأ الأساسي بينها أنه بدل أن يبرز وبصورة واضحة الطابع الدفاعي لهذا النضال أعطى بدعوته إلى الهجوم أعداء البروليتاريا عديمي الذمة، البرجوازية والحزب الاشتراكي-الديمقراطي والحزب المستقل حجة كي يتهموا الحزب الموحد أمام البروليتاريا بأنه محرّض على الإنقلاب. وقد جرى تضخيم هذا الخطأ من قبل عدد من رفاق الحزب، الذين قدّموا الهجوم على أنه الطريقة الأساسية لنضال الحزب الشيوعي الألماني الموحد في الوضع الحالي. ولكن الهيئات الرسمية في الحزب من مثل رئيسه الرفيق براندلر، احتجت على هذه الأخطاء.
يعتبر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية تحرك آذار/مارس للحزب الشيوعي الألماني الموحد خطوة إلى الأمام. ويرى المؤتمر أن الحزب الشيوعي الموحد سيكون قادرا أكثر على تنفيذ تحركاته الجماهيرية بنجاح بقدر ما سيعرف في المستقبل أن يكيّف شعاراته القتالية بشكل أفضل مع الوضع الفعلي، ويدرس هذا الوضع بعناية أكبر، ويتصرف بوحدة أكبر.
على الحزب الشيوعي الألماني الموحد، من ضمن الاهتمام بالتقدير الدقيق لإمكانات النضال، أن يأخذ بالاعتبار الوقائع والانعكاسات باهتمام ويزن بعناية صحة الآراء التي تشير إلى صعوبات العمل ولكن في اللحظة التي تقرر فيها السلطات الحزبية عملا معينا على كل الرفاق أن يخضعوا لقرارات الحزب وينفذوا هذه الأعمال، ولا يمكن نقد هذه الأعمال إلا عند انتهائها، ولا ينبغي أن يطرح هذا النقد إلاّ داخل الحزب وهيئاته على أن يؤخذ بالاعتبار الوضع الذي يجد الحزب نفسه فيه بالنسبة للعدو الطبقي.
ولأن الرفيق ليفي قد استخف بالمتطلبات البديهية للانضباط والشروط الموضوعة لانتقاد الحزب، فإن المؤتمر يصادق على طرده من الحزب ويعتبر كل تعامل سياسي معه من جانب أعضاء الأممية الشيوعية غير مقبول.

8 - شكل النضال المباشر وأساليبه
تتوقف أشكال النضال وأساليبه وأبعاده، كما مسألة الهجوم أو الدفاع، على عدة شروط لا يمكن أن تصاغ اعتباطيا، فقد أظهرت التجارب السابقة للثورة أشكال عمل جزئية مختلفة:
.1- أعمال جزئية لشرائح معزولة من البروليتاريا، تحرك عمال المناجم، وعمال السكك الحديدية الخ (في ألمانيا، وفي إنكلترا، تحرك العمال الزراعيين، الخ..).
.2- أعمال جزئية لمجمل العمال من أجل أهداف محدودة (التحرك خلال أيام كاب، تحرك عمال المناجم الإنكليز ضد التدخل العسكري للحكومة الإنكليزية خلال الحرب الروسية-البولندية).
على صعيد إقليمي، يمكن أن تشمل هذه النضالات الجزئية مناطق معزولة أو بلدانا بأكملها، أو عدة بلدان في وقت واحد.
كان تحرك آذار/مارس نضالا بطوليا خاضه مئات آلاف البروليتاريين ضد البرجوازية. ويثبت الحزب الشيوعي الألماني الموحد بوقوفه بقوة على رأس الدفاع عن العمال في ألمانيا الوسطى أنه حزب البروليتاريا الثورية الألمانية حقا.
ومقضيّ على جميع أشكال المعركة هذه أن تتعاقب تكرارا خلال الثورة. وبالطبع، لا يمكن أن يرفض الحزب الشيوعي التحركات الجزئية المحدودة جغرافيا ولكن جهوده ينبغي أن تتجه إلى تحول كل معركة محلية أكثر أهمية إلى نضال شامل للبروليتاريا. ومثلما يتعين عليه، من أجل الدفاع عن العمال الذين يقاتلون في أحد فروع الصناعة، أن يدعو الطبقة العاملة بمجملها لمساندتهم، فإنه مجبر أيضا، من أجل الدفاع عن العمال الذين يقاتلون من أجل مطلب معين، أن يستنفر قدر الإمكان العمال في المراكز الصناعية الأخرى. وتظهر تجربة الثورة أنه كلما كان ميدان المعركة أكبر، كلما كانت آفاق الانتصار أكبر. فإن البرجوازية في نضالها ضد الثورة العالمية التي تتطور، تستند من جهة لمنظمات الحرس الأبيض ومن جهة ثانية إلى التفتت الحقيقي للطبقة العاملة والبطء الحقيقي في تشكيل الجبهة البروليتارية. وكلما كانت جماهير البروليتاريا التي تدخل المعركة أكبر، وكلما كان ميدان المعركة أكبر ـ كلما كان على العدو أن يقسّم قواه ويشتتها وحتى لو هرعت الأجزاء الأخرى من الطبقة العاملة لنجدة جزء من البروليتاريا في موقف سيئ ولم تكن قادرة في هذه اللحظة على تجنيد مجموع قواها من أجل دعمها. فإن مجرد تدخلها يجبر الرأسماليين على شق قواهم العسكرية، لأنهم لا يستطيعون معرفة أي امتداد وأي اندفاع ستتخذهما مشاركة بقية البروليتاريا في المعركة.
في مجرى السنة الماضية التي شاهدنا خلالها هجمة تتعاظم بشكل متزايد لرأس المال ضد العمل، رأينا في الوقت نفسه، وفي جميع البلدان، البرجوازية غير الراضية عن عمل هيئاتها السياسية تنشئ منظمات حرس أبيض، شرعية أو نصف شرعية ولكن دائما تحت حماية الدولة وتلعب دورا حاسما في كل صدمة اقتصادية وسياسية كبرى.
في ألمانيا، هناك الأورغيش التي تدعمها الحكومة، والتي تضم أحزابا من شتى التلاوين بدءا بستينز وصولا إلى شيدمان.
وفي إيطاليا، هناك الفاشيون، الذين غيّرت مآثرهم البطولية كقُطّاع طرق الاستعداد الذهني للبرجوازية وخلقت الوهم بتحول كامل في ميزان القوى بين القوى السياسية.
وفي إنكلترا، توجهت حكومة لويد جورج، من أجل مواجهة خطر الإضراب، إلى المتطوعين الذين مهمتهم «حماية الملكية وحرية العمل»، تارة للحلول محل المضربين وطورا لتحطيم منظماتهم.
وفي فرنسا، تقود الجريدة شبه الرسمية «الوقت»، التي تلهمها زمرة ميللران، حملة نشطة لصالح تطور «الروابط الوطنية» الموجودة سابقا وغرس الأساليب الفاشية على الأرض الفرنسية.
وقد امتلكت منظمات كاسري الإضرابات والقتلة، الذين كانوا يكملون دائما نظام الحرية الأميركية، هيئة قيادية تحت شكل الفيلق الأميركي الذي استمر بعد الحرب.
إن البرجوازية التي تعتمد على قوتها وتفاخر بصلابتها تعرف جيدا، بشخص حكامها، أنها لا تحصل بذاك إلاّ على لحظة استراحة، وأنه في الظروف الحالية يملك كل إضراب كبير ميلا لأن يتحول إلى حرب أهلية وإلى نضال مباشر من أجل السلطة.
في نضال البروليتاريا ضد هجمة رأس المال، من واجب الشيوعيين ليس فقط أن يحتلوا المواقع الأولى وأن يقوموا بتربية المقاتلين على فهم الأهداف الأساسية التي يجب تحقيقها بواسطة الثورة، بل أيضا أن يستندوا إلى العناصر الأفضل والأكثر نشاطا في المشروعات والنقابات من أجل خلق جيشهم العمالي الخاص ومنظماتهم القتالية الخاصة للتصدي للفاشيين، ومن أجل جعل أبناء الذوات البرجوازيين يتخلون عن عادتهم بشتم المضربين.
ونظرا للأهمية الاستثنائية للزمر الهجومية المعادية للثورة، يجب على الحزب الشيوعي والأندية الشيوعية في النقابات أن تعير أكبر اهتمام لمسألة جهاز الارتباط والاستقصاء، وممارسة الرقابة الثابتة على أجهزة الصراع، وقوات الحرس الأبيض، وهيئات الأركان، ومستودعات الأسلحة لديها، وارتباط كوادرها بالبوليس والصحافة والأحزاب السياسية، والإعداد المسبق لكل الخصوصيات الضرورية للدفاع والهجوم المضاد.
وعلى هذا الشكل ينبغي للحزب الشيوعي أن يرسخ في ذهن أوسع شرائح البروليتاريا فعلا وقولا، فكرة أن كل صراع اقتصادي أو سياسي يمكن أن يتحول، في حال توفر الظروف الملائمة، إلى حرب أهلية تكون مهمة البروليتاريا خلالها الاستيلاء على السلطة السياسية.
على الحزب الشيوعي، بمواجهة أفعال الإرهاب الأبيض وهياج كاريكاتور العدالة الخسيس لدى البيض، أن يحافظ باستمرار على هذه الفكرة لدى البروليتاريا، وهي أن لا تُخدع، أثناء الانتفاضة، بدعوات الخصم إلى الليونة، بل على العكس أن تقدم تعبيرا عن العدالة البروليتارية بواسطة أفعال قضاء شعبي منظم، وتصفي حساباتها مع جلادي طبقتها. ولكن في الأوقات التي تكون فيها البروليتاريا في بداية مهمتها، ولا تزال هناك ضرورة لتعبئتها بواسطة التحريض، والحملات السياسية، والإضرابات، فإن استخدام السلاح وأعمال التخريب لا تكون مفيدة إلاّ إذا خدمت في منع نقل القوات المسلحة ضد الجماهير البروليتارية المقاتلة، أو في انتزاع موقع مهم من العدو في النضال المباشر. إن أعمال الإرهاب الفردية، مهما وجب تثمينها عاليا على اعتبار أنها تشكل برهانا على الغليان الثوري وأحد أغراضه، ومهما وجب الدفاع عنها إزاء قانون لينش الخاص بالبرجوازية وخدامها الاشتراكيين-الديمقراطيين، فإنها مع ذلك غير كفيلة إطلاقا برفع مستوى تنظيم البروليتاريا واستعداداتها القتالية، ذلك أنها توقظ لدى الجماهير الوهم بأن أعمالا بطولية معزولة يمكن أن تحل محل النضال الثوري للبروليتاريا.

9 - الموقف تجاه الشرائح الوسطى والبروليتاريا
في أوروبا الغربية لا توجد أي طبقة كبيرة أخرى، عدا البروليتاريا، تستطيع أن تكون عاملا حاسما في الثورة العالمية، كما كانت الحال في روسيا. حيث كانت طبقة الفلاحين معدّة مسبقا، بفعل الحرب وفقدان الأرض، لأن تكون عاملا حاسما في المعركة الثورية إلى جانب الطبقة العاملة.
ولكن في أوروبا الغربية، هناك أجزاء من الفلاحين، وأجزاء واسعة من البرجوازية الصغيرة المدينية، وشريحة واسعة من هذه الطبقة الثالثة الجديدة، التي تضم المستخدمين، الخ. الموضوعين ضمن شروط معيشة لا تحتمل أكثر فأكثر. وتدخل هذه الجماهير تحت ضغط ارتفاع أسعار المعيشة، وأزمة السكن، وعدم استقرار وضعها، في تخمّر يجعلها تخرج من بلادتها السياسية وتنخرط في المعركة الدائرة بين الثورة والثورة المضادة. ويدفع إفلاس الإمبريالية في الدول المهزومة، وإفلاس النزعة السلمية والاتجاهات الاشتراكية-الإصلاحية في معسكر الثورة المضادة المعلنة في البلدان المنتصرة، يدفع جزءا من الشرائح الوسيطة إلى معسكر الثورة. وينبغي أن يعير الحزب الشيوعي انتباهه لهذه الشرائح بشكل دائم.
إن كسب الفلاح الصغير إلى الأفكار الشيوعية وكسب العامل الزراعي وتنظيمه، هو أحد أكثر الشروط التمهيدية أساسية من أجل انتصار دكتاتورية البروليتاريا، لأنه يسمح بنقل الثورة من المراكز الصناعية إلى الأرياف، ويخلق لها نقاط الارتكاز الأكثر أهمية من أجل حل مسألة التموين، التي تشكل المسألة الحيوية في الثورة.
إن كسب حلقات واسعة من مستخدمي التجارة والصناعة ومن الموظفين الصغار والمتوسطين ومن المثقفين يسهّل على دكتاتورية البروليتاريا، خلال مرحلة الانتقال بين الرأسمالية والشيوعية، حل قضايا التقنية وتنظيم الصناعة، والإدارة الاقتصادية والسياسية. إنه سيبعث البلبلة في صفوف العدو ويوقف عزلة البروليتاريا عن الرأي العام.
ينبغي أن تراقب الأحزاب الشيوعية بالشكل الأشد يقظة، اختمار الشرائح البرجوازية الصغيرة؛ وينبغي أن تستخدم هذه الشرائح بالشكل الأكثر ملاءمة، حتى لو لم تتحرر هذه الأخيرة بعد من الأوهام البرجوازية الصغيرة. وينبغي أن تُدخل الأجزاء من المثقفين والمستخدمين التي تخطت هذه الأوهام في الجبهة البروليتارية، وتجعلها تخدم في اجتذاب الجماهير البرجوازية الصغيرة التي تختمر.
ويجبر الانهيار الاقتصادي وتزعزع مالية الدولة الذي نجم عنه البرجوازية نفسها على ترك قاعدة جهازها الحكومي الخاص من المستخدمين الصغار والمتوسطين، عرضة لإفقار متزايد. وتطول الحركات الاقتصادية التي تحدث داخل هذه الشرائح هيكل الدولة البرجوازية مباشرة، وحتى لو توطدت هذه الأخيرة لفترة من الزمن في كل مرة، فسيكون من المستحيل عليها كذلك أن تؤمن الحياة المادية للبروليتاريا في حين تحافظ في الوقت نفسه على نظام الاستغلال الخاص بها. وإذ تأخذ الأحزاب الشيوعية على عاتقها الدفاع عن المستخدمين المتوسطين والصغار بكل قوة نشاطها، ودون مراعاة وضع مالية الدولة، فإنها تنجز العمل التمهيدي الفعّال من أجل تحطيم المؤسسات الحكومية البرجوازية وتحضير عناصر البناء الحكومي البروليتاري.

10 - التنسيق العالمي للعمل
من أجل استخدام كل قوى الأممية الشيوعية بهدف شق جبهة الثورة المضادة العالمية، والإسراع بانتصار الثورة، يجب بذل أقصى الجهد لإعطاء النضال الثوري قيادة عالمية موحدة.
إن الأممية الشيوعية تفرض على الأحزاب الشيوعية كافة واجب تقديم الدعم المتبادل الأكثر حزما أثناء المعركة وتفرض النضالات الاقتصادية التي تنمو، حيث يكون ذلك ممكنا، تدخّل بروليتاريا البلدان الأخرى. وعلى الشيوعيين أن يعملوا داخل النقابات من أجل أن تمنع هذه الأخيرة، بكل الوسائل، ليس فقط تدخل كاسري الإضراب، بل أن تقاطع أيضا التصدير إلى البلدان حيث يكون جزء هام من البروليتاريا منخرطا في النضال. وفي الحالات التي تتخذ فيها الحكومات الرأسمالية في بلد ما إجراءات عنف ضد بلد آخر لنهبه أو إخضاعه، فواجب الأحزاب الشيوعية ألاّ تكتفي أبدا بالاحتجاجات بل أن تمنع بمختلف الوسائل حملات النهب التي تقوم بها حكوماتها.
ويهنئ المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الشيوعيين الفرنسيين على تظاهراتهم، كما على الشروع بتصعيد نشاطهم بمواجهة دور رأس المال الفرنسي الجشع المعادي للثورة ويذكرهم بواجبهم بأن يعملوا بكل قواهم من أجل أن يتعلم الجنود الفرنسيون في البلدان المحتلة أن يفهموا دورهم كجلادين في خدمة الرأسمال الفرنسي، وأن يثوروا على المهمة المخجلة التي أوكلت إليهم. إنها مهمة الحزب الشيوعي الفرنسي أن يدخل في وعي الشعب الفرنسي أنه بتساهله إزاء تشكيل جيش احتلال فرنسي مشبع بالروحية القومية، إنما يغذّي عدوه الخاص. والجيوش في المناطق المحتلة تتدرب وتكون في ما بعد مستعدة لقمع الحركة الثورية للطبقة العاملة الفرنسية بشكل دموي. ويفرض وجود الجيوش السوداء على أرض فرنسا، وفي المناطق المحتلة، على الحزب الشيوعي مهمات خاصة. فهذا الوجود يمنح الحزب الفرنسي إمكانية الوصول إلى عبيد المستعمرات، وأن يشرح لهم بأنهم يخدمون مستغِليهم وجلاديهم وأن يحثهم على النضال ضد نظام المستعمرين، وأن يصبح، بواسطتهم، على صلة بشعوب المستعمرات الفرنسية.
وعلى الحزب الشيوعي الألماني أن يجعل البروليتاريا الألمانية تفهم، عبر نشاطه، أن أي نضال ضد استغلالها من قبل رأس مال الحلفاء لن يكون ممكنا دون إطاحة الحكومة الرأسمالية الألمانية، التي على الرغم من تشكّيها بصوت عال من الحلفاء، تشكل حاجب رأس مال الدول الحليفة وجلاده. ولن يكون الحزب الشيوعي الألماني الموحد قادرا على تنمية إرادة النضال لدى الجماهير البروليتارية في فرنسا ضد الإمبريالية الفرنسية، إلا إذا أثبت في صراع عنيف ودون هوادة ضد الحكومة الألمانية، أنه لا يبحث عن مخرج للإمبريالية الألمانية المفلسة، بل انه منكب على إزالة ركام الإمبريالية الألمانية من الطريق.
إن الأممية الشيوعية، التي شهّرت، أمام البروليتاريا العالمية، بالمطالبة بتعويضات الحرب من قبل رأسمال الدول الحليفة باعتبارها حملة نهب للجماهير الكادحة في البلدان المهزومة، والتي فضحت محاولات اللونغيين والمستقلين الألمان إعطاء شكل ما لهذا النهب، الذي هو على الأقل موجع جدا للجماهير العمالية، باعتبارها استسلاما جبانا أمام أسماك القرش في بورصة الدول الحليفة، إن الأممية الشيوعية تظهر في الوقت نفسه للبروليتاريا الفرنسية والألمانية الطريق الوحيد المؤدي إلى إعادة بناء المناطق المهدمة والتعويض على الأرامل واليتامى، بدعوتها البروليتاريين في البلدين إلى النضال المشترك ضد مستغِليهم.
إن الطبقة العاملة الألمانية لا تستطيع مساندة البروليتاريا الروسية في نضالها الصعب إلاّ إذا سرّعت بنضالها الظافر وحدة روسيا الزراعية مع ألمانيا الصناعية.
وهذا واجب الأحزاب الشيوعية في كل البلدان التي تشارك جيوشها في استعباد تركيا وتجزئتها، أن تستخدم كل الوسائل من أجل تثوير هذه الجيوش.
وعلى الأحزاب الشيوعية في البلدان البلقانية واجب استنفار كل قوى الجماهير التي تؤطرها من أجل ضبط النزعة القومية عبر خلق اتحاد بلقاني شيوعي، وعدم إغفال أي شيء في تقريب لحظة النصر. إن انتصار الأحزاب الشيوعية في بلغاريا والصرب الذي سيؤدي إلى سقوط نظام هورتي البشع، وتصفية إقطاعية الأثرياء الرومانيين، سينشر في أغلبية البلدان المجاورة المتطورة القاعدة الزراعية الضرورية للثورة الإيطالية.
ويبقى دعم روسيا السوفياتية دون تحفظ، كما في السابق، الواجب الأساسي للشيوعيين في كل البلدان. ولا ينبغي أن يقفوا بالشكل الأكثر عزما ضد كل هجوم على روسيا السوفياتية وحسب، بل أن يبذلوا جهدهم أيضا، وبالشكل الأكثر عزما، من أجل إزالة العوائق التي تضعها الرأسمالية أمام علاقات روسيا السوفياتية بالسوق العالمي وكل الشعوب. ويجب أن تنجح روسيا السوفياتية بتصحيح وضعها الاقتصادي، وتخفيف البؤس الكبير الذي سببته ثلاث سنوات من الحرب الإمبريالية وثلاث سنوات من الحرب الأهلية، ويجب أن تنجح في رفع قدرة العمل لدى الجماهير الشعبية، كي تكون قادرة على مساعدة الدول البروليتارية المنتصرة في الغرب وتزويدها بالمؤن والمواد الأولية وحمايتها من الاختناق على يد الرأسمال الأميركي.
ويتمثل دور الأممية الشيوعية، في السياسة الكونية، ليس فقط في تظاهرات بمناسبة أحداث خاصة، بل أيضا في تحسين الارتباط الأممي بين الشيوعيين في نضالهم المشترك الثابت على جبهة غير منقطعة. في أي قطاع من هذه الجبهة سيحدث الاختراق الظافر للبروليتاريا هل في ألمانيا الرأسمالية، ببروليتارياها الخاضعة لاضطهادٍ أقصى من جانب البرجوازية الألمانية وبرجوازيات البلدان المتحالفة، والموضوعة أمام خيار واحد، إمّا الموت أو الإنتصار؟ أو في البلدان الزراعية في الجنوب الشرقي؟ أو في ايطاليا حيث تقويض البرجوازية متقدم جدا؟ لا يمكن قول ذلك مسبقا. إنه واجب الأممية الشيوعية أن تكثف جهودها إلى أبعد الحدود على كل قطاعات الجبهة العالمية للبروليتاريا، وإنه واجب الأحزاب الشيوعية أن تقدم كل ما بوسعها من أجل دعم النضالات الحاسمة لكل قطاع من قطاعات الأممية الشيوعية بكل الوسائل التي تمتلكها. وتتميز هذه الصلة، قبل كل شيء، بأنه عندما تبدأ أزمة كبيرة في بلد ما، على الأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى أن تسعى لشحذ الصراعات الداخلية كافة وإثارتها.




--------------------------------------------------------------------------------

انهيار الأممية الثانية والأممية 2/1 2

كانت السنة الثانية من عمر الأممية الشيوعية شاهدا على السقوط الأكمل للأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية والقادة النقابيين الإصلاحيين، الذين انفضحوا وتعرّوا.
لكن هذه السنة شهدت كذلك محاولتهم التكتل في منظمة واحدة والمبادرة إلى الهجوم على الأممية الشيوعية.
وأظهر قادة حزب العمال والنقابات في إنكلترا خلال إضراب عمال المناجم أنهم لا يهدفون إلا إلى أن يبلبلوا بصورة واعية الجبهة البروليتارية التي في طور التشكل، ويدافعوا بوعي عن الرأسماليين ضد العمال. إن انهيار الحلف الثلاثي يقدم الدليل على أن القادة النقابيين الإصلاحيين ليسوا مستعدين حتى للنضال من أجل تحسين وضع البروليتاريا في إطار الرأسمالية.
وفي ألمانيا، أثبت الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الذي خرج من الحكومة، أنه عاجز حتى عن القيام بمعارضة دعاوية، كالتي قامت بها الاشتراكية-الديمقراطية القديمة قبل الحرب. وعند كل حركة معارضة، كان الحزب منشغلا فقط بعدم إثارة أي نضال للطبقة العاملة. وعلى الرغم من وجوده المزعوم في المعارضة داخل الرايخ، فقد نظم الحزب الاشتراكي-الديمقراطي في بروسيا حملة الحرس الأبيض ضد عمال المناجم في ألمانيا الوسطى، من أجل دفعهم إلى الكفاح المسلح، كما أعلن ذلك بنفسه، قبل أن تنتظم صفوف الشيوعيين من أجل المعركة. وإزاء استسلام البرجوازية الألمانية أمام الحلفاء، وإزاء هذا الواقع البديهي المتمثل بأن البرجوازية لا تتمكن من تنفيذ الشروط التي وضعها الحلفاء، إلا إذا جعلت حياة البروليتاريا الألمانية لا تحتمل أبدا، دخلت الاشتراكية-الديمقراطية من جديد إلى الحكومة من أجل مساعدة البرجوازية على تحويل البروليتاريا الألمانية إلى قطيع من الرقيق.
وفي تشيكوسلوفاكيا قامت الاشتراكية-الديمقراطية بتعبئة الجيش والشرطة من أجل نزع ملكية العمال الشيوعيين لبيوتهم ومؤسساتهم.
وساعد الحزب الاشتراكي البولندي، بتكتيكه الكاذب بيلسودسكي على تنظيم حملة اللصوصية التي قام بها ضد روسيا السوفياتية. ويساعد حكومته على رمي آلاف العمال في السجون عن طريق سعيه لطردهم من النقابات، حيث يجمعون عددا متزايدا باستمرار من الجماهير إلى جانبهم على الرغم من التنكيل.
ويبقى الاشتراكيون-الديمقراطيون البلجيكيون في حكومة تشارك في إخضاع الشعب الألماني بشكل كامل للعبودية.
ولا تظهر أحزاب ومجموعات الأممية 2/1 2 الوسطية اقل قبحا من الأحزاب المعادية للثورة.
يرفض المستقلون الألمان بفظاظة دعوة الحزب الشيوعي للقيام بنضال مشترك ضد تفاقم وضع الطبقة العاملة، على الرغم من الخلافات المبدئية. وخلال أيام آذار/مارس انحازوا بصورة واعية إلى حكومة الحرس الأبيض ضد العمال في ألمانيا الوسطى، ليعودوا في ما بعد، بعد أن ساعدوا في انتصار الإرهاب الأبيض، وبعد أن شهّروا بالصفوف المتقدمة من البروليتاريا أمام الرأي العام البرجوازي باعتبارها بروليتاريا النهابين وقطاع الطرق، يشتكون بخبث من هذا الإرهاب الأبيض نفسه. وعلى الرغم من تعهدهم في مؤتمر هال بدعم روسيا السوفياتية، يقود المستقلون في صحافتهم حملة افتراءات على الحكومة السوفياتية في روسيا. ويدخلون في صفوف الثورة المضادة الروسية في أكملها مع فرانجل وميليوكوف وبورتسيف، بدعمهم انتفاضة كرونشتاد ضد جمهورية السوفياتات، انتفاضة أظهرت بدايات تكتيك جديد للثورة المضادة العالمية ضد روسيا السوفياتية: إطاحة الحزب الشيوعي الروسي، روح الجمهورية السوفياتية وقلبها وعامودها الفقري وجهازها العصبي، من أجل قتل هذه الأخيرة ولكي لا يكون عليهم في ما بعد إلاّ تكنيس جثتها.
ويشارك في هذه الحملة إلى جانب المستقلين الألمان اللونغيون الفرنسيون، ويتحالفون بذلك علنا مع الثورة المضادة الفرنسية التي دشنت هذا التكتيك الجديد تجاه روسيا.
إن سياسة مجموعات الوسط وسيراتي وآراغونا، سياسة التراجع أمام كل نضال أفعمت البرجوازية في إيطاليا بشجاعة جديدة وأعطتها إمكانية السيطرة على الحياة الإيطالية بأكملها عن طريق العصابات الفاشية البيضاء.
لقد توحدت الأحزاب الوسطية في شباط/فبراير في جمعية أممية مستقلة ببرنامج سياسي وأنظمة داخلية خاصة. وتحاول الأممية 2/1 2 هذه أن تتذبذب على الورق بين شعاري الديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا. وعمليا لا تساند الطبقة الرأسمالية في كل بلد وحسب بزرعها روح التردد لدى الطبقة العاملة، بل إنها، أمام الدمار الذي راكمته البرجوازية العالمية، وأمام خضوع جزء من العالم لإرادة الدول الرأسمالية الحليفة المنتصرة، تقدم نصائح للبرجوازية من أجل تحقيق خطتها للنهب دون أن تطلق القوى الثورية للجماهير البروليتارية. وتتميز الأممية 2/1 2 عن الأممية الثانية فقط بأنها إلى الخوف المشترك من قوة رأس المال الذي يجمع الإصلاحيين مع الوسطيين، تجمع الخوف، إن هي صاغت وجهة نظرها بوضوح، من أن تخسر تأثيرها على الجماهير التي لا زالت مترددة، لكنها ذات شعور ثوري. وتجد الهوية السياسية الأساسية للإصلاحيين والوسطيين تعبيرها في دفاعهم بشكل مشترك عن أممية أمستردام النقابية، التي تشكل معقلا أخيرا للبرجوازية العالمية. ويثبت الوسطيون مثلهم مثل الاشتراكيين-الديمقراطيين باتحادهم، في كل مكان يملكون فيه تأثيرا على النقابات، مع الإصلاحيين والبيروقراطية النقابية من أجل محاربة الشيوعيين، وبإجابتهم عن محاولات تثوير النقابات بطرد الشيوعيين، وشق النقابات، أنهم الأعداء الحازمون لنضال البروليتاريا ومساعدو الثورة المضادة.
ينبغي أن تقود الأممية الشيوعية، كما فعلت حتى الآن، النضال الأكثر حزما ليس فقط ضد الأممية الثانية وضد أممية أمستردام النقابية، بل أيضا ضد الأممية 2/1 2. وفقط عبر هذا النضال الذي لا هوادة فيه والذي يظهر يوميا للجماهير أنه ليس لدى الاشتراكيين الديمقراطيين أدنى نية للنضال من أجل إنزال الهزيمة بالرأسمالية، كما لا ينوون حتى النضال لأجل الحاجات الأبسط والأكثر مباشرة لدى الطبقة العاملة، عبر هذا النضال فقط، يمكن للأممية الشيوعية أن تزيل تأثير عملاء البرجوازية هؤلاء على الطبقة العاملة.
من أجل قيادة هذا النضال نحو النصر، يجب أن تخنق الأممية الشيوعية في المهد كل ميل وكل منفذ وسطي داخل صفوفها، وأن تثبت بعملها اليومي أنها أممية النشاط الشيوعي لا أممية الجملة والنظرية الشيوعيتين. إن الأممية الشيوعية هي التنظيم البروليتاري الوحيد المهيأ، انطلاقا من مبادئه، لأن يقود النضال ضد الرأسمالية. وينبغي أن تعزز كذلك تماسكها الداخلي وقيادتها الأممية، وعملها، كي تتمكن من بلوغ الأهداف التي وضعتها في أنظمتها الداخلية: «تنظيم الأعمال المشتركة للبروليتاريين في مختلف البلدان، الذين يسعون إلى الهدف المشترك: إطاحة الرأسمالية، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا والجمهورية السوفياتية الأممية.».


--------------------------------------------------------------------------------

قرار حول تقرير اللجنة التنفيذية
يأخذ المؤتمر، بارتياح، علما بتقرير اللجنة التنفيذية، ويسجل أن سياسة اللجنة التنفيذية ونشاطها خلال العام المنصرم كانا منصبّين على تنفيذ قرارات المؤتمر الثاني. ويمتدح المؤتمر بشكل خاص تطبيق اللجنة التنفيذية في مختلف البلدان الشروط الأحد والعشرين التي صاغها المؤتمر الثاني. ويمتدح أيضا عمل اللجنة التنفيذية الهادف إلى تشجيع تشكيل أحزاب شيوعية جماهيرية كبرى والنضال الحازم ضد الاتجاهات الانتهازية التي ظهرت داخل هذه الأحزاب.
في إيطاليا يُظهر الموقف الذي اتخذته مجموعة القادة المحيطين بسيراتي، بعد المؤتمر العالمي الثاني مباشرة، أنه لم تكن لديها جديا إرادة تنفيذ قرارات المؤتمر العالمي والأممية الشيوعية، غير أن ما أظهر بوضوح أن مجموعة القادة هذه تريد الاستفادة من الشيوعية كراية تخفي تحتها سياستها الانتهازية، كان بشكل خاص الدور الذي لعبته خلال نضالات أيلول/سبتمبر، وموقفها في ليفورن، وأكثر من ذلك أيضا السياسة التي اتبعتها منذ ذلك الحين. ضمن هذه الشروط، لم يكن من الممكن تفادي الانشقاق. ويقر المؤتمر التدخل الحازم والصلب للتنفيذية في هذه الحالة، الذي تعتبره الأممية الشيوعية ذا أهمية مبدئية. ويؤيد قرار اللجنة التنفيذية الذي اعترف آنذاك مباشرة بالحزب الشيوعي الإيطالي كفرع شيوعي وحيد في هذا البلد.
وإذ يثبّت المؤتمر الثالث القرارات التي انتسب الحزب الاشتراكي الإيطالي بموجبها إلى الأممية الثالثة، هذه القرارات التي قبل بمبادئها الأساسية دون تحفظ، يعترض على طرد هذا الحزب من ألأممية الشيوعية ـ وهو طرد تم إبلاغه به بواسطة ممثل اللجنة التنفيذية، على اثر خلافات في وجهات النظر في تقويم قضايا محلية وتفاصيل كان يمكن وينبغي تذليلها عن طريق توضيحات ودية وتفاهم أخوي.
وإذا يثبِّت انتسابه التام والكامل للأممية الثالثة، يعلن احتكامه إلى المؤتمر القادم لهذه الأممية من أجل حل النزاع، ويتعهد من الآن بأن يخضع لقرارها وينفذه.
إثر خروج الشيوعيين من مؤتمر ليفورن، تبنى المؤتمر القرار التالي الذي قدمه الرفيق بنتيفو غليو:
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية مقتنع بأن هذا القرار قد فرضه على مجموعة سيراتي العمال الثوريون. وينتظر المؤتمر أن تبذل العناصر الثورية والبروليتارية كل جهدها، اثر قرارات المؤتمر العالمي الثالث، لتنفيذ هذه القرارات.
وجوابا عن دعوة مؤتمر ليفورن يعلن المؤتمر العالمي بوضوح:
طالما أن الحزب الاشتراكي الإيطالي لم يطرد أولئك الذين شاركوا في كونفرانس ريجيو آميليا والذين يدعمونهم، فإن الحزب الاشتراكي الإيطالي لا يمكن أن ينتمي إلى الأممية الشيوعية.
إذا ما تم تنفيذ هذا الشرط المسبق، والذي يشكل إنذارا نهائيا، فإن المؤتمر العالمي يكلف اللجنة التنفيذية القيام بالمساعي المفيدة من أجل توحيد الحزب الاشتراكي الإيطالي، مطهَّرا من العناصر الإصلاحية، والحزب الشيوعي الإيطالي في فرع موحد للأممية الشيوعية.
.2- في ألمانيا، عقد مؤتمر الحزب الاشتراكي المستقل في هال على اثر قرارات المؤتمر العالمي الثاني الذي وضع كشف حساب عن تطور الحركة العمالية، وكان يتجه تدخل التنفيذية لتشكيل قوي لحزب شيوعي في ألمانيا، وقد أظهرت التجربة أن هذه السياسة كانت صحيحة.
ويقر المؤتمر موقف التنفيذية بشكل كامل من الأحداث اللاحقة التي جرت داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحد. وينتظر المؤتمر أن تطبق اللجنة التنفيذية في المستقبل مبادئ الانضباط الثوري الأممي.
.3- إن قبول الحزب الشيوعي العمالي الألماني، كحزب نصير للأممية الشيوعية، يهدف لضمان تطور الحزب باتجاه الأممية الشيوعية عبر هذه التجربة. لقد كانت المرحلة المنصرمة مقنعة بشكل كاف بهذا الصدد. وقد آن الأوان للطلب إلى الحزب الشيوعي العمالي الألماني، أن ينتسب، ضمن مهلة محددة، إلى الحزب الشيوعي، أو يتقرر، في الحالة المقابلة، طرده من الأممية الشيوعية كحزب نصير.
.4- يقر المؤتمر الطريقة التي طبقت بها اللجنة التنفيذية الشروط الأحد والعشرين على الحزب الشيوعي الفرنسي، والتي سمحت بسحب جماهير عمالية واسعة متجهة نحو الشيوعية من تحت تأثير الانتهازيين اللونغيين والوسطيين وبتسريع هذا التطور. وينتظر المؤتمر أن تساهم التنفيذية أيضا في المستقبل بتطوير الحزب بهدف تعزيز وضوح مبادئه وقوته النضالية.
.5- وفي تشيكوسلوفاكيا، تابعت اللجنة التنفيذية بصبر، آخذة بالاعتبار الوضع بمجمله، التطور الثوري لبروليتاريا سبق أن قدمت إثباتات على إرادتها وقدرتها على القتال. ويقر المؤتمر قرار اللجنة التنفيذية بالسهر على التطبيق الكامل للشروط الأحد والعشرين على الحزب التشيكوسلوفاكي أيضا، وبأن تجتهد خلال مهلة قصيرة في بناء حزب شيوعي حازم. وهناك ضرورة لتحقيق النضال المنظم، بأقصى سرعة ممكنة، من أجل الاستيلاء على النقابات وتوحيدها الأممي.
«ويقر المؤتمر عمل التنفيذية في الشرقين الأدنى والأقصى ويحيي بداية الدعاوة النشطة للتنفيذية في هذه البلدان. ويعتبر المؤتمر أنه من الضروري أيضا تكثيف العمل التنظيمي».
وأخيرا، يرفض المؤتمر الحجج التي يطرحه الأعداء المعلنون أو المقنَّعون للشيوعية ضد المركزة العالمية للحركة الشيوعية. انه يعتبر على العكس أن الأحزاب الشيوعية، المرتبطة بشكل لا تنفصم عراه، بحاجة لقيادة سياسية مركزية تمتلك مبادرة وطاقة أكبر أيضا، وهذا ما يمكن أن يؤمنه إرسال أفضل عناصر هذه الأحزاب إلى اللجنة التنفيذية. وهكذا مثلا فإن تدخل التنفيذية في مسألة العاطلين عن العمل والتعويضات لم يكن سريعا وفعالا بشكل كاف. وينتظر المؤتمر أن تحسِّن التنفيذية، مدعومة بتنسيق وطيد بين الأحزاب المنتسبة، نظام الاتصال مع الأحزاب. إن المشاركة القوية لمندوبي الأحزاب في التنفيذية سوف يسمح لها بأن تضطلع بالمهام المتزايدة التي يترتب عليها القيام بها، وذلك بصورة أفضل مما كانت عليه الحال إلى الآن.



