محمد الحاج علي
الحوار المتمدن-العدد: 1655 - 2006 / 8 / 27 - 02:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعد عملية (نصرالله المعمم الملتحي) الهجوم على الحدود الاسرائيلة واختطاف جنديين اسرائيلين وقتل 4 جنود , وفي عملية تعقبهم قتل 3 جنود آخرين, ضمن خط الأزرق الفاصل بين حدود إسرائيل ولبنان , تجرا هذا الحزب على السيادة الإسرائيلية العدوة الهمجية , ونفذ عملية وعد الصدق .. الخ .
وقد نال منهم مراده كعملية بطولية جريئة , وكل ذلك , كان المراد منه لمبادلتهم بسجين لبناني قديم هو سمير فنطاز .. نصرالله الذي يعرف من أين تتألم إسرائيل إنسانيا , وهو الذي يستغلها أيما استغلال.. وادعى نصرالله بأنه لن يردهما دون مبادلة .. والتبادل يتم عن طريق تفاوض غير مباشر , وكان ما كان من ردة فعل العدو الإسرائيلي غير المتوقع (كأن العدو في السابق كان حملا وديعا !)..
المهم .. وللعودة إلى حديثنا , كان حزب (نصرالله المعمم الملتحي) آية الله والمكان والزمان الذي يرفع شعار لا مهاودة مع إسرائيل والكيان الصهيوني , حتى لو كان على بعد آلاف الأميال , ناهيك عن وجودهم في مزارع شعبا داخل الأرض المحتلة القريبة .. وها هو العدو الإسرائيلي والكيان الصهيوني أخيرا يربض داخل الحرم الجنوبي اللبناني حل ضيفا , وبالذات ضمن سيادة حزب نصرالله وعلى بعد مرمى حجر وجها لوجه , وجودا عسكريا مرحبا به , ولكن جار عزيز , ومن شيم الكرام إكرام الضيف دون سؤال أو تجاهل إن لم يكن الاحتفاء به واجبا ..! عذرا , هذا هو ما نلاحظ يا نصر الله (آية الله والمكان والزمان) ..
فلا حزب نصرالله يحاربه ويقاومه حتى يندحر عن أرضه , وهو شعاره ضد العدو الصهيوني الأثيري القتل والدمار باسم المقاومة والبطولة , وهم الآن اقرب إليه من أي وقت مضى , هم الآن بين قراه وحواريه , بين أزقته وازلامه وصناديده الشجعان الأشاوس , أم بالله ماذا حصل وتغير في المعادلة , ولا يحاول أن يختطف عناصره ويأسروا جنودا أو مواطنين إسرائيليين , ويتباهى مستعرضا بما خلق من أعضاء من جماعته كأشخاص عقائديين مغسيلي الدماغ بالقتل والدمار كنزهة روتينية , محشوين بالشهادة والجهاد والموت كأن الحياة عبء عليهم , والعمار والبناء والعيش بسلام هي ترهات ومتاع حياة إلى حين , آلهم , كأنهم أبطال ومردة من عالم آخر .. فلماذا يأسر واحدا أو اثنين (أو يقطف كم مئة كوردات وبتلات الزهور) حتى يفاوض بهما ويبادلهما بعشرات الآلاف –من المساجين العرب لدى إسرائيل العدو الإلهي لمحمد بن عبد الله القريشي . ويظهر بذلك حزب الله بأنه منظم وقوي , يتسلط ويأمر وينهي , ينجر ويفعل !!.
وهذا نصر الله (آية الله والمكان والزمان) تتعملق لديه رغبة التسلط ورؤية الخراب والدمار ويبهجه فعل الأشلاء والدماء , ويطربه القتل والموت , بخطابات رنانة وحماسية , كان على وكيل .
الآن .. العدو الاللهي يربض ضمن الحرم القدسي لحزب الله , كجار عزيز والنبي وصى بسابع جار , الآن تذكرناها تلك المقولة , والسبب أن كان هناك عجب عن امتناع حزب الله عن المقاومة الإسلامية لليهود والآن وقتلهم وتشريدهم ويتم أطفالهم ومهاودتهم بتقية إسلامية ماركة أصيلة , - وهي(التقية) أفكار شخصية دينية سحيقة غير وارد لدي الآن تعريفها - , مجرد أنهم أيضا بشر مثلنا , خلقوا من بين الصلب والترائب , وهم عوائل يهودية ذو نساء وأطفال وشيوخ , واختطافهم كسبي الجاهلية حرام , وممارسة العدوانية والكره إلى أقسى مداه جريمة .. الخ.