--------------------------------------------------------------------------------

موضوعات حول بنية الأحزاب الشيوعية وأساليبها وعملها
1 - عموميات
.1- ينبغي أن يكون تنظيم الحزب متكيفا مع شروط نشاطه وأهداف هذا النشاط. وينبغي أن يكون الحزب طليعة البروليتاريا وجيشها القائد خلال كل مراحل نضالها الطبقي الثوري، وخلال المرحلة الانتقالية اللاحقة نحو تحقيق الاشتراكية، تلك الدرجة الأولى من المجتمع الشيوعي.
.2- ليس هناك شكل تنظيمي ثابت ومناسب بشكل مطلق للأحزاب الشيوعية. فشروط النضال البروليتاري تتحول دون توقف، وانسجاما مع هذه التحولات، يفترض بمنظمات الطليعة البروليتارية أن تستكشف أيضا باستمرار أشكالا جديدة ملائمة. وتحدد الخصوصيات التاريخية لكل بلد أيضا الأشكال التنظيمية الخاصة لمختلف الأحزاب.
غير أن لهذه الاختلافات حدّا معينا. ويشكل تشابه شروط النضال البروليتاري في مختلف البلدان وفي المراحل المختلفة للثورة البروليتارية، على الرغم من الخصوصيات القائمة، واقعا ذا أهمية أساسية بالنسبة للحركة الشيوعية. وهذا التشابه هو الذي يقدم قاعدة مشتركة لتنظيم الأحزاب الشيوعية في البلدان كافة.
وعلى هذه القاعدة ينبغي تطوير الأحزاب الشيوعية، وليس بالاتجاه لتشكيل نوع من حزب نموذجي جديد بدل الحزب الموجود حاليا، أو البحث عن شكل تنظيمي صحيح بشكل مطلق، أو أنظمة داخلية مثالية.
.3- إن واجب النضال ضد البرجوازية المسيطرة إلى الآن، يشكل بالنسبة لأغلبية الأحزاب الشيوعية وكذلك للأممية الشيوعية، باعتبارها تشكل مجموع البروليتاريا في العالم أجمع، الشرط المشترك من شروط نضالها. إن الانتصار على هذه البرجوازية، والاستيلاء على السلطة المنتزعة منها يشكلان الهدف الأساسي الحاسم بالنسبة لهذه الأحزاب وهذه الأممية.
فالأساسي إذا، بالنسبة للعمل التنظيمي للأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية، هو بناء منظمة تجعل من الممكن انتصار الثورة البروليتارية على الطبقات المالكة، وتدعِّم هذه الثورة.
.4- ومن أجل نجاح الأعمال المشتركة هناك ضرورة لقيادة، وهذه الأخيرة ضرورية في المعارك الكبرى في التاريخ العالمي. فتنظيم الأحزاب الشيوعية هو تنظيم القيادة الشيوعية في الثورة البروليتارية.
إن الحزب الشيوعي، كي يحسن توجيه الجماهير، بحاجة هو بالذات لقيادة جيدة. فالمهمة التنظيمية الأساسية التي تقع على عاتقنا هي إذا التالية: تشكيل حزب شيوعي صاف وقيادي بشكل حقيقي، وتنظيمه وتربيته من أجل توجيه الحركة الثورية البروليتارية بشكل فعلي.
.5- تفترض قيادة النضال الاجتماعي الثوري الجمع العضوي، لدى الأحزاب الشيوعية وداخل أجهزتها القيادية، بين أكبر قوة هجومية وأكمل تكيُّف مع الشروط المتغيرة للنضال.
وتفترض القيادة الجيدة بالإضافة إلى ذلك، الارتباط الوثيق جدا بالجماهير البروليتارية. ودون هذا الارتباط، لن تتمكن اللجنة القيادية أبدا من توجيه الجماهير، ولن تتمكن، في أفضل الحالات، أكثر من السير في ذيلها.
ويجب أن تتحقق هذه العلاقات العضوية داخل منظمات الحزب الشيوعي عن طريق المركزية الديمقراطية.

2 - المركزية الديمقراطية
.6- ينبغي أن تكون المركزية الديمقراطية في تنظيم الحزب الشيوعي تأليفا Synthèse حقيقيا واندماجا بين المركزية والديمقراطية البروليتارية. ولا يمكن الوصول إلى هذا الاندماج إلاّ عبر النشاط المشترك الدائم، والنضال المشترك أيضا والدائم لمجموع الحزب.
ولا ينبغي أن تكون المركزية في الحزب الشيوعي شكلية وآلية، ينبغي أن تكون مَرْكَزَة للنشاط الشيوعي، أي تشكيل قيادة قادرة، مستعدة للهجوم، وقادرة في الوقت نفسه على التكيف.
إن أي مركزية شكلية أو آلية لن تكون إلاّ مركزة لـ«السلطة» بين أيدي البيروقراطية بهدف الهيمنة على الأعضاء الآخرين في الحزب، أو الجماهير البروليتارية خارج الحزب. غير أن أعداء الشيوعية وحدهم يستطيعون الادعاء أن الحزب يريد أن يهيمن على البروليتاريا الثورية عبر هذه الوظائف القيادية للنضال البروليتاري وعبر مركزة هذه القيادة الشيوعية. هذا كذب، ويضاف إلى ذلك أن الصراع على السيطرة أو تضاداً في السلطات يتعارض مع المبادئ التي تبنتها الأممية الشيوعية بالنسبة للمركزة الديمقراطية .
لقد تطورت في منظمات الحركة العمالية القديمة غير الثورية ازدواجية من الطبيعة نفسها القائمة في تنظيم الدولة البرجوازية. ونقصد الازدواجية بين البيروقراطية و«الشعب». وتحت التأثير المجفِّف للجو البرجوازي، انعزلت الوظائف بشكل ما، واستُبدلت جماعية العمل بديمقراطية شكلية محضة، وانقسم التنظيم نفسه إلى موظفين نشيطين وجمهور سلبي. وترث الحركة العمالية الثورية، حتماً، وإلى حدٍ ما، هذا الميل إلى الشكلية والازدواجية من الوسط البرجوازي.
على الحزب الشيوعي أن يتخطى هذه التضادّات جذريا بواسطة عمل منهجي سياسي وتنظيمي وإصلاحات ومراجعات متكررة.
.7- لا ينبغي على حزب اشتراكي كبير وهو يتحول إلى حزب شيوعي أن يكتفي بتركيز وظيفة السلطة بين القيادة المركزية تاركاً نظام الأمور القديم على حاله بما يخص الباقي. فإذا كان يجب ألاّ تبقى المركزة حبراً على ورق، بل أن تصبح فعلاً واقعياً، يجب أن يتم تحقيقها على الشكل الذي تكون فيه تعزيزا لنشاط أعضاء الحزب ونضاليتهم المشتركة وتطويرا لهذين النشاط والنضالية، المبرّرين حقا. وإلاّ فإنها ستبدو للجماهير كمجرد تبقرط للحزب، وستؤدي بذلك إلى معارضة أية مََرْكزة، وكل قيادة، وكل انضباط صارم. إن الفوضوية هي الوجه المعاكس للبيروقراطية.
إن الديمقراطية الشكلية المحضة في الحزب لا يمكنها أن تبعد الميول البيروقراطية ولا الميول الفوضوية، لأنه على قاعدة هذه الديمقراطية بالذات، تطورت الفوضوية والبيروقراطية داخل الحركة العمالية. ولهذا السبب، فإن المَرْكزة، أي الجهد المبذول لامتلاك قيادة قوية، لا يمكن أن تحقق نجاحات، إذا ما حاولنا الحصول عليها على أرضية الديمقراطية الشكلية. وهناك ضرورة قبل كل شيء لتطوير الصلة الحية والعلاقات المتبادلة والمحافظة عليها سواء داخل الحزب، بين أجهزته القيادية وأعضائه، أو بين الحزب والجماهير البروليتارية التي لا تنتمي إليه.

3 - واجب عمل الشيوعيين
.8- ينبغي أن يكون الحزب الشيوعي مدرسة عمل للماركسية الثورية. وبالعمل اليومي المشترك داخل منظمات الحزب تتوطد الأواصر بين مختلف التجمعات ومختلف الأعضاء.
لا زالت المشاركة المنتظمة لأغلبية الأعضاء بالعمل السياسي اليومي مفتقدة في الأحزاب الشيوعية الشرعية. وذلك هو خطأها الأكبر والسبب في التردد الدائم في تطورها.
.9- إن الخطر الذي يتهدد دائما أي حزب عمالي يقوم بخطواته الأولى نحو التحول الشيوعي هو بأن يكتفي، بقبوله للبرنامج الشيوعي، باستبدال عقيدته السابقة في دعاوته بالعقيدة الشيوعية، وأن يستبدل فقط الموظفين المعادين لهذه العقيدة بشيوعيين. غير أن تبني برنامج شيوعي ليس إلاّ تعبيرا عن إرادة أن يصبح المتبني شيوعيا. وإذا لم تُضف إلى ذلك أعمال شيوعية، وإذا تمت المحافظة في تنظيم العمل السياسي على سلبية جمهور الأعضاء، فإن الحزب لا ينجز أي جزء مما وعد به البروليتاريا عند قبوله بالبرنامج الشيوعي. ذلك أن الشرط الأول لتحقيق هذا البرنامج جدياً، هو تدريب كل الأعضاء على العمل اليومي الدائم.
يقوم فن التنظيم الشيوعي على استخدام كل شيء والجميع من أجل نضال البروليتاريا الطبقي، وتوزيع العمل السياسي على كل أعضاء الحزب بشكل عقلاني واجتذاب أوسع جماهير البروليتاريا إلى داخل الحركة الثورية بواسطتهم، والحفاظ على قيادة الحركة بأكملها بين أيديهم بشكل حازم، ليس بقوة السلطة بل بقوة التأثير، أي بقوة النشاط، والتجربة والقدرة والتسامح.
.10- على كل حزب شيوعي إذا، ضمن جهوده لكي لا يكون لديه إلاّ أعضاء نشيطون حقا، أن يفرض على كل واحد من الذين ينخرطون في صفوفه أن يضع قوته ووقته في تصرف الحزب بقدر ما يكون قادرا على التصرف بهما في الظروف المعطاة، وأن يكرس دائما أفضل ما لديه للحزب. وتفترض العضوية في الحزب بشكل عام، إلى جانب القناعة الشيوعية، وهذا أمر لا جدال فيه، إتمام إجراءات التسجيل كمرشح بشكل احتياطي في البدء ومن ثم كعضو. وينبغي دفع الاشتراكات المقرة، بشكل منتظم، والاشتراك بجريدة الحزب، الخ. غير أن الشيء الأهم هو مشاركة كل عضو في العمل السياسي اليومي.
.11- على كل عضو في الحزب. بشكل عام، وبقصد العمل السياسي اليومي، أن ينضم إلى مجموعة عمل صغيرة: لجنة، هيئة، مكتب، مجمع، فرع أو نواة. بهذه الطريقة فقط يمكن توزيع العمل وتوجيهه وإنجازه بشكل منتظم.
ومما لا جدال فيه أيضا أنه يجب أن يشارك جميع الأعضاء في الاجتماعات العامة للمنظمات المحلية. فمن المسيء، في ظروف علنية، السعي إلى استبدال الاجتماعات الدورية بتمثيلات محلية، يجب على العكس أن يكون كل الأعضاء مجبرين على حضور هذه الاجتماعات بشكل منتظم. ولكن ذلك غير كاف أبدا. إن مجرد التحضير المنتظم لهذه الاجتماعات يفترض عملا تقوم به مجموعات صغيرة أو رفاق مكلفون به بشكل خاص. بالإضافة إلى التحضير للإفادة الفعالة من الاجتماعات العامة للعمال، والتظاهرات والتحركات الجماهيرية للبروليتاريا. ولا يمكن محاولة القيام بالمهام المتعددة لهذا النشاط وإنجازها بشكل مكثف إلاّ بواسطة مجموعات صغيرة. دون هذا العمل، المستمر، ولئن كان متواضعا، من جانب مجموع الأعضاء، الموزع على عدد كبير من المجموعات العمالية الصغيرة، لا يمكن للجهود الأكثر حماسا في النضال الطبقي للبروليتاريا إلا أن تجعل كل المحاولات من أجل التأثير على هذه النضالات غير مجدية؛ ولا يمكن أن يؤدي إلى المركزة الضرورية لكل القوى الثورية الحية في حزب شيوعي موحد وقادر على العمل.
.12- ينبغي تشكيل أنوية شيوعية من أجل العمل اليومي في مجالات مختلفة للنشاط السياسي للحزب، ومن أجل التحريض في المنزل، ودراسات الحزب، وخدمات الصحافة، وتوزيع الأدبيات، وخدمات الأنباء، وخدمات الارتباط الخ.
إن الأنوية الشيوعية هي مجموعات العمل الشيوعي اليومي في المشروعات والمشاغل والنقابات والجمعيات البروليتارية، وفي الوحدات العسكرية الخ.، وفي كل مكان يوجد فيه على الأقل بعض أعضاء الحزب الشيوعي أو الأعضاء المرشحين. وإذا كان هناك العديد من الأعضاء في مشروع واحد أو نقابة واحدة، الخ.. تصبح النواة فرعا تقود عمله مجموعة النواة.
وإذا وجب في البدء تشكيل فرع أكثر اتساعا، يكون فرع معارضة عامة، أو مجرد المشاركة في هكذا منظمة موجودة سابقا، على الشيوعيين أن يسعوا إلى إمساك قيادتها بواسطة نواتهم.
إن تشكيل نواة شيوعية، وتحويلها أو تحويل عملها العلني إلى عمل شيوعي ينبغي أن يخضع لإشراف دقيق ولتحليل المخاطر أو المنافع التي يمثلها الوضع الخاص المنظور فيه.
.13- إنها مهمة صعبة جدا بالنسبة لحزب شيوعي جماهيري أن يُرسي الواجب العام المتعلق بالعمل في الحزب وتنظيم مجموعات العمل الصغير هذه. وبالطبع لا يمكن إنجاز هذه المهمة في ليلة واحدة، لأنها تتطلب مواظبة لا كلل فيها، وتفكيرا ناضجا وكثيرا من النشاط.
والشيء المهم بشكل خاص، هو أن تتم إعادة التنظيم هذه منذ البداية، بأكبر عناية ممكنة وبعد تفكير ناضج. فسيكون من السهل جدا أن يتم توزيع جميع الأعضاء، في كل منظمة، تبعا لترسيمة شكلية، إلى أنوية صغيرة، ودعوة هذه الأنوية للعمل في الحياة اليومية للحزب. ستكون هذه البداية أسوأ من الخمول. وستسبب الريبة لدى أعضاء الحزب وتبعدهم عن هذا التحول الهام.
ينبغي توصية قياديي الحزب بأن يقوموا في البدء، وبعد استشارة معمقة للمنظمين المجتهدين، بصياغة الخطوط العريضة الموجِّهة لهذا التحول. وينبغي أن يكون المنظِّمون في آن معا شيوعيين مقتنعين كليا ومتحمسين، وأن يكونوا مطّلعين تماما على وضع الحركة في مختلف مراكز البلد الأساسية. بعد ذلك ينبغي أن ينكب المنظمون ولجان التنظيم، الذين تلقوا التعليمات الضرورية، على إعداد العمل بشكل منتظم في المكان المعين بالذات، وينبغي أن يختاروا قادة المجموعات ويعينوهم ويتخذوا الإجراءات الأولى المباشرة اللازمة لهذا التحول. وينبغي بعد ذلك أن توضع مهام محددة وملموسة كليا أمام المنظمات ومجموعات العمال، والأنوية ومختلف الأعضاء، وينبغي القيام بذلك بالشكل الذي تبدو فيه هذه المهام مفيدة، ومرغوبا فيها وعملية. وإذا كان هناك ضرورة، يمكن أن يوضح لهم عبر أمثلة عملية كيف ينبغي التصرف من أجل تنفيذ هذه المهام. وللقيام بذلك، ينبغي إفهامهم ما هي الأخطاء التي يجب أن يتفادوها بشكل خاص.
.14- يجب تنفيذ هذا النمط الجديد من التنظيم خطوة خطوة في الحياة. لذلك لا ينبغي أن يتم تشكيل الكثير من الأنوية الجديدة أو مجموعات العمال في المنظمات المحلية. وينبغي التأكد في البدء، انطلاقا من نتائج ممارسة قصيرة، من أن الأنوية المشكَّلة في مصانع مختلفة ومشاغل هامة تعمل بشكل منتظم، ومن أن المجموعات العمالية الضرورية مشكَّلة في ميادين نشاط الحزب الأخرى وتتوطد لدرجة معينة (مثلا في خدمات الإعلام، والارتباط، والتحريض في المنزل والحركة النسائية، وتوزيع الكتابات، وخدمات الصحافة، وحركة العاطلين عن العمل الخ.) على كل حال لا ينبغي تحطيم الإطار التنظيمي القديم بشكل أعمى، قبل أن يكون الإطار الجديد قد استقر.
لكن خلال هذا العمل بمجمله يجب أن تُستكمل مهمة العمل التنظيمي الشيوعي الأساسية في كل مكان بأقصى ما يمكن من النشاط. وهذا يتطلب جهوداً كبيرة ليس فقط من جانب المنظمات غير الشرعية. وحتى يصبح هناك شبكة واسعة من الأنوية والفروع والمجموعات العمالية في كل النقاط الحيوية للنضال الطبقي البروليتاري، وحتى يشارك كل عضو في الحزب القوي والواعي لأهدافه في العمل الثوري اليومي، وأن يصبح فعل المشاركة هذا مسألة عادة طبيعية بالنسبة للأعضاء، حتى هذه اللحظة لا ينبغي أن يسمح الحزب بأي استراحة في جهوده الرامية إلى تنفيذ هذه المهمة.
.15- تفرض هذه المهمة التنظيمية الأساسية على الأجهزة القيادية للحزب أن توجه عمل الحزب بشكل متواصل وتؤثر عليه بشكل منهجي، وأن تقوم بذلك بشكل كامل ودون توسطات. ويترتب، تبعا لذلك، على الرفاق الموجودين على رأس هذه المنظمات الحزبية واجب تحمل الأعباء الأكثر تنوعا. وعلى الجهاز المركزي القيادي ألاّ يسهر فقط على أن يكون جميع الرفاق بشكل عام منشغلين، بل أن يأتي لمساعدتهم، ويقود عملهم تبعا لخطة منظمة ومعرفة عملية بالموضوع، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح عبر مختلف الشروط والظروف الخاصة. وعلى المركز أن يسعى في نشاطه الخاص به لاكتشاف الأخطاء المرتكبة، وباستناده إلى التجربة المكتسبة، أن يسعى دائما إلى تحسين أساليب العمل دون أن يغيب عنه أبدا في الوقت نفسه هدف النضال.
.16- إن عملنا السياسي العام هو النضال العملي أو النظري أو الإعداد لهذا النضال. لقد كان التخصص في هذا العمل ناقصا حتى الآن. وهناك ميادين مهمة لم يقم فيها الحزب أبدا إلاّ بجهود عرضية بشكل كامل، وهكذا مثلا لم تقم الأحزاب الشرعية بشيء تقريبا في النضال الخاص ضد الشرطة السياسية. ولا يتم تثقيف رفاق الحزب إلاّ بشكل عرضي كلياً وثانوي، وذلك بطريقة جد سطحية بحيث أن الجزء الأكبر من قرارات الحزب الأكثر أهمية، وكذلك برنامج الأممية الشيوعية وقراراتها لا تزال مجهولة تماما لدى أوسع فئات أعضاء الحزب. ينبغي أن يكون العمل التثقيفي منظما ومعمقا باستمرار بواسطة جهاز منظمات الحزب بأكمله، وكل مجموعات العمل، للوصول إلى مستوى من التخصص، أكثر ارتفاعا باستمرار عبر هذه الجهود المنهجية.
.17- إن كشف الحساب هو واجب من واجبات التنظيمات الشيوعية الأكثر ضرورية ويفرض نفسه على جميع منظمات وأجهزة الحزب، كما على كل عضو بشكل فردي. وينبغي أن يتم بشكل منتظم خلال مُدَدٍ قصيرة من الوقت، ويجب تقديم تقارير بهذه المناسبة حول إنجاز المهمات الخاصة التي تم التكليف بها من الحزب. ومن المهم أن تنجز كشوفات الحساب هذه بشكل جد منهجي وتترسخ داخل الحركة الشيوعية كأحد أفضل التقاليد.
.18- وينبغي أن يقدم الحزب تقريرا لقيادة الأممية الشيوعية بشكل منتظم. وأن تقدم مختلف منظمات الحزب تقريرها إلى اللجنة الأعلى مباشرة (مثلا تقرير المنظمة المحلية الشهري إلى اللجنة الحزبية المختصة).
على كل نواة، وفرع، ومجموعة عمالية أن تقدم تقريرا للجهاز الحزبي الذي تكون تحت قيادته الفعلية. وعلى كل عضو أن يقدم تقريرا بشكل فردي، لنقل تقريرا أسبوعيا، للنواة أو مجموعة العمل (وحتى لقائده تسلسليا) يتعلق بإنجاز المهمات الخاصة التي كلفه بها جهاز الحزب الذي يتوجه إليه التقرير.
إن هذا الشكل من كشف الحساب، يجب أن يتم في أول مناسبة، شفهيا إذا لم يطالب الحزب أو الجهاز المكلف بتقرير مكتوب. ينبغي أن تكون التقارير مكثفة وتتضمن وقائع. والجهاز الذي يتلقى هذه البلاغات يتحمل مسؤولية حفظها حيث أن نشرها ينطوي على مخاطر. وهو أيضا مسؤول عن إيصال التقارير المهمة إلى الهيئة القيادية للحزب وذلك دون إمهال.
.19- ومما لا جدال فيه أنه لا يجب أن تكتفي هذه التقارير الحزبية بعرض ما قام به صاحب التقرير فحسب، بل أن تتضمن أيضا بلاغات عن الظروف الملاحظة خلال نشاطه والتي يمكن أن تكون مهمة لنضالنا. يجب أن تشير بشكل خاص إلى الملاحظات التي يمكن أن تكون مناسبة لإحداث تغيير أو تحسين في تكتيكنا المستقبلي. ويجب اقتراح التحسينات التي جرى الإحساس بالحاجة إليها خلال النشاط.
وفي كل الأنوية، والفروع ومجموعات العمل الشيوعية، يجب أن تصبح التقارير التي تتلقاها هذه المنظمات أو تعدها شيئا اعتياديا.
ويجب الاعتناء، في الأنوية ومجموعات العمل، بأن يكلف الأعضاء بشكل فردي أو في المجموعات بمهمة خاصة وهي مراقبة ما يجري في التنظيمات المعادية وتقديم تقرير عنه وبشكل منتظم، وخاصة المنظمات العمالية البرجوازية الصغيرة والأحزاب «الاشتراكية».

4 - الدعاوة والتحريض
.20- إن مهمتنا الأكثر أهمية قبل الانتفاضة الثورية المعلنة، هي دعاوة التحريض الثوري. ولا زال هذا النشاط يمارس ويجري تنظيمه غالبا، في الجزء الكبير منه، بالطريقة الشكلانية القديمة: خلال تظاهرات في المناسبات، واجتماعات جماهيرية، دون انشغال خاص بالمحتوى الثوري الملموس للخطب والكتابات.
ينبغي أن تجد الدعاوة والتحريض الشيوعيان جذورهما في الأوساط الأكثر عمقا للبروليتاريا. يجب أن تُولّدهما الحياة اليومية للعمال، ومصالحهم المشتركة وبشكل خاص نضالاتهم وجهودهم.
إن أكثر ما يمنح القوة للدعاوة الشيوعية هو محتواها التثويري. إلى جانب وجهة النظر هذه يجب أن تؤخذ دائما بالاعتبار، بأقصى انتباه ممكن، الشعارات والمواقف الواجب اتخاذها تجاه القضايا الملموسة في أوضاع مختلفة. ومن أجل أن يتمكن الحزب دائما من اتخاذ موقف صحيح، ينبغي إعطاء دروس تثقيفية مطولة وكاملة ليس فقط للدعاويين والمحرضين المحترفين بل كذلك لكل أعضائه الآخرين.
.21- إن الأشكال الأساسية للدعاوة والتحريض الشيوعيين هي: لقاءات شخصية شفوية، مشاركة في نضالات الحركات العمالية النقابية والسياسية، عمل بواسطة الصحافة وأدبيات الحزب. وينبغي أن يشارك كل عضو في حزب شرعي أو غير شرعي، بشكل أو بآخر، بهذا النشاط بانتظام.
إن الدعاوة الشخصية الشفوية يجب أن تتم بالدرجة الأولى على شكل التحريض في المنزل المنظم منهجيا والموكل إلى مجموعات جرى تشكيلها خصّيصا من أجل هذا الهدف. ويمكن أن تكون هناك نتائج جيدة للتحريض في الشارع، في المدن الأكثر أهمية، ذلك التحريض المنظم بوجه خاص بواسطة لوحات إعلان وملصقات. وبالإضافة إلى التحريض في المصانع والمشاغل ينبغي تنظيم تحريض شخصي منتظم، تقوم به الأنوية الحزبية أو فروع الحزب ويصحبه توزيع أدبيات.
وفي البلدان حيث يوجد بين السكان أقليات قومية، من واجب الحزب أن يعير الاهتمام الضروري للدعاوة والتحريض بين الشرائح البروليتارية لهذه الأقليات. وينبغي أن تتم الدعاوة والتحريض بطبيعة الحال بلغة الأقليات القومية الخاصة بها، ويجب أن ينشئ الحزب لهذا الهدف أجهزة ملائمة.
.22- عندما تتم الدعاوة الشيوعية في البلدان الرأسمالية حيث لا يوجد لدى أغلبية البروليتاريا ميل ثوري واع، يجب البحث عن وسائل عمل أكثر اتقانا بشكل دائم من أجل ملاقاة فهم العامل الذي ليس ثوريا بعد، ولكن بدأ يصبح كذلك، ومن أجل فتح مدخل الحركة الثورية أمامه. ويجب أن تستخدم الدعاوة الشيوعية مبادئها في مختلف الظروف من أجل أن تثبِّت في نفس العامل، خلال نضاله الداخلي ضد التقاليد والميول البرجوازية، التقاليد والميول البروليتارية التي هي بالنسبة إليه عنصر تقدم ثوري.
وفي الوقت نفسه لا يجب أن تقتصر الدعاوة الشيوعية على مطالب الجماهير البروليتارية أو آمالها كما هي اليوم، أي محصورة وملتبسة. إن البذور الثورية لهذه المطالب والآمال لا تشكل إلاّ نقطة البداية الضرورية لنا من أجل التأثير عليهم. ذلك أنه بهذا الجمع وحده يمكننا أن نشرح الشيوعية للبروليتاريا بشكل مفهوم.

.23- ينبغي أن يتم التحريض الشيوعي بين الجماهير البروليتارية على الشكل الذي يجعل البروليتاريين المناضلين يعترفون بمنظمتنا الشيوعية على أنها المنظمة التي ينبغي أن تقود حركتهم الخاصة نحو هدف مشترك بصدق وجرأة، وتبصُّر ونشاط.
وفي سبيل هذا الهدف على الشيوعيين أن يشاركوا في كل النضالات العفوية للطبقة العاملة وفي كل حركاتها، وأن يأخذوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على مصالح العمال في مجمل صراعهم مع الرأسماليين حول يوم العمل، اللخ. وإذ يقومون بذلك، عليهم أن يهتموا بشكل نشط بالمسائل الملموسة لحياة العمال، وأن يساعدوهم على تدبّر أمرهم في هذه المسائل، ويلفتوا انتباههم إلى حالات الخطأ الأكثر أهمية، ويساعدوهم على صياغة مطالبهم بمواجهة الرأسمالية بشكل صحيح وعملي، وأن يطوروا لديهم في الوقت نفسه روحية التضامن ووعي وحدة مصالحهم ومصالح العمال في البلدان كافة، باعتبارها مصالح طبقة موحدة تشكل جزءا من الجيش البروليتاري العمالي.
وبغير المشاركة الدائمة بهذا العمل اليومي الدقيق والضروري على الإطلاق، والإسهام بكل ما لديه من روحية التضحية في كل نضالات البروليتاريا، لا يستطيع «الحزب الشيوعي» أن يتطور إلى حزب شيوعي حقيقي. وليس إلاّ بهذا العمل يتميز الشيوعيون عن هذه الأحزاب الاشتراكية التي تقوم بالدعاوة المحضة والتنسيب والتي انقضى زمنها، وينحصر نشاطها باجتماعات الأعضاء وخطابات حول الإصلاحات واستغلال الامكانات البرلمانية. إن المشاركة الواعية والمخلصة لجمهور أعضاء الحزب بأكمله في مدرسة النضالات والنزاعات اليومية بين المستغلين والمستغلين، هي المقدمة الضرورية ليس فقط للانتصار، بل بمقياس أوسع بكثير أيضا لأجل تحقيق دكتاتورية البروليتاريا. ولن يكون الحزب قادرا على أن يصبح طليعة الطبقة العاملة إلاّ إذا قاد الجماهير العمالية في حرب العصابات التي تقوم بها ضد هجمات رأس المال، وتعلّم بشكل منهجي أن يقود فعلا البروليتاريا ويمتلك أساليب الإعداد الواعي لطرد البرجوازية.
.24- ينبغي تعبئة الشيوعيين بأعداد واسعة من أجل المشاركة بالحركة العمالية خاصة خلال الإضرابات وإغلاق المصانع وعمليات الطرد الجماعية الأخرى.
ويرتكب الشيوعيون خطأ جسيما جدا إذا ما استندوا إلى البرنامج الشيوعي والمعركة الثورية النهائية لاتخاذ موقف سلبي ومهمل وحتى معاد إزاء نضالات يومية يخوضها العمال اليوم من أجل تحسينات، ولو قليلة الأهمية، في شروط عملهم. ومهما كانت سخيفة ومتواضعة المطالب التي من أجل تحقيقها يبدي العامل اليوم استعداده للدخول على الخط ضد الرأسماليين، فلا ينبغي أن يتخذ الشيوعيون ذلك كحجة من أجل الوقوف خارج المعركة. وفي نشاطنا التحريضي لا يجب أن نفسح المجال للظن بأن الشيوعيين محرضون عميان على الاضرابات الرعناء والتحركات الخرقاء الأخرى، بل يجب أن نكون جديرين في كل مكان بين العمال المناضلين بتسمية أفضل رفاق النضال.
.25- لقد أظهرت ممارسة الحركة النقابية أن الأنوية والفروع الشيوعية كانت في الغالب مرتبكة ولا تعرف ما تقوم به عندما توضع بمواجهة أكثر المسائل اليومية بساطة. إنه لسهل، وإن مع الكثير من العقم، أن يجري الوعظ دائما بالمبادئ العامة للشيوعية، للوقوع من ثمَّ في الطريق السلبية تماما لنقابية مبتذلة لدى أولى المسائل الملموسة القادمة. ولا تؤدي هكذا أعمال إلاّ إلى تسهيل لعبة قادة أممية أمستردام الصفراء.
يجب على الشيوعيين، على العكس، أن يحددوا موقفهم تبعا للمعطيات المادية لكل مسألة مطروحة. وعلى سبيل المثال، بدل المعارضة المبدئية لكل عقد تعرفة عمالية ينبغي أن يقوموا قبل كل شيء ومباشرة بقيادة النضال من أجل تعديلات مادية في نص هذه العقود التي أوصى بها قادة أمستردام. صحيح أنه ينبغي إدانة كل المعيقات التي تمنع العمال من أن يكونوا مستعدين للمعارك ومحاربتها بحزم. ولا ينبغي نسيان أن هدف الرأسماليين وشركائهم في أمستردام هو تقييد أيدي العمال بواسطة كل عقد تعرفة. لهذا فمن البديهي أن واجب الشيوعيين يقضي بتوضيح هذا الهدف للعمال. ولكن كقاعدة عامة، إن أفضل وسيلة يتوصل بها الشيوعيون للتصدي لهذا الهدف هي باقتراح تعرفة لا تربط العمال.
وهذا الموقف نفسه، على سبيل المثال، مفيد جدا بالنسبة لصناديق المساعدة ومؤسسات نجدة النقابات العمالية. إن جمع أدوات النضال وتوزيع المعونات أثناء الإضراب بواسطة الصناديق المشتركة ليست أعمالا سيئة بحد ذاتها، ومعارضة هذا النوع من النشاط مبدئيا ستكون في غير محلها. ينبغي فقط القول أن عمليات جمع الأموال هذه وهذه الطريقة في صرفها، التي تتناسب مع توجيهات قادة أمستردام، تتعارض مع مصالح الطبقات الثورية. أمّا بالنسبة لصناديق المستشفى النقابية، الخ.. فمن المستحسن أن يطالب الشيوعيون بإلغاء الاشتراكات الخاصة كما بإلغاء كل الشروط الإلزامية في نجدة المرضى، فإن الجزء من هؤلاء الأعضاء الذي يريد الاستمرار بتقديم العون لهذه المؤسسات لن يفهمنا إذا ما حظرنا عليه ذلك دون أي تفسير آخر. يجب أن يُحرَّر هؤلاء الأعضاء، بالبداية، من ميلهم البرجوازي-الصغير، عبر الدعاوة الشخصية المكثّفة.
.26- ليس هناك ما يؤمل من أي نوع من اللقاءات مع قادة النقابات، وكذلك مع قادة مختلف الأحزاب العمالية الاشتراكية-الديمقراطية والبرجوازية الصغيرة. فبمواجهة هؤلاء يجب أن ننظم النضال بكل نشاط. ولكن الطريقة الوحيدة الأكيدة والظافرة من أجل محاربتهم هي بانتزاع مؤيديهم منهم وبأن نبيّن للعمال خدمة العبيد العمياء التي يقدمها قادتهم الاشتراكيون الخونة للرأسمالية. ينبغي بالبداية إذن، وقدر الإمكان، وضع هؤلاء القادة في حالة يكونون مجبرين فيها على فضح أنفسهم والانتقال إلى مهاجمتهم، بعد هذه الاستعدادات، بالشكل الأكثر حيوية.
لا يكفي أبدا أن نرمي ببساطة بوجه قادة أمستردام شتيمة أنهم «صُفْر». فميزتهم كـ«صُفر» ينبغي أن تُبيَّن بالتفصيل وبأمثلة عملية: نشاطهم في الاتحادات العمالية والمكتب العمالي للعمل التابع لعصبة الأمم، وفي الوزارات والإدارات البرجوازية، وتعابيرهم المخادعة وخطاباتهم في الكونفرنسات والبرلمانات، والمقاطع الأساسية من مقالاتهم الداعية إلى السلام في مئات الصحف والمجلات، ولكن بشكل خاص، طريقتهم المترددة والمتذبذبة في التعاطي عندما يتعلق الأمر بإعداد أدنى التحركات حول الأجور والنضالات العمالية وإنجازها - كل ذلك يقدِّم كل يوم مناسبة لإيضاح مسلك قادة أمستردام الخسيس والخياني ولإطلاق صفة «الصفر» عليهم. ويمكن القيام بذلك عبر تقديم اقتراحات ومذكرات، وعبر خطابات مصاغة ببساطة كلية.
ينبغي أن تقوم الأنوية والفروع في الحزب بالهجمات العملية بشكل منهجي. ولا يجب أن توقف الشيوعيين شروحات البيروقراطية النقابية الدنيا التي تسعى أن تدافع عن نفسها بصدد ضعفها ـ الذي يظهر في بعض الأحيان، على الرغم من كل ما لديها من استعداد - بالإنحناء باللائمة على الأنظمة الداخلية، وقرارات الكونفرنسات والأوامر المتلقاة من لجانها المركزية. ويجب على الشيوعيين أن يطالبوا هذه البيروقراطية الدنيا بأجوبة واضحة، ويسألوها عما فعلت من أجل إزاحة المعيقات التي تتذرع بها، وعمّا إذا كانت مستعدة للنضال مع العمال من أجل تحطيم هذه المعيقات.
.27- ينبغي أن تعدَّ الفروع والمجموعات العمالية نفسها مسبقا بإتقان للمشاركة بالجمعيات العامة للمنظمات النقابية وكونفرنساتها. فيجب، على سبيل المثال، أن تصوغ مقترحاتها الخاصة، وتختار مقرريها وخطباءها من أجل الدفاع عن هذه المقترحات، وتطرح كمرشحين رفاقا متمكنين، وذوي تجربة ومفعمين حيوية وعزما، الخ.
يجب على المنظمات الشيوعية أيضا، بواسطة مجموعاتها العمالية، أن تعدّ نفسها بإتقان لكل الجمعيات العامة، والجمعيات الإنتخابية، والتظاهرات، والأعياد السياسية العمالية، الخ.، التي تقيمها التنظيمات المعادية. وعندما يتعلق الأمر بجمعيات عامة عمالية، منظمة من قبل الشيوعيين أنفسهم، ينبغي على المجموعات العمالية أن تتحرك تبعا لخطة واحدة وبأكبر عدد ممكن قبل الجمعيات العامة وخلالها، لكي تكون واثقة من الإفادة تنظيميا من هذه الجمعيات العامة بشكل واسع.
.28- على الشيوعيين أن يتعلموا، ودائما بشكل أفضل، أن يجذبوا إلى دائرة تأثير الحزب العمال غير المنظمين وغير الواعين وذلك إلى الأبد. وعلى أنويتنا وفروعنا أن تقوم بكل شيء من أجل تحريك هؤلاء العمال، ومن أجل إدخالهم في النقابات، وجعلهم يقرأون جريدتنا. ويمكن الإفادة كذلك من الاتحادات العمالية الأخرى كوسيط لنشر تأثيرنا (على سبيل المثال، المؤسسات التعليمية، والحلقات الدراسية، والجمعيات الرياضية والمسرحية، واتحادات المستهلكين، ومنظمات ضحايا الحرب، الخ.).
وحيث يضطر الحزب للعمل بشكل غير شرعي، يمكن هكذا اتحادات عمالية، وبعد موافقة جهاز الحزب القائد وتحت إشرافه، أن تتشكَّل خارج الحزب بمبادرة من أعضائه (اتحادات الأنصار). ويمكن أن تقوم المنظمات الشيوعية الشبابية والنسائية، هي أيضا، بفعل محاضراتها، وسهرات النقاش، والرحلات، والحفلات، ونزهات الآحاد، الخ.، بإيقاظ الاهتمام لدى العديد من البروليتاريين، الذين لا زالوا غير مهتمين بالقضايا السياسية، بحياة تنظيمية مشتركة في البدء، ومن ثم كسبهم إلى الأبد وجعلهم يشاركون بهذه الطريقة بعمل مفيد في حزبنا (على سبيل المثال، توزيع منشورات، وبيانات وأشياء أخرى، وتوزيع جرائد الحزب والكراريس الخ.). وبالمشاركة النشطة في التحركات المشتركة، سيتمكن هؤلاء العمال من التحرر من ميولهم البرجوازية الصغيرة بأكبر سهولة ممكنة.
.29- ومن أجل كسب شرائح أنصاف-البروليتاريين من الجمهور العمالي وجعلها نصيرة للبروليتاريا الثورية، يجب على الشيوعيين أن يستخدموا بشكل خاص تناقض مصالحها، المتعارضة اجتماعيا مع كبار مالكي الثروات العقارية، ومع الرأسماليين والدولة الرأسمالية، وعليهم أن يخلّصوا هذه الشرائح الوسيطة، بواسطة اللقاءات المتواصلة، من حذرها من الثورة البروليتارية. وللوصول إلى هذه النتيجة، يجب أن يقوموا بدعاوتهم لفترة مقبولة من الزمن. وينبغي أن يظهروا لهذه الشرائح اهتماما محسوسا بمتطلبات حياتها، وتنظيم مكاتب استعلام مجانية لها ومساعدتها في تخطي صعوباتها البسيطة التي لا يمكنها التخلص منها بنفسها. وينبغي اجتذابها إلى مؤسسات خاصة تخدم في تثقيفها بشكل مجاني، الخ. يمكن لهذه الإجراءات كافة أن تزيد الثقة بالحركة الشيوعية. كما ينبغي في الوقت نفسه الاحتراز كثيرا والعمل بلا كلل ضد المنظمات والأشخاص المعادين الذين يمتلكون نفوذا في مكان معين أو يمتلكون تأثيرا على الفلاحين الصغار الشغيلة، والحرفيين المنزليين وعناصر أخرى نصف بروليتارية. وينبغي نعت الأعداء الأقربين، أولئك الذين يعرفهم المستغَلون ـ عبر تجربتهم - على أنهم مضطهدوهم، بالممثلين الذين يجسدون جريمة الرأسمالية بأكملها. وينبغي للدعاة والمحرضين الشيوعيين أن يستخدموا إلى أقصى حد وبشكل يفهمه الجميع، كل العناصر والوقائع اليومية التي تضع بيروقراطية الدولة في صراع مباشر مع المثال الأعلى الخاص بالديمقراطية البرجوازية الصغيرة «ودولة الحق».
على كل التنظيمات المحلية في الريف أن توزع بدقة على أعضائها مهام التحريض في المنزل، التي يجب أن تطوّرها في دائرة نشاطها في جميع القرى، وفي باحات القصور وفي المزارع والبيوت المنفصلة.
.30- وللدعاوة في الجيش وفي أسطول الدولة الرأسمالية ينبغي تقصي الأساليب الأكثر ملاءمة في كل بلد. إن التحريض المعادي للعسكرة بالمعنى السلمي سيء بالكامل، لأنه لا يقوم إلاّ بتشجيع رغبة البرجوازية بنزع سلاح البروليتاريا. فالبروليتاريا ترفض بالمبدأ جميع المؤسسات العسكرية للدولة البرجوازية والطبقة البرجوازية بشكل عام وتحاربها بالشكل الأكثر حيوية. ومن جهة ثانية تستفيد البروليتاريا من هذه المؤسسات (الجيش، مؤسسات الإعداد العسكري، وميليشيا الدفاع عن السكان، الخ.) لتدريب العمال عسكريا من أجل النضالات الثورية. ولا يجب أن يوجه التحريض المكثَّف إذن ضد التكوين العسكري للشبيبة والعمال، بل ضد النظام العسكري وضد تعسّف الضباط. وينبغي أن تستفيد البروليتاريا، بالشكل الأكثر نشاطا، من كل إمكانية للتزويد بالسلاح.
إن التناقض الطبقي الذي يظهر في الامتيازات المادية للضباط والمعاملة السيئة التي يتحملها الجنود أمور ينبغي أن يعيها هؤلاء الأخيرون. يضاف إلى ذلك أنه يجب أن يبرز بوضوح في التحريض بين الجنود كيف أن مستقبلهم مرتبط بشكل وثيق بمصير الطبقة المستغلة. وفي مرحلة متقدمة من التخمر الثوري، بإمكان التحريض لصالح الانتخابات الديمقراطية للقيادة من قبل الجنود والبحارة ولصالح تشكيل سوفياتات جنود، أن يكون شديد الفعالية لتقويض أسس سيطرة الطبقة الرأسمالية.
إن أقصى الإنتباه والنشاط ضروريان دائما في التحريض ضد الفرق الخاصة التي تسلحها البرجوازية من أجل الحرب الطبقية وبشكل خاص ضد عصابات المتطوعين المسلحة. يجب حمل التفكك الاجتماعي إلى صفوفها، بشكل منهجي وبالوقت المراد، حيث التشكيل الاجتماعي ووسطه المفسد يسمحان بذلك. عندما تحمل هذه العصابات أو الفرق طابعا طبقيا برجوازيا إجماليا، مثلا الفرق المشكلة حصرا من الضباط، يجب فضحها أمام مجموع السكان وجعلها محتقرة ومقيتة على الشكل الذي يؤدي إلى تفسخها الداخلي تبعا للعزلة التي تنتج عن ذلك.

5 - تنظيم النضالات السياسية
.31- لا توجد بالنسبة لأي حزب شيوعي لحظة يمكن أن يظل تنظيم الحزب خلالها غير فاعل سياسيا. ينبغي رفع الاستخدام العضوي لكل وضع سياسي واقتصادي ولكل تغيير في هذا الوضع إلى مستوى استراتيجية وتكتيك منظمين.
وإذا كان الحزب لا يزال ضعيفا، فبإمكانه مع ذلك أن يفيد من الأحداث السياسية أو الإضرابات الكبرى التي تهز كل الحياة الاقتصادية من أجل القيام بعمل دعاوي جذري منظم بشكل منهجي ومنسق. وما أن يتخذ الحزب قراره في وضعٍ كهذا يجب أن يحرك جميع أعضائه وكل فروع حركته من أجل هذه الحملة، وبأقصى طاقتها.
ويجب أن يستخدم الحزب، بالدرجة الأولى، كل الروابط التي أنشأها عبر عمل أنويته ومجموعاته الدعاوية من أجل تنظيم اجتماعات في المراكز السياسية الأساسية، أو المراكز المضربة، اجتماعات يًظهر خلالها خطباء الحزب للحضور بأن المبادئ الشيوعية هي الوسيلة للخروج من صعوبات النضال. وينبغي لمجموعات العمل أن تعدّ جميع هذه الاجتماعات وبأصغر تفاصيلها. وإذا تعذّر تنظيم اجتماعات خاصة، ينبغي أن يتقدم بعض الرفاق المناسبين كخطباء أساسيين في الاجتماعات العامة للمضربين أو بشكل عام للبروليتاريين الذين يخوضون معركة مهما كان الشكل الذي تتخذه.
وإذا كان هناك أمل بكسب الأغلبية، أو على الأقل جزء كبير من حاضري الاجتماع، لمبادئنا ينبغي أن تصاغ هذه الأخيرة بشكل جيد وتكون معللة بشكل حاذق. وعندما يتم وضع هذه المقترحات أو القرارات، يجب أن يتم السعي لكي تسلّم بهذه المقترحات، المتخِذة شكلاً مماثلاً أو مشابهاً، أقليات كبرى على الأقل في كل الاجتماعات التي تعقد حول الموضوع نفسه في المحلة المعنية أو في غيرها. وسنتمكن بذلك من تجميع الشرائح البروليتارية التي تتحرك والتي تخضع حتى الآن لتأثيرنا المعنوي فقط، ونجعلها تتقبل القيادة الجديدة.
بعد كل هذه الاجتماعات، يجب أن تلتقي مجموعات العمل، التي تكون قد شاركت بالتحضير لها وباستخدامها، ليس فقط من أجل وضع تقرير للجنة القيادية في الحزب، بل أيضا من أجل استخلاص الدروس الضرورية للنشاط اللاحق من التجارب التي حدثت أو الأخطاء التي يُحتمل أن يكون تم ارتكابها.
وتبعا للأوضاع يجب أن تصل الشعارات العمالية إلى الجماهير العمالية المعنيَّة، بواسطة الملصقات والأوراق الصغيرة الطائرة، أو أيضا بواسطة البيانات المفصلة التي تسلم مباشرة إلى المقاتلين والتي يتم بواسطتها توضيح الشيوعية عبر شعارات راهنة مكيَّفة مع الوضع. ومن أجل نشر البيانات بحذق، هناك ضرورة لمجموعات منظمة بشكل خاص، وعلى هذه المجموعات أن تجد الأماكن التي ينبغي إلصاق الملصقات عليها وتختار الوقت الملائم لهذه العملية. ويجب أن يترافق توزيع الأوراق الطائرة داخل أماكن العمل وأمامها، في المباني العامة، والمنازل المشتركة للعمال الذين يشاركون بالتحرك وعلى مفترقات الطرق ومكاتب التوظيف والمحطات، يجب أن يترافق قدر الإمكان مع نقاش بتعابير دامغة، قادرة على الانتقال إلى الجماهير العمالية المتحركة. يجب نشر البيانات المفصَّلة فقط في الأماكن المسقوفة والمشاغل والمساكن وبشكل عام في كل مكان يمكن توقع اهتمام مستمر فيه.
ينبغي أن تتعزز هذه الدعاوة المكثفة بعمل مواز في كل الجمعيات العامة للنقابات أو للمنشآت المنخرطة بالحركة. إذا كانت الأحزاب الشيوعية هي التي نظمت هذه الجمعيات ينبغي أن تؤمن عندئذ واضعي تقارير وخطباء مناسبين. ويجب أن تضع جرائد الحزب النصيب الأكبر من أعمدتها وأفضل حججها بتصرف هذه الحركة؛ ويجب أن يكون جهاز الحزب بأكمله أيضا خلال كل الفترة التي تدوم بها الحركة، ودون انقطاع، في خدمة الفكرة العامة التي تنفخ فيها الحياة.
.32- إن التظاهرات والتحركات الدّلالية تتطلب قيادة شديدة التفاني وشديدة الحركة، تضع نصب عينيها بشكل ثابت هدف هذه الأعمال وتكون قادرة في كل حين على معرفة ما إذا كانت التظاهرة قد بلغت أقصى أثرها أو أن هناك إمكانية لتعزيزها أيضا في الوضع المعطى عبر توسيعها لجعلها عملا جماهيريا على شكل إضرابات دلالية في البدء وإضرابات جماهيرية فيما بعد. لقد علمتنا التظاهرات السلمية خلال الحرب أنه حتى بعد هذا النوع من التظاهر فإن حزباً شيوعيا مناضلا حقيقيا لا ينبغي أن يتردد، حتى لو كان غير شرعي، أو يتراجع إذا كان الأمر يتعلق بهدف راهن هام، يوقظ بالضرورة لدى الجماهير اهتماما متناميا باستمرار.
تجد التظاهرات في الشارع أفضل دعم لها في المنشآت الكبرى. وعندما يتم التوصل إلى خلق نوع من الروحية المشتركة، بواسطة العمل التحضيري المنهجي لأنويتنا وفروعنا، على اثر دعاوة شفهية أو بيانات، ينبغي أن يدعى الأشخاص الأهل للثقة من حزبنا في المنشآت، وقادة الأنوية والفروع، بواسطة اللجنة القيادية، إلى كونفرنس يناقشون خلاله العملية الملائمة لليوم القادم، واللحظة الصحيحة للمواجهة، وطابع الشعارات ومنظورات التحرك وتعزيزه ولحظة إيقافه وحله. إن مجموعة من الموظفين المزودين بتوجيهات جيدة، والخبراء في مسائل التنظيم، ينبغي أن تشكل محور التظاهرات بدءا من انطلاقها من مكان العمل وصولا إلى تفريق الحركة الجماهيرية. وكي يحافظ هؤلاء الموظفون على اتصال حيّ فيما بينهم وكي يتمكنوا من تلقي التوجيهات السياسية الضرورية في كل لحظة وبشكل ثابت يجب أن يشارك شغيلة مسؤولون في الحزب بشكل منهجي في التظاهرات بين الجماهير وتشكل القيادة المتحركة السياسية والمنظمة للتظاهرة الشرط الأكثر ملاءمة لتحديد التحرك وتحويله إلى أعمال جماهيرية كبرى، وزيادة حدته وكثافته عند الاقتضاء.
.33- ينبغي أن تقوم الأحزاب الشيوعية، التي تتمتع ببعض الصلابة الداخلية والتي تمتلك مجموعة من المناضلين المجربين، وعددا لا بأس به من المناصرين بين الجماهير، بكل ما بوسعها من أجل ضرب تأثير القادة الاشتراكيين-الخونة، عن طريق الحملات الكبرى ومن أجل اجتذاب أغلبية العمال إلى تحت القيادة الشيوعية. ويجب أن تنظم الحملات بطريقة مختلفة حسبما تسمح النضالات الحالية للحزب الشيوعي بأن يتصرف كدليل للبروليتاريا وبأن يقف على رأس الحركة، أو يكون سائدا ركود مؤقت. وسيكون تشكيل الحزب أيضا عنصرا محدِّدا لأساليب تنظيم التحركات.
هكذا لجأ الحزب الشيوعي الألماني الموحد كحزب جماهيري فتي إلى الطريقة التي تسمى بـ«الرسالة المفتوحة»، من أجل أن ينجح في كسب الشرائح الحاسمة من البروليتاريا. فقد توجه الحزب الشيوعي من أجل فضح القادة الاشتراكيين-الخونة، في الوقت الذي تفاقم به البؤس والتناحرات الطبقية، إلى المنظمات البروليتارية الأخرى لمطالبتها بإجابة واضحة أمام البروليتاريا حول ما إذا كانت مستعدة، مع منظماتها القوية جدا، ظاهريا، أن تشرع في نضال مشترك، بالاتفاق مع الحزب الشيوعي على مطالب الحد الأدنى، من أجل قطعة خبز بائسة وضد البؤس البديهي للبروليتاريا.
وعندما يبدأ الحزب الشيوعي بحملة مماثلة يجب أن يتخذ كل الاجراءات من أجل إحداث صدى لتحركه لدى أوسع الجماهير العمالية. وينبغي أن تناقش كل الفروع المهنية والموظفين النقابيين الحزبيين في كل الاجتماعات العمالية داخل المنشأة أو النقابة، المطالب الحيوية للبروليتاريا.
في كل مكان تريد فروعنا وأنويتنا أن تحظى فيه بموافقة الجماهير على مطالبنا يجب توزيع أوراق طائرة، وبيانات وملصقات ببراعة من أجل التأثير على الرأي العام. ويجب على صحافتنا خلال الفترة التي تمتد فيها هذه الحملة أن توضح التحرك تارة بشكل مختصر وطورا بتفاصيل أكبر، ولكن دائما بأشكال جديدة. وينبغي أن تزود المنظمات الصحافة بالأخبار المتداولة المتعلقة بالتحرك، وأن تسهر بشكل نشط على ألاّ يتوانى المحررون أبدا في حملة الحزب هذه. إن فروع الحزب في البرلمان والمؤسسات البلدية يجب أن توضع كذلك بشكل منهجي في خدمة هذه النضالات. ويجب أن تثير النقاش عبر مقترحات ملائمة في الجمعيات العامة التداولية تبعا لتوجيهات الحزب. وينبغي أن يتحرك النواب ويشعروا أنهم أعضاء واعون من الجماهير المناضلة، وناطقون باسمها في معسكر أعدائها الطبقيين، وموظفون مسؤولون وشغيلة للحزب.
وعندما يضع التحرك المُركز والمنظم والمتماسك لجميع أعضاء الحزب عددا من جداول الأعمال التي تحوز دائما موافقة تكبر وتزداد باستمرار خلال بضعة أسابيع سيجد الحزب نفسه إزاء هذه المسألة الهامة: تنظيم الجماهير الملتحقة بشعاراتنا وتركيزها بشكل عضوي.
إذا اتخذت الحركة خاصة طابعا نقابيا، ينبغي أن نسعى لزيادة تأثيرنا على النقابات بالإيعاز إلى فروعنا الشيوعية بالهجوم مباشرة، بعد إعداد جيد، على القيادة النقابية المحلية، سواء من أجل إطاحتها أو من أجل إجبارها على قيادة نضال منظم على قاعدة شعارات حزبنا.
وحيث توجد لجان مصانع ومجالس صناعة أو أية مؤسسات أخرى مشابهة، ينبغي أن تعمل الفروع بالشكل الذي يجعل هذه المؤسسات تشارك في هذا النضال. وعندما يتم كسب عدد معين من المنظمات المحلية لهذا النضال تحت قيادة شيوعية من أجل المصالح الحيوية الأكثر أولية للبروليتاريا، ترسل هذه المنظمات مندوبيها. وإذ تتعزز هكذا القيادة الجديدة، تحت التأثير الشيوعي، فإنها تكسب، عبر هذا التركيز للمجموعات النشطة من البروليتاريا المنظمة، قوة هجوم جديدة يجب أن تستخدم بدورها من أجل دفع قيادة الأحزاب الاشتراكية والنقابات إلى الأمام أو على الأقل من أجل إزالتها بصورة عضوية بعد الآن.
وفي المناطق الاقتصادية حيث يمتلك حزبنا أفضل منظماته، وحيث تجد شعاراته استحسانا كبيرا ينبغي استخدام الضغط المنظم على النقابات وسوفياتات المنشآت المحلية لأجل تجميع كل النضالات الاقتصادية المعزولة التي تندلع في هذه المنطقة، وكذلك التحركات التي تطورها مجموعات أخرى، وتحويلها إلى نضال موحد واسع يتخطى من الآن وصاعدا إطار المصالح المهنية الخاصة، ويلاحق بعض المطالب الأولية المشتركة، بغية تحقيق هذه المطالب بمساعدة القوى المجتمعية لكل منظمات المنطقة.
وفي تحرك مماثل، يصبح الحزب الشيوعي المُوجِّه الفعلي للبروليتاريا المستعدة للنضال، فيما تتحطم البيروقراطية النقابية والأحزاب الاشتراكية التي قد تعارض تحركا منظما بموجب هكذا توافق، ليس فقط بخسارتها لنفوذها السياسي والمعنوي، بل أيضا بالتحطيم الفعلي لتنظيمها.
.34- وإذا ما أجبر الحزب الشيوعي على السعي للامساك بقيادة الجماهير في وقت تكون فيه التضادّات السياسية والاقتصادية شديدة الاحتدام وتتسبب بتحركات جديدة ونضالات جديدة، يمكن الاستغناء عن وضع مطالب خاصة، وتوجيه نداءات بسيطة ومركزة لأعضاء الأحزاب الاشتراكية والنقابات مباشرة، ودعوتهم لعدم تفادي النضالات الضرورية ضد أصحاب المشاريع، حتى ولو رغما عن نصائح قادتهم البيروقراطيين، نظرا للبؤس الكبير والاضطهاد المتنامي، وكي لا يندفعوا إلى الخسارة والدمار الكامل. ينبغي أن تبيِّن لهم أجهزة الحزب وبالأخص صحافته اليومية، كلَّ يوم، خلال هذه الحركة، أن الشيوعيين مستعدون للمشاركة في النضالات الحالية أو الوشيكة للبروليتاريين الخاضعين للبؤس، وأنهم يهرعون لنجدة كل المضطهدين ما أن يصبح ذلك ممكنا في الوضع المتوتر الحالي. وينبغي أن يُثَبت يوميا أن البروليتاريا لن تستطيع الاستمرار بالصمود دون هذه النضالات، وأن المنظمات القديمة تسعى مع ذلك لتفاديها ومنعها.
وينبغي للفروع النقابية والمهنية أن تستثير في الاجتماعات الروح النضالية لدى رفاقها الشيوعيين عبر إفهامهم بوضوح أنه لم يعد من الممكن التردد. ولكن الأساسي في حملة من هذا النوع هو تجميع النضالات والتحركات التي يسببها هذا الوضع وتوحيدها عضويا. ولا ينبغي أن تحافظ الأنوية والفروع الشيوعية في المنشآت والنقابات المنخرطة بالنضال على اتصال وثيق في ما بينها بشكل دائم وحسب، بل يجب أن تضع القيادات كذلك مباشرة بتصرف الحركات التي تحدث موظفين ومناضلين نشيطين من الحزب مكلفين، بالتوافق مع المقاتلين، بتعميم كل هذه التحركات وتوسيعها وزيادة حدتها وقيادتها في الوقت نفسه. وتقوم المهمة الأساسية للمنظمة على إبراز ما هو مشترك في كل مكان بين كل شيء ومختلف هذه النضالات كي تتمكن من الوصول عند الحاجة إلى نضال شامل بوسائل سياسية.
وأثناء تعميم النضالات وتعزيزها، سيكون من الضروري إنشاء أجهزة موحدة قيادية. وحيث تتقاعس لجنة الإضراب البيروقراطية في بعض النقابات بمهمتها، يجب أن يستحصل الشيوعيون، عبر ممارسة الضغط الضروري، على استبدال البيروقراطية بشيوعيين يؤمِّنون القيادة الحازمة والمصممة لهذا النضال. وما أن ننجح في دمج عدة معارك، ينبغي تأسيس قيادة مشتركة لمجمل التحرك، وهنا ينبغي أن يسيطر الشيوعيون، قدر الإمكان. ويمكن الوصول إلى هذه الوحدة القيادية بسهولة إذا ما تم إعداد ملائم من قبل الجناح الشيوعي في النقابات أو المنشآت، ومن قبل سوفياتات المصانع والجمعيات المنعقدة بكامل أعضائها لهذه السوفياتات، ولكن بشكل خاص من قبل الجمعيات العامة للمضربين.
وإذا ما اتخذ التحرك، بعد تعميمه، وبعد تحرك منظمات أرباب العمل والسلطات العامة، طابعا سياسيا، ينبغي الشروع بالدعاوة في الحال والإعداد الإداري لانتخاب المجالس العمالية الممكن والضروري. وأثناء هذا العمل، على جميع أجهزة الحزب أن تُبْرز بأكبر حدة ممكنة الفكرة القائلة بأنه فقط بواسطة أجهزة مماثلة للطبقة العاملة، منبثقة مباشرة من النضالات العمالية، يمكن بلوغ الانعتاق الفعلي للبروليتاريا، مع الازدراء المناسب للبيروقراطية النقابية وأعوانها في الحزب الاشتراكي.
.35- ينبغي للأحزاب الشيوعية، التي أصبحت قوية بشكل كاف، وبشكل خاص الأحزاب الجماهيرية الكبرى أن تكون مستعدة دائما عبر إجراءات متخذة مسبقا لتحركات سياسية كبيرة. وينبغي دائما التفكير، في مجرى الأعمال التظاهرية والحركات الإقتصادية وكذلك في مجرى الأعمال الحزبية، باستخدام التجارب التنظيمية التي تقدمها هذه الحركات بالشكل الأكثر حيوية، وذلك بهدف الوصول إلى اتصال أكثر وثوقا مع أوسع الجماهير. (إن دروس كل الحركات الجديدة الكبرى يجب أن تُناقش وتدرس بعناية في الاجتماعات الموسعة للموظفين القياديين والمناضلين المسؤولين في الحزب مع مندوبي المصانع الكبرى والمتوسطة، من أجل إقامة علاقات أكثر وثوقا، وأكثر فأكثر ضمانة بواسطة مندوبي المصانع). إن أفضل ضمانة لعدم القيام بهذه التحركات السياسية قبل الأوان، ولعدم حصولها إلاّ بقدر ما تسمح الظروف والتأثير الحالي للحزب إنما تتمثل في علاقات الثقة بين الموظفين والمناضلين المسؤولين في الحزب ومندوبي المصانع.
ودون هذا الاتصال الوثيق إلى أقصى الحدود الممكنة بين الحزب والجماهير البروليتارية العاملة في المنشآت الكبرى والمتوسطة، لن يتمكن الحزب الشيوعي من تحقيق هذه الأعمال الجماهيرية الكبرى والتحركات الثورية فعلاً. وإذا كانت الانتفاضة الثورية التي لا جدال فيها في إيطاليا، والتي وجدت أقوى تعبير عنها في احتلال المصانع، قد فشلت قبل الأوان، فلا شك في أن ذلك يعود، من جهة، لخيانة البيروقراطية النقابية وعدم كفاءة القيادة السياسية للحزب، ولكن أيضا لأنه لم يكن هناك علاقة منظمة بشكل وثيق بين الحزب والمصانع، بواسطة مندوبي المصانع المطلعين سياسيا، والمهتمين بحياة الحزب. وقد عانى تحرك عمال المناجم الإنكليز هذا العام هو أيضا دون أدنى شك معاناة كبيرة من هذا النقص الذي أفقده قيمته السياسية.

6 - صحافة الحزب
.36- ينبغي تطوير الصحافة الشيوعية وتحسينها من قبل الحزب بنشاط لا يكل. ولا يمكن الاعتراف بأية صحيفة كصحيفة شيوعية إذا لم تخضع لتوجيهات الحزب. وينبغي تطبيق هذا المبدأ أيضا على النتاجات الأدبية مثل الكتب والكراريس، والكتابات الدورية، الخ. آخذين بالاعتبار طابعها العلمي والدعاوي وغير ذلك.
يجب على الحزب أن يسعى لامتلاك صحف جيدة وأن يكون لديه العديد منها. وعلى كل حزب شيوعي أن يمتلك جريدة مركزية تكون، قدر الإمكان، يومية.
.37- لا ينبغي أن تصبح أي جريدة شيوعية مشروعا رأسماليا، كما هي الجرائد البرجوازية، وفي الغالب كذلك الجرائد المسماة اشتراكية. يجب أن تكون جريدتنا مستقلة عن مؤسسات التسليف الرأسمالية. إن التنظيم الحاذق للدعاوة عبر الإعلانات، التي يمكن أن تحسن مداخيل جريدتنا بشكل ملحوظ، لا يجب مع ذلك أن يوقعها أبدا في تبعية لبعض مؤسسات الإعلان الكبرى. وأكثر من ذلك، فإن موقفا صلبا من المسائل الاجتماعية البروليتارية كافة يؤمِّن لصحف أحزابنا الجماهيرية قوة واحتراما مطلقين. ولا ينبغي أن تشبع جريدتنا الرغبة في الإثارة والتسلية لدى جمهور متنوع. ولا ينبغي أن تقدم التنازلات للنقد الصادر عن الكتاب البرجوازيين الصغار أو الصحافيين المهرة لتخلق لنفسها زبائن صالونات.
.38- على الجريدة الشيوعية أن تدافع قبل كل شيء عن مصالح العمال المضطهدين المناضلين. وأن تكون أفضل دعاتنا ومحرضينا، أي الداعية القيادية للثورة البروليتارية.
فمهمة جريدتنا أن تجمع التجارب المكتسبة في مجرى نشاط كل أعضاء الحزب وأن تجعل منها ما يشبه الموجه السياسي لأجل مراجعة أساليب العمل الشيوعي وتحسينها. ينبغي أن يتم تبادل هذه التجارب في اجتماعات محررين من كل البلدان، اجتماعات تسعى لخلق أكبر وحدة ممكنة في الأسلوب والتوجه في مجمل صحافة الحزب، وهكذا تصبح هذه الصحافة، وكل جريدة بشكل خاص، أفضل منظّم لعملنا الثوري.
دون هذا العمل التنظيمي الواعي وهذا التنسيق بين الجرائد الشيوعية، وبشكل خاص الجريدة المركزية، سيكون من المستحيل وضع المركزية الديمقراطية موضع التنفيذ والتنظيم الحكيم للعمل داخل الحزب الشيوعي وبالتالي إنجاز المهمة التاريخية.
.39- يجب أن تتجه الجريدة الشيوعية لأن تصبح منشأة شيوعيةً، أي تنظيما بروليتاريا للمعركة وتجمعا للعمال الثوريين، ولكل الذين يكتبون بشكل منتظم للجريدة ويصفّون حروفها، ويطبعونها، ويديرونها، ويوزعونها والذين يجمعون مادة الأخبار ويناقشونها ويصوغونها في الأنوية، وأخيرا الذين يعملون كل يوم من أجل انتشارها، الخ...
ولكي نجعل من الجريدة منظمة قتالية، وجمعية قوية وحيوية للشغيلة الشيوعيين، هناك سلسلة من الإجراءات العملية تفرض نفسها:
يرتبط كل شيوعي بشكل مسبق بجريدته إذ يعمل بها ويضحي بنفسه من أجلها. فهي سلاحه اليومي الذي ينبغي كي يخدم، أن يصبح يوما بعد يوم أقوى وأكثر حدة. ولا يمكن أن تستمر الجريدة الشيوعية إلاّ بفضل أكبر التضحيات المالية والمادية. وعلى أعضاء الحزب أن يقدموا بشكل ثابت الوسائل الضرورية لتنظيمها وتحسينها، حتى تصبح منتشرة بشكل كاف في الأحزاب الشرعية الكبرى، وصلبة بشكل كاف لناحية تنظيم الحركة الشيوعية.
لا يكفي أبدا أن نكون محرضين ودعاة متحمسين للجريدة بل يجب أيضا أن نصبح معاونين مفيدين لها. يجب تزويدها بأقصى سرعة ممكنة بكل المعلومات التي تستحق أن يشار إليها، من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية، في الفرع النقابي أو في النواة، بدءا بحوادث العمل ووصولا إلى الاجتماعات المهنية، وانطلاقا من المعاملة السيئة التي يلقاها الشبان المتدرجون في العمل، وصولا إلى التقرير التجاري للمنشأة. ينبغي أن تًطلع الفروع النقابية الجريدة على كل الاجتماعات، والقرارات والإجراءات الأكثر أهمية التي تتخذها هذه الاجتماعات، وعلى اجتماعات أمانات سر الاتحادات، وكذلك على نشاط خصومنا. وغالبا ما تقدم الحياة العامة في الاجتماعات وفي الشارع للمناضلين الحزبيين اليقظين فرصة أن يراقبوا بحس نقدي تفاصيل يؤدي استخدامها في الجرائد إلى جعل موقفنا لناحية متطلبات الحياة واضحا لأكثر الأشخاص لا مبالاة.
على هيئة التحرير أن تعالج المعلومات المتعلقة بحياة العمال والمنظمات العمالية بأكثر ما يمكن من المحبة والحماس، وأن تستخدمها إمّا كأخبار موجزة تعطي جريدتنا حقا طابع جمعية تعاونية عمالية حيّة وقوية، أو لجعل تعاليم الشيوعية مفهومة في ضوء هذه الأمثلة الحية للحياة اليومية للعمال، مما يشكل الطريق الأسرع للوصول إلى جعل فكرة الشيوعية حية وحميمة لدى أوسع الجماهير العمالية. ويجب أن تكون هيئة التحرير، قدر الإمكان، تحت تصرف العمال الذي يزورون جريدتنا، في فترات الإستراحة، أي الفترات الأنسب من النهار، من أجل تلقي رغباتهم وشكاويهم المتعلقة بمآسي حياتهم، ولتسجيلها بعناية، واستخدامها لإعطاء حياة للجريدة. وبالطبع لا يمكن لأي من جرائدنا أن تصبح جمعية عمل شيوعية حقيقية، ضمن المجتمع الرأسمالي. ومع ذلك يمكن، حتى في الشروط الأكثر صعوبة، تنظيم جريدة ثورية عمالية انطلاقا من وجهة النظر هذه. وقد أثبت ذلك نموذج «البرافدا» لرفاقنا الروس خلال السنوات 1912-1913. فهذه الجريدة كانت تشكل بالفعل منظمة متفرغة نشطة للعمال الثوريين الواعين في المراكز الأكثر أهمية من الإمبراطورية الروسية. فهؤلاء الرفاق كانوا يحررون الجريدة، ويطبعونها ويوزعونها في وقت واحد ومجتمعين. وغالبية الرفاق كانوا يقتصدون المال الضروري للنفقات من عملهم وأجور عملهم. وقد منحتهم الجريدة من ناحيتها ما كانوا يرغبون فيه، وما كانوا بحاجة إليه آنذاك في الحركة، وما لا يزال يخدمهم اليوم أيضا في العمل وفي النضال. لقد استطاعت هكذا جريدة في الواقع أن تصبح، بالنسبة لأعضاء الحزب، كما بالنسبة لكل العمال الثوريين، ما كانوا يسمّونه «جريدتنا».
.40- إن العنصر الأساسي في نشاط صحافة القتال الشيوعية هو المشاركة المباشرة في الحملات التي يخوضها الحزب. وإذا تركز نشاط الحزب في لحظة معينة حول حملة محددة، يجب أن تضع جريدة الحزب في خدمة هذه الحملة كلَّ أعمدتها وكل زواياها، وليس فقط مقالاتها السياسية الأساسية. ينبغي أن يجد التحرير مادة في جميع الميادين من أجل تعهد هذه الحملة، ومن أجل تغذية الجريدة بأكملها، بالشكل الأكثر ملاءمة.
.41- ينبغي أن يتم الاكتتاب لصالح جريدتنا تبعا لمنهج موضوع. وأن تستخدم، في البداية، كل الأوضاع التي يكون العمال منخرطين أثناءها في الحركة بالشكل الأنشط، والتي تكون فيها الحياة السياسية والاجتماعية أكثر توتراً بفعل حدث سياسي واقتصادي معين. هكذا بعد كل إضراب أو إغلاق مصنع، دافعت خلالهما الجريدة علنا وبحماس عن مصالح العمال المناضلين، ينبغي أن يتم بعد نهاية الإضراب مباشرة القيام بحملة اكتتاب من شخص لشخص، لدى كل أولئك الذين قاموا بالإضراب. ولا يجب أن تقوم بالدعوة للجريدة الفروع الشيوعية النقابية والمهنية التي كانت منخرطة في الحركة الإضرابية وحسب، وذلك في وسطها وبواسطة اللوائح وأوراق الاشتراكات، بل يجب السعي قدر الإمكان أيضا للحصول على لوائح بالعمال الذين قاموا بالإضراب وعلى عناوينهم كذلك، من أجل أن تتمكن المجموعات الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة من أن تقوم بتحريض نشط في المنازل.
وكذلك بعد كل حملة سياسية انتخابية، أثارت اهتمام الجماهير العمالية، ينبغي القيام بتحريض منزلي منهجي، من منزل لآخر، بواسطة مجموعات الشغيلة المكلفين بشكل خاص بهذه المهمة في مختلف الأحياء العمالية.
وخلال فترات الأزمات السياسية أو الاقتصادية الكامنة التي تشعر الجماهير العمالية بآثارها على شكل غلاء في المعيشة وبطالة ومآس أخرى، ينبغي بذل كل الجهود من أجل الحصول، بعد القيام بدعاوة ذكية ضد هذه المآسي، على لوائح كبيرة، إذا أمكن، بالعمال المنظمين في النقابات، وذلك بواسطة الفروع النقابية، كي تتمكن المجموعة الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة من أن تستمر بتحريضها المنزلي بشكل منهجي. والأسبوع الأخير من الشهر هو الأكثر ملاءمة لهذا العمل الاكتتابي الدائم. وكل منظمة محلية تترك هذا الأسبوع الأخير من الشهر يمر دون أن تواصل دعاوتها لصالح الصحافة، ولو مرة في العام، فإنها تسبب بتأخير مدان في امتداد الحركة الشيوعية. ولا يجب أن تترك المجموعة الخاصة المكلفة بمصالح الجريدة أيّ اجتماع عمالي عام يمر وأي تظاهرة كبرى، دون أن تتحرك بالطريقة الأكثر نشاطا، في البداية وأثناء هذه التحركات وحتى نهايتها، من أجل الحصول على اشتراكات للجريدة. ويجب أن تقوم الفروع النقابية بإنجاز المهمة نفسها في اجتماعات نقاباتها كافة، وكذلك الأنوية والفروع النقابية، في الاجتماعات المهنية.
.42- ينبغي أن يتم الدفاع بشكل ثابت عن جريدتنا من قبل أعضاء الحزب ضد كل أعدائها.
ويجب أن يقوم أعضاء الحزب بنضال لا رحمة فيه ضد الصحافة الرأسمالية، ويكشفوا للجميع ويفضحوا بشكل نشط ارتشاءها، وأكاذيبها وتحفظاتها الدنيئة، وكل دسائسها.
ينبغي أن يتم التغلب على الصحافة الاشتراكية-الديمقراطية والصحافة الاشتراكية المستقلة بفضح موقفها الخياني بأمثلة من الحياة اليومية، وبواسطة الهجومات المستمرة ولكن دون الضياع في السجالات الصغيرة التكتيكية. ويجب أن تسعى الفروع النقابية وغيرها لتخليص أعضاء النقابات والتجمعات العمالية الأخرى من التأثير المثير للبلبلة والمشلّ للصحف الاشتراكية-الديمقراطية. وينبغي أيضا أن نوجه العمل بذكاء لكسب المشتركين لجريدتنا، وكذلك التحريض المنزلي أو في المنشآت، ضد صحافة الاشتراكين-الخونة.