ولكن .. حين يعرف السبب يبطل العجب , هذه الإنسانية المفاجئة المنزلة وهذه الصحوة الهابطة .. هو هذا الواقع الذي فرض نفسه , دفعه إلى معرفة الاصول ومعرفة إن الله حق , هي هذه الصفعة التي تلاقها وأذعن صاغرا عن ما كان يضمر ويعتقد بأنه فقط كان يتشاغب وليس بامكان أحد أن يرد عليه عكس ذلك , فهو (حفظه الله) معصوم عن الفعل ورد الفعل .. التزام تام بالهدنة وعدم الرد على أي خروقات إسرائيلية , وهو ليس محتلا ولا أي شيء ولا لأكثر من 9 قرى جنوب لبنان.
بالحقيقة هو مدلل والديه , والمفارقة أن الوالدين هما رجلان وليس من أمٍ ضمن العائلة ..!
- - - -
وهكذا .. لتقريب المثال من حياتنا اليومية , حينما نرى بعض الأطفال الأشقياء عندنا في الحارة , وهم مدللين مدلعين مدعومين من قبل آباء ذو سلطة أو نفوذ أو بعض الوجاهة , حين يسهلوا أو يتغاضوا عن سيئات أولادهم وتجاوزاتهم , أو حين يكون الولد وحيدا لعائلة أكثر أطفالها بنات يدعمونهم حبة زيادة دلالا , فتلبى طلباته فورا ولا يتأخر عنه شيء , فيسيء طبعه وتخشن مصاحبته , فتراه يعتدي على أخوته ويسلبهم اغراضهم ومكانتهم , وهو يسرح ويمرح كأنه أوحد زمانه , فكل عمل له يهلل له , ويمتدح وتلتفت إليه الأنظار كأنه فلتة زمانه , وروح والديه (الله يحفظه ).
ويتمادى الطفل الولد في غيه , ويمتد غيه بعد البيت والأقارب يصل أو ينزل إلى الشارع والأزقة المجاورة , وحين يتعدى على أقرانه من البيت والجيران والشارع يصبح لكلامه صدى مسموعا ويصبح ذات سطوة فلا يستطيع أحد أن يعانده , ولأن الأقوى تلتم حوله الحشرات فيغير سطوا على بساتين وأملاك الآخرين ويعيث فسادا , ويمد فروعه يمينا وشمالا ..
وكان يسكن على ناحية الشارع رجل محب للطبيعة والخضرة وله بستان فواكه ويعتني بالأشجار المثمرة كثيرا , يتردد ويذهب إليه ولدنا المدلل والذي للصدفة كان أسمه حسن .. الشاطر حسن مع رفاقه يقطف ويقصف ويعيث فسادا دون رحمة أو دون حساب لأحد , مرة واثنان والرجل يشتكي حسن إلى والديه ولا من مجيب , وأخيرا ربض الرجل - الذي يكون عادة اسمه أبو هدى - لهم ولما فاجأهم امسك به وانهال بالضرب صفعا وركلا على وجه حسن ومؤخرته , بعد أن تحايل في عملية وعد الصدق الذي هجم فيها الشاطر حسن مع شلته على مزرعة الرجل أبو هدى , ومرغه بالتراب والأوحال وصوت الشاطر حسن باكيا معاندا مولولا : خلصوني ساهدي المشمش والدراق إلى كل المظلومين والجائعين , وسأوزع عليهم التفاح والموز والبرتقال , والناس بطبيعة الحال لا تريد المشمش والدراق ولا أي زقوم على علمها بأنها مال حرام مسروقة , ولا يريدون أن تبتلع معدتهم نارا مالا حراما. مالا عليه مشاكل وتورث مطاليبا وقضايا هي تنأى بنفسها عن هكذا أفعال ..
المهم بعد تلك العملية -وعد الصادق- آلتمت الحارة كلها على صوت وصراخ المدعو حسن وولولات رفاقه .. بين مؤيد منشرح ومتأسف عليه الى ما وصل إليه الحال -حال الشاطر حسن- , وكان والدا حسن أيضا حاضرين يشهدان ما تؤول إليه حاله البائسة , وهما لا يستطيعان فعل أي شيء , والمفارقة ان والدا حسن كانا رجلان , - كان اسم الأول أبو فارس والآخر كان يدعى اخو باسل- , إلى أن تركه أبو الهدى أخيرا , هرب الشاطر حسن من بين براثنه لاهثا مغبرا مجرجرا مزق ثيابه وخيبته .. عرفه الديكي مدمى , مهداة إلى كل الحاضرين , ولسان حاله يقول: محلى النصر بعون الله وبعد العداوة حلاوة , أي بعد العدو والركض طيبة الحلاوة , وذهب إلى زاوية يلعق جراحه وينفض غباره , عينا تبكي وتتوعد وعينا تتعجب من فتوته وتتعبد.
- - -
عفوا سادتي .. أستميحكم عذرا من يراعي أن وضعتُ قصة في مقالي , وكأنني تعلمت من حزب نصر الله أن أكوّن دولة داخل دولة , وفي كل ما قلت لم استشر أحدا ولم اختطف فكرة ترويض الأشاوس وبعد العداوة حلاوة إلا من ذاتي وهواجسي وكوابيسي .
22/8/2006
#محمد_الحاج_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