7 - البنية العامة للحزب
.43- من أجل توسيع الحزب وتوطيده، لا ينبغي أن توضع تقسيمات تبعا لترسيمة شكلية وجغرافية، بل يجب أن تؤخذ بالاعتبار بشكل خاص البنية الاقتصادية والسياسية الفعلية للمناطق المعنية والوسائل التقنية للاتصال. ينبغي أن تكون قاعدة هذا العمل في العواصم بشكل خاص، وفي المراكز البروليتارية للصناعة الكبيرة.
نلحظ في الغالب، ومنذ البداية، أثناء تنظيم الحزب الجديد، جهودا تتجه لمد شبكة منظمات الحزب في كل البلد. وعلى الرغم من القوى المحدودة جدا الموجودة بتصرف هذه المنظمات، يجري السعي في الغالب لتشتيتها في الجهات الأربع. فتضعف بذلك قوة جذب الحزب ونموه. يجري الوصول، خلال بضع سنوات لامتلاك نظام مكاتب واسعة جدا، هذا صحيح، ولكن في الغالب لا يكون نجح الحزب في أن يتركز بصلابة في أي من المدن الصناعية الأكثر أهمية في البلد.
.44- من أجل منح الحزب أكبر مركزة ممكنة، لا ينبغي تجزيء قيادته إلى تراتبية كاملة تتضمن درجات عديدة يخضع بعضها للبعض الآخر بشكل كامل. بل يجب السعي، في كل مركز اقتصادي أو سياسي أو مركز مواصلات، لبناء شبكة تمتد على الضواحي الواسعة لهذه المدينة، وعلى المنطقة الاقتصادية أو السياسية المرتبطة بها. إن لجنة الحزب التي تقود عمل الحزب في المنطقة انطلاقا من هذه المدينة ـ كما الرأس الجسد - والتي تمارس قيادتها السياسية، يجب أن تبقى على أوثق صلة بالجماهير الشيوعية في مركز المحافظة.
على المنظِّمين الذين تعيّنهم كونفرانسات المناطق أو المؤتمر المنطقي للحزب، والذين تثبّتهم القيادة المركزية، أن يشاركوا بشكل منتظم في حياة الحزب في مركز المحافظة. وينبغي أن تعزَّز اللجنة المنطقية للحزب دائما بشغيلة يتم اختيارهم من الأعضاء في مركز المحافظة، على الشكل الذي يقيم اتصالا حيا ووثيقا بين اللجنة السياسية للحزب التي تقود المنطقة والجماهير الشيوعية في مركز المحافظة. وعندما نصل إلى درجة معينة من التنظيم، يجب أن تصبح لجنة المنطقة القيادة السياسية لمركز المحافظة في هذه المنطقة، في الوقت نفسه. وعلى هذا الشكل، تقوم اللجان القيادية الحزبية في المنظمات المنطقية، بالتوافق مع اللجنة المركزية، بدور الأجهزة القيادية فعلا في منظمات الحزب. ولا ينبغي أن يتحدد امتداد دائرة سياسية للحزب، بطبيعة الحال، بالامتداد المادي للمنطقة. فما يجب أخذه بالاعتبار قبل كل شيء هو الإمكانية المتوفرة للجان المناطقية الحزبية لتقود من مركز واحد كل المنظمات المحلية للمنطقة. وعندما يستحيل ذلك، ينبغي تقسيم المنطقة وتشكيل لجنة مناطقية جديدة للحزب.
ويحتاج الحزب، بطبيعة الحال، في البلدان الكبرى لبعض أجهزة الارتباط، سواء بين القيادة المركزية ومختلف القيادات المنطقية (قيادة الإقليم، وقيادة المحافظة، الخ.) أو بين القيادة المنطقية ومختلف المنظمات المحلية (قيادة القضاء والكانتون). وربما كان من المفيد، في بعض الظروف، إعطاء هذا الجهاز أو ذاك من الأجهزة الوسيطة دورا قياديا، على سبيل المثال في مدينة كبيرة تضم عددا لا بأس به من الأعضاء. ولكن بشكل عام ينبغي تفادي هذا الشكل من اللامركزية.
.45- تُشكل وحدات الحزب الكبرى (الدوائر) من قبل المنظمات المحلية للحزب: من قبل «المجموعات المحلية» في الأرياف والمدن الصغيرة، ومن قبل «المديريات» أو «الفروع» في مختلف أحياء المدن الكبرى.
وينبغي حلّ كل منظمة محلية حزبية تكون غير قادرة، ضمن ظروف شرعية، على عقد اجتماعات عامة لأعضائها، أو ينبغي تقسيمها.
وينبغي أن يوزَّع الأعضاء في المنظمات الحزبية المحلية لأجل العمل اليومي للحزب، على مختلف مجموعات العمل. وفي المنظمات الأكبر حجما، يمكن أن يكون مفيدا جمع مجموعات العمل في فرق جماعية مختلفة. وفي الفرقة الجماعية الواحدة ينبغي اعتماد قاعدة عامة تقوم على إدخال كل الأعضاء الذين يتلاقون ويتصلون بعضهم ببعض في الغالب، في مركز عملهم أو بشكل عام في حياتهم اليومية. وتقوم مهمة الفرقة الجماعية على توزيع العمل الحزبي العام بين مختلف مجموعات العمل، وتلقي التقارير من المكلفين وتكوين مرشحين لعضوية الحزب في أوساطها، الخ.
.46- يخضع الحزب بمجمله لقيادة الأممية الشيوعية. وتوجّه توجيهات القيادة الأممية وقراراتها حول المسائل التي تهم الأحزاب المنتسبة إمّا:
.1) إلى القيادة المركزية العامة للحزب، أو
.2) بواسطة القيادة المركزية أو اللجنة القيادية لهذا العمل الخاص أو ذاك، أو أخيرا
.3) لكل منظمات الحزب.
إن توجيهات الأممية وقراراتها ملزمة للحزب، ودون شك لكل من أعضائه.
.47- تكون اللجنة المركزية للحزب (مجلس مركزي أو لجنة) مسؤولة أمام مؤتمر الحزب وأمام قيادة الأممية الشيوعية. وبوجه عام، فإن مؤتمر الحزب هو الذي ينتخب اللجنة المركزية المصغرة، وكذلك اللجنة الكاملة، أو الموسعة، والمجلس أو اللجنة. وإذا رأى مؤتمر الحزب ذلك ضروريا، يمكنه أن يكلف القيادة المركزية بانتخاب قيادة ضيقة داخلها مشكَّلة من المكتب السياسي والمكتب التنظيمي. وتتم قيادة سياسة الحزب وشؤونه الجارية، التي تقع تحت مسؤولية القيادة الضيقة، من قبل هذين المكتبين. وتعقد القيادة الضيقة اجتماعات عامة للجنة القيادية بشكل منتظم لاتخاذ قرارات ذات أهمية كبرى وقيمة عالية. ومن أجل الاطلاع على الوضع السياسي العام بكل جدية ضرورية، ومعرفة إمكانية تحرك الحزب بشكل صحيح، وامتلاك صورة صحيحة وواضحة عن ذلك، هناك ضرورة أن تؤخذ بالاعتبار، في انتخابات القيادة المركزية للحزب، الاقتراحات المقدمة من مختلف المناطق في البلد. وللسبب عينه، لا ينبغي قمع الآراء التكتيكية المعارضة ذات الطابع الجدي في الانتخابات للقيادة المركزية. على العكس، ينبغي أن تتم الانتخابات على الشكل الذي تتمثل به هذه الآراء المعارضة في اللجنة القيادية عبر أفضل المدافعين عنها. أمّا القيادة الضيقة فينبغي أن تكون، مع ذلك، منسجمة في مفاهيمها، ولكي تكون صارمة وحازمة، لا يجب أن ترتكز فقط على سلطتها الخاصة، بل أيضا على أكثرية صلبة، واضحة وعديدة، في اللجنة القيادية بمجملها.
وبفضل تشكيلٍ بهذا الاتساع للقيادة المركزية، سرعان ما يتمكن الحزب الشيوعي الشرعي من تثبيت لجنته المركزية على أفضل الأسس: انضباط صارم وثقة مطلقة من الأعضاء؛ ويضاف إلى ذلك، أنه سيتمكن هكذا من محاربة الأمراض وحالات الضعف التي يمكن أن تظهر بين الموظفين وشفائها. وسيتمكن أيضا من تفادي تراكم هذه الأنواع من التعفن في الحزب، وتفادي ضرورة القيام بعملية ربما كانت كارثية ستفرض نفسها فيما بعد في المؤتمر.
.48- ينبغي أن تقيم كل لجنة حزبية تقسيما فعالا للعمل داخلها كي تتمكن من قيادة العمل السياسي بشكل حقيقي في مختلف الميادين. ومن هذه الزاوية ربما بدا ضروريا تكوين قيادات خاصة، في بعض الميادين (على سبيل المثال، للدعاوة، وخدمات الجريدة، والنضال النقابي، والتحريض في الأرياف، والتحريض بين النساء، وللارتباط، والمساعدة الثورية الخ). وتكون مختلف القيادات الخاصة خاضعة، إما للجنة المركزية، أو للجنة المنطقية للحزب. ويعود الإشراف على نشاط كل اللجان الملحقة وكذلك حسن تشكيلها إلى القيادة المركزية بنهاية المطاف. والأعضاء المستخدمون في عمل الحزب السياسي، كما البرلمانيون يخضعون مباشرة للجنة القيادية. وربما بدا من المفيد من وقت لآخر تبديل مهام الرفاق العاملين في الحزب وعملهم (مثلا المحررين، والذين يقومون بالعمل الدعاوي، والمنظمين، الخ.) دون إرباك سير العمل كثيرا. وينبغي أن يشارك المحررون، والذين يقومون بالدعاوة خلال فترة طويلة الأمد، في النشاط السياسي المنتظم للحزب في إحدى مجموعات العمل الخاصة.
.49- وتملك القيادة المركزية للحزب وكذلك قيادة الأممية الشيوعية حق طلب معلومات كاملة من كل المنظمات الشيوعية، ولجانها ومختلف أعضائها في كل لحظة. إن ممثلي القيادة المركزية ومندوبيها يجب أن يمتلكوا حق التصويت والفيتو في كل الاجتماعات والجلسات. وينبغي باستمرار، أن يكون بتصرف القيادة المركزية للحزب مندوبون (مفوضون) كي تتمكن من تثقيف مختلف القيادات المنطقية والإقليمية وإعلامها، ليس فقط عبر تعميمات دوّارة حول السياسة والتنظيم، أو عبر المراسلات، بل كذلك شفهيا، بشكل مباشر. وينبغي أن تعمل لجنة مراجعة، مشكلة من رفاق ذوي خبرة وثقافة، إلى جانب القيادة المركزية وكذلك إلى جانب كل قيادة منطقية: وتمارس هذه اللجنة الإشراف على الصناديق والمحاسبة، وتقدم تقارير منتظمة للجنة العليا (مجالس أو لجان).
ويحق لكل منظمة ولكل جهاز حزبي وكذلك لكل عضو أن ينقل في كل لحظة، ومباشرةً للقيادة المركزية للحزب أو للأممية أمنياته، أو مبادراته، أو ملاحظاته أو شكاويه.
.50- تكون توجيهات الأجهزة القيادية للحزب وقراراتها ملزمة للمنظمات التابعة ومختلف الأعضاء.
إن مسؤولية الأجهزة القيادية وواجبها بأن تحمي نفسها ضد التأخيرات والنواقص من جانب المنظمات القيادية، لا يمكن أن تحدَّد إلا شكليا وبجزء منها. وكلما كانت المسؤولية الشكلية صغيرة، مثلا، في الأحزاب غير الشرعية، كلما وجب أن تسعى لمعرفة رأي باقي أعضاء الحزب، وأن تحصل على معلومات أكيدة ومنتظمة وأن لا تتخذ قرارات ذاتية إلاّ بعد تفكير ناضج وجدي.
.51- ينبغي لأعضاء الحزب أن يتصرفوا في نشاطهم العلني كأعضاء منضبطين لمنظمة مقاتلة. وعندما تنشأ اختلافات في الرأي حول الطريقة الأصح للتحرك، ينبغي التقرير بصدد هذه الاختلافات قدر الامكان قبل التحرك، وذلك داخل منظمات الحزب، وأن لا يتم التحرك قبل اتخاذ هذا القرار. ومن أجل أن يطبّق كل قرار حزبي بحماس من قبل منظمات الحزب كافة، وأعضاء الحزب كافة، يجب دعوة جماهير الحزب قدر الإمكان لنقاش مختلف المسائل والتقرير بشأنها. وواجب هيئات الحزب ومنظماته أن تقرر إذا ما كان يمكن نقاش هذه المسألة أو تلك من قبل مختلف الرفاق أمام الرأي العام للحزب (في الصحافة والكراريس) وبأي شكل وعلى أي مستوى. ولكن، حتى لو كان هذا القرار الذي اتخذته منظمة الحزب، أو قيادة الحزب، خاطئا من وجهة نظر بعض الأعضاء، فينبغي ألاّ ينسى هؤلاء أبدا أن أسوأ خرق للانضباط والخطأ الأخطر في نشاطهم العلني هو أن يشقوا وحدة الجبهة المتحدة أو حتى يضعفوها.
إن الواجب الأسمى لكل عضو حزبي أن يدافع عن الأممية الشيوعية ضد الجميع. ومن ينسى ذلك ويهاجم الحزب أو الأممية الشيوعية علنا ينبغي أن يعامل كخصم للحزب.
ينبغي أن تطبق قرارات الأممية الشيوعية دون إمهال من قبل الأحزاب المنتسبة، حتى في حال كان هناك ضرورة لإجراء تعديلات ملائمة على الأنظمة الداخلية للحزب وعلى قراراته، طبقا للأنظمة الداخلية.

8 - الربط بين العمل الشرعي والعمل غير الشرعي
.53- يمكن أن تجري تغييرات وظيفية في الحياة الجارية لحزب شيوعي تبعا للمراحل المختلفة للثورة. ولكن في الواقع ليس هناك فرق أساسي في البنية التي ينبغي أن يسعى لامتلاكها حزب شرعي وحزب غير شرعي.
يجب أن ينظم الحزب على الشكل الذي يسمح له أن يتكيف بسرعة مع تحولات شروط النضال.
وينبغي أن يصبح الحزب الشيوعي منظمة مقاتلة قادرة من جهة، وفي حقل مفتوح، على تفادي عدو يملك قوى متفوقة محتشدة في نقطة واحدة، وأن تستخدم من جهة ثانية الصعوبات التي يواجهها العدو لمهاجمته في النقطة التي يستبعد أن يحصل الهجوم فيها. وسيكون أكبر خطأ أن يجري الاستعداد حصرا للانتفاضات ومعارك الشوارع أو للفترات التي يكون القمع فيها على أشده. ينبغي أن ينجز الشيوعيون عملهم الثوري الإعدادي في كل الأوضاع ويكونوا دائما جاهزين للنضال، لأنه غالبا ما يكون من شبه المستحيل توقع تعاقب فترات اليقظة والاستراحة؛ ولا يمكن الإفادة من هذا التوقع لإعادة تنظيم الحزب لأن التحول يكون بالعادة سريعا جدا ويأتي في الغالب بشكل مفاجئ تماما.
.54- في العادة، لم تفهم الأحزاب الشيوعية الشرعية في البلدان الرأسمالية بعد بشكل كاف، هذا الإعداد كمهمة مطروحة عليها، بهدف الانتفاضات الثورية، والمعارك المسلحة، وبشكل عام بهدف النضال غير الشرعي. فيجري بناء الحزب في أغلب الأحيان من أجل العمل الشرعي المتصل، وتبعا لمتطلبات المهمات الشرعية اليومية.
وعلى العكس، في الأحزاب غير الشرعية، لا يُفهم بشكل كاف ضرورة استخدام امكانات العمل الشرعي وبناء الحزب على الشكل الذي يجعله على علاقة حية بالجماهير الثورية. وتميل جهود الحزب لأن تصبح شبيهة بعمل سيزيف [13] أو مؤامرة عاجزة.
هذان الخطآن، سواء بالنسبة للحزب الشرعي أو بالنسبة للحزب غير الشرعي هما خطآن خطيران. ينبغي أن يعرف كل حزب شيوعي شرعي كيف يعد نفسه، بالشكل الأكثر نشاطا، لضرورة الوجود السري، وأن يكون مسلحا بشكل خاص من أجل الانتفاضات الثورية. ومن جهة ثانية، ينبغي أن يكون كل حزب شيوعي غير شرعي قادرا على استخدام كل إمكانات الحركة العمالية الشرعية كي يصبح، عبر العمل السياسي المكثف، المنظّم لأوسع الجماهير الثورية وموجهها الفعلي. ينبغي أن تتوحد قيادة العمل الشرعي والعمل غير الشرعي بشكل دائم بين يدي القيادة المركزية الحزبية الواحدة.
.55- غالبا ما ينظر إلى العمل غير الشرعي في الأحزاب الشرعية، باعتباره تأسيسا لمنظمة مغلقة والمحافظة عليها كمنظمة عسكرية حصرا ومعزولة عن باقي سياسة الحزب وتنظيمه. إن هذا المفهوم خاطئ كليا. ففي المرحلة قبل الثورة ينبغي، على العكس، أن يكون تشكيل تنظيمنا القتالي، بشكل رئيسي، ناتجا لمجمل النشاط الشيوعي للحزب. وينبغي أن يصبح الحزب بأكمله منظمة قتالية من أجل الثورة.
إن المنظمات الثورية المعزولة ذات الطابع العسكري، التي تنشأ بشكل غير ناضج قبل الثورة، تُظهر بسهولة كبيرة ميلا للانحلال والإحباط، لأنها تفتقد في الحزب العمل المفيد مباشرة.
.56- بالنسبة للحزب غير الشرعي، هناك مسألة ذات أهمية بديهية كبرى، وهي أن يتفادى بشكل دائم كشف أعضائه وأجهزته، فيجب أن يتفادى إذا إفشاء أسمائهم بواسطة لوائح التسجيل، أو عن طريق الإهمال في توزيع المواد، ودفع الاشتراكات. فلا يمكن أن يفيد حزب غير شرعي إذا، بالقدر نفسه الذي يفيد به حزب شرعي من الأشكال التنظيمية المفتوحة في سعيه وراء أهداف تآمرية، ويجب مع ذلك أن يسعى لأن يتمكن أكثر فأكثر من القيام بذلك.
ينبغي اتخاذ كل الإجراءات لمنع العناصر المشكوك بها وغير الموثوقة من الدخول إلى الحزب. والوسائل التي ينبغي استخدامها لأجل هذا الهدف تتوقف بقوة على طابع الحزب، هل هو شرعي أو غير شرعي، يتعرض للإضطهاد أو هو مرخّص به، في حالة نمو أو حالة ركود. والوسيلة التي خدمت بفعالية في بعض الظروف هي نظام الترشيح. فالأشخاص الذين يسعون لأن يتم قبولهم في الحزب، يكونون في البداية أعضاء مرشحين بناء على ترشيح عضوين من الحزب، وبناء على الشكل الذي ينفذون به المهمات الموكلة إليهم يتقرر قبولهم أو عدم قبولهم كأعضاء في الحزب.
وسترسل البرجوازية دون شك أشخاصا استفزازيين وعملاء إلى المنظمات غير الشرعية. ينبغي خوض نضال مستمر ودقيق ضدهم: ويقوم أحد أهم الأساليب على الجمع الوثيق بين العمل الشرعي وغير الشرعي. إن عملا ثوريا شرعيا لمدة معينة هو أفضل وسيلة لتبيُّن درجة الثقة التي يستحقها كل واحد، ووعيه، وقوته وطاقته ومواظبته. هكذا سنعرف من يمكن تكليفه بعمل غير شرعي يتناسب أكثر ما يتناسب مع إمكاناته.
يجب أن يتحضر كل حزب غير شرعي. دائما بشكل أفضل، إزاء كل مفاجأة (مثلا، عن طريق وضع عناوين الوسطاء بمكان أمين، وإتلاف الرسائل كقاعدة عامة، وحفظ الوثائق الضرورية بعناية، وتكوين ضباط الارتباط بصورة تآمرية).
.57- ينبغي أن يتم توزيع عملنا السياسي الشامل على الشكل الذي تتطور فيه منظمة مثالية تتلاءم مع متطلبات هذه المرحلة وتتمتن جذورها. ومن المهم بشكل خاص أن تضع قيادة الحزب الشيوعي هذه المتطلبات دائما نصب عينيها خلال نشاطها، وأن تسعى قدر الإمكان لتصور هذه المتطلبات مسبقا. ولن نتمكن بالطبع من تكوين فكرة صحيحة وواضحة عنها، ولكن ذلك ليس سببا لإهمال وجهة النظر الأساسية لقيادة المنظمة الشيوعية.
ذلك أنه إذا طرأ أي تغير وظيفي في الحزب الشيوعي لحظة الانتفاضة الثورية المعلنة، فإن الحزب الأكثر تنظيما، سيجد نفسه بمواجهة مشاكل شديدة الصعوبة ومعقدة. ويمكن أن نُجبر خلال فترة بضعة أيام على تعبئة الحزب في معركة مسلحة، وليس فقط الحزب، بل احتياطيه، وتنظيم الأنصار وكل القوات الخلفية، أي تنظيم الجماهير الثورية غير المنظمة. ولا يتعلق الأمر، في هكذا لحظة، بتشكيل جيش أحمر نظامي. ينبغي أن ننتصر دون جيش معدٍ مسبقا، فقط بواسطة الجماهير الموضوعة تحت قيادة الحزب. وإذا لم يكن حزبنا معدا إذا بشكل مسبق بواسطة تنظيمه لهذه الحالة فإن النضال الأكثر بطولية لن يفيد بتاتا.
.58- لقد تبين في أوضاع ثورية عديدة أن القيادات المركزية الثورية لم تكن عند مستوى مهمتها. وفي المراتب الدنيا في التنظيم، تمكنت البروليتاريا من إظهار مزايا مدهشة خلال الثورة؛ ولكن الفوضى والبلبلة والعجز كانت سائدة في قيادتها بالغالب. وكان مفتقدا في بعض الأحيان حتى أبسط تقسيم للعمل، ومصلحة الإعلام كانت من السوء في الغالب بحيث تعود بالأضرار أكثر مما بالمنافع، فيما لا تستحق مصلحة الارتباط أدنى ثقة. وعندما يكون هناك حاجة لبريد سري أو نقل أو ملجأ أو مطبعة سرية، لا يتم الحصول عليها، عادة، إلاّ بفعل صدفة سعيدة. وكل استفزاز من جانب العدو المنظم يمتلك حظا بالنجاح.
ولن يكون الأمر على غير هذه الشاكلة، إذا لم يقم الحزب الثوري الذي يمتلك القيادة بتنظيم نفسه مسبقا. وهكذا على سبيل المثال فإن مراقبة البوليس السياسي واكتشافه يتطلبان تجربة خاصة؛ وجهاز الاتصال السري لا يمكن أن يعمل بسرعة وبشكل مضمون إذا لم يكن هناك تدريب طويل. وفي كل مجالات النشاط هذه ينبغي أن يقوم كل حزب شيوعي شرعي بتحضيرات سرية مهما كانت صغيرة.
ويمكن في هذا المجال أيضا، وبجزء كبير، أن يتم تطوير الجهاز الضروري عبر عمل شرعي كليا، إذا ما كان هناك اهتمام، خلال اشتغال هذا الجهاز، بالقدرة على تحويله مباشرة إلى جهاز غير شرعي. وهكذا على سبيل المثال يمكن تحويل المنظمة المكلفة بالتوزيع، المنتظمة بدقة، والبيانات الشرعية والمنشورات والرسائل، إلى جهاز سري للاتصال (خدمات البريد، البريد السري، المنازل السرية، النقل التآمري، الخ).
.59- يجب أن يرى المنظم الشرعي مسبقا كل عضو في الحزب وكل مناضل ثوري في دوره التاريخي المستقبلي كجندي لتنظيمنا المقاتل خلال مرحلة الثورة. وهكذا يمكن أن يعده مسبقا، في النواة التي يشكل جزءا منها، للعمل الذي يتلاءم بشكل أفضل مع مهمته وخدمته المستقبليتين. هذا ويجب أن يؤدي عمله الحالي خدمة مفيدة بذاتها وضرورية للنضال المستقبلي، وليس فقط كتمرين لا يفهمه العامل الممارس مباشرة، بل إن هذا النشاط هو بجزء منه أيضا تمرين في سبيل المتطلبات الأكثر أساسية لنضال الغد النهائي.



--------------------------------------------------------------------------------

قرار حول تنظيم الأممية الشيوعية
ينبغي أن تكون اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية منظمة على الشكل الذي يمكنها من اتخاذ موقف من كل قضايا عمل البروليتاريا. ومتخطية أطر الدعوات العامة كما تم إطلاقها حتى الآن حول هذه المسألة المطروحة للنقاش أو تلك، ينبغي أن تسعى اللجنة التنفيذية، أكثر فأكثر، لإيجاد الوسائل والطرق لتطوير مبادرتها العملية بصدد التحرك المشترك لمختلف فروعها في المسائل العالمية قيد النقاش، على صعيدي التنظيم والدعاوة. ينبغي أن تصبح الأممية الشيوعية أممية فعلية، أممية تقود النضالات المشتركة واليومية للبروليتاريا الثورية في جميع البلدان. إن الشروط التي لا مفر منها لذلك هي التالية:
.1- ينبغي أن تقوم الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الشيوعية بكل ما في وسعها من أجل الحفاظ على الاتصال الأكثر وثوقا ونشاطا مع اللجنة التنفيذية؛ فلا ينبغي فقط أن ترسل إلى التنفيذية أفضل ممثلي بلدانها، بل أن تزودها أيضا بشكل دائم بالمعلومات الأكثر احتراسا ويقظة، كي تتمكن من اتخاذ موقف بالاستناد إلى وثائق ومعلومات معمّقة حول المشاكل السياسية التي تنشأ. ومن أجل الصياغة المثمرة لهذه المواد، يجب أن تنظم التنفيذية أقساما خاصة في مختلف الفروع. ويضاف إلى ذلك ضرورة إنشاء معهد عالمي للاقتصاد والإحصاء تابع للحركة العمالية والشيوعية لدى اللجنة التنفيذية.
.2- ينبغي أن تقيم الأحزاب المنتسبة أوثق العلاقات فيما بينها، من أجل الإعلام المتبادل والاتصال العضوي، وبشكل خاص عندما تكون هذه الأحزاب متجاورة، ومهتمة تبعا لذلك أيضا بالصراعات السياسية المتولدة من التضادات الرأسمالية. إن أفضل وسيلة حاليا لإقامة هذه العلاقات هي تبادل قرارات الكونفرنسات الأكثر أهمية، والتبادل العام للمناضلين الذين يتم اختيارهم بدقة. يجب أن يصبح هذا التبادل ممارسة دائمة ومباشرة بالنسبة لكل فرع قادر على الفعل.
.3- ينبغي أن تحثّ التنفيذية على الاندماج الضروري بين كل الفروع القومية في حزب أممي متماسك للدعاوة والنشاط البروليتاريين المشتركين. ومن أجل ذلك ينبغي أن تصدر في أوروبا الغربية نشرة مراسلة سياسية باللغات الأكثر أهمية يتم بواسطتها إبراز الفكرة الشيوعية بشكل أكثر فأكثر وضوحا واتساعا، وتمنح، عبر إعلام مخلص ومنتظم، قاعدة عمل نشط ومتزامن لمختلف الفروع.
.4- إن إرسال ممثلين مسؤولين عن اللجنة التنفيذية إلى الفروع يسمح لها بدعم فعلي للاتجاه، الذي يتخذه النضال اليومي والمشترك للبروليتاريا في جميع البلدان، نحو أممية فعلية. وتكون مهمة هؤلاء الممثلين أن يُعْلموا التنفيذية بالشروط الخاصة التي على الأحزاب الشيوعية أن تناضل ضمنها في البلدان الرأسمالية أو المستعمَرة. وينبغي أن يسهروا، بعد ذلك، على أن تحفظ هذه الأحزاب الاتصال الأكثر وثوقا، سواء مع التنفيذية أو فيما بينها، من أجل مضاعفة قوة الهجوم لدى هذه وتلك. وينبغي أن تسهر التنفيذية كما الأحزاب على أن تصبح العلاقات المتبادلة بين المنتسبين سواء كانت شخصية أو بواسطة المراسلات المكتوبة، أكثر تواترا وسرعة لكي تتمكن من اتخاذ موقف إجماعي بصدد جميع القضايا السياسية الكبرى.
.5- ينبغي أن تكون التنفيذية موسعة جدا لكي تكون قادرة على بذل نشاط متنام باستمرار. إن الفروع التي منحها هذا المؤتمر 40 صوتا، كذلك اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة الشيوعية، يكون لها صوتان في التنفيذية؛ أمّا الفروع التي حصلت على 30 و 20 صوتا في المؤتمر فيكون لها صوت واحد. ويمتلك الحزب الشيوعي الروسي كما في الماضي خمسة أصوات. ويكون لممثلي الفروع الأخرى صوت استشاري. ويُنتخب رئيس التنفيذية من قبل المؤتمر. وتكلف التنفيذية بتعيين ثلاثة أمناء يتم اختيارهم، قدر الإمكان، من مختلف الفروع. يضاف إلى ذلك، أن الأعضاء المندوبين إلى اللجنة التنفيذية من مختلف الفروع مجبرون على المشاركة في إنجاز العمل الجاري، سواء عبر قيادة الفرع الوطني الملائم، أو عبر التكفّل بدراسة هذا المجال أو ذاك. ويُنتخب أعضاء مكتب الأعمال الصغير في تصويت خاص للجنة التنفيذية.
.6- يكون مقر التنفيذية في روسيا، الدولة البروليتارية الأولى. وينبغي أن تسعى التنفيذية مع ذلك، لأجل مركزة القيادة السياسية والعضوية للأممية بأكملها، بشكل أقوى، إلى توسيع دائرة نفوذها عن طريق الكونفرنسات التي ستعقدها خارج روسيا.



--------------------------------------------------------------------------------

قرار حول تحرك آذار (مارس) وحول الحزب الشيوعي الألماني الموحّد
يسجل المؤتمر العالمي الثالث، بارتياح، أن القرارات الأكثر أهمية، وخاصة الجزء من القرار حول التكتيك المتعلق بتحرك آذار/مارس الذي جرت مناقشته بحرارة، قد جرى تبنيها بالإجماع. وبأن ممثلي المعارضة الألمانية قد وقفوا في قرارهم حول تحرك آذار/مارس في الواقع على أرضية مماثلة لقرار المؤتمر.
ويرى المؤتمر في ذلك برهانا على أن العمل المتماسك والتعاون الحميم على قاعدة قرارات المؤتمر الثالث ليست فقط مستحبة، بل هي ممكنة داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد. ويعتبر المؤتمر أن كل تبديد للقوى داخل الحزب الشيوعي الألماني الموحّد، وكل تشكيل لتكتلات، دون الحديث حتى عن انشقاق، يشكل أكبر خطورة على مجمل الحركة.
وينتظر المؤتمر من القيادة المركزية وأغلبية الحزب الشيوعي الألماني الموحد موقفا متساهلا إزاء المعارضة القديمة شرط أن تطبق بإخلاص القرارات المتخذة من قبل المؤتمر الثالث؛ وهذا الأخير بالإضافة إلى ذلك مقتنع بأن القيادة المركزية ستبذل جهدها من أجل تجميع كل قوى الحزب.
ويطلب المؤتمر من المعارضة القديمة أن تحل مباشرة كل تنظيم تكتلي، وأن تخضع جناحها البرلماني كليا وبشكل مطلق للقيادة المركزية، وأن تخضع الصحافة كليا للمنظمات التابعة للحزب، وأن توقف مباشرة كل تعاون (في المجلات، الخ) مع بول ليفي، المطرود من الحزب والأممية الشيوعية.
ويكلف المؤتمر التنفيذية بمتابعة التطور اللاحق للحركة الألمانية بانتباه، وأن تتخذ مباشرة الإجراءات الأكثر حزما في حال حدوث أقل إخلال بالانضباط.



--------------------------------------------------------------------------------

موضوعات حول تكتيك الحزب الشيوعي الروسي
-1- الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية السوفياتية في روسيا

يتميز الوضع العالمي للجمهورية الفيدرالية لسوفياتات روسيا حاليا ببعض التوازن، الذي، على الرغم من كونه غير مستقر إلى أقصى حد، خلق وضعا فريدا في السياسة العالمية.
وتقوم هذه الفرادة على التالي: من جهة، البرجوازية العالمية معبأة بكره وعداء شديدين إزاء روسيا السوفياتية ومستعدة في كل لحظة لأن تندفع لخنقها. ومن جهة ثانية، انتهت كل محاولات التدخل المسلح، التي كلفت هذه البرجوازية مئات ملايين الفرنكات، بهزيمة كاملة، على الرغم من أن السلطة السوفياتية كانت أضعف بكثير مما هي عليه اليوم، وأن كبار الملاكين والرأسماليين كانوا يملكون جيوشا كاملة على أرض الجمهورية الفيدرالية السوفياتية الروسية. فقد تعززت المعارضة ضد الحرب مع روسيا السوفياتية إلى أقصى حد في البلدان الرأسمالية، مغذية بذلك الحركة الثورية البروليتارية وشاملة جماهير واسعة جدا من جماهير الديمقراطية البرجوازية. إن اختلاف المصالح القائم بين مختلف الدول البرجوازية تفاقم، وهو يتفاقم بشكل متزايد يوما بعد يوم. فيما تتنامى الحركة الثورية بين مئات الملايين من السكان المضطهدين في الشرق بقوة ملحوظة. وكنتيجة لمجمل هذه الشروط، وجدت الإمبريالية العالمية نفسها عاجزة عن خنق روسيا، على الرغم من أنها كانت أقوى منها بكثير، وأجبرت على الاعتراف بها أو شبه الاعتراف بها الآن، وعلى الدخول في مبادلات تجارية معها.
وجاءت النتيجة توازنا ربما كان مهتزا إلى أقصى حد، وغير مستقر إلى أقصى حد، ولكنه توازن يسمح، مع ذلك، للجمهورية الاشتراكية بالعيش، لوقت غير طويل بالطبع، في محيطها الرأسمالي.

-2- ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع
لقد استقر ميزان القوى الاجتماعي في العالم أجمع على قاعدة هذا الوضع على الشكل التالي:
بقيت البرجوازية، المحرومة من وسيلة شن حرب معلنة ضد روسيا السوفياتية، في وضع انتظاري باحثة عن اللحظة التي تسمح الظروف فيها باستئناف هذه الحرب.
وقد فرزت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتقدمة طليعة تتقدمها بشكل خاص الأحزاب الشيوعية، التي تنمو وتسير دون كلل تجاه كسب أغلبية البروليتاريا في كل بلد، مدمرة نفوذ البيروقراطيين النقابيين القدامى، وقادة الطبقة العاملة الأميركية والغربية المفسدين بالامتيازات الإمبريالية.
وتشكل الديمقراطية البرجوازية الصغيرة في البلدان الرأسمالية حاليا، التي تمثل جزأها المتقدم الأمميتان 2 و 2/1 2 ؛ الدعامة الرئيسية للرأسمالية، بقدر ما لا يزال نفوذها يطول أغلبية، أو جزءا هاما من العمال والمستخدمين في الصناعة والتجارة، الذين يخافون إن حدثت الثورة أن يفقدوا رفاهيتهم البرجوازية الصغيرة النسبية، المتأتية من الامتيازات الإمبريالية. ولكن الأزمة الاقتصادية المتنامية تُفاقم وضع الجماهير حيثما كان، وهذا الظرف، مضافا إلى الحتمية التي تصبح أكثر فأكثر بديهية لحدوث حروب إمبريالية جديدة إذا ما استمرت الرأسمالية، يجعل هذا الدعم مهتزا بشكل متزايد.
لقد استيقظت الجماهير الكادحة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، جماهير تشكل الأغلبية العظمى من سكان الأرض، على الحياة السياسية منذ بداية القرن العشرين، بشكل خاص بفعل الثورات الروسية والتركية والإيرانية والصينية. إن الحرب الإمبريالية بين عامي 1914ـ1918 والسلطة السوفياتية في روسيا تحولان هذه الجماهير بشكل حاسم إلى عامل فعال في السياسة العالمية وفي التدمير الثوري للإمبريالية، على الرغم من أن البرجوازية الصغيرة المستنيرة في أوروبا وأميركا، ومن ضمنها قادة الأممية الثانية والأممية 2/1 2، ترفض بعناد رؤية ذلك. وتقف الهند البريطانية على رأس هذه البلدان، وهناك تنمو الثورة بسرعة تزداد كلما باتت البروليتاريا الصناعية وبروليتاريا سكك الحديد داخلها أكثر أهمية، من جهة، وكلما أصبح الإرهاب الذي يمارسه الإنكليز أكثر شراسة، من جهة ثانية، إذ يلجأون بشكل متزايد إلى أعمال القتل الجماعية (أمريستار) وأعمال الجلد العلنية، الخ...

-3- ميزان القوى الاجتماعية في روسيا
يحدد الوضع السياسي الداخلي لروسيا السوفياتي بواقع أننا نشهد في هذا البلد، وللمرة الأولى في مجرى التاريخ العالمي، وجود طبقتين فقط، خلال عدة سنوات: البروليتاريا التي تدرَّبت خلال عشرات السنوات بواسطة صناعة آلية فتيَّة جدا، ولكنها، مع ذلك، حديثة وكبيرة، وطبقة صغار الفلاحين التي تشكل الأغلبية الواسعة من السكان.
لم يختف كبار الملاكين العقاريين وكبار الرأسماليين في روسيا. لكنهم خضعوا لعملية مصادرة كاملة وانهزموا سياسيا كطبقة بشكل كامل، وتختبئ فلولهم فقط بين المستخدمين الحكوميين في السلطة السوفياتية. ولم يجر الحفاظ على تنظيمهم الطبقي إلا في الخارج، على شكل جالية من المحتمل أنها تعد من مليون ونصف إلى مليوني شخص، وتملك أكثر من خمسين صحيفة يومية لكل الأحزاب البرجوازية و«الاشتراكية» (أي البرجوازية الصغيرة)، وكذلك فلول جيش، وروابط متعددة مع البرجوازية العالمية. وتعمل هذه الجالية بكل جهدها وبكل الوسائل لتقويض السلطة السوفياتية وإعادة الرأسمالية لروسيا.

-4- البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا
نظرا لهذا الوضع الداخلي، ينبغي للبروليتاريا الروسية، باعتبارها طبقة سائدة، أن تطرح على نفسها الآن، بشكل أساسي، تعيين الإجراءات الضرورية لقيادة طبقة الفلاحين، بذكاء، وتنفيذ هذه الإجراءات، من أجل الإبقاء على تحالف صارم معها، ولكي تُقطع المراحل العديدة المتلاحقة المؤدية إلى جماعية الزراعة بالجملة. وهذه المهمة صعبة بشكل خاص في روسيا، سواء بالنظر إلى الطابع المتأخر لبلدنا، أو بالنظر إلى الدمار الواسع بعد سبع سنوات في الحرب الإمبريالية والأهلية. ولكن، يضاف إلى هذه الخاصية، أن هذه المهمة تنتمي إلى عدد من المشاكل الأكثر صعوبة للتنظيم الاشتراكي، مشاكل تنطرح في جميع الدول الرأسمالية، ربما باستثناء إنكلترا. ومن المستحيل أن ننسى أنه إذا كانت طبقة صغار المزارعين-الاكارين قليلة العدد بشكل خاص، فإننا بالمقابل نجد نسبة مرتفعة بشكل استثنائي من العمال والمستخدمين الذين يمتلكون موقعا برجوازيا صغيرا بفعل العبودية الفعلية لمئات الملايين من سكان المستعمرات «التابعة» لإنكلترا.
لهذا فإن أهمية الحقبة التي تمر بها روسيا، من وجهة نظر تطور الثورة البروليتارية العالمية كسيرورة شاملة، تكمن بأنها تسمح بامتحان سياسة البروليتاريا التي تمسك بيدها السلطة الحكومية وبالتحقق منها عمليا، حيال جمهور بورجوازي صغير.

-5- التحالف العسكري بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين في الجمهورية الفيدرالية السوفياتية الروسية
لقد طرحت الحقبة الممتدة من 1917 إلى 1921 أسس العلاقات المتبادلة العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين في روسيا السوفياتية، في حين أن غزو الرأسماليين وكبار الملاكين الذي تلقى في الوقت نفسه دعم البرجوازية العالمية بمجملها، وجميع أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة (اشتراكيين- ثوريين ومناشفة)، ولّد التحالف العسكري بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين من أجل الدفاع عن السلطة السوفياتية، وثبته وحدده. إن الحرب الأهلية هي الشكل الأكثر حدة للصراع الطبقي. وكلما نشط هذا الصراع كلما أظهرت الممارسة نفسها، بسرعة أكبر ووضوح أكبر للشرائح الأكثر تخلفا حتى من طبقة الفلاحين، أن هذه الطبقة لا يمكن أن تنقذ إلا بواسطة دكتاتورية البروليتاريا، فيما يلعب الاشتراكيون-الثوريون والمناشفة، في الواقع، دور خدم كبار الملاكين والرأسماليين.
ولكن إذا كان تحالف البروليتاريا وطبقة الفلاحين العسكري ـ ولا يمكنه أن يكون إلاّ كذلك - الشكل الأول لتحالف صلب، فذلك لا يمنع أنه لا يمكن أن يستمر حتى لبضعة أسابيع، دون تحالف اقتصادي بين هاتين الطبقتين نفسيهما. لقد تلقى الفلاحون في الدولة العمالية الأرض والحماية ضد الملاك الكبير والمستغل القروي؛ وحصل العمال من الفلاحين على مواد أولية، على سبيل التسليف، بانتظار ترميم الصناعة الكبيرة.

-6- كيف يمكن إقامة العلاقات الاقتصادية العقلانية بين البروليتاريا وطبقة الفلاحين؟
لا يمكن أن يتحقق تحالف عقلاني بشكل كامل ومستقر، من وجهة نظر اشتراكية بين صغار الفلاحين والبروليتاريا إلاّ في اليوم الذي يسمح فيه النقل والصناعة الكبرى، بعد ترميمهما بشكل كامل، للبروليتاريا بإعطاء الفلاحين، مقابل المواد الغذائية، كل الأدوات التي هم بحاجة لاستخدامها والتي تحسِّن من استثمارهم للأرض. ونظرا لدمار البلد الكبير كان من المستحيل الوصول إلى هذه النتيجة دفعة واحدة. وقد شكلت المصادرات الإجراء الحكومي الأسهل منالا بالنسبة لدولة منظمة بشكل غير كاف، والذي سمح لها بالاستمرار في حرب بالغة الصعوبة ضد كبار المالكين. وقد فاقم المحصول السيء لعام 1920 البؤس الذي كان يرهق الفلاحين أصلا، وجعل التحول الفوري نحو الضريبة الغذائية ضروريا بشكل مطلق.
وتؤمن هذه الضريبة المعتدلة انفراجا كبيرا في وضع طبقة الفلاحين وتثير اهتمامها في الوقت نفسه بتوسيع المساحة المزروعة وتحسين أساليب الزراعة لديها.
وتشكل الضريبة الغذائية مرحلة وسيطة بين مصادرة جميع فوائض زروع (céréales) الفلاحين والتبادل العقلاني للمنتجات الذي تتوقعه الاشتراكية بين الصناعة والزراعة.

-7- طبيعة قبول السلطة السوفياتية بالرأسمالية وبالامتيازات وشروط ذلك
إن الضريبة الغذائية بجوهرها بالذات تعادل بالنسبة للفلاح الحرية في امتلاك الفوائض التي تبقى بعد دفع الضريبة. وبالقدر الذي ستكون فيه الدولة عاجزة عن تقديم منتجات الصناعة الاشتراكية للفلاح، مقابل مجموع هذه الفوائض، فإن حرية التجارة، التي تنتج عن ذلك، تعادل حتما حرية نمو بالنسبة للرأسمالية.
مع ذلك، وضمن الحدود المشار إليها، فإن الأمر ليس مخيفا بالنسبة للاشتراكية، طالما بقيت النقليات والصناعة الكبيرة بأيدي البروليتاريا. على العكس، فإن تطور الرأسمالية تحت إشراف الدولة البروليتارية وتنظيمها (أي تطور رأسمالية «الدولة» بهذا المعنى للكلمة) مفيد وضروري في بلد فلاحي صغير مهدم إلى أقصى الحدود ومتأخر (وبطبيعة الحال لمستوى معين فقط)، بمقدار ما يَنتج عن ذلك تسريع فوري لتطور الزراعة الفلاحية.
إن التعويض الممنوح للحاصلين على امتيازات، على شكل نسبة مئوية مقتطعة من منتجات ذات قيمة عالية، هو دون شك ضريبة تدفعها الدولة العمالية للبرجوازية العالمية. ودون إخفاء هذا الواقع أبداً، ينبغي أن نفهم بوضوح أنه سيكون من المفيد لنا أن ندفع هذه الضريبة، إذا كنا سنحصل بذلك على ترميم صناعتنا الكبيرة بسرعة وتحسين وضع العمال والفلاحين بشكل جدي.

-8- نجاحات سياستنا الغذائية
لقد كانت السياسة الغذائية لروسيا السوفياتية في المرحلة الممتدة بين 1917 و1921 دون شك فظة جدا وناقصة جدا، وفسحت المجال أمام الكثير من التعسف. وقد ارتكب العديد من الأخطاء لدى وضعها موضع التنفيذ، ولكنها كانت السياسة الوحيدة الممكنة ضمن الشروط المعطاة، إذا نظرنا إليها بمجملها. وقد أدت مهمتها التاريخية: أنقذت دكتاتورية البروليتاريا في بلد مهدم ومتأخر. والحقيقة التي لا جدال فيها هي أنها تحسنت بشكل مضطرد. ففي العام الأول الذي اكتملت فيه سلطتنا (أول آب/أغسطس 1918- 1 آب/أغسطس 1919)، جمعت الدولة 110 ملايين بود (pouds) من الزروع، وفي العام التالي – 220 مليونا، وفي الثالث- أكثر من 285.
وننوي اليوم، مزودين بتجربة عملية، أن نجمع 400 مليون بود، ونحن نعتمد على نجاح ذلك (حددت الضريبة الغذائية ب 240 مليونا).
وفقط إذا كانت الدولة العمالية تمتلك فعليا رأسمالا غذائيا كافيا، فإنها ستكون قادرة على الصمود بصلابة من وجهة نظر اقتصادية، وان تضمن ترميما، بطيئا لكن منتظما، للصناعة الكبيرة، وأن تبني نظاما ماليا عقلانيا.

-9- القاعدة المادية للاشتراكية وخطة توليد الكهرباء في روسيا
إن القاعدة المادية الوحيدة التي يمكن أن تملكها الاشتراكية هي الصناعة الكبيرة الآلية، القادرة على إعادة تنظيم الزراعة بالذات. ولكن لا يمكن أن نقف عند هذا الافتراض العام. بل ينبغي تجسيده. إن الصناعة الكبيرة التي تستجيب لمستوى التقنية الحديثة والقادرة على إعادة تنظيم الزراعة، إنما هي توليد الكهرباء للبلد بأكمله. وقد كان علينا تنفيذ الأعمال العلمية التحضيرية لخطة الإنارة هذه لجمهورية روسيا الفيدرالية، وقمنا بتنفيذها. وأنجز هذا العمل بالتعاون مع أكثر من 200 من أفضل العلماء والمهندسين والخبراء الزراعيين وجرى طبعه في شكل مجلد كبير، وأقر بمجمله في المؤتمر الثامن لسوفياتات روسيا في كانون الأول/ديسمبر 1920. ونحن اليوم جاهزون سلفا للدعوة لمؤتمر لعامة روسيا، يحضره تقنيو الكهرباء وينعقد في شهر آب/أغسطس 1920. وسيبحث بالتفصيل هذا العمل، الذي سيحصل آنذاك على التصديق النهائي من جانب الدولة. وتمتد أعمال الإنارة المعلنة كضرورة في أقصى الإلحاح على فترة عشر سنوات، وتتطلب 370 مليون يوم عمل تقريبا.
في عام 1918، كان لدينا فقط 8 محطات كهربائية مبنية حديثا مع 4557 كيلووات. وفي العام 1919 ارتفع هذا الرقم إلى 36 مع 1648 كيلووات، وفي العام 1920 إلى 100 مع 8699 كيلووات.
ومهما كانت متواضعة هذه البدايات لبلدنا الشاسع، فإن الأساس قد أرسي مع ذلك. وبدأ العمل، وهو يتقدم من حسن إلى أحسن. ولم يعد الفلاح الروسي، بعد الحرب الإمبريالية، ومليون سجين تآلفوا في ألمانيا مع التقنية الحديثة المتقنة، وبعد التجربة القاسية ولكن المفيدة لثلاث سنوات من الحرب الأهلية، لم يعد كما كان سابقا أبداً. فهو يرى شهرا بعد شهر بوضوح أكبر وبديهية أكبر أن قيادة البروليتاريا هي الوحيدة القادرة على انتزاع جمهور صغار المزارعين من عبودية رأس المال من أجل إيصالهم إلى الاشتراكية.

-10- دور «الديمقراطية المحضة» للأمميتين 2 و2/1 2 والاشتراكيين الثوريين والمناشفة باعتبارهم حلفاء لرأس المال
لا تعني دكتاتورية البروليتاريا توقف الصراع الطبقي، بل بالضبط استمراره بشكل جديد، وبواسطة أسلحة جديدة. وطالما بقيت الطبقات، وطالما ضاعفت البرجوازية، المطاحة في بلد معين، هجماتها عشرات المرات في العالم أجمع فإن هذه الدكتاتورية ضرورية. ولا يمكن إلا أن تمر طبقة صغار الملاكين العقاريين بسلسلة تذبذبات، خلال المرحلة الانتقالية، فصعوبات الوضع الانتقالي وتأثير البرجوازية، يستثيران بشكل محتم تقلبات في ذهنية هذا الجمهور. وتقع على عاتق البروليتاريا الموهنة والفاقدة هويتها الطبقية إلى حد ما بفعل تفكك قاعدتها الحيوية، أي الصناعة الكبرى الآلية، المهمة الصعبة جدا والمهمة الأكبر تاريخيا، وهي أن تصمد على الرغم من هذه التقلبات، وتنجز بنجاح عملها المتمثل بتحرير العمل من نير رأسٍ المال.
وتجد تقلبات البرجوازية الصغيرة تعبيرها السياسي في سياسة أحزاب الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، أي أحزاب الأممية الثانية والأممية 2/1 2 الممثلة في روسيا بـ«الاشتراكيين الثوريين» والمناشفة. هذه الأحزاب التي تملك اليوم أركان حربها وصحفها في الخارج، تتكتل مع الثورة المضادة البرجوازية بأكملها وتشكل خدامها المخلصين.
لقد ثمّن قادة البرجوازية الكبيرة الروسية، وعلى رأسهم ميليوكوف، زعيم حزب الكاديت («الديمقراطي-الدستوري») بوضوح ودقة وصراحة تامة، هذا الدور الذي لعبته الديمقراطية البرجوازية-الصغيرة، أي الاشتراكيون الثوريون وكتب مطوِّرا هذه الفكرة: «المجد وحرية الحركة» للاشتراكيين الثوريين والمناشفة («برافدا» 1921، العدد.. من باريس)، لأنه عليهم تقع مهمة التحويل الأول للسلطة، بالانفصال عن البلاشفة. لقد تنبه ميليكوف بذكاء للدروس التي قدمتها كل الثورات التي أظهرت أن الديمقراطية البرجوازية الصغيرة عاجزة عن الحفاظ على السلطة بما أنها لم تكن يوما إلاّ قناعا لدكتاتورية البرجوازية الكبيرة، ودرجة توصل إلى أتوقراطية البرجوازية الكبرى.
إن الثورة البروليتارية في روسيا تؤكد مرة أخرى من جديد هذا الدرس المستخلص من ثورات 1789-1794 و1848-1849، وتؤكد كلمات فريدريك انغلز، الذي كتب في 11 كانون الأول/ديسمبر في رسالة إلى بيبل: «... إن الديمقراطية المحضة تكتسب لحظة الثورة، ولوقت محدود، أهمية مؤقتة... باعتبارها الملاذ الأخير لكل النظام الاقتصادي البرجوازي وحتى الإقطاعي... في عام 1848، من آذار/مارس إلى أيلول/سبتمبر، لم تتوقف كتلة الإقطاع والبيروقراطية بأكملها عن دعم الليبراليين من أجل المحافظة على خضوع الجماهير الثورية. وفي كل الحالات، خلال الأزمة، وغداة الأزمة، سيكون عدونا الوحيد الكتلة الرجعية بأكملها، المجتمعة حول الديمقراطية المحضة. وهذه الحقيقة، برأيي، لا يجب أن تغيب عن نظرنا أبدا» (نشرت في روسيا بصحيفة «العمل الشيوعي»، العدد 360 في 9 حزيران/يونيو 1921، في مقال أدورا-تسكي تحت عنوان «ماركس وانغلز، حول الديمقراطية»، وفي ألمانيا في كتاب: فريدريك انغلز «وصية سياسية» برلين 1920. المكتبة الأممية للشبيبة، العدد 12، الصفحات 18-19).



--------------------------------------------------------------------------------

قرار حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا
إن المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية بعد أن استمع إلى خطاب الرفيق لينين حول تكتيك الحزب الشيوعي في روسيا وبعد أن أخذ علما بالموضوعات الملحقة به، يعلن:
يبدي المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية إكباره للبروليتاريا الروسية، التي ناضلت خلال أربعة أعوام، من أجل استلام السلطة السياسية. ويقر المؤتمر بالإجماع سياسة الحزب الشيوعي في روسيا الذي عرف منذ البداية المخاطر التي تتهدده في كل وضع، والذي بقي أمينا لمبادئ الماركسية الثورية وعرف دائما أن يجد سبيلا لتطبيقها، والذي يحشد اليوم أيضا بعد نهاية الحرب الأهلية قوى البروليتاريا كافة، التي يقودها الحزب الشيوعي في روسيا بهدف الحفاظ على دكتاتورية البروليتاريا في روسيا حتى اللحظة التي تأتي فيها البروليتاريا في أوروبا الغربية لنجدتها، يحشدها دائما بفعل سياسته إزاء طبقة الفلاحين، وفي مسألة الامتيازات وإعادة بناء الصناعة.
وإذ يعبر المؤتمر عن اقتناعه، بأنه ليس إلاّ بفضل هذه السياسة الواعية والمنطقية للحزب الشيوعي في روسيا، لا تزال روسيا السوفياتية أول حصن وأهم حصن للثورة العالمية، يستنكر السياسة الخيانية للأحزاب المنشفية التي عززت نضال الرجعية الرأسمالية ضد روسيا، بفعل معارضتها لروسيا السوفياتية ولسياسة الحزب الشيوعي في روسيا، والتي تسعى لتأخير الثورة الاجتماعية في العالم أجمع.
يدعو المؤتمر البروليتاريا في جميع البلدان لأن تصطف إلى جانب العمال والفلاحين الروس من أجل تحقيق ثورة أكتوبر في العالم أجمع.
عاش النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا.
عاشت الثورة الاشتراكية العالمية!



--------------------------------------------------------------------------------

الأممية الشيوعية والأممية النقابية الحمراء (النضال ضد أممية أمستردام الصفراء)
تستعبد البرجوازية الطبقة العاملة ليس فقط بواسطة القوة الفظّة بل أيضا بخدع مهذبة. فالمدرسة والكنيسة والبرلمان والفنون والأدب والصحافة اليومية هي كذلك أدوات قوية تستخدمها البرجوازية لتخبيل الطبقة العاملة ولإدخال الأفكار البرجوازية بين البروليتاريا.
وفي عداد هذه الأفكار البرجوازية التي نجحت الطبقة المسيطرة بإدخالها إلى أذهان الجماهير الكادحة توجد فكرة حياد النقابات، وطابعها اللاسياسي، الغريب عن كل حزب.
منذ العقود الأخيرة من التاريخ المعاصر وبشكل خاص منذ نهاية الحرب الإمبريالية، في أوروبا بمجملها وفي أميركا، أصبحت النقابات المنظمات البروليتارية الأكثر عددا: في بعض الدول تضم حتى الطبقة العاملة بمجملها دون استثناء. والبرجوازية تعرف تماما أن مصير النظام الرأسمالي يتعلق اليوم بموقف هذه النقابات إزاء النفوذ الشامل للبرجوازية وخدمها الاشتراكيين-الديمقراطيين من أجل الحفاظ على النقابات أسيرة الأفكار البرجوازية مهما كلف الأمر.
لا يمكن أن تدعو البرجوازية النقابات العمالية علنا لدعم الأحزاب البرجوازية. لذلك تدعوهم لعدم دعم أي حزب، دون استثناء حزب الشيوعية-الثورية.
ويملك شعار «الحياد» أو «اللاسياسة» للنقابات ماضيا طويلا وراءه. فخلال عقد من الزمن تم تلقيح النقابات بهذه الفكرة البرجوازية في إنكلترا وألمانيا وأميركا وبلدان أخرى، وسواء قادة النقابات البرجوازية من مثل هيرش-دينكر، أو قادة النقابات الاكليروسية والمسيحية؛ سواء ممثلي النقابات الحرة الألمانية المزعومة، أو قادة النقابات الهرمة والسلمية الإنكليزية، والعديد من الأنصار الآخرين للنقابية. خلال سنوات وعقود بشّر ليغيان، وغومبرز وجوهو، وسيدني ويب، بحياد النقابات.
في الواقع، لم تكن النقابات يوما حيادية ولا يمكن أن تكون كذلك أبدا، حتى لو أرادت. إن حياد النقابات لا يمكن إلاّ أن يكون مضرا بالطبقة العاملة، ولكنه مع ذلك غير قابل للتحقيق. ففي المبارزة بين العمل ورأس المال لا يمكن أن تبقى أي منظمة عمالية كبرى حيادية. وتبعا لذلك لا يمكن أن تكون النقابات حيادية بين الأحزاب البرجوازية وأحزاب البروليتاريا. إن الأحزاب البرجوازية تعي ذلك تماما. ولكن كما أن البرجوازية بحاجة لأن تقتنع الجماهير بالحياة الأبدية، فإنها بحاجة أيضا للإقناع بأن النقابات يمكن أن تكون لا سياسية، ويمكن أن تحافظ على حيادها إزاء الحزب الشيوعي العمالي. وكي تتمكن البرجوازية من الاستمرار بالسيطرة وباستغلال العمال للحصول على فائض القيمة، ليست بحاجة فقط لكاهن وشرطي وجنرال بل يلزمها كذلك البيروقراطي النقابي، «القائد العمالي» الذي ينصح بحياد النقابات وعدم مبالاتها في الصراع السياسي.
وقد أصبح خطأ هذه الفكرة حتى قبل الحرب الإمبريالية أكثر وأكثر بديهية بالنسبة للبروليتاريين الواعين في أوروبا وأميركا. وبقدر ما تحتدم التضادات الاجتماعية، تصبح الكذبة أكثر وضوحا. وعندما تبدأ المجزرة الإمبريالية يجد قدامى قادة النقابات أنفسهم مجبرين على نزع قناع الحياد والسير بصراحة كلٌّ مع برجوازيـ«ـته».
خلال الحرب الإمبريالية، كل الاشتراكيين-الديمقراطيين والنقابيين، الذين كانوا قضوا سنوات ينصحون النقابات باللامبالاة السياسية، أطلقوا في الواقع هذه النقابات نفسها في خدمة السياسة الأكثر دموية والأشد خساسة للأحزاب البرجوازية. وهم، أبطال الحياد بالأمس، نراهم الآن يعملون كعملاء معلنين للحزب السياسي الفلاني، سوى حزب واحد، حزب الطبقة العاملة.
وبعد نهاية الحرب الإمبريالية، حاول القادة الاشتراكيون-الديمقراطيون والنقابيون هؤلاء أنفسهم فرض قناع الحياد واللاسياسة على النقابات. وإذ مرّ الخطر العسكري تأقلم عملاء البرجوازية هؤلاء مع الظروف الجديدة وحاولوا بالإضافة إلى ذلك حرف العمال عن الطريق الثوري إلى الطريق الملائمة للبرجوازية.
يرتبط الاقتصادي والسياسي فيما بينهما دائما ارتباطا لا تنفصم عراه. وهذا الارتباط لا انفكاك فيه بشكل خاص في مراحل كتلك التي نمر بها الآن. ليس هناك مسألة هامة واحدة في الحياة السياسية لا ينبغي أن تهم الحزب العمالي والنقابة العمالية في آن. وبالمقابل ليس هناك مسألة اقتصادية هامة يمكن أن تهم النقابة لا تهم في الوقت نفسه الحزب العمالي.
عندما أعلنت الحكومة الإمبريالية الفرنسية التعبئة في بعض الفرق لاحتلال حوض الرور ولاضطهاد ألمانيا بصورة عامة، هل كان بإمكان نقابة فرنسية بروليتارية فعلاً القول إن هذه مسألة سياسية حصراً لا ينبغي أن تهم النقابات؟ هل تستطيع نقابة فرنسية ثورية حقا أن تعلن عن «حيادها» أو «لا سياسيتها» في هذه المسالة؟ أو إذا حدثت، على العكس، في إنكلترا، حركة اقتصادية محضة مثل الإضراب الأخير لعمال المناجم، هل يحق للحزب الشيوعي أن يقول أن هذه المسألة لا تعنيه وأنها تهم النقابات وحدها؟ عندما يبدأ النضال ضد البؤس والفقر اللذين يعاني منهما ملايين العاطلين عن العمل، عندما نكون مجبرين على طرح مسألة مصادرة المساكن البرجوازية بشكل عملي من أجل إرضاء حاجات البروليتاريا، عندما تكون جماهير متزايدة باستمرار من العمال مجبرة بفعل الحياة نفسها على أن تضع على جدول الأعمال تسليح البروليتاريا، عندما ينظم العمال، في بلد أو آخر، احتلال مشاغل ومصانع، - فالقول إن النقابات لا يجب أن تتدخل في النضال السياسي أو يجب أن تكون حيادية بين جميع الأحزاب، هو في الواقع وضعها في خدمة البرجوازية.
على الرغم من تنوع التسميات فإن الأحزاب السياسية في أوروبا وأميركا يمكن أن تنقسم إلى ثلاث مجموعات كبرى: 1) أحزاب البرجوازية، 2) أحزاب البرجوازية الصغيرة (بالأخص الاشتراكيين-الديمقراطيين)، 3) حزب البروليتاريا (الشيوعيين). والنقابات التي تعلن أنها «لا سياسية» و«حيادية» إزاء هذه المجموعات الثلاث، لا تقوم في الواقع إلاّ بمساعدة أحزاب البرجوازية الصغيرة والبرجوازية.
-2-
إن عصبة أمستردام النقابية هي منظمة تلتقي فيها الأمميتان 2 و2/1 2، وتتعاونان. وتنظر البرجوازية العالمية بأكملها لهذه المنظمة بأمل واهتمام. إن الفكرة الكبرى حاليا بالنسبة لأممية أمستردام النقابية، هي حياد النقابات. وليس بالصدفة أن تستخدم البرجوازية وخدمها الاشتراكيون-الديمقراطيون أو النقابيون اليمينيون هذا الشعار كوسيلة لمحاولة جمع الجماهير العمالية في الغرب وأميركا من جديد. وفيما أفلست بشكل مثير للرثاء سياسة الأممية الثانية، بانتقالها علنا إلى جانب البرجوازية، لا زال لدى أممية أمستردام، بمحاولتها تغطية نفسها من جديد بفكرة الحياد، بعض الشعبية.
وتحت راية «الحياد» تأخذ الأممية الثانية على عاتقها أكثر الخدمات للبرجوازية صعوبة وأكثرها قذارة: خنق إضراب عمال المناجم في إنكلترا (مثلما رضي أن يفعل ج. هـ. توماس الشهير وهو رئيس الأممية الثانية في الوقت نفسه وأحد القادة المرموقين في أممية أمستردام النقابية الصفراء)، خفض الأجور، تنظيم النهب المنظّم للعمال الألمان بسبب خطايا غليوم والبرجوازية الإمبريالية الألمانية. إن ليبارت وغراسمان، ويسل وبوير، روبرت شميدت وج. هـ. توماس، البرت توماس وجوهو، دازينسكي وزولانكسي- جميعهم تقاسموا الأدوار: البعض، وهم قادة نقابيون قدامى، يشاركون اليوم بالحكومات البرجوازية بصفة وزراء، ومفوضين حكوميين أو موظفين عاديين، فيما يبقى الآخرون، المتضامنون بشكل كامل مع الأولين، على رأس أممية أمستردام النقابية كي ينصحوا العمال النقابيين بالحياد السياسي.
إن أممية أمستردام النقابية هي حاليا السند الأساسي للرأسمال العالمي. ومن المستحيل محاربة معقل الرأسمالية هذا بشكل ظافر إذا لم نفهم مسبقا ضرورة محاربة الفكرة الكاذبة حول لا سياسية النقابات وحيادها. ومن أجل امتلاك السلاح المناسب لمحاربة أممية أمستردام النقابية، يجب إقامة علاقات متبادلة واضحة ومحدَّدة بين الحزب والنقابات في كل بلد.
-3-
إن الحزب الشيوعي هو طليعة البروليتاريا، الطليعة التي تعرفت كليا إلى الطرق والأساليب الكفيلة بتحرير البروليتاريا من نير الرأسمالية، والتي قبلت لهذا السبب بالبرنامج الشيوعي بشكل واع.
والنقابات هي تنظيم بروليتاري أكثر ضخامة، يميل أكثر فأكثر لضم جميع العمال دون استثناء في كل فرع من فروع الصناعة، ولإدخال ليس فقط شيوعيين واعين في صفوفها بل أيضا فئات وسيطة لا بل متأخرة كليا من الشغيلة الذين لا يتعلمون الشيوعية إلاّ شيئا فشيئا وبواسطة تجربة الحياة.
إن دور النقابات في المرحلة التي تسبق معركة البروليتاريا من أجل الاستيلاء على السلطة، يختلف عنه خلال هذه المرحلة من المعركة وفيما بعد، اثر الانتصار، بجوانب عديدة، ولكن دائما، قبل وخلال وبعد، تبقى النقابات منظمة أكثر اتساعا وضخامة وشمولا من الحزب، وتلعب بالنسبة لهذا الأخير إلى حد ما دور المحيط بالنسبة للمركز.
قبل الاستيلاء على السلطة تنظم النقابات البروليتارية حقا العمال على الأرضية الاقتصادية بشكل رئيسي، من أجل تحقيق التحسينات الممكنة، وإطاحة الرأسمالية بشكل كامل، ولكنها تضع تنظيم نضال الجماهير البروليتارية ضد الرأسمالية بقصد الثورة البروليتارية في صدارة كل نشاطها.
وخلال الثورة البروليتارية، تنظم النقابات الثورية فعلا يدا بيد مع الحزب الجماهير من أجل الإطباق على معاقل رأس المال، وتتكفل بالعمل التنظيمي الأول للإنتاج الاشتراكي.
وبعد الانتصار وتوطيد السلطة البروليتارية ينتقل عمل النقابات إلى حقل التنظيم الاقتصادي، وتبذل كل قواها تقريبا في بناء الصرح الاقتصادي على الأسس الاشتراكية، وتصبح بذلك مدرسة حقيقية للشيوعية.
وخلال هذه المراحل الثلاث في نضال البروليتاريا، ينبغي أن تدعم النقابات طليعتها، الحزب الشيوعي، الذي يقود النضال البروليتاري في كل المراحل. لهذا الغرض ينبغي للشيوعيين والعناصر النصيرة أن يشكلوا داخل النقابات مجموعات شيوعية خاضعة كليا للحزب بمجمله.
إن التكتيك القائم على تشكيل مجموعات شيوعية في كل نقابة، الذي صاغه المؤتمر العالمي الثاني للأممية الشيوعية، أثبت صحته كليا خلال العام المنصرم، وأعطى نتائج كبيرة في ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وفي العديد من البلدان الأخرى. وعلى سبيل المثال، إذا خرجت مجموعات عمالية هامة قليلة المراس وصاحبة خبرة غير كافية في السياسة من النقابات الاشتراكية الديمقراطية الحرة في ألمانيا، لأنها فقدت كل أمل بالحصول على أي فائدة مباشرة من مشاركتها بهذه النقابات الحرة فلا ينبغي أن يغير هذا بأي حال الموقف المبدئي للأممية الشيوعية إزاء المشاركة الشيوعية في الحركة المهنية. إن واجب الشيوعيين هو أن يشرحوا لجميع البروليتاريين أن الخلاص لا يقوم على الخروج من النقابات القديمة من أجل خلق نقابات جديدة أو للتشتت إلى هباء من الرجال غير المنظمين، بل على تثوير النقابات، وطرد الروح الإصلاحية وخيانة القادة الانتهازيين منها، من أجل جعلها سلاحا فعالا بيد البروليتاريا الثورية.
-4-
خلال المرحلة القادمة، ستكون المهمة الرئيسية لكل الشيوعيين هي العمل بنشاط ومثابرة واستبسال لكسب أغلبية النقابات؛ ولا ينبغي للشيوعيين أن يتركوا الاتجاهات الرجعية التي تظهر في هذه الفترة داخل الحركة النقابية تثبط عزيمتهم بأي حال من الأحوال، بل عليهم أن يثابروا عبر المشاركة الأكثر نشاطا في كل المعارك اليومية، على كسب النقابات للشيوعية على الرغم من كل المعيقات وكل المعارضات.
إن المعيار الأفضل لقوة أي حزب شيوعي، هو التأثير الفعلي الذي يمارسه على جماهير العمال النقابيين. وعلى الحزب أن يعرف ممارسة التأثير الأكثر عزما على النقابات دون إخضاعها لأدنى وصاية. ويملك الحزب أنوية شيوعية في هذه النقابة أو تلك، ولكن النقابة بذاتها غير خاضعة له. وليس إلاّ بعمل متواصل، ومدعوم ومخلص من جانب الأممية الشيوعية داخل النقابات، يستطيع الحزب خلق حالة تتبع بها كل النقابات نصائح الحزب بطيبة خاطر وفرح.
وتلاحظ سيرورة اختمار ممتازة في هذه الفترة في النقابات الفرنسية. لقد تخلص العمال أخيرا من أزمة الحركة العمالية، ويتعلمون اليوم إدانة خيانة الاشتراكيين-الديمقراطيين والنقابيين الإصلاحيين. ولا زال النقابيون الثوريون مشبعين إلى حد ما بأفكار مسبقة ضد العمل السياسي وضد فكرة الحزب السياسي البروليتاري. ويجاهرون بالحياد السياسي كما جرى التعبير عنه عام 1906 في ميثاق أميان. إن موقف هذه العناصر النقابية الثورية المشوش والخاطئ ينطوي على أكبر الأخطار بالنسبة للحركة. وإذا حاز هذا الاتجاه الأكثرية، فهو لن يعرف ما يصنع بها وسيبقى عاجزا بمواجهة عملاء رأس المال، جوهو ودومولين.
ولن يكون للنقابيين الثوريين الفرنسيين توجه صارم طالما لم يمتلك هذا التوجه الحزب الشيوعي. ويجب أن يجتهد الحزب الشيوعي الفرنسي للوصول إلى تعاون رفاقي مع أفضل عناصر النقابية الثورية. ولا يجب مع ذلك أن يعتمد بالدرجة الأولى إلاّ على مناضليه الخاصين. يجب أن يشكل أنوية في كل مكان يوجد فيه ثلاثة شيوعيين. ويجب أن يخوض الحزب حملة ضد الحياد. وأن يسجل عيوب موقف النقابية الثورية بالشكل الأكثر رفاقية ولكن أيضا الأكثر صرامة. ولا يمكن تثوير الحركة النقابية في فرنسا وإقامة تعاونها الوثيق مع الحزب إلاّ على هذا الشكل.
ولدينا في إيطاليا أيضا وضع مشابه: فجمهور العمال النقابيين تحركه روح ثورية، ولكن قيادة اتحاد الشغل هي بين أيدي الإصلاحيين والوسطيين المعلنين، الذين هم مع أممية أمستردام من كل قلبهم. إن المهمة الأولى للشيوعيين هي تنظيم عمل يومي ضار ودؤوب داخل النقابات، وهي أن يثابروا بشكل منهجي وبصبر على فضح الطابع الملتبس والمتردد للقادة، من أجل اقتلاعهم من النقابات.
إن المهام التي تقع على عاتق الشيوعيين الإيطاليين بالنسبة للعناصر الثورية النقابية في إيطاليا هي بشكل عام مهام الشيوعيين الفرنسيين عينها.
ولدينا في إسبانيا حركة نقابية قوية، وثورية ولكن غير واعية كليا بعد لأهدافها، ولدينا هناك في الوقت نفسه حزب شيوعي لازال شابا وضعيفا نسبيا. ونظرا لهذا الوضع ينبغي أن يميل الحزب إلى تأكيد نفسه في النقابات ويجب أن يأتي الحزب للمساعدة بنصائحه وعمله، وينير الحركة النقابية ويرتبط بها بروابط رفاقية بهدف التنظيم المشترك للمعارك.
وتتطور أحداث ذات أهمية عظمى في الحركة النقابية الإنكليزية التي تتثور بسرعة كبيرة. والحركة الجماهيرية تتطور هناك. ويفقد القادة القدامى للنقابات مواقعهم بسرعة. وينبغي أن يبذل الحزب أكبر الجهود من أجل تأكيد نفسه في النقابات الكبرى، كما في اتحاد عمال المناجم، الخ.. ويجب أن يناضل كل عضو في الحزب داخل أي نقابة، ويوجهها نحو الشيوعية بعمل عضوي، دؤوب ونشط. ولا يجب إهمال أي شيء بصدد إقامة الصلة الأكثر وثوقا بالجماهير.
ونلاحظ في أميركا التطور نفسه، ولكن ببطء أكبر قليلا. ولا ينبغي أن يكتفي الشيوعيون بأي حال من الأحوال بترك اتحاد الشغل، المؤسسة الرجعية، بل يجب على العكس بذل كل جهد من أجل التسلل إلى الاتحادات القديمة وتثويرها. ومن المهم بالضرورة التعاون مع أفضل عناصر الـ IWW، ولكن هذا التعاون لا يلغي النضال ضد أفكارهم المسبقة.
وفي اليابان تتطور حركة نقابية بشكل عفوي، ولكنها لا زالت تفتقر إلى قيادة واضحة. فالمهمة الأساسية للعناصر الشيوعية في اليابان هي دعم هذه الحركة وممارسة تأثير ماركسي عليها.
وفي تشيكوسلوفاكيا يمتلك حزبنا أغلبية الطبقة العاملة، فيما تبقى الحركة النقابية بين أيدي الاشتراكيين الوطنيين والوسطيين بجزء كبير منها. وهي بالإضافة إلى ذلك مقسمة على أساس القوميات. وهذه هي نتيجة غياب التنظيم والوضوح من جانب النقابيين، حتى وإن كانت تحركهم الروح الثورية. وينبغي أن يبذل الحزب كل جهده من أجل وضع حد لهذه الحالة ولكسب الحركة النقابية إلى الشيوعية. وللوصول إلى هذا الهدف هناك ضرورة مطلقة لخلق أنوية شيوعية، وكذلك جهاز نقابي شيوعي مركزي مشترك لجميع البلدان. ومن أجل ذلك، يجب العمل بنشاط لدمج مختلف الاتحادات المنقسمة تبعا للقوميات في كل متحد.
وفي النمسا وبلجيكا عرف الاشتراكيون-الوطنيون كيف يأخذون قيادة الحركة النقابية بذكاء وحزم، التي تشكل في هذا البلد رهان المعركة الأساسي. وعلى هذه القيادة إذن يجب أن يركز الشيوعيون انتباههم.
وفي النروج، حيث لدى الحزب أغلبية العمال يجب أن يمسك الحركة النقابية بثقة أكبر بين يديه، ويبعد العناصر القيادية الوسيطة.
وفي السويد، على الحزب أن يحارب ليس فقط الإصلاحية بل كذلك التيار البرجوازي الصغير الموجود في الحركة الاشتراكية، ويجب أن يبذل كل نشاطه في هذا العمل.
وفي ألمانيا يسير الحزب في طريق ممتاز لكسب النقابات تدريجيا. ولا ينبغي القيام بأي تنازل للذين ينادون بالخروج من النقابات. إنهم يقومون بلعبة الاشتراكيين-الوطنيين، وهناك أهمية لمواجهة محاولات إبعاد الشيوعيين بمقاومة شرسة وعنيدة؛ وينبغي بذل أكبر الجهود لكسب أغلبية النقابات.
-5-
تحدد جميع هذه الاعتبارات العلاقات التي ينبغي أن تقوم بين الأممية الشيوعية من جهة والأممية النقابية الحمراء من جهة ثانية.
لا ينبغي أن تقود الأممية الشيوعية فقط النضال السياسي للبروليتاريا بالمعنى الضيق للكلمة، ولكن أيضا كل حملتها التحريرية، مهما كان الشكل الذي تتخذه. فلا يمكن أن تكون الأممية الشيوعية المجموع الحسابي فقط للجان المركزية للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان. يجب أن تدفع الأممية الشيوعية عمل كل المنظمات البروليتارية ومعاركها، سواء كانت مهنية، أو تعاونية، أو سوفياتية، أو تثقيفية، الخ أو سياسية بحتة، وتنسق في ما بينها.
وإذ تختلف الأممية النقابية الحمراء عن أممية أمستردام الصفراء بذلك، لا يمكن بأي حال أن تقبل بوجهة النظر القائلة بالحياد. فالمنظمة التي تريد أن تكون حيادية، إزاء الأمميات الثانية، والـ 2/1 2، والثالثة، ستكون حتما لعبة بين يدي البرجوازية. إن برنامج عمل الأممية النقابية الحمراء المعروض أدناه والذي يطرحه المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية على المؤتمر العالمي الأول للنقابات الحمراء سيجري الدفاع عنه في الواقع من قبل الأحزاب الشيوعية فقط، ومن قبل الأممية الشيوعية فقط. ولهذا السبب الوحيد، ولنفخ الروح الثورية في الحركة المهنية في كل بلد، ولكي يتم تنفيذ المهمة الثورية الجديدة، ستكون النقابات الحمراء في كل بلد مجبرة على العمل يدا بيد، باتفاق وثيق مع الحزب الشيوعي في كل بلد، وعلى الأممية النقابية الحمراء في كل بلد أن تنسق عملها مع عمل الأممية الشيوعية.
إن الأفكار المنسقة حول الحياد، والاستقلالية، واللا سياسة وعدم التحيز للأحزاب، التي تشكل خطيئة الكثير من النقابيين الثوريين المخلصين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبعض البلدان الأخرى، ليست موضوعيا شيئا آخر غير ضريبة مدفوعة للأفكار البرجوازية. ولا يمكن للنقابات الحمراء أن تتغلب على نقابة أمستردام، والتغلب نتيجة لذلك على الرأسمالية، دون القطع نهائيا مع هذه الفكرة البرجوازية حول الاستقلالية والحياد.
من وجهة نظر الاقتصاد في القوى وتركيز الضربات بالشكل الأفضل، فإن الوضع المثالي سيكون بتشكيل أممية بروليتارية واحدة، تجمع في الوقت نفسه الأحزاب السياسية وكل أشكال التنظيم العمالي الأخرى. وليس هناك من شك في أن المستقبل هو لهذا النموذج من التنظيم. ولكن في المرحلة الانتقالية الحالية، مع تنوع النقابات في مختلف البلدان، ينبغي تشكيل اتحاد مستقل للنقابات الحمراء يقبل إجمالا ببرنامج الأممية الشيوعية، ولكن بحرية أكبر من حرية الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى هذه الأممية.
وسيكون من حق الأممية النقابية الحمراء، التي ستكون منظمة على هذه الأسس، الحصول على كل دعم من المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية. ويقترح المؤتمر من أجل إقامة ارتباط أكثر وثوقا بين الأممية الشيوعية وأممية النقابات الحمراء تمثيلا متبادلا دائما على أساس ثلاثة أعضاء من الأممية الشيوعية في اللجنة التنفيذية للأممية النقابية الحمراء والعكس بالعكس.
إن برنامج عمل النقابات الحمراء، حسب رأي الأممية الشيوعية، هو التالي على وجه التقريب:
برنامج العمل
.1- إن الأزمة الحادة التي تعيث فسادا باقتصاد العالم أجمع، والهبوط الكارثي بأسعار الجملة، وفائض الإنتاج المتلازم ماديا مع فقدان السلع، والسياسة العدائية للبرجوازية إزاء الطبقة العاملة، والميل المستمر لخفض الأجور وإعادة الطبقة العاملة عدة عقود إلى الوراء، وسخط الجماهير الذي يتطور على هذه الأرضية، من جهة، وعجز النقابات العمالية الهرمة وأساليبها، من جهة ثانية، - كل هذه الوقائع تفرض على النقابات الثورية في كل البلدان مهام جديدة. هناك ضرورة لأساليب جديدة للنضال الاقتصادي بالعلاقة مع مرحلة الانحلال الرأسمالي: يجب أن تتبنى النقابات العمالية سياسة اقتصادية عدائية، لرد هجمة الرأسمالية وتعزيز المواقع السابقة والانتقال إلى الهجوم.
.2- يشكل النضال المباشر للجماهير الثورية ومنظماتها ضد الرأسمال قاعدة التكتيك النقابي. وكل المكاسب العمالية ترتبط ارتباطا مباشرا بالعمل المباشر للجماهير وضغطها الثوري. وينبغي أن يُفهم بتعبير «العمل المباشر» كل نوع من الضغوطات المباشرة التي يمارسها العمال على أرباب العمل وعلى الدولة؛ وهي: المقاطعة، الاضرابات، التحرك في الشوارع، التظاهرات، احتلال المصانع، المعارضة العنيفة لخروج المنتجات من هذه المنشآت، الانتفاضة المسلحة وأعمال أخرى ثورية خاصة بتوحيد الطبقة العاملة في النضال من أجل الاشتراكية. تقوم مهمة النقابات الثورية إذا على جعل العمل المباشر وسيلة لتثقيف الجماهير العمالية وإعدادها للنضال من أجل الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
.3- لقد أظهرت سنوات النضال الأخيرة هذه بوضوح مميز كل ضعف الاتحادات المهنية حصرا. فالانتساب المتزامن لعمال منشأة معينة إلى نقابات عديدة يضعفهم خلال النضال. وينبغي الانتقال - ويجب أن يكون ذلك النقطة الأساسية في نضال غير منقطع- من التنظيم المهني المحض إلى التنظيم تبعا للصناعات: «منشأة - نقابة»؛ هذا هو الشعار في حقل البنية النقابية. ويجب الاتجاه نحو دمج النقابات المتشابهة عبر الطريق الثوري بطرح المسألة مباشرة أمام نقابيي المشاغل والمنشآت، برفع النقاش فيما بعد وصولا إلى الكونفرنسات المحلية والمنطقية وإلى المؤتمر الوطني.
.4- يجب أن يصبح كل مشغل وكل مصنع حصنا ومعقلا للثورة. وينبغي استبدال الشكل القديم للارتباط بين النقابيين ونقاباتهم (مندوبو مشاغل يتلقون الاشتراكات. ممثلون، أشخاص موثوقون، الخ..) بخلق لجان مشاغل ومصانع، ويجب انتخاب هذه الأخيرة من قبل جميع عمال المنشأة، مهما كانت النقابة التي ينتمون إليها ومهما كانت القناعات السياسية التي ينادون بها. ومهمة مناصري الأممية النقابية الحمراء هي تدريب كل عمال المنشأة على المشاركة في انتخاب أجهزتهم التمثيلية. إن محاولات حصر انتخاب لجان المشاغل والمصانع بالشيوعيين فقط ستكون نتيجتها إبعاد الجماهير (غير الحزبيين)؛ لذلك يجب إدانة هذه المحاولات قطعا، إذ سنكون عندئذ إزاء نواة وليس لجنة مشغل. يجب أن يتحرك الحزب الثوري ويؤثر، عن طريق الأنوية، ولجان العمل، وأعضائه العاديين، على الجمعية العامة ولجنة المشغل المنتخبة.
.5- إن المهمة الأولى التي ينبغي طرحها على العمال ولجان الفبارك والمصانع -هي فرض إعالة العمال المسرحين بسبب نقص مجالات العمل على نفقة المنشأة. ولا ينبغي التساهل بأي حال من الأحوال برمي العمال في الشارع دون أن تهتم بهم المنشأة. يجب أن يدفع رب العمل للعاطلين عن العمل لديه أجرهم كاملا: هذه هي الحاجة التي ينبغي أن ينظم حولها ليس فقط العاطلون عن العمل ولكن بشكل خاص العمال الذين يشتغلون بالمنشأة، عبر إفهامهم بالوقت نفسه أن قضية البطالة لا يمكن أن تحل في إطار الرأسمالية وأن الدواء الأفضل للبطالة هو الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا.
.6- إن إغلاق المنشآت هو حاليا، في أغلب الحالات، وسيلة لتطهير العناصر المشكوك بها، لهذا ينبغي أن يتم النضال ضد إغلاق المنشآت، ويجب أن ينكب العمال على إجراء تحقيق حول أسباب هذا الإغلاق. ولهذه الغاية يجب خلق لجان رقابة خاصة على المواد الأولية، والمحروقات، والطلبيات والحصول على إثبات فعلي للكمية المتوفرة من المواد الأولية، والمواد الضرورية للإنتاج والموارد المالية الموضوعة في البنوك. وينبغي أن تدرس لجان المراقبة المنتخبة الخاصة بأكبر اهتمام ممكن التقارير المالية بين المنشأة المعنية والمنشآت الأخرى، وينبغي طرح إلغاء السر التجاري على العمال كمهمة عملية.
.7- إن إحدى وسائل منع إغلاق المنشآت بالجملة بهدف خفض الأجور ومفاقمة شروط العمل يمكن أن تكون احتلال المشغل أو المصنع ومواصلة الإنتاج على الرغم من إرادة رب العمل.
وبوجود النقص الحالي بالسلع، هناك أهمية بشكل خاص لكل توقف للإنتاج، وهكذا فإنه لا ينبغي أن يتساهل العمال مع أي إغلاق متعمد للمشاغل والمصانع. ويمكن أن ترفق مصادرة المنشآت أيضا، تبعا للشروط المحلية، وشروط الإنتاج، والوضع السياسي، وحدة الصراع الاجتماعي، بأساليب عمل أخرى تتناول رأس المال. إن إدارة المنشأة التي تمت السيطرة عليها، ينبغي أن توضع بين يدي لجنة المشغل أو المصنع والممثل المعين بشكل خاص من قبل النقابة.
.8- ينبغي أن يُشن النضال الاقتصادي تحت شعار زيادة الأجور وتحسين شروط العمل التي ينبغي أن تصل إلى مستوى أعلى بشكل محسوس من المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب. إن محاولات إعادة العمال إلى شروط العمل لما قبل الحرب ينبغي أن تُرفض بالشكل الأكثر حزما والأكثر ثورية. لقد كانت نتيجة الحرب إنهاك الطبقة العاملة: من هنا فإن تحسين شروط العمل هو شرط ضروري للتعويض من فقدان القوى هذا. إن مزاعم الرأسماليين التي تدين المنافسة الخارجية لا ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار بأي شكل من الأشكال: لا يجب أن تتناول النقابات الثورية مسائل الأجور وشروط العمل من وجهة نظر المنافسة بين المستفيدين من مختلف الأمم. وينبغي أن تقف بجانب وجهة النظر القائمة على الحفاظ على قوة العمل وحمايتها.
.9- وإذا كان تكتيك الرأسماليين التخفيضي يتزامن مع أزمة اقتصادية في البلد، فإن واجب النقابات الثورية ألاّ تسمح بتلقي الضربات وهي مشتتة إلى مفارز معزولة. بل يجب أن تجذب إلى نضال العمال منشآت ذات منفعة عامة (عمال مناجم، عمال سكك حديدية، عمال كهرباء، وعمال غاز، الخ.) كي يطول النضال ضد هجمة الرأسمال، منذ البداية، المفصل العصبي للجسم الاقتصادي. وهنا تكون كل أشكال المقاومة ضرورية ومتناسبة مع الهدف، بدءا بالإضراب الجزئي والمتقطع، وصولا إلى الإضراب العام الممتد إلى إحدى الصناعات الكبرى على صعيد وطني.
.10- ينبغي أن تطرح النقابات على نفسها مهمة إعداد الأعمال الأممية وتنظيمها على أساس الصناعات، كمهمة راهنة. فتوقيف النقل أو استخراج الزيت المحقق على صعيد عالمي هو وسيلة قوية للنضال ضد المحاولات الرجعية للبرجوازية في كل البلدان.
وينبغي أن تتتبَّع النقابات بانتباه الظروف العالمية من أجل اختيار اللحظة الأكثر تلاؤما مع هجمتها الاقتصادية؛ لا ينبغي أن تنسى للحظة واحدة واقع استحالة أي عمل أممي إلاّ إذا تم إنشاء نقابات ثورية، نقابات لا ينبغي أن يجمعها شيء مع أممية أمستردام الصفراء.
.11- ينبغي أن يواجه الإيمان بالقيمة المطلقة للعقود الجماعية الذي يبثه الانتهازيون في جميع البلدان، بمقاومة شرسة ومصمِّمة للحركة النقابية الثورية. فالعقد الجماعي ليس إلاّ هدنة. وأرباب العمل يلغون هذه العقود في كل مرة يفسح فيها أدنى مجال لذلك. ويشهد الاحترام الديني للعقود الجماعية على التغلغل العميق للأيديولوجية البرجوازية في رؤوس زعماء الطبقة العاملة. ولا ينبغي أن ترفض النقابات الثورية العقود الجماعية، بل يجب أن تعي قيمتها النسبية، ويجب أن ترى دائما بوضوح الأسلوب الذي يجب اتباعه لإلغاء هذه العقود في كل مرة يكون فيها ذلك مفيدا للطبقة العاملة.
.12- ينبغي أن تتم ملاءمة نضال المنظمات العمالية ضد رب العمل الفردي أو الجماعي مع الظروف الوطنية والمحلية، وأن تستخدم كل تجربة النضال التحرري للطبقة العاملة. وهكذا فإن كل إضراب هام لا ينبغي أن يكون منظما فحسب، بل يجب أن ينشئ العمال منذ البداية أطرا خاصة لمحاربة كاسري الإضراب ومواجهة الهجمة الاستفزازية للمنظمات البيضاء بكل تلاوينها التي تدعمها الدول البرجوازية. فالفاشيون في إيطاليا، والدعم التقني في ألمانيا، والحرس المدني المشكّل من قدامى الضباط والرتباء في فرنسا وإنكلترا - كل هذه المنظمات هدفها إحباط كل تحرك عمالي وهزمه، هزيمة لا تنحصر بمجرد إبدال المضربين بل بدحر منظمتهم ماديا وقتل قادة الحركة. وفي هذه الشروط يصبح تنظيم فرق الإضراب الخاصة ومفارز الدفاع العمالي الخاصة، مسألة حياة أو موت بالنسبة للطبقة العاملة.
.13- لا ينبغي أن تكتفي المنظمات القتالية التي أنشئت هكذا بمحاربة منظمات أرباب العمل وكاسري الإضراب، بل يجب أن تتكفل بوقف كل الطرود والسلع المرسلة إلى المصنع المضرب من منشآت أخرى، واعتراض نقل الطلبيات إلى مصانع أخرى ومنشآت أخرى. وفي هذا المجال، فإن نقابات عمل النقل مدعوّة للعب دور هام بشكل خاص: فعليها تقع مهمة إعاقة نقل السلع، التي لا يمكن أن تتحقق دون المساعدة المجمع عليها من جميع عمال المنطقة.
.14- يجب أن يتركز كل النضال الاقتصادي للطبقة العاملة خلال المرحلة القادمة حول شعار الرقابة العمالية على الإنتاج، ويجب أن تتحقق هذه الرقابة دون انتظار أن تخترع الحكومة والطبقات المسيطرة بديلا ما من الرقابة. يجب محاربة كل محاولات الطبقات المسيطرة ومحاولات الإصلاحيين لخلق جمعيات متعادلة التمثيل، ولجان متعادلة التمثيل، دون هوادة، وتطبيق رقابة صارمة على الإنتاج، عندها فقط تعطي الرقابة نتائج محددة. ويجب أن تحارب النقابات الثورية بحزم الابتزاز والغش اللذين يمارسهما قادة النقابات القديمة، بمساندة من الطبقات المسيطرة، باسم التشريك. إن كل حذر هؤلاء السادة بصدد التشريك السلمي يتبع هدفا واحدا وهو حرف العمال عن الأعمال الثورية والثورة الاجتماعية.
.15- ومن أجل تحويل انتباه العمال عن مهامهم المباشرة وإيقاظ التذبذب البرجوازي الصغير لديهم، يجري وضع فكرة مشاركة العمال في الأرباح في الصدارة، أي استرداد العمال لجزء بسيط من فائض القيمة الذي يخلقونه، إن هذا الشعار التضليلي للعمال يجب أن يلقى نقدا صارما وعنيدا («لا مشاركة في الأرباح بل تدمير الأرباح الرأسمالية»، هذا هو شعار النقابات الثورية.).
.16- من أجل إعاقة القوة القتالية للطبقة العاملة أو تحطيمها، استفادت الدول البرجوازية من إمكانية العسكرة المؤقتة لبعض المصانع أو فروع صناعية كاملة، بحجة حماية الصناعات ذات الأهمية الحيوية. وبالإدعاء بضرورة اتقاء الاضطرابات الاقتصادية قدر الإمكان، تُدخل الدول البرجوازية من أجل حماية الرأسمال أسعارا تحكيمية ولجان مصالحة إلزامية، وتُدخل في مصلحة الرأسمال أيضا، ولتحميل العمال أعباء الحرب، نظاما جديدا لتحصيل الضرائب، فيتم اقتطاعها من أجر العامل من قبل رب العمل، الذي يلعب بذلك دور الجابي. يجب أن تخوض النقابات النضال الأكثر عنادا ضد هذه الإجراءات الحكومية التي لا تخدم إلاّ مصالح الطبقة الرأسمالية.
.17- إن النقابات الثورية التي تناضل من أجل تحسين شروط العمل، ورفع مستوى معيشة الجماهير، وإقامة الرقابة العمالية ينبغي أن تأخذ بالاعتبار بشكل دائم أنه لا يمكن أن تحل جميع هذه المسائل في إطار الرأسمالية؛ ولهذا يجب أن توضع الجماهير العمالية بوضوح أمام واقع أن إطاحة الرأسمالية وتوطيد دكتاتورية البروليتاريا هما وحدهما قادران على حل المسألة الاجتماعية، في الوقت نفسه الذي تنتزع به تنازلات من الطبقات المسيطرة خطوة خطوة، وتجبرها على تطبيق تشريع اجتماعي. لذلك لا يجب أن يمر أي تحرك جزئي، وأي إضراب جزئي، أو أدنى نزاع دون أن يترك آثارا بهذا الاتجاه. ويجب أن تعمم النقابات الثورية هذه النزاعات برفع معنويات الجماهير العمالية بشكل دائم وصولا إلى ضرورة الثورة الاجتماعية ودكتاتورية البروليتاريا وحتميتهما.
.18- كل نضال اقتصادي هو نضال سياسي، أي نضال تخوضه طبقة بأكملها. ضمن هذه الشروط، فإن كل نضال، مهما كانت كبيرة الشرائح العمالية التي يطولها، لا يمكن أن يكون ثوريا فعلا، ولا يمكن أن يتحقق بأقصى إفادة بالنسبة للطبقة العاملة بمجملها إلا إذا سارت النقابات الثورية يدا بيد، في اتحاد وتعاون وثيقين مع الحزب الشيوعي في البلد. إن نظرية تقسيم الطبقة العاملة إلى نصفين مستقلين وممارسة هذه النظرية هما مضران خاصة في اللحظة الثورية الراهنة. فكل تحرك يتطلب أقصى تركيز للقوى، ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ شرط التوتر الأقصى لكل الطاقة الثورية للطبقة العاملة، أي لكل عناصرها الشيوعية والثورية. إن أعمالا معزولة للحزب الشيوعي وللنقابات الثورية الطبقية محكوم عليها مسبقا بالإخفاق والهزيمة. لهذا فإن وحدة العمل، والارتباط العضوي بين الأحزاب الشيوعية والنقابات العمالية، يشكلان الشرط المسبق للفوز في النضال ضد الرأسمالية.



--------------------------------------------------------------------------------

موضوعات حول عمل الشيوعيين في التعاونيات
.1) ينبغي أن تحدد التعاونيات الثورية لنفسها في عصر الثورة البروليتاريا هدفين اثنين:
.أ- دعم الشغيلة في نضالهم من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية؛
.ب- وحيث تم الاستيلاء على هذه السلطة، دعم الشغيلة في تنظيم المجتمع الاشتراكي.
.2) لقد سارت التعاونيات القديمة في طريق الإصلاحية وتفادت بشتى الأشكال النضال الثوري بمختلف أشكاله. كانت تبشر بفكرة دخول تدريجي في «الاشتراكية» دون المرور بدكتاتورية البروليتاريا.
وتبشر التعاونيات القديمة بالحياد السياسي، فيما تخفي في الواقع وراء هذا الشعار خضوعها لسياسة البرجوازية الإمبريالية.
لا وجود لأمميتها إلاّ بالكلام، فيما تستبدل في الواقع التضامن الأممي للشغيلة بتعاون الطبقة العاملة مع البرجوازية في كل بلد.
وفي مجمل هذه السياسة، بدل أن تسهم التعاونيات القديمة في تطور الثورة فهي تعيقها، وبدل أن تدعم البروليتاريا في نضالها فهي تضايقها.
.3) إن مختلف أشكال التعاونيات لا يمكن بأي درجة أن تخدم الأهداف الثورية للبروليتاريا. والأشكال الأكثر تلاؤما مع ذلك هي تعاونيات الاستهلاك، ولكن العديد من هذه الأخيرة تضم عناصر بورجوازية. ولن تصبح أبدا إلى جانب البروليتاريا في نضالها الثوري. وحدها التعاونية العمالية في المدن والأرياف يمكن أن تملك هذا الطابع.
.4) إن مهمة الشيوعيين في الحركة التعاونية تقوم على التالي:
.1- نشر الأفكار الشيوعية.
.2- جعل التعاونية أداة للصراع الطبقي من أجل الثورة، دون أن تفصل مختلف التعاونيات عن تجمعها المركزي.
ينبغي أن يتنظم الشيوعيون في جميع التعاونيات بتكتلات رسمية، تطرح على نفسها تشكيل مركز للتعاونية الشيوعية في كل بلد.
ينبغي أن يكون هناك ارتباط وثيق بين هذه التجمعات ومركزها وبين الحزب الشيوعي وممثليه في التعاونية. ويجب أن يصوغ المركز كذلك مبادئ التكتيك الشيوعي في الحركة التعاونية الوطنية ويقود هذه الحركة وينظمها.
.5) إن الأهداف العملية التي ينبغي أن تحددها التعاونية الثورية في الغرب لنفسها حاليا ستظهر كليا خلال العمل. ولكن يمكننا من الآن أن نشير إلى بعضها:
.أ- نشر الأفكار الشيوعية، بالكتابة والقول، وخوض حملة من أجل تحرير التعاونيات من قيادة البرجوازية والانتهازيين وتأثيرهم.
.ب- تقريب التعاونيات من الأحزاب الشيوعية والنقابات الثورية. وإشراك التعاونيات، بشكل مباشر أو غير مباشر، في النضال السياسي وإشراكها في التظاهرات والحملات السياسية للبروليتاريا. أن تدعم الأحزاب الشيوعية وصحافتها ماديا. وتدعم ماديا العمال المضربين وضحايا إغلاق المصانع.
.ج- محاربة سياسة البرجوازية الإمبريالية، وبشكل خاص محاربة التدخل في شؤون روسيا السوفياتية والبلدان الأخرى.
.د- خلق علاقات بين التعاونيات العمالية في مختلف البلدان وليس فقط علاقات فكرية، بل أيضا علاقات عمل.
.هـ- المطالبة بإبرام المعاهدات التجارية والتزام العلاقات التجارية مع روسيا وسائر الجمهوريات السوفياتية مباشرة.
.و- المشاركة بأوسع ما يمكن من المبادلات التجارية مع هذه الجمهوريات.
.ز- المشاركة في استثمار الثروات الطبيعية للجمهوريات السوفياتية بالتكفل بامتيازات على أراضيها.
.6- بعد انتصار الثورة البروليتارية ينبغي أن تبلغ التعاونيات أقصى تطورها.
وقد سمح مثال روسيا أصلا بإبراز بعض السمات المميزة:
.أ- ينبغي أن تتعهد التعاونيات الاستهلاكية بتوزيع المنتجات تبعا لخطط الحكومة البروليتارية. وهذه الوظيفة ستمنح التعاونيات اندفاعة مذهلة حتى هذا اليوم.
.ب- ينبغي أن تؤدي التعاونيات دور الرابط العضوي بين الاستثمارات المعزولة لصغار المنتجين (فلاحين وحرفيين) والخدمات الاقتصادية للدولة البروليتارية. وهذه الخدمات ستوجه عمل صغار المستثمرين، عن طريق التعاونيات، طبقا لخطة شمولية. وتتلقى التعاونيات الاستهلاكية بشكل خاص السلع الغذائية والمواد الأولية من صغار المنتجين لتسلمها إلى المستهلكين وإلى الدولة.
.ج- يمكن أن تضم التعاونيات الإنتاجية صغار المنتجين في مشاغل أو استثمارات مشتركة تسمح باستخدام الآلات والأساليب التقنية المتقنة. وستمنح بذلك الإنتاج الصغير قاعدة تقنية ستسمح ببناء الإنتاج الاشتراكي على هذا الأساس، وتسمح لصغار المنتجين بأن يتخلصوا من ذهنيتهم الفردية من أجل تطوير الروح الجماعية لديهم.
.7) آخذا بالاعتبار الدور الكبير الذي ينبغي أن تلعبه التعاونيات الثورية خلال الثورة البروليتاريا، يُذكر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الأحزاب، والتجمعات والمنظمات الشيوعية بأنه ينبغي أن تستمر بالعمل النشط من أجل نشر الفكرة التعاونية وفكرة التجمعات التعاونية كأداة للصراع الطبقي، وأن تشكل جبهة متحدة للتعاونيات مع النقابات الثورية.
ويكلف المؤتمر اللجنة التنفيذية للأممية بتشكيل فرع تعاوني يتولى وضع البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع التنفيذ. وينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يدعو هذا الفرع لكونفرنسات ومؤتمرات تبعا للحاجات من أجل تحقيق المهمة الثورية للتعاونيات داخل الأممية.



--------------------------------------------------------------------------------

قرار المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية حول العمل في التعاونيات
يكلف المؤتمر الثالث للأممية اللجنة التنفيذية بإنشاء فرع تعاوني، يكون عليه أن يحضِّر تبعا للحاجات للدعوة لمداولات وكونفرنسات ومؤتمرات أممية خاصة بالتعاونيات، من أجل أن يحقق داخل الأممية الأهداف المحددة في الموضوعات.
وينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يضع الفرع نصب عينيه الأهداف العملية التالية:
.أ- تعزيز النشاط التعاوني لشغيلة الأرياف والصناعة عبر تشكيل تعاونيات حرفية نصف بروليتارية، ودفع الشغيلة إلى السعي نحو إدارة استثمارهم وتحسينه بشكل مشترك.
.ب- القيام بدعاوة حول مبادئ التعاونية الثورية وأساليبها، وتوجيه نشاط التعاونية البروليتارية نحو الدعم المادي للطبقة العاملة المناضلة.
.ج- تعزيز إقامة علاقات تجارية ومالية بين التعاونيات العمالية وتنظيم إنتاجها المشترك.




--------------------------------------------------------------------------------

قرار حول الأممية الشيوعية وحركة الشبيبة الشيوعية
.1- لقد ولدت حركة الشبيبة الاشتراكية تحت ضغط الاستغلال الرأسمالي للشبيبة الكادحة ونظام العسكرة البرجوازي غير المحدود. ولدت كردة فعل ضد محاولات تسميم الشبيبة الكادحة بالأفكار البرجوازية القومية، وضد الإهمال والنسيان اللذين يتحمل مسؤوليتهما الحزب الاشتراكي-الديمقراطي والنقابات في معظم البلدان إزاء المتطلبات الاقتصادية والسياسية والمعنوية للشبيبة.
وقد تم إنشاء منظمات الشبيبة الاشتراكية في معظم البلدان دون مؤازرة الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية والنقابات، التي كانت تصبح باستمرار أكثر فأكثر انتهازية وإصلاحية، وقد تشكلت هذه المنظمات في بعض البلدان حتى ضد إرادة هذه الأحزاب والنقابات. لقد رأت هذه الأخيرة خطرا كبيرا في ظهور الشبيبة الاشتراكية الثورية المستقلة وحاولت قمع هذه الحركة، وتغيير طابعها وفرض سياستها عليها، بممارسة وصاية بيروقراطية عليها، وبمحاولة حرمانها من كل استقلالية.
.2- بالإضافة إلى ذلك، كان لا بد أن تؤدي الحرب الإمبريالية والموقف المتخذ في معظم البلدان من قبل الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية إلى تعميق الهوة العميقة بين الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية والشبيبة الأممية والثورية، وتسريع الصراع بينهما. لقد تفاقم وضع الشبيبة الكادحة خلال الحرب بسبب التعبئة والاستثمار المكثف في الصناعات العسكرية والعسكرة خلف الجبهة. واتخذ الجزء الأفضل من الشبيبة الاشتراكية موقعا حاسما ضد الحرب والوطنية، وانفصل عن الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية وبدأ عملا سياسيا خاصا (المؤتمرات الأممية للشبيبة في برن 1915، وفي يينا 1916).
في المعركة ضد الحرب، دعمت أفضل المجموعات الثورية من العمال الناضجين الشبيبة الاشتراكية، التي أصبحت بذلك نقطة تجمع للقوى الثورية. وأخذت بذلك على عاتقها مهام الأحزاب الثورية التي لم تكن موجودة، وأصبحت الطليعة في المعركة الثورية واتخذت شكل التنظيم السياسي المستقل.
.3- مع ظهور الأممية الشيوعية والأحزاب الشيوعية في بلدان مختلفة، تغير دور الشبيبة الثورية في مجمل الحركة البروليتارية. وانطلاقا من وضعها الاقتصادي وبفعل سمات نفسية خاصة، تتقبل الشبيبة العمالية الأفكار الشيوعية بسهولة أكبر، وقد أثبتت ذلك خلال المعارك الثورية، بحماس أكبر من حماس العمال الذين يكبرونها سنا. ومع ذلك فالأحزاب الشيوعية هي التي أخذت على عاتقها دور الطليعة الذي لعبه الشباب في ما يتعلق بالعمل السياسي المستقل والقيادة السياسية. وإذا استمرت منظمات الشبيبة الشيوعية بالوجود بصفة منظمات مستقلة من وجهة نظر سياسية، تلعب دورا قياديا، فسنشهد وجود حزبين شيوعيين متلاقيين، لا يتمايزان فيما بينهما إلاّ بعمر أعضائهما.
.4- يقوم الدور الحالي للشبيبة على ضرورة أن تجمع العمال الشباب، وتثقفهم بذهنية شيوعية في طليعة المعركة الشيوعية. لقد مر الوقت الذي كان يمكن أن تكتفي به الشبيبة بعمل جيد لمجموعات صغيرة للدعاوة، مشكَّلة من قلة من الأعضاء. وهناك أيضا اليوم إلى جانب التحريض والدعاوة اللذين يتم القيام بهما بمثابرة وبأساليب جديدة، وسيلة لكسب أوسع جماهير الشباب العمال وهي الحث على معارك اقتصادية وقيادتها.
ينبغي أن توسّع منظمات الشبيبة عملها التثقيفي وتعززه، بالانسجام مع مهمتها الجديدة. إن المبدأ الأساسي للتربية الشيوعية في حركة الشبيبة الشيوعية هو المشاركة النشطة في كل المعارك الثورية، مشاركة ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمدرسة الماركسية.
وهناك واجب آخر مهم للشبيبة في المرحلة الحالية وهو تحطيم الأيديولوجية الوسطية والاشتراكية-الوطنية بين الشبيبة العمالية وتخليص هذه الأخيرة من الأوصياء والقادة الاشتراكيين-الديمقراطيين. ويجب أن تبذل جهدها في الوقت نفسه من أجل تنشيط سيرورة التجديد الناجمة عن الحركة الجماهيرية، بانتداب أعضائها الأكبر سنا إلى الأحزاب الشيوعية بسرعة.
إن الفرق الكبير الأساسي القائم بين الشبيبة الشيوعية والشبيبة الوسطية والاشتراكية - الوطنية يصبح بينا بشكل خاص عبر المشاركة النشطة في كل مشاكل الحياة السياسية والمعارك والتحركات الثورية، كما عبر تعاونها على بناء الأحزاب الشيوعية.
.5- تختلف الروابط بين الشبيبة والأحزاب الشيوعية بشكل جذري عن تلك القائمة بين منظمات الشبيبة الثورية والأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية. إن التماثل الأكبر والمركزية الأشد صرامة هما ضروريان في المعركة المشتركة من أجل التحقيق السريع للثورة البروليتارية. ولا يمكن أن تنتمي القيادة السياسية من وجهة نظر أممية إلاّ إلى الأممية. ومن واجب منظمات الشبيبة الشيوعية أن تخضع لهذه القيادة السياسية، برنامجا وتكتيكا وتوجهات سياسية، وأن تندمج في جبهة ثورية مشتركة. ونظرا لاختلاف درجات تطور الأحزاب الشيوعية من الضروري أن يخضع تنفيذ هذا المبدأ في حالات استثنائية لقرار خاص من اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية وأممية الشبيبة يأخذ بالاعتبار الشروط الخاصة القائمة. وينبغي أن تخضع الشبيبة الشيوعية التي بدأت بتنظيم صفوفها تبعا لقواعد المركزية الأكثر صرامة للانضباط الفولاذي للأممية الشيوعية. وينبغي أن تهتم الشبيبة داخل منظماتها بجميع المسائل السياسية والتكتيكية التي ينبغي أن تتخذ دائما موقفا منها. وداخل الأحزاب الشيوعية في بلدانها يجب أن تتحرك دائما لا ضد هذه الأحزاب، بل باتجاه القرارات التي تتخذها، وفي حال وقوع اختلافات خطيرة بين الأحزاب الشيوعية ومنظمات الشبيبة ينبغي أن تستخدم هذه الأخيرة حقها بالاستئناف لدى اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. إن التنازل عن استقلالها السياسي لا يعني أبدا التضحية باستقلالها العضوي الذي ينبغي الحفاظ عليه لأسباب تربوية.
كما أنه من أجل القيادة الجيدة للنضال الثوري ثمة حاجة لأقصى مركزية ووحدة، ففي البلدان حيث أخضع التطور التاريخي الشبيبة للحزب، ينبغي الحفاظ على هذه العلاقات كقاعدة، والخلافات بين الجهازين تحلها اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة الشيوعية.
.6- إن إحدى المهام الأكثر إلحاحا وأهمية للشبيبة هي في أن تتخلص من كل بقايا الفكرة القائلة بدورها السياسي القيادي الموروثة من مرحلة استقلالها المطلق. وينبغي استخدام صحافة الشبيبة وكل جهازها من أجل إفعام الشبيبة الشيوعية بالشعور والوعي بأنهم جنود وأعضاء مسؤولون في حزب شيوعي واحد.
ينبغي لمنظمات الشبيبة الشيوعية أن تولي اهتماما أكبر بهذا العمل وتعطيه مزيدا من الوقت، لاسيما أنها بدأت تتحول إلى حركة جماهيرية بفضل كسب مجموعات متزايدة باستمرار من العمال الشباب.
.7- إن التعاون السياسي الوثيق بين الشبيبة والأحزاب الشيوعية يجب أن يجد تعبيره في ارتباط عضوي صلب بين التنظيمين. وما هو ضروري على الإطلاق هو التبادل الدائم والمشترك للممثلين بين الأجهزة القيادية للشبيبة وللأحزاب على جميع المستويات: إقليم، قضاء كانتون، وصولا إلى آخر نواة، في مجموعات المصانع وفي النقابات، كما المشاركة المتبادلة في جميع الكونفرنسات والمؤتمرات. ويمكن للحزب الشيوعي على هذا الشكل أن يمارس تأثيرا متواصلا على نشاط الشبيبة وأن يدعمه، في حين تتمكن هذه الأخيرة أيضا من امتلاك تأثير فعلي على نشاط الحزب.
.8- إن العلاقات بين الأممية الشيوعية وأممية الشبيبة هي أكثر وثوقا مما بين الأممية والأحزاب الشيوعية. فدور أممية الشبيبة الشيوعية يقوم على مركزة حركة الشبيبة الشيوعية وقيادتها، وعلى دعم مختلف الاتحادات وتشجيعها معنويا وماديا، وخلق منظمات جديدة للشبيبة الشيوعية حيث لا توجد والقيام بالدعاوة الأممية لحركة الشبيبة الشيوعية ولبرنامجها. إن الأممية الشيوعية للشبيبة تشكل جزءا من الأممية الشيوعية. وبهذه الصفة هي خاضعة لقرارات المؤتمر واللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، وضمن هذه الحدود تنفذ عملها وتتحرك بصفة وسيط ومترجم للإرادة السياسية للأممية الشيوعية في جميع فروع هذه الأخيرة. ويمكن ضمان الإشراف المستمر من جانب الأممية الشيوعية والعمل الأكثر خصبا من جانب أممية الشباب الشيوعية في جميع مجالات نشاطها (قيادة الحركة، والتحريض والتنظيم، وتعزيز منظمات الشبيبة الشيوعية ودعمها) وذلك عبر التبادل المستمر والمشترك والتعاون الوثيق المتواصل.



--------------------------------------------------------------------------------

رسالة حول ماكس هولز إلى البروليتاريا الألمانية
إن البرجوازية الألمانية تضيف إلى ألفي سنة من السجن وعقوبات الجنح التي كبدتها لمقاتلي آذار/مارس، السجن المؤبد لـ:
ماكس هولز
إن الأممية الشيوعية عدوة الإرهاب وأعمال التخريب الفردية التي لا تخدم أهداف معركة الحرب الأهلية المباشرة، تدين حرب القناصين التي تخاض من خارج القيادة السياسية للبروليتاريا الثورية. ولكن الأممية الشيوعية ترى في ماكس هولز أحد أشجع المتمردين ضد المجتمع الرأسمالي الذي تعبر عن سُعاره أحكامٌ بالسجن، ويتجلى نظامه ordre بتجاوزات الرعاع الذي يخدم كقاعدة لحكمه. إن أفعال ماكس هولز لم تكن تتناسب مع الهدف المقصود؛ فلا يمكن تحطيم الإرهاب الأبيض إلاّ كنتيجة لصعود الجماهير العمالية، وبغير هذا الشكل لا تستطيع البروليتاريا الاستيلاء على السلطة. ولكن حبه البروليتاريا وكرهه للبرجوازية أمليا عليه هذه الأفعال. إن المؤتمر يوجه إذا تحياته الأخوية لماكس هولز. ويعهد به لحماية البروليتاريا الألمانية، ويعبر عن أمله في أن يراه يناضل في صفوف الحزب الشيوعي من أجل قضية انعتاق العمال، في اليوم الذي يحطم فيه البروليتاريون الألمان أبواب سجنهم.




--------------------------------------------------------------------------------

بيان اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية
نحو عمل جديد نحو نضالات جديدة

إلى بروليتاريي العالم أجمع، نساء ورجالاً!
لقد اختُتم المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، لقد أختُِتم الاستعراض الكبير للبروليتاريا الشيوعية في العالم أجمع. وأظهر أن الشيوعية قد أصبحت خلال السنة المنصرمة، في سلسلة من البلدان التي لم تكن فيها إلاّ في بداياتها، حركة كبيرة تحفز الجماهير وتهدد رأس المال. إن الأممية الشيوعية التي لم تكن تمثل خارج روسيا في مؤتمرها التأسيسي إلاّ مجموعات صغيرة من الرفاق، هذه الأممية التي كانت تبحث بعد عن طريقها في المؤتمر الثاني، العام الماضي، تملك الآن في روسيا ولكن أيضا في ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وإيطاليا وفرنسا والنروج ويوغسلافيا وبلغاريا، أحزابا تحتشد حول راياتها، دون توقف، جماهير تتزايد اتساعا. إن المؤتمر الثالث يتوجه إلى الشيوعيين في جميع البلدان بالدعوة لاتباع الطريق التي التزموا بها والقيام بكل ما بوسعهم لجمع ملايين العمال والعاملات الجدد في صفوف الأممية الشيوعية، لأنه لا يمكن تحطيم سلطة رأس المال إلاّ إذا أصبحت فكرة الشيوعية قوة تحفِّز الأغلبية الكبرى من البروليتاريا التي تقودها الأحزاب الشيوعية الجماهيرية التي ينبغي أن تشكل الطبقة البروليتارية المقاتلة كحلقة حديدية. «إلى الجماهير»، هذه هي الصرخة الأولى التي يواجهها المؤتمر الثالث إلى الشيوعيين في العالم أجمع.

نحو نضالات كبرى جديدة
إن الجماهير تأتي إلينا وتتدفق نحونا، لأن الرأسمالية العالمية تُظهر لها ببداهة أكثر فأكثر جلاء أنها لا تستطيع أن تطيل وجودها إلاّ بتحطيم النظام الاجتماعي بأكمله بشكل متزايد، وبزيادة الفوضى والبؤس وعبودية الجماهير. وإزاء الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ترمي ملايين العمال في الشارع، تسقط تشكّيات خدم رأس المال الاشتراكيين-الديمقراطيين، والدعوة التي كانت توجهها الطبقة البرجوازية منذ سنوات إلى العمال «واعملوا دون توقف»، هذه الصرخة توقفت، لأن صرخة «العمل» أصبحت صرخة المعركة للطبقة العاملة، ولن يجري إرضاؤها إلاّ على أنقاض الرأسمالية، وإلاّ إذا استولت البروليتاريا على وسائل الإنتاج التي خلقتها بنفسها. إن العالم الرأسمالي يجد نفسه أمام هوة مخاطر حرب جديدة. وتدفع التضادات الأميركية-اليابانية والإنكليزية-الأميركية والإنكليزية-الفرنسية، والفرنسية-الألمانية والبولندية-الألمانية، والتضادات في الشرقين الأدنى والأقصى، تدفع الرأسمالية إلى التسلح الدائم. وتطرح عليها السؤال المقلق التالي: «هل استأنفت أوروبا السير في طريق الحرب العالمية؟» لا يخاف الرأسماليون المجزرة بحق ملايين البشر. فقد تركوا بعد الحرب ملايين البشر يموتون جوعا بفعل سياستهم وحصار روسيا. إن ما يخافونه، هو أن تدفع أي حرب جديدة الجماهير نهائيا إلى صفوف الثورة العالمية. إنهم يسعون إذا، كما فعلوا قبل الحرب، للوصول إلى وفاق عن طريق المكائد والترتيبات الدبلوماسية. ولكن الوفاق على نقطة، هو التوتر على نقاط أخرى. فالمفاوضات بين انكلترا وأميركا حول موضوع الحد من التسلح البحري للدولتين تخلق بالضرورة جبهة ضد اليابان. فيما يسلم التقارب الفرنسي-الإنكليزي ألمانيا لفرنسا وتركيا لإنكلترا. إن نتاج جهود رأس المال العالمي الساعي لوضع قليل من النظام في الفوضى العالمية، ليس هو السلم، بل إنه الاضطراب المتنامي والعبودية الأشد فأشد صرامة على صعيد الشعوب المهزومة بواسطة رأسمال المنتصرين. وتتحدث صحافة رأس المال الآن عن التهدئة والوفاق في السياسة العالمية لأن البرجوازية الألمانية تخضع للشروط التي فرضها الحلفاء، ولأنها سلمت الشعب الألماني لثعالب في بورصة باريس ولندن من أجل إنقاذ سلطتها. ولكن صحافة البورصة مليئة في الوقت نفسه بأخبار حول تفاقم الانهيار الاقتصادي لألمانيا، حول الضرائب الضخمة التي سوف تنهال مثل البرد، في الخريف، على الجماهير المحكوم عليها بالبطالة، ضرائب ترفع أكثر فأكثر أسعار كل السلع الغذائية والألبسة. إن الأممية الشيوعية التي تنطلق، في سياستها، من دراسة متجردة وموضوعية للوضع العالمي – لأن البروليتاريا لا يمكن أن تحرز النصر إلاّ عبر الملاحظة الواضحة الموضوعية لحقل المعركة- إن الأممية الشيوعية تقول للبروليتاريا في العالم أجمع: لقد أظهرت الرأسمالية حتى الوقت الحاضر أنها عاجزة عن تأمين النظام في العالم حتى في حدود ما كان عليه الوضع قبل الحرب. وما تقوم به في هذه اللحظة لا يمكن أن يؤدي إلى التئام، إلى نظام جديد، بل إلى إطالة عذاباتكم وإطالة احتضار الرأسمالية. إن الثورة العالمية تتقدم. وفي كل مكان تزعزعت أسس رأس المال العالمي. إن الصرخة الثانية التي يطلقها المؤتمر العالمي للأممية الشيوعية لبروليتاريي العالم أجمع هي التالية: نحن نتقدم نحو نضالات كبرى، تسلحوا، استعدادا لمعارك جديدة.

شكلوا الجبهة
إن البرجوازية العالمية عاجزة عن أن تؤمن للعمال العمل، والخبز والمسكن والثياب؛ ولكنها تظهر قدرات كبيرة في تنظيم الحرب ضد البروليتاريا العالمية. ومنذ لحظة بلبلتها الكبرى الأولى، ومنذ أن نجحت في تخطي خوفها من العمال العائدين من الحرب، منذ أن نجحت في إدخالهم مجددا إلى المصانع، وسحقت انتفاضاتهم الأولى، وجددت تحالفها الحربي مع الاشتراكيين-الديمقراطيين والاشتراكين-الخونة ضد البروليتاريا، وقسمت بذلك هذه الأخيرة، استخدمت كل قواها لتنظيم حرس أبيض ضد البروليتاريا ولتجريد هذه الأخيرة من سلاحها. إن البرجوازية العالمية، المسلحة حتى العظم، جاهزة ليس فقط لمواجهة كل انتفاضة بروليتارية بالسلاح، بل أيضا للتسبب إذا ما دعت الحاجة بانتفاضات غير ناضجة للبروليتاريا التي تعد نفسها للنضال؛ وهي ترغب هكذا في سحقها قبل أن تشكل جبهتها المشتركة المنيعة. ينبغي أن تواجه الأممية الشيوعية استراتيجية البرجوازية العالمية باستراتيجيتها. وضد صناديق رأس المال العالمي، الذي يواجه البروليتاريا المنظمة بعصابات مسلحة، تمتلك الأممية الشيوعية جيشا مخلصا: إنه جماهير البروليتاريا، الجبهة المتحدة والصلبة للبروليتاريا. إن مكائد البرجوازية وعنفها لن يلقيا أي نجاح إذا تقدم ملايين العمال إلى المعركة في صفوف متراصة. لأن السكك الحديدية التي تنقل عليها البرجوازية جيوشها البيضاء ضد البروليتاريا ستتوقف؛ وسيستولي الرعب الأبيض عند ذلك على جزء من الحرس الأبيض نفسه. وإذا تم النجاح في أن نقود البروليتاريا في جبهة متحدة إلى النضال، فإن رأس المال والبرجوازية العالمية سيفقدان فرص النصر، والإيمان بالنصر الذي لا يمكن أن تعيده إليها إلاّ خيانة الاشتراكية-الديمقراطية وانقسام الطبقة العاملة. إن الانتصار على رأس المال العالمي أو بالأحرى الطريق نحو هذا الإنتصار، هو كسب تعاطف أغلبية الطبقة العاملة. ويدعو المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع، والشيوعيين في النقابات لأن يبذلوا جهودهم كافة، وكامل قواهم لانتزاع أغلبية الجماهير العمالية من تأثير الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية والبيروقراطية النقابية الخائنة. ولا يمكن بلوغ هذا الهدف، إلاّّّّ إذا أثبت شيوعيو العالم أنهم بمثابة مقاتلي الطليعة للطبقة العاملة خلال هذه الحقبة الصعبة، التي يحمل كل يوم فيها حرمانا جديدا وبؤسا جديدا للجماهير العمالية، وإلاّ إذا قادوها للنضال من أجل قطعة خبز إضافية، والنضال من أجل إراحتها من الأعباء التي يفرضها رأس المال أكثر فأكثر على الجماهير العمالية بشكل غير محتمل. ينبغي أن يُِثبت للجمهور العمالي أن الشيوعيين وحدهم هم الذين يناضلون من أجل تحسين وضع الجماهير وأن الاشتراكيين-الديمقراطيين كما البيروقراطية العمالية الرجعية مستعدون لترك البروليتاريا فريسة المجاعة، بدل قيادتها إلى المعركة. ولا يمكن ضرب خونة البروليتاريا، عملاء البرجوازية، على أرضية النقاشات النظرية حول الديمقراطية والديكتاتورية. ولن يتم سحقهم إلاّ بمعرض قضايا الخبز والأجور والملبس والمسكن. والحقل الأول للمعركة والأكثر أهمية، الذي يمكن ضربهم فيه، هو حقل الحركة النقابية. وسيتم التغلب عليهم في النضال الذي نقوده ضد أممية أمستردام النقابية الصفراء ومن أجل الأممية النقابية الحمراء. إنه النضال من أجل الاستيلاء على مواقع عدوة في معسكرنا الخاص؛ إنها مسألة تشكيل جبهة مقاتلة في مواجهة الرأسمال العالمي. حافظوا على منظماتكم نقية من كل اتجاه وسطي، حافظوا على الروح القتالية لديكم.
وليس إلاّ بالنضال من أجل المصالح الأكثر بساطة وأولية للجماهير العمالية، نستطيع تشكيل جبهة متحدة للبروليتاريا ضد البرجوازية. وليس إلاّ بهذا النضال نستطيع إنهاء الانقسامات داخل البروليتاريا، انقسامات تشكل القاعدة التي تستطيع عليها البرجوازية أن تطيل وجودها. غير أن جبهة البروليتاريا هذه لا تصبح قوية ومهيأة للمعركة إلاّ إذا جرى دعمها من قبل الأحزاب الشيوعية التي ينبغي أن تكون روحها متحدة وصلبة وانضباطها صلبا وقاسيا. لذلك فإن المؤتمر العالمي الثالث للأممية الشيوعية، في الوقت نفسه الذي يطلق فيه باتجاه الشيوعيين في العالم أجمع صرخة «إلى الجماهير!» و«شكلوا الجبهة المتحدة للبروليتاريا!» فإنه يشير عليهم بـ«حافظوا على صفوفكم نقية من العناصر القادرة على تحطيم معنويات المعركة وانضباطها لدى الفرق الهجومية للبروليتاريا العالمية ولدى الأحزاب الشيوعية». إن مؤتمر الأممية الشيوعية يقر ويصدق على طرد الحزب الاشتراكي الإيطالي، هذا الطرد الذي يجب الإبقاء عليه حتى اللحظة التي يقطع فيها هذا الحزب مع الإصلاحيين ويطردهم من صفوفه. ويعبر المؤتمر بذلك عن قناعته بأنه إذا أرادت الأممية الشيوعية أن تقود ملايين العمال إلى المعركة لا يجب أن تتساهل مع وجود إصلاحيين في صفوفها هدفهم المصالحة مع الرأسمالية وإصلاح هذه الأخيرة، وليس الثورة الظافرة للبروليتاريا. إن الجيوش التي تتسامح مع وجود قادة على رأسها يسعون إلى التوفيق مع العدو، محكوم عليها بأن يخونها هؤلاء القادة أنفسهم ويبيعوها للعدو. وقد تنبهت الأممية الشيوعية إلى واقع أنه في سلسلة كاملة من البلدان حيث تم طرد الإصلاحيين لا يزال هناك مع ذلك اتجاهات لم تتمكن من تخطي الروح الإصلاحية نهائيا. وإذا كانت هذه الاتجاهات لا تعمل للمصالحة مع العدو فإنها مع ذلك لا تنكب بالحماس الكافي، في تحريضها ودعاوتها، على إعداد النضال ضد الرأسمالية. ولا تعمل بالنشاط الكافي والحزم الكافي لتثوير الجماهير. إن الأحزاب العاجزة عن أن تصبح بعملها الثوري اليومي بمثابة النَفَس الثوري للجماهير، والعاجزة عن تعزيز إرادة النضال لدى الجماهير بشغف واندفاع، إن أحزابا كهذه ستفوّت بالضرورة ظروفا ملائمة للنضال، وتترك نضالات عفوية كبيرة للبروليتاريا تغوص في الرمل، كما كانت الحال عند احتلال المصانع في إيطاليا وأثناء إضراب كانون الأول/ديسمبر في تشيكوسلوفاكيا. ينبغي أن تكوِّن الأحزاب الشيوعية روحها القتالية، ينبغي أن تصبح هيئة الأركان القادرة على الإمساك بالظروف الملائمة للنضال فورا واستخلاص كل المنافع الممكنة عن طريق قيادة جريئة للحركات العفوية للبروليتاريا. «كونوا طليعة الجماهير العمالية المنخرطة في الحركة، كونوا قلبها ودماغها». هذه هي صرخة المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية إلى الأحزاب الشيوعية. وأن نكون الطليعة، هو أن نسير على رأس الجماهير، باعتبارها الجزء الأكثر وعيا والأكثر حذرا وتبصرا. ولن تكون الأحزاب الشيوعية قادرة ليس فقط على تشكيل جبهة متحدة للبروليتاريا بل أيضا على قيادة هذه الأخيرة للانتصار على العدو، إلاّ إذا أصبحت هي نفسها تلك الطليعة.

واجهوا استراتيجية رأس المال
باستراتيجية البروليتاريا،
أعدّوا نضالاتكم!
إن العدو قوي، لأنه يملك وراءه قرونا من عادة السلطة التي ولّدت فيه وعيا لقوته وإرادة الحفاظ على سلطته. إن العدو قوي لأنه تعلم خلال قرون كيف يقسِّم الجماهير البروليتارية، وكيف يقمعها ويتغلب عليها. والعدو يعرف كيف تقاد حرب أهلية نحو النصر، ولهذا يُلفت المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية انتباه الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع إلى الخطر الذي تمثله الاستراتيجية المدروسة للطبقة المالكة والمسيطرة ونواقص الاستراتيجية، التي تكاد تكون في طريقها إلى التشكل لدى الطبقة العاملة المناضلة من أجل السلطة. لقد أظهرت أحداث شهر آذار/مارس في ألمانيا الخطر الكبير الذي ينتج عن ترك العدو يدفع بمكائده الصفوف الأولى من الطبقة العاملة، وطليعة البروليتاريا إلى النضال قبل أن تتحرك أوسع الجماهير. إن الأممية الشيوعية تحيّي بفرح واقع أن مئات آلاف العمال في ألمانيا قد سارعوا لنجدة العمال في ألمانيا الوسطى المهددين من كل الجهات. وبروح التضامن هذه، وبهبَّة البروليتاريا في بلدان العالم أجمع لحماية جزء مهدد من البروليتاريا، ترى الأممية الشيوعية طريق النصر. لقد حيّت واقع أن الحزب الشيوعي الألماني الموحد وقف على رأس الجماهير العمالية التي هبت للدفاع عن إخوانها المهددين. ولكن الأممية الشيوعية تعتبر في الوقت نفسه أن من واجبها أن تقول بصراحة ووضوح للعمال في العالم أجمع: حتى إذا كانت الطليعة لا تستطيع تفادي النضالات، وحتى إذا كان يمكن أن تسرع هذه النضالات من تعبئة الطبقة العاملة بمجملها، فإن هذه الطليعة مع ذلك لا ينبغي أن تنسى أنه لا يجب أن تنجرّ وحيدة، ومعزولة في نضالات حاسمة وأنها إذا أجبرت على الذهاب معزولة إلى المعركة عليها تفادي الصدام المسلح مع العدو، لأن ما يشكل مصدر انتصار البروليتاريا على الحرس الأبيض المسلح هو جماهيرها. وإذا لم تتقدم الطليعة بجماهير تسيطر على العدو، ينبغي أن تتفادى، كأقلية مسلحة، الدخول في صراع مسلح معه. وقد قدمت معارك آذار/مارس أيضا درسا تلفت الاممية الشيوعية انتباه بروليتاريي العالم أجمع إليه. يجب إعداد الجماهير العمالية للنضالات المحدقة بتحريض ثوري متواصل ويومي ومكثف وواسع؛ يجب دخول المعركة بشعارات واضحة ومفهومة لدى أوسع الجماهير البروليتارية. وبمواجهة استراتيجية العدو يجب وضع استراتيجية متبصرة ومتعقلة للبروليتاريا. فإرادة القتال لدى صفوف الطليعة، وشجاعتهم وصلابتهم ليست كافية. ينبغي الإعداد للنضال وتنظيمه على الشكل الذي يظهر فيه بالنسبة لهؤلاء بمثابة النضال من أجل مصالحهم الأكثر أساسية وعلى الشكل الذي يعبئهم مباشرة. وكلما أحس الرأسمال العالمي أنه في خطر، كلما سعى لجعل النصر المستقبلي للأممية الشيوعية مستحيلا، بعزل صفوفها الأولى عن باقي الجماهير، وبضربها كذلك، يجب مواجهة هذا المخطط، وهذا الخطر بتحريض جماهيري واسع ومكثف تقوده الأحزاب الشيوعية، وبعمل تنظيمي نشط تضمن بواسطته هذه الأحزاب تأثيرها على الجماهير، وبتقويم بارد لوضع المعركة، وبتكتيك حكيم يسعى إلى تفادي الصراع مع القوى المتفوقة للعدو، وبدء الهجوم في الظروف التي يكون فيها العدو منقسما والجمهور موحدا.
إن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يعلم أن الطبقة العاملة لن تتوصل إلى تشكيل أحزاب شيوعية قادرة على النزول كالصاعقة على العدو في أكثر أوقات ضيقه حرجا، وتفاديه عندما يكون في وضع جيد، إلاّ تبعا للتجربة التي تكتسبها في النضال. هذا هو واجب بروليتاريي العالم أجمع: أن يثابروا على فهم جميع الدروس واستخدامها، كل التجارب التي جمعتها الطبقة العاملة في بلد معين لقاء تضحيات كبيرة.

حافظوا على انضباط المعركة
لا ينبغي أن تُعِدَّ الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع والطبقة العاملة أنفسها لمرحلة تحريض وتنظيم، بل ينبغي أن تنتظر نضالات كبرى وتعدّ أنفسها لها، نضالات سيفرضها الرأسمال قريبا على البروليتاريا من أجل سحقها وتحميلها كل عبء سياسته. وينبغي أن تنشئ الأحزاب الشيوعية في هذا النضال انضباطا صارما وقاسيا. وينبغي أن تعالج اللجان المركزية لهذه الأحزاب كل توجيهات النضال ببرودة وتفكير، وتراقب حقل المعركة، وتركز اندفاعة الجماهير الكبرى بأقصى ما يمكن من التفكير، وينبغي أن تسبك خطتها للمعركة، وخطها التكتيكي، بكل روحية الحزب مع أخذ انتقادات الرفاق بالاعتبار. ولكن يجب أن يتبع كل الرفاق الخط الذي يضعه الحزب. وينبغي إخضاع كل كلمة وكل إجراء تنظيمي حزبي لهذا الهدف. ويجب أن تتبع الكتل البرلمانية وصحافت الحزب والمنظمات أمر قيادة الحزب دون تردد.
لقد انتهى الاستعراض العالمي لصفوف الطليعة الشيوعية وأظهر أن الشيوعيين قوة عالمية، وأنه على الأممية الشيوعية أن تشكل أيضا جيوشا بروليتاريا كبيرة وتربّيها. وأظهر أن ثمة نضالات كبرى وشيكة الوقوع بالنسبة لهذه الجيوش. بشّر بالانتصار في هذه النضالات، وأظهر للبروليتاريا العالمية كيف ينبغي أن تعدّ لهذا النصر وتحرزه. وعلى الأحزاب الشيوعية في جميع البلدان أن تجعل من قرارات المؤتمر، التي أملتها تجارب البروليتاريا العالمية، بمثابة الضمير العام للشيوعيين في جميع البلدان، حتى يتمكن البروليتاريون الشيوعيون، رجالا ونساء، من التحرك في النضالات المقبلة كقادة لآلاف البروليتاريين غير الشيوعيين.
عاشت الأممية الشيوعية!
عاشت الثورة العالمية!
إلى العمل من أجل الإعداد لانتصارنا وتنظيمه!
اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية.
المانيا: هيكرت، فروليخ؛ فرنسا: سوفارين؛ تشيكوسلوفاكيا: بوريان، كريبيخ؛ إيطاليا: تيراسيني، جيناري؛ روسيا: زينوفييف، بوخارين، راديك، لينين، تروتسكي؛ أوكرانيا: شومسكي؛ بولونيا: وارسكي؛ بلغاريا: بوبوف؛ يوغوسلافيا: ماركوفيسك؛ النروج: شيفلو؛ انكلترا: بل؛ أميركا: بالدوين؛ اسبانيا: فيرينو، غراسيا؛ فنلندا: سيرولا؛ هولندا: جانسن؛ بلجيكا: فان أوفر-ستراتين؛ السويد: تشيلبوم؛ ليتونيا: ستوتشكا؛ سويسرا: ارنهولد؛ النمسا: كوريتشوفر؛ المجر: بيلاكون، اللجنة التنفيذية لأممية الشبيبة: مونزيبرغ، ليكاي.
موسكو، 17 تموز/يوليو 1921




--------------------------------------------------------------------------------

موضوعات للدعاوة بين النساء
مبادئ عامة
.1- يؤيد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بالاتفاق مع الكونفرنس الثاني للنساء الشيوعيات رأي المؤتمرين الأول والثاني في ما يتعلق بضرورة أن تعزز الأحزاب الشيوعية في الغرب والشرق العمل بين البروليتاريا النسائية, وبشكل خاص التثقيف الشيوعي لأوسع جماهير العاملات اللواتي ينبغي أن ينخرطن في النضال من أجل السلطة السوفياتية أو تنظيم الجمهورية العمالية السوفياتية .
و تصبح مسألة دكتاتورية البروليتاريا بالنسبة للطبقة العاملة في العالم أجمع, وبالتالي بالنسبة للعاملات مسألة أولية.
الاقتصاد الرأسمالي في مأزق. القوى المنتجة لم يعد من الممكن أن تتطور في إطار النظام الرأسمالي. إن عجز البرجوازية عن إحياء الصناعة والبؤس المتنامي للجماهير الكادحة, وتطور المضاربة, وتفكك الإنتاج والبطالة, وعدم ثبات الأسعار, وغلاء المعيشة غير المتناسب مع الأجور, كل ذلك يتسبب في تصاعد الصراع الطبقي في جميع البلدان. في هذا الصراع ستكون القضية التي تنبغي معرفتها بشكل أساسي هي من يجب أن ينظم الإنتاج, أحفنة من البورجوازيين والمستغلين على أسس الرأسمالية والملكية الخاصة, أو طبقة المنتجين الفعليين, على قاعدة الشيوعية.
يجب أن تمسك الطبقة الجديدة الصاعدة, طبقة المنتجين الفعليين, انسجاما مع قوانين التطور الاقتصادي, بجهاز الإنتاج وتخلق أشكالا اقتصادية جديدة. وبذلك فقط يمكن إعطاء القوى المنتجة أقصى تطورها, هذه القوى التي تمنعها فوضى الإنتاج الرأسمالي من إعطاء كل المردود القادرة على إعطائه.
طالما أن السلطة بين أيدي الطبقة البورجوازية, فان البروليتاريا عاجزة عن تجديد الإنتاج. إن أي إصلاح, أو إجراء, تقترحه الحكومات الديمقراطية أو الاشتراكية في البلدان البرجوازية لن يكون قادرا على انقاد الوضع وتخفيف آلام العمال التي لا يمكن التغلب عليها, لأن هذه الآلام هي نتيجة طبيعية لانهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي, وستبقى طالما أن السلطة بين أيدي البرجوازية. وحده الاستيلاء على السلطة من قبل البروليتاريا سيسمح للطبقة العاملة بامتلاك وسائل الإنتاج وبذلك تأمين إمكانية ترميم الاقتصاد ضمن مصلحتها الخاصة.
ومن أجل تعجيل ساعة لقاء البروليتاريا الحاسم مع العالم البرجوازي المشرف على الموت يجب أن تلتزم الطبقة العاملة بالتكتيك الحازم والعنيد الذي تنادي به الأممية الثالثة. و ينبغي أن يكون تحقيق دكتاتورية البروليتاريا على جدول الأعمال. فذلك هو الهدف الذي يجب أن يحدد أساليب عمل البروليتاريا من الجنسين وخط سلوكها.
وانطلاقا من وجهة النظر القائلة بأن النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا هو على جدول أعمال البروليتاريا في جميع الدول الرأسمالية, وأن بناء الشيوعية هو المهمة الحالية في البلدان التي أصبحت فيها الدكتاتورية بين أيدي العمال, يعلن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أنه لن يتم إنجاز الاستيلاء على السلطة من قبل البروليتاريا, وتحقيق الشيوعية في البلدان التي أطيح فيها الاضطهاد البرجوازي, دون الدعم النشط من جمهور البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا النسائية.
من جهة ثانية, يلفت المؤتمر مرة أخرى انتباه النساء إلى واقع أنه دون دعم الأحزاب الشيوعية فان المبادرات الهادفة إلى تحرير المرأة, والى الاعتراف بمساواتها الشخصية الكاملة وانعتاقها الفعلي, لا يمكن أن تتحقق.
.2 – تفرض مصلحة الطبقة العاملة في هذه اللحظة, وبقوة مميزة, دخول النساء في الصفوف المنظمة للبروليتاريا المقاتلة من أجل الشيوعية؛ إنها تفرض ذلك بالقدر الذي يصبح فيه الانهيار الاقتصادي العالمي أكثر فأكثر حدة ولا يحتمل بالنسبة لمجموع السكان الفقراء في المدن والأرياف, وبالقدر الذي تفرض فيه الثورة الاجتماعية نفسها بشكل حتمي أمام الطبقة العاملة في البلدان البرجوازية الرأسمالية, فيما تنطرح على الشعب الكادح في روسيا السوفياتية مهمة إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس شيوعية جديدة. ويصبح تحقيق هاتين المهمتين أكثر سهولة إذا شاركت النساء فيهما بنشاط أكبر ووعي أكبر وطوعية أكبر.
3 – وفي كل مكان تبرز فيه مسألة الاستيلاء على السلطة مباشرة, على الأحزاب الشيوعية أن تحسن تقدير الخطر الكبير الذي تمثله في الثورة الجماهير البليدة للعاملات غير المنخرطات في حركة ربات البيوت والمستخدمات والفلاحات اللواتي لم يتخطين المفاهيم البرجوازية ومفاهيم الكنيسة والأفكار المسبقة, اللواتي لم يرتبطن بأي رابط بالحركة التحررية الكبرى, أي الشيوعية. وتشكل جماهير النساء غير المنخرطات في هذه الحركة في الشرق والغرب دون شك, سندا للبرجوازية وموضوعا لدعاوتها المعادية للثورة. ينبغي أن تشكل تجربة الثورة الهنغارية, التي لعب خلالها غياب الوعي لدى الجماهير النسائية دورا محزنا, إنذارا لبروليتاريا البلدان المتخلفة التي تدخل طريق الثورة الاشتراكية.
لقد أظهرت ممارسة الجمهورية السوفياتية عمليا كم هي أساسية مشاركة العاملة والفلاحة سواء بالدفاع عن الجمهورية خلال الحرب الأهلية أو في جميع مجالات التنظيم السوفياتي. إننا نعرف الآن أهمية الدور الذي لعبته العاملات والفلاحات في الجمهورية السوفياتية, في تنظيم الدفاع, في تعزيز الخطوط الخلفية, في النضال ضد الفرار وضد كل أشكال الثورة المضادة والتخريب, الخ.
ينجم عن كل ما أتينا على ذكره أن المهمة المباشرة للأحزاب الشيوعية هي: مد نفوذ الحزب والشيوعية إلى أوسع شرائح الجمهور النسائي في بلدانها, عبر جهاز خاص يعمل داخل الحزب ووسائل خاصة تسمح بالاقتراب بسهولة أكبر من النساء من أجل تجنيبهن تأثير المفاهيم البرجوازية وعمل الأحزاب الائتلافية, لجعلهن مناضلات حقيقيات من أجل الانعتاق الكامل للمرأة.
4 – إذ يفرض المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية على الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب المهمة المباشرة القائمة على تعزيز عمل الحزب بين البروليتاريا النسائية, يظهر المؤتمر للعاملات في العالم أجمع, في الوقت نفسه, أن انعتاقهم من الظلم العريق في القدم والعبودية وعدم المساواة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر انتصار الشيوعية.
إن ما تمنحه الشيوعية للمرأة لا يمكن للحركة النسائية البرجوازية أن تمنحها إياه بأي حال من الأحوال. وطالما بقيت سيطرة راس المال والملكية الخاصة, فان انعتاق المرأة لن يكون ممكنا.
إن الحق الانتخابي لا يلغي السبب الأول في استعباد المرأة في العائلة والمجتمع ولا يعطيها الحل لمشكلة العلاقات بين الجنسين. إن المساواة غير الشكلية, إنما الحقيقية بالنسبة للمرأة, غير ممكنة إلا في ظل نظام تكون فيه المرأة من الطبقة العاملة سيدة أدوات الإنتاج والتوزيع, وتشارك في إدارتها وتحمل واجب العمل بالشروط نفسها التي يعمل بها كامل أعضاء المجتمع العامل, وبتعبير آخر, لا يمكن تحقيق هذه المساواة إلا بعد إطاحة النظام الرأسمالي واستبداله بالأشكال الاقتصادية الشيوعية.
وحدها الشيوعية, هي التي ستخلق وضعا لا تكون فيه الوظيفة الطبيعية للمرأة, الأمومة, في صراع مع الالتزامات الاجتماعية, ولا تعود تمنع عملها المنتج لصالح الجماعة. ولكن الشيوعية هي في الوقت نفسه الهدف النهائي لكل البروليتاريا. ونتيجة لذلك فإن نضال العامل والعاملة من أجل هذا الهدف المشترك يجب أن يخاض بشكل مشترك وبلا انفصال, في مصلحة كلا الاثنين.
5 – يؤيد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية المبادئ الأساسية للماركسية الثورية التي لا يوجد تبعا لها أبدا مسائل «نسائية بشكل خاص»؛ وكل علاقة للعاملة مع النسوية البرجوازية, كما أن كل دعم تقدمه لتكتيك أنصاف الإجراءات والخيانة الواضحة للاشتراكيين-الائتلافيين والانتهازيين, لا يمكن إلا أن يضعف قوى البروليتاريا, وبتأخيره للثورة الاجتماعية يمنع في الوقت نفسه تحقيق الشيوعية, أي انعتاق المرأة.
لا يمكن أن نبلغ الشيوعية إلاّ عبر وحدة النضال بين جميع المستغلين وليس عبر وحدة القوى النسائية من طبقتين متعارضتين.
يجب أن تدعم الجماهير البروليتارية النسائية لمصلحتها الخاصة التكتيك الثوري للحزب الشيوعي، وتشارك في التحركات الجماهيرية بالشكل الأكثر نشاطا والأكثر مباشرة، وفي الحرب الأهلية تحت كل الأشكال وبكل الصور، سواء في الإطار الوطني أو على المستوى العالمي.
.6- يجب أن يتخذ نضال المرأة ضد اضطهادها المزدوج في المرحلة القادمة من تطوره، نضالها ضد الرأسمالية وضد التبعية العائلية والمنزلية، طابعا عالميا يتحول إلى نضال بروليتاري للجنسين من أجل الدكتاتورية والنظام السوفياتي تحت راية الأممية الثالثة.
.7- بعد ثني العاملات في جميع البلدان عن أي نوع من التعاون والائتلاف مع النسويات [14] البرجوازيات، فإن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يحذرهن في الوقت نفسه من كل دعم يقدمنه للأممية الثانية أو للعناصر الانتهازية التي تتقارب معها لا يمكن إلاّ أن يسيء إساءة كبيرة لحركتهن. ينبغي أن تتذكر النساء دائما أن عبوديتهن تمتد جذورها داخل النظام البرجوازي. ولإنهاء هذه العبودية، ينبغي الانتقال إلى نظام اجتماعي جديد.
فبدعم الأمميتين 2 و2/1 2 والمجموعات المشابهة، يجري شلّ تطور الثورة، ويُمنع نتيجة لذلك التحول الاجتماعي عبر إبعاد ساعة انعتاق المرأة.
كلما ابتعدت الجماهير النسائية بعزم وإلى الأبد عن الأممية 2 والأممية 2/1 2 كلما أصبح انتصار الثورة الاجتماعية مضمونا. وواجب النساء الشيوعيات هو إدانة كل الذين يخافون التكتيك الثوري للأممية الشيوعية، والسعي بحزم لإخراجهم من الصفوف المرصوصة للأممية الشيوعية.
وينبغي أن تتذكر النساء أيضا أن الأممية الثانية لم تحاول حتى خلق جهاز مخصص للنضال من أجل الانعتاق الكامل للمرأة. إن الاتحاد العالمي للنساء الاشتراكيات، بمقدار ما هو موجود، تم إنشاؤه خارج إطار الأممية الثانية، بمبادرة خاصة من العاملات.
لقد صاغت الأممية الثالثة، منذ مؤتمرها الأول عام 1919، موقفها من مسألة مشاركة النساء في النضال من أجل الدكتاتورية، وبمبادرتها ومشاركتها تمت الدعوة إلى الكونفرنس الأول للنساء وأسست في العام 1920 أمانة سر عالمية للدعاوة بين النساء مع تمثيل دائم للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. فواجب العاملات الواعيات في جميع البلدان هو أن يقطعن مع الأممية الثانية والأممية 2/1 2 وأن يدعمن بحزم السياسة الثورية للأممية الشيوعية.
.8- إن الدعم الذي تقدمه العاملات والمستخدمات للأممية الشيوعية يجب أن يعبّرن عنه، في البداية، بدخولهن في الأحزاب الشيوعية في بلدانهن. وفي البلدان حيث لم ينته الصراع بين الأممية الثانية والأممية الثالثة، من واجب العاملات دعم الحزب أو التجمع الذي يتبع سياسة الأممية الشيوعية بكل قواهن، والنضال بلا رحمة ضد كل العناصر المترددة أو الخائنة علنا، دون أدنى اعتبار لأي سلطة. إن النساء البروليتاريات الواعيات إذ يناضلن من أجل انعتاقهن يجب ألاّ يبقين في حزب غير منتسب إلى الأممية الشيوعية.
كل خصم للأممية الثالثة هو عدو لتحرر المرأة.
ينبغي أن تصطف كل عاملة واعية تحت الراية الثورية للأممية الشيوعية. وكل تردد من جانب النساء البروليتاريات في القطع مع التجمعات الانتهازية أو السلطات المعترف بها يؤخر انتصارات البروليتاريا في حقل معركة الحرب الأهلية التي تتخذ طابع حرب أهلية عالمية.

أساليب العمل بين النساء
انطلاقا من المبادئ المشار إليها أعلاه يقرر المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية أن العمل بين البروليتاريا النسائية يجب أن تخوضه الأحزاب الشيوعيةفي كل البلدان على الأسس التالية:
.1- اعتبار النساء عضوات متساويات الحقوق والواجبات مع جميع الأعضاء الآخرين في الحزب وفي كل المنظمات البروليتارية (نقابات، تعاونيات، مجالس قدامى العاملين في الصناعة، الخ).
.2- الاعتراف بالأمومة كوظيفة اجتماعية، واتخاذ كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن المرأة بصفتها أماً وتطبيق هذه الإجراءات.
إذ يعارض المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية بقوة كل نوع من أنواع التنظيم المنفصل للنساء داخل الحزب، والنقابات والتجمعات العمالية الأخرى، فإنه يعترف بضرورة استخدام أساليب عمل خاصة بين النساء ويرى من المفيد تشكيل أجهزة خاصة مكلفة بهذا العمل في كل الأحزاب الشيوعية.
وتوجه الحزب في ذلك الاعتبارات التالية:
.أ- الاستعباد العائلي للمرأة ليس فقط في البلدان البرجوازية الرأسمالية، بل أيضا في البلدان حيث يوجد النظام السوفياتي، في المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية.
.ب- السلبية الكبرى والحالة السياسية المتخلفة للجماهير النسائية وهما شائبتان يمكن تفسيرهما بابتعاد المرأة لقرون عن الحياة الاجتماعية وبعبوديتها في العائلة.
.جـ- الوظائف الخاصة المفروضة على المرأة من قبل الطبيعة نفسها، أي الأمومة والخصوصيات المتأتية منها بالنسبة للمرأة مع الحاجة لأكبر حماية ممكنة لقواها وصحتها في مصلحة المجتمع ككل.
يجب أن تكون أجهزة العمل هذه بين النساء فروعا ولجانا تعمل إلى جانب كل لجان الحزب بدءا باللجنة المركزية ووصولا إلى لجان الحي أو المنطقة. وهذا القرار إلزامي لكل الأحزاب المنتمية إلى الأممية الشيوعية.
يحدد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، كمهمات على الأحزاب الشيوعية أن تنجزها عبر فروع العمل بين النساء ما يلي:
.أ- تربية الجماهير النسائية الواسعة بالذهنية الشيوعية وكسبها إلى صفوف الحزب.
.ب- محاربة الأفكار المسبقة المتعلقة بالنساء بين جماهير البروليتاريا من الذكور وتعزيز فكرة وحدة المصالح بين البروليتاريين من الجنسين لدى العمال والعاملات.
.جـ- تدعيم إرادة العاملة باستخدامها في الحرب الأهلية بجميع أشكالها ومظاهرها، وتنمية نشاطها عبر إشراكها في التحركات الجماهيرية، وفي النضال ضد الاستغلال الرأسمالي في البلدان البورجوازية (ضد غلاء المعيشة، وأزمة السكن والبطالة)، وفي تنظيم الاقتصاد الشيوعي والحياة بشكل عام في الجمهوريات السوفياتية.
.د- وضع المسائل المتعلقة بمساواة المرأة والدفاع عنها كأم على جدول أعمال الحزب ومؤسساته التشريعية.
.هـ- النضال بشكل منهجي ضد تأثير التقاليد، والعادات البرجوازية والدين، بغية تمهيد الطريق أمام علاقات أكثر صحية وتناغما بين الجنسين والتطهير الأخلاقي والجسدي للإنسانية العاملة.
ينبغي أن يجري كل عمل الفروع النسائية تحت القيادة المباشرة للجان الحزب وعلى مسؤوليتها.
ينبغي أن يوجد أيضا بين أعضاء اللجنة أو قيادة الفروع، قدر الإمكان، رفاق شيوعيون رجال.
وينبغي أن تحقق لجان العاملات وفروعهن كل الاجراءات والمهمات التي تقع على عاتقها بنفسها، وبشكل مستقل، ولكن في البلدان السوفياتية يجب أن يتم ذلك عبر الأجهزة الاقتصادية والسياسية الخاصة بذلك (فروع السوفياتات، والمفوضيات، واللجان والنقابات، الخ،) وفي البلدان الرأسمالية، بمساعدة الأجهزة المناظرة الخاصة بالبروليتاريا (نقابات، مجالس، الخ.).
في كل مكان تملك الأحزاب الشيوعية فيه وجودا شرعيا أو نصف شرعي، ينبغي أن تشكل جهازا غير شرعي للعمل بين النساء، ويجب أن يخضع هذا الجهاز للجهاز غير الشرعي في الحزب بمجمله ويتأقلم معه. وهنا كما في الجهاز الشرعي يجب أن تضم كل لجنة رفيقة مكلفة بالقيام بالدعاوة غير الشرعية بين النساء.

يجب أن تكون النقابات المهنية والإنتاجية، في المرحلة الحالية، الأرضية الرئيسية بالنسبة للأحزاب الشيوعية للعمل بين النساء، سواء في البلدان التي لم ينته فيها النضال من أجل إطاحة النير الرأسمالي أو في الجمهوريات العمالية السوفياتية.
ويجب أن يخاض النضال بين النساء تبعا للروحية التالية: وحدة في الخط السياسي وفي بنية الحزب، مبادرة حرة للجان والفروع في كل ما يسهم بتحرر النساء الكامل وبمساواتهن، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق كلية إلا بواسطة الحزب، بأكمله. ولا يتعلق الأمر بخلق اتجاه مواز، بل يتعلق بتكملة جهود الحزب عبر النشاط والمبادرة الخلاقين للمرأة.

العمل السياسي للحزب بين النساء في البلدان ذات النظام السوفياتي
يقوم دور الفروع في الجمهوريات السوفياتية على تربية الجماهير النسائية بروحية الشيوعية وعلى تدريبها في صفوف الحزب الشيوعي؛ ويقوم أيضا على تطوير نشاط المرأة ومبادرتها عبر جذبها إلى عمل بناء الشيوعية وجعلها مدافعا صلبا عن الأممية الشيوعية.
ينبغي أن تشرك الفروع المرأة في جميع فروع التنظيم السوفياتي بكل الأشكال بدءا بالدفاع العسكري عن الجمهورية وانتهاء بالخطط الاقتصادية الأكثر تعقيدا.
يجب أن تسهر الفروع في الجمهورية السوفياتية على تطبيق قرارات المؤتمر الثالث للسوفياتات المتعلقة بمشاركة العاملات والفلاحات في تنظيم الاقتصاد الوطني وبنائه، كما في كل الأجهزة القيادية، والادارية، التي تشرف على الانتاج وتنظيمه.
ويجب أن تتعاون الفروع عبر ممثليها والأجهزة الحزبية في صياغة قوانين جديدة وتغيير القوانين التي ينبغي تغييرها من أجل الانعتاق الفعلي للمرأة. وينبغي أن تقوم الفروع بمبادرة خاصة من أجل تطوير التشريع الذي يحمي عمل المرأة والقاصرين.
ويجب أن تدفع الفروع أكبر عدد ممكن من العاملات والفلاحات في الأرياف لانتخاب السوفياتات، وأن تسهر على أن يتم انتخاب عاملات وفلاحات أيضا كعضوات في السوفياتات واللجان التنفيذية.
ويجب أن تساعد الفروع في إنجاح كل الحملات السياسية والاقتصادية التي يخوضها الحزب.
ودور الفروع أيضا أن تسهر على تحسين العمل النسائي وتخصيصه عبر نشر التعليم المهني وتسهيل دخول العاملات والفلاحات في المؤسسات الملائمة.
يجب أن تسهر الفروع على دخول العاملات في لجان من أجل حماية العمل الجاري في المنشآت وتعزيز نشاط لجان الدعم وحماية الأمومة والطفولة.
وتسهّل الفروع تطور شبكة المؤسسات العامة بأكملها، مثل دور الأيتام والمغاسل وورش التصليح ومؤسسات المعيشة القائمة، على أسس شيوعية جديدة، وتزيح عن كاهل النساء عبء الحقبة الانتقالية وتؤمن استقلالهن المادي وتجعل من العبدة المنزلية والعائلية المعاونة الحرة لخالق أشكال الحياة الجديدة.
ينبغي أن تسهل الفروع تربية النساء في النقابات بالروحية الشيوعية عبر منظمات عمل بين النساء مشكلة من الفروع الشيوعية في النقابات.
وتسهر الفروع على المشاركة المنتظمة للعاملات في اجتماعات مندوبات المصانع والمشاغل.
وتوزع الفروع بشكل منظم مندوبات الحزب كمتدربات في مختلف فروع العمل: سوفياتات، اقتصاد وطني، نقابات.
في البلدان الرأسمالية
تتحدد المهمات المباشرة للجان العمل بين النساء تبعا للشروط الموضوعية. هناك من جهة انهيار الاقتصاد العالمي، وتفاقم البطالة المذهل، اللذان من نتائجهما الخاصة انخفاض الطلب على اليد العاملة النسائية، وازدياد البغاء، وغلاء المعيشة، وأزمة السكن والتهديد بحروب إمبريالية جديدة. ومن جهة ثانية إضرابات اقتصادية متواصلة في كل البلدان، ومحاولات متجددة للانتفاضة المسلحة البروليتارية وجو يختنق أكثر فأكثر بالحرب الأهلية التي تمتد إلى العالم أجمع، كل ذلك وكمقدمة لثورة اجتماعية عالمية لا مفر منها.
ينبغي أن تضع اللجان النسائية مهمات المعركة البروليتارية في الصدارة، وأن تقود نضالات من أجل مطالب الحزب الشيوعي، وتشرك المرأة في كل التظاهرات الثورية للشيوعيين ضد البرجوازية والاشتراكيين الائتلافيين.
وتسهر اللجان ليس فقط على أن يتم قبول النساء كعضوات يملكن حقوق الرجال وواجباتهم ذاتها في الحزب، والنقابات، والمنظمات العمالية الأخرى للصراع الطبقي، وذلك بنضالها ضد كل فصل للعاملة وكل تمييز لها، بل أيضا على أن يتم انتخاب العاملات بشكل متساو في كل الأجهزة القيادية للنقابات والتعاونيات.
وتساعد اللجان أوسع جماهير البروليتاريا النسائية والفلاحات في ممارسة حقوقهن الانتخابية في الإنتخابات البرلمانية والانتخابات الأخرى لصالح الحزب الشيوعي، في الوقت نفسه الذي تبادر فيه إلى إبراز ما تنطوي عليه هذه الحقوق من قيمة ضئيلة سواء من أجل إضعاف الاستغلال الرأسمالي أو من أجل انعتاق المرأة، وفي حين تقوم بوضع النظام السوفياتي بمواجهة البرلمانية.
ويجب أن تسهر اللجان على المشاركة النشطة والواعية للعاملات، والمستخدمات، والفلاحات في انتخاب مندوبين عمال للسوفياتات الثورية، الاقتصادية، والسياسية، وتسعى لتنمية النشاط السياسي لدى ربات البيوت ونشر فكرة السوفياتات بين الفلاحات بشكل خاص.
وتكرس اللجان أكبر اهتمام لتطبيق مبدأ أجر متساو لعمل متساو.
ويجب أن تجر اللجان العاملات إلى هذه الحملة عبر دروس مجانية ومتوفرة للجميع ومن طبيعة تبرز قيمة المرأة.
ويجب أن تسهر اللجان على أن تتعاون النساء مع كل المؤسسات التشريعية والبلدية من أجل المناداة بالسياسة الثورية للحزب داخل هذه الأجهزة.
ولكن إذ تشارك النساء الشيوعيات في هذه المؤسسات التشريعية والبلدية وفي أجهزة أخرى للدولة البورجوازية ينبغي أن تتبع بشكل صارم مبادئ الحزب وتكتيكه. وينبغي أن تهتم ليس بالحصول على إصلاحات في ظل النظام الرأسمالي بل بالعمل على تحويل كل مطالب النساء الكادحات إلى شعارات تنمّي نشاط الجماهير وتقود هذه المطالب في طريق النضال الثوري ودكتاتورية البروليتاريا.
ينبغي أن تبقى اللجان على اتصال وثيق في البرلمانات والبلديات مع الفروع الشيوعية وتتداول بصدد كل المشاريع المتعلقة بالنساء بشكل مشترك. وينبغي أن تشرح اللجان للنساء الطابع المتخلف وغير الاقتصادي لنظام تدبير المنازل المعزول ومساوئ التربية البرجوازية للأطفال، بجمع القوى العمالية حول مسألة التحسين الفعلي لمعيشة الطبقة العاملة، وهي مسائل يطرحها الحزب.
ينبغي أن تشجع اللجان انخراط العاملات، وأعضاء النقابات في الحزب الشيوعي. وينبغي أن تجند الفروع الشيوعية في هذه الأخيرة بهذا القصد منظمين من أجل العمل بين النساء الناشطات تحت قيادة الحزب والفروع المحلية.
وينبغي أن توجه لجان التحريض دعاوتها بين النساء على الشكل الذي يضمن نشر النساء البروليتاريات فكرة الشيوعية في التعاونيات. وبالدخول إلى قيادة هذه التعاونيات يتوصلن إلى التأثير عليها وكسبها نظرا لأن هذه المنظمات تملك أهمية كبرى كأجهزة توزيع خلال الثورة وبعدها. ينبغي أن يميل كل عمل اللجان نحو هدف واحد: تطور النشاط الثوري للجماهير بغية تسريع الثورة الاجتماعية.

في البلدان المتخلفة اقتصاديا (الشرق)
ينبغي أن يحوز الحزب الشيوعي، بالتوافق مع الفروع في البلدان ضعيفة التطور الصناعي، الاعتراف بتساوي حقوق المرأة وواجباتها في الحزب، وفي النقابات ومنظمات الطبقة العاملة الأخرى.
ينبغي أن تناضل الفروع واللجان ضد الأفكار المسبقة والعادات والتقاليد الدينية التي ترمي بثقلها على المرأة، وأن تقوم بدعاوة بين الرجال أيضا.
وتبحث الفروع عن دعم لعملها، قبل كل شيء، بين جمهور العاملات المستغلات في المنزل (الصناعة الصغيرة)، وشغيلات زراعة الأرز والقطن وغيرهما، بتشجيع تشكيل مشاغل تعاونية، وتعاونيات صناعة صغيرة حيث يكون ذلك ممكنا (وبالدرجة الأولى بين شعوب الشرق التي تعيش على تخوم روسيا السوفياتية)، وهكذا تسهيل دخول عاملات الزراعة في النقابات.
إن ارتفاع المستوى العام لثقافة الجمهور هو أحد أفضل وسائل النضال ضد الروتين والأفكار المسبقة الدينية المنتشرة في البلد. ينبغي أن تشجع اللجان إذا على تطوير مدارس الكبار والأطفال وتسهل دخول النساء إليها. وينبغي أن تخوض اللجان في البلدان البرجوازية تحريضا مباشرا ضد التأثير البرجوازي في المدارس.
وحيث يمكن القيام بدعاوة في المنزل، يجب أن تقوم الفروع واللجان بذلك، وينبغي أن تنظم نوادي للعاملات وتجتذبهن إليها، وبشكل عام العناصر النسائية الأكثر تأخرا. ويجب أن تكون هذه دور ثقافة وتعليم ومنظمات نموذجية تظهر ما يمكن أن تفعله المرأة من أجل إنعتاقها الخاص واستقلالها (تنظيم حضانات وحدائق أطفال، ومدارس ابتدائية، ومدارس للبالغين الخ.).
أمّا لدى الشعوب التي تعيش حياة بدوية، فينبغي تنظيم نواد متنقلة.
وينبغي أن تساهم الفروع، بالاتفاق مع الأحزاب في البلدان ذات النظام السوفياتي، في تسهيل الانتقال من الشكل الاقتصادي الرأسمالي إلى شكل الإنتاج الشيوعي، بوضع العاملة أمام هذه الحقيقة البديهية، وهي أن الاقتصاد المنزلي والعائلة، كما كانا حتى اليوم، لا يمكن إلاّ أن يستعبداها، في حين أن العمل الجماعي يحررها.
وبين الشعوب الشرقية التي تعيش في روسيا السوفياتية، ينبغي أن تسهر الفروع على تطبيق التشريع السوفياتي الذي يساوي المرأة بالرجل لناحية حقوقها، ويدافع عن مصالحها. وينبغي أن تسهل الفروع، ضمن هذا الهدف، دخول النساء إلى وظائف المحلفين في المحاكم الشعبية.
ينبغي أن تشرك الفروع النساء أيضا في انتخابات السوفياتات، وتسهر على دخول العاملات والفلاحات في السوفياتات واللجان التنفيذية. ينبغي أن يخاض العمل بين البروليتاريا النسائية في الشرق على أساس برنامج الصراع الطبقي. وإذ تظهر الفروع عجز النسويات féministes عن إيجاد حل لمختلف قضايا انعتاق المرأة، فإنها ستستخدم كل القوى الفكرية النسائية (مثلا المعلمات) من أجل نشر التعليم في بلدان الشرق السوفياتية. وإذ تتفادى التهجمات الفظة وغير الفطنة على المعتقدات الدينية والتقاليد الوطنية، ينبغي أن تناضل الفروع واللجان العاملة بين نساء الشرق بوضوح ضد نفوذ القومية والدين في الأذهان.
وينبغي أن ترتكز كل منظمة للعاملات في الشرق كما في الغرب ليس على الدفاع عن المصالح الوطنية بل على خطة توحيد البروليتاريا العالمية من الجنسين في المهام الطبقية المشتركة.
بما أن مسألة العمل بين نساء الشرق ستتخذ أهمية كبرى وستمثل في الوقت نفسه مشكلة جديدة للأحزاب الشيوعية، يجب أن يجري تفصيلها عبر تعميم خاص حول أساليب العمل بين النساء في الشرق، المتلائمة مع ظروف البلدان الشرقية. وسوف يضاف التعميم إلى الموضوعات.

أساليب التحريض والدعاوة
من أجل إنجاز الرسالة الأساسية للفروع، أي التربية الشيوعية لأوسع الجماهير النسائية البروليتارية، وتعزيز كوادر أبطال الشيوعية، هناك ضرورة لأن تستوعب كل الأحزاب الشيوعية في الشرق والغرب المبدأ الأساسي للعمل بين النساء، وهو التالي: «تحريض ودعاوة مستندان إلى الواقع.»
تحريض مستند إلى الواقع يعني قبل كل شيء العمل من أجل تنمية المبادرة لدى العاملة، وتحطيم افتقادها للثقة بقواها الخاصة لجعلها تنخرط في العمل العملي في مجال التنظيم والنضال، ولتعليمها عبر الواقع أن كل انتصار للحزب الشيوعي، وكل عمل ضد الاستغلال الرأسمالي هو تطور يُحسّن وضع المرأة. «من الممارسة إلى العمل، إلى الاعتراف بمثال الشيوعية الأعلى وبمبادئها النظرية»، هذا هو الأسلوب الذي ينبغي أن تتقرب به الأحزاب الشيوعية وفروعها النسائية من العاملات.
وينبغي أن تعتمد الفروع النسائية، كي تكون فعلا أجهزة عمل وليس فقط أجهزة دعاوة شفوية، على الأنوية الشيوعية في المنشآت والمشاغل وأن تكلف في كل نواة منظما خاصا بالعمل بين النساء في المنشأة أو المشغل.
وينبغي أن تدخل الفروع بعلاقات مع النقابات عبر ممثليها أو منظميها المعينين من قبل الفرع الشيوعي في النقابة والذين يقومون بعملهم تحت قيادة الفروع.
وتقوم الدعاوة للفكر الشيوعي المستندة إلى الواقع، في روسيا السوفياتية، على إدخال العاملة، والفلاحة، وربة المنزل، والمستخدمة إلى جميع المنظمات السوفياتية بدءا بالجيش والميليشيا وانتهاء بكل المؤسسات الهادفة إلى تحرير المرأة: التغذية العامة، التعليم الاجتماعي، وحماية الأمومة، الخ. إن المهمة التي تتخذ أهمية خاصة هي إعادة بناء الاقتصاد بكل أشكاله، هذه المهمة التي يجب أن تنخرط بها العاملة.
إن الدعاوة المستندة إلى الواقع في البلدان الرأسمالية تتجه قبل كل شيء إلى جعل العاملة تنخرط في الاضرابات وفي التظاهرات والانتفاضة بكل أشكالها، التي تنشط الإرادة والوعي الثوريين وترفع منهما، في كل أشكال العمل السياسي، في العمل غير الشرعي (خاصة في مصالح الارتباط)، وفي تنظيم أيام السبت والآحاد الشيوعية التي تتعلم خلالها العاملات النصيرات والمستخدمات أن يكنَّ مفيدات للحزب عبر العمل التطوعي.
إن مبدأ مشاركة النساء في كل الحملات السياسية والاقتصادية والأخلاقية التي يخوضها الحزب الشيوعي، يخدم أيضا هدف الدعاوة المستندة إلى الواقع. وإن أجهزة الدعاوة بين النساء لدى الأحزاب الشيوعية ينبغي أن تمد نشاطها باتجاه فئات متزايدة من النساء المستغلات والمكبلات اجتماعيا في البلدان الرأسمالية. أمّا النساء في الدول السوفياتية، فينبغي أن تحرر أذهانهن المكبلة بالخرافات وببقايا النظام الاجتماعي القديم، ويجب أن ترتبط بكل الحاجات والآلام، والمصالح والمطالب التي تعي بواسطتها النساء أنه يجب سحق الرأسمالية باعتبارها عدوتهن اللدود وأن الطرق ينبغي أن تكون ممهدة أمام الشيوعية، محررتهن.
وينبغي أن تقوم الفروع بتحريضها ودعاوتها بشكل منهجي شفهيا، وبتنظيم اجتماعات في المشاغل واجتماعات عامة سواء بالنسبة للعاملات والمستخدمات في مختلف فروع الصناعة، أو بالنسبة لربات البيوت والعاملات في كل الفروع تبعا للأحياء أو دوائر المدينة، الخ.
وينبغي أن تسهر الفروع على أن تنتخب الفروع الشيوعية في النقابات، والتجمعات العمالية والتعاونيات منظميها ومحرضيها الخاصين للقيام بعمل شيوعي بين الجماهير النسائية للنقابات، والتعاونيات والتجمعات. وينبغي أن تسهر الفروع في الدول السوفياتية على أن تكون العاملات منتخبات إلى مجالس الصناعة وكل الأجهزة المكلفة بالادارة والإشراف، وإدارة الإنتاج. باختصار، يجب أن تكون العاملات منتخبات في جميع المنظمات التي تخدم الجماهير المستغلة والمضطهدة في البلدان الرأسمالية، في نضالها من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، أو تخدم في الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا وتحقيق الشيوعية في الدول السوفياتية.
وينبغي أن تنتدب الفروع نساء شيوعيات ذوات تجربة إلى المصانع، ليعملن كعاملات أو مستخدمات حيث يعمل عدد كبير من النساء، كما يجري الآن في روسيا السوفياتية؛ ويجب وضع تلك الرفيقات أيضا في الأقسام والمراكز البروليتاريا الكبرى.
وباتباع نموذج الحزب الشيوعي في روسيا السوفياتية، الذي ينظم اجتماعات للمندوبين وكونفرنسات للمندوبات غير الحزبيات تحقق دائما نجاحات كبرى، ينبغي أن تنظم الفروع النسائية في البلدان الرأسمالية اجتماعات عامة للعاملات والشغيلات على اختلافهن، فلاحات، ربات بيوت؛ وتهتم هذه الاجتماعات بحاجات النساء الكادحات ومطالبهن، وينبغي أن تنتخب لجانا لهذا الغرض، وأن تتعمق في المسائل المطروحة عبر اتصال دائم مع مفوضيها والفروع النسائية في الحزب. وينبغي أن ترسل الفروع خطباءها للاشتراك في النقاشات في اجتماعات الأحزاب المعادية للشيوعية.
ينبغي أن تستكمل الدعاوة والتحريض عبر الاجتماعات ومؤسسات أخرى مشابهة بتحريض منهجي ومستمر ومتواصل في المنازل، ويجب أن تزور كل شيوعية مكلفة بهذه المهمة عشر نساء على الأقل في منازلهن، ولكن ينبغي أن تقوم بذلك بشكل منتظم مرة على الأقل في الأسبوع وعند كل تحرك مهم للأحزاب الشيوعية والجماهير البروليتارية.
وينبغي أن تخلق الفروع أدبا سهلا ملائما وتنشره؛ كراريس، وأوراق طائرة من شأنها أن تحث القوى النسائية وتُجمّعها.
وينبغي أن تسهر الفروع على أن تستخدم النساء الشيوعيات، بالشكل الأكثر نشاطا، كل المؤسسات ووسائل التثقيف الحزبية. ومن أجل تعميق الوعي لدى الشيوعيات اللواتي لا زلن متأخرات وتنشيط الإرادة لديهن، ينبغي أن تدعو الفروع إلى دروس ونقاشات حزبية. أمّا بصدد الدروس الخاصة، وسهرات القراءة والنقاش للعاملات فقط، فيمكن أن تنظم فقط بشكل استثنائي.
ومن أجل تنمية الروح الرفاقية بين العاملات والعمال، من المستحب عدم إنشاء مدارس ودروس خاصة للنساء الشيوعيات، ينبغي أن يكون في كل مدرسة حزبية درس حول أساليب العمل بين النساء. ويحق للفروع أن تنتدب عددا من ممثلاتها إلى الدروس الحزبية العامة.

بنية الفروع
تنظم لجان للعمل بين النساء لدى اللجان المنطقية ولجان الأقضية وأخيرا لدى اللجنة المركزية للحزب.
يقرر كل بلد بنفسه أعضاء الفرع. كما تعطى للأحزاب في مختلف البلدان حرية تحديد عدد أعضاء الفرع، الذين يدفع لهم الحزب، تبعا للظروف.
وينبغي أن تكون مديرة الفرع في الوقت نفسه عضوا في اللجنة المحلية للحزب. وعندما لا يتحقق هذا الجمع يجب أن تحضر كل جلسات اللجنة مع حق التصويت على المسائل المتعلقة بالفرع النسائي، وبصوت استشاري حول كل المسائل الأخرى.
بالاضافة إلى المهام العامة المذكورة أدناه، والتي تقع على عاتق الفروع واللجان المحلية، فستكون مكلفة بالوظائف التالية: الحفاظ على الصلة بين مختلف فروع المنطقة والفرع المركزي، اجتماعات إعلامية حول نشاط الفروع ولجان المنطقة، تبادل المعلومات بين مختلف الفروع، تزويد المنطقة أو المقاطعة بالأدبيات؛ توزيع القوى التحريضية، تعبئة قوى الحزب للعمل بين النساء، الدعوة إلى كونفرنسات منطقية للنساء الشيوعيات ولممثلات الفروع بمعدل واحدة أو اثنتين عن كل فرع، مرتين كل عام على الأقل، وأخيرا تنظيم كونفرنس للعاملات والفلاحات غير الحزبيات.
تتشكل الفروع المنطقية (للأقاليم) من خمس إلى سبع عضوات وتجري تسمية عضوات المكتب من قبل اللجنة المقابلة في الحزب بناء على ترشيح مديرة الفرع؛ ويتم انتخاب هذه الأخيرة وكذلك العضوات الأخريات من قبل لجنة القضاء أو الإقليم إلى الكونفرنس المقابل في الحزب.
تُنتخب عضوات الفروع أو اللجان إلى الكونفرنس العام للمدينة، أو للقضاء أو للإقليم، أو تجري تسميتهن من قبل الفروع المقابلة بالتوافق مع لجنة الحزب. وتتألف اللجنة المركزية للعمل بين النساء من عضوين إلى خمس عضوات احداهن على الأقل تقبض من الحزب.
بالإضافة إلى كل وظائف الفروع المنطقية المذكورة أعلاه، لدى اللجنة المركزية أيضا المهام التالية: اعطاء توجيهات للمحلات ولمناضلاتها، الإشراف على عمل الفروع، وتوزيع القوى التي تقوم بالعمل بين النساء بالاتفاق مع الأجهزة المقابلة في الحزب، الإشراف على ظروف العمل النسائي وتطوره على قاعدة التحولات القانونية أو الاقتصادية الضرورية في وضع المرأة بواسطة ممثليها أو المسؤولين، مشاركة الممثلين والمسؤولين في اللجان الخاصة التي تدرس تحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة، وحماية العمل، والطفولة، الخ. نشر «ورقة» مركزية وتحرير الصحف الدورية للعاملات، دعوة لممثلات عن كل الفروع المنطقية مرة على الأقل في السنة، وتنظيم رحلات دعاوية عبر كل البلد، إرسال موجهين حول العمل الحزبي وفي كل حملاته السياسية والاقتصادية، وارتباط دائم مع الأمانة العالمية للنساء الشيوعيات واحتفال سنوي بيوم العاملة العالمي.
إذا لم تكن مديرة الفرع النسائي لدى اللجنة المركزية عضوا في هذه اللجنة، يحق لها حضور كل الجلسات مع حق التصويت على المسائل المتعلقة بالفرع، وصوت استشاري حول كل المسائل الأخرى، وتجري تسميتها إمّا من قبل اللجنة المركزية للحزب أو تنتخب من قبل المؤتمر العام لهذا الأخير. إن قرارات كل اللجان وحل هذه اللجان يجب أن تخضع للجنة الخاصة في الحزب.

العمل على الصعيد العالمي
تقع على عاتق الأمانة العالمية النسائية لدى الأممية الشيوعية قيادة عمل الأحزاب الشيوعية في كل البلدان، وتجميع القوى العمالية، وحل المهام التي تفرضها الأممية الشيوعية، وتدريب النساء من كل البلدان وكل الشعوب على النضال الثوري من أجل سلطة السوفياتات ودكتاتورية الطبقة العاملة على الصعيد العالمي.
تحدد اللجنة المركزية للحزب عدد عضوات اللجنة المركزية وعدد العضوات ذوات الصوت الاستشاري.

قرار متعلق بالعلاقات الأممية بين النساء الشيوعيات والأمانة النسائية للأممية الشيوعية

(جرى تبنيه في جلسة 12 حزيران/يونيو، بعد تقرير الرفيقة كولونتاي وتعديل الرفيقة زتكين).
يقترح الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات على الأحزاب الشيوعية في بلدان الغرب والشرق كافة أن تقوم بانتخاب مراسلات أمميات، عبر الفرع النسائي المركزي، وتبعا لتوجيهات الأممية الثالثة. ودور مراسلة كل حزب شيوعي هو، كما تحدده «التوجيهات»، تبادل تقارير منتظمة مع المراسلات الأممية للبلدان الأخرى ومع الأمانة النسائية الأممية أيضا في موسكو التي تشكل هيئة العمل للجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وينبغي أن تمنح الأحزاب الشيوعية المراسلات الأمميات كل الوسائل التقنية وكل امكانات الاتصال فيما بينها ومع الأمانة في موسكو. وتجمع المراسلات الأمميات مرة كل ستة أشهر من أجل التقويم وتبادل وجهات النظر مع ممثلات الأمانة النسائية العالمية. مع ذلك، وعند الضرورة، بإمكان هذه الأخيرة أن تجمع هذا الكونفرنس ساعة تشاء.
وتنجز الأمانة النسائية العالمية، بالاتفاق مع التنفيذية والاتصال الوثيق بالمراسلات الأمميات في مختلف البلدان، المهام المحددة في «التوجيهات». وما ينبغي القيام به بشكل خاص هو الإسراع في تطوير الحركة النسائية الشيوعية في كل بلد عبر التوجيه والعمل، هذه الحركة التي لا زالت ضعيفة. ومنح الحركة النسائية في جميع بلدان الغرب والشرق قيادة واحدة، والتحريض على تحركات وطنية وأممية وتوجيهها تحت قيادة الشيوعيين ودعمهم النشط، تحركات من شأنها أن تعزز النضال الثوري للبروليتاريا وتجعله يتسع بفعل اندفاعة النساء. وينبغي أن تضم الأمانة النسائية الأممية إليها جهازا ملحقا من أجل أن تؤمن ارتباطا أكثر وثوقا وانتظاما مع الحركات النسائية الشيوعية لكل البلدان. وسيكون على هذا الجهاز أن يقوم بالأعمال التحريضية والإضافية للأمانة الأممية، أي أن يكون تنفيذيا محضا، ولا يحق له التقرير بأي شأن من الشؤون. وهو مرتبط بقرارات وتوجيهات الأمانة العامة في موسكو واللجنة التنفيذية للأممية الثالثة. وينبغي أن تتعاون مع الجهاز الملحق في أوروبا الغربية ممثلة على الأقل من الأمانة العامة.
وطالما أنه لم يتم تحديد تشكيل الأمانة وحقل نشاطها في «التوجيهات» فسيتم تسوية هذه المسائل من قبل اللجنة التنفيذية للأممية الثالثة بالاتفاق مع الأمانة النسائية العالمية، كما ستسوي مسألة تشكيل الجهاز المساعد وشكله وسير عمله.

قرار متعلق بأشكال العمل الشيوعي
بين النساء وأساليبه

(جرى تنبيه في جلسة 13 يونيو، بعد تقرير الرفيقة كولونتاي)
إن الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات المنعقد في موسكو يعلن:
أن انهيار الاقتصاد الرأسمالي وانهيار النظام البرجوازي القائم على هذا الاقتصاد، وتطور الثورة العالمية تجعل من النضال الثوري من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية وإقامة الدكتاتورية ضرورة أكثر فأكثر حيوية وإلحاحا بالنسبة للبروليتاريا في كل البلدان حيث لا زال هذا النظام سائدا، وواجب لا يمكن انجازه إلاّ إذا شاركت النساء الكادحات في هذا النضال بشكل واع ومصمم ومخلص.
وفي البلدان حيث استولت البروليتاريا أصلا على سلطة الدولة وإقامة دكتاتورية على شكل سوفياتات، كما في روسيا وأوكرانيا، فإنها لن تتمكن من الحفاظ على سلطتها ضد الثورة المضادة الوطنية والعالمية والبدء ببناء نظام شيوعي تحرري، طالما أن الجماهير النسائية العمالية لم تكتسب الوعي الواضح والراسخ بأن الدفاع عن الدولة وبناءها ينبغي أن يكون عملهن.
وتبعا لذلك يقترح الكونفرنس الثاني الأممي للنساء الشيوعيات على الأحزاب في جميع البلدان، انسجاما مع مبادئ الأممية الثالثة وقراراتها، أن تعمل بأكبر نشاط ممكن من أجل توعية الجماهير النسائية وتجميعها وتكوينها بالروح الشيوعية، وجعلها تنخرط في صفوف الأحزاب الشيوعية، وتعزيز إرادة العمل والنضال لديها بشكل دائم وبإقدام.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، ينبغي أن تشكل جميع الأحزاب المنتسبة إلى الأممية الثانية فروعا نسائية في جميع أجهزتها ومؤسساتها بدءا بالأدنى بينها ووصولا إلى أعلاها. ولا تشكل هذه الفروع النسائية منظمات منفصلة؛ وليست سوى أجهزة عمل مكلفة بتعبئة العمال وتثقيفهم بهدف النضال من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، وكذلك من أجل تشييد الشيوعية. وتعمل في كل المجالات وفي كل وقت تحت قيادة الحزب، ولكنها تملك أيضا حرية الحركة الضرورية لتطبيق أساليب العمل وأشكاله، ولخلق المؤسسات التي تتطلبها السمات الخاصة للمرأة وموقعها المميز الذي لا زال قائما في المجتمع والعائلة.
ينبغي أن تكون الأجهزة النسائية في الأحزاب الشيوعية واعية دائما في نشاطها لهدف مهمتها المزدوج:
.أ- جعل عدد متزايد باستمرار من الجماهير النسائية، المتزايدة وعيا وعزما صلبا، ينخرط في الصراع الطبقي الثوري لجميع المضطهدين والمستغلين ضد الرأسمالية ومن أجل الشيوعية.
.ب- القيام بكل الاسهامات الواعية والبطولية للبناء الشيوعي، بعد انتصار الثورة البروليتارية. وينبغي أن تأخذ الأجهزة النسائية للحزب الشيوعي بالاعتبار في نشاطها أن وسائل التحريض والتثقيف ليست الخطابات والكتابات، بل ينبغي أيضا تثمين الوسائل الأكثر أهمية واستخدامها: التعاضد بين النساء الشيوعيات المنظمات في جميع مجالات نشاط –نضال وبناء- الأحزاب الشيوعية والمشاركة النشطة للنساء العاملات في جميع تحركات البروليتاريا الثورية ونضالاتها، في الإضرابات والانتفاضات العامة، وتظاهرات الشارع، والانتفاضات المسلحة.




المناضل-ة



#الأممية_الشيوعية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الأممية الشيوعية - المؤتمرات العالمية الأربع الأولى للأممية الشيوعية-المؤتمر الثالث