أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المرأة الأولى















المزيد.....

المرأة الأولى


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7084 - 2021 / 11 / 22 - 02:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جدلية السيد والعبد
٥ - المرأة الأولى

من الثابت اليوم وبعد عدة قرون من الدراسات المقارنة، بأن أغلب إن لم يكن كل أساسيات قصة التكوين في الديانات التي تدعي "السماوية" ترجع إلى ميثولوجيا حضارة ما بين النهرين. إبتداء من فكرة تكوين العالم بداية من الماء، ثم خلق بقية الكون، ثم كيفية خلق الإنسان من الطين والشجرة المقدسة أو شجرة الخلود إلى قصة عقاب الآلهة للبشرية بواسطة الطوفان. وقد تطورت هذه القصص بمر العصور وبواسطة شعوب وقبائل متعددة ليحولها الشعب اليهودي في النهاية إلى سرد ملحمي ديني يحكي قصة تنقلات اليهود وعلاقاتهم ببقية الشعوب في المنطقة. غير أنه هناك العديد من الشخصيات الأسطورية التي كانت حاضرة في التراث البابلي والسومري، ولكنها اختفت بعد ذلك من التراث اليهودي، ولم يبق منها سوى آثار تكاد لا ترى بالعين المجردة. ومن هذه الشخصيات الرمزية "ليليث" المرأة الأولى، المرأة الثائرة والرافضة لسلطة الرجل آدم. السلطات الدينية المتعابقة حولت ليليث إلى ما يمكن إعتباره النقيض الموضوعي لإبليس الذي رفض بدوره السجود للكائن الطيني، رغم أن ليليث كائنة طينية بدورها وليست مخلوقة من النار كإبليس. فوفقا للكابالا اليهودية ، ليليث هي رفيقة آدم الأولى وأول إنسان "آخر" يشاركه حياته في جنة عدن وذلك قبل حواء التي جاءت لتحل محلها، غير أن إسمها أختفى نهائيا بعد ذلك ولم يعد لها أي ذكر لا في الكتاب المقدس المسيحي ولا في القرآن العربي، رغم بقائها حاضرة في الخيال الشعبي تحت صور مختلفة على غرار طائر الموت أو كما يسمى بـ"النعوشة" في بعض الجهات أو "أم الصبيان" أو "أم الذراري" في الجنوب التونسي، ويسمى بالأمازيغية الليبية بـ "آجضيض نـ ققيض" أي طير الليل وهو طائر يقال إنّه يتربّص بالأطفال حديثي الولادة.
الكلمة العبرية Lilit ، التي تأخذ شكل الأكادية Lilitu، هي إسم مؤنت في اللغة السامية القديمة proto-sémitique أصله الجذر "ليل - LYL" ، والذي يعني حرفياً "امرأة الليل". ومع ذلك، في النقوش المسمارية، يشير الإسم Lilit و Lilitu إلى أرواح الرياح التي تجلب الأمراض. في اللغة الأكادية، وهي من أقدم اللغات السامية "ليل - إيتو"، هي إستعارة لكلمة "ليل" السومرية والتي تعني "الريح"، وبالذات من كلمة "نين- ليل" والتي تعني"سيدة الريح"، إلهة الرياح الجنوبية، والتي تضاف إليها في بعض الحالات كلمة "itud" أي القمر. غير أنه من الواضح أن كل الأصول المختلفة لإسم ليليث، layil ،leila أو lavlah، تشير دائما وبدون شك إلى "الليل".
يعود أول ذكر لليليث إلى الأسطورة السومرية إلى النص القديم "نان وشجرة هولوبو Nanne et l arbre huluppu"، المذكورة في اللوحة الثانية عشرة من أسطورة أو ملحمة جلجامش. هذا اللوح الذي يعود تاريخه إلى عام 2000 قبل الميلاد. تم نشر نصه في عام 1930 من قبل C.J. Gadd، من المتحف البريطاني. إنه أول نص سومري تم العثور عليه يذكر كي سيكيل lil-là - ki-sikil أي "امرأة شابة هوائية"، لأنها عاشت في شجرة huluppu، التي تترجم عادة بشجرة الصفصاف على ضفاف نهر الفرات. وكان الصفصاف يستعمل في الحضارة السومرية في التعاويذ والطقوس الدينية، أما الصفصاف الابيض فقد كان يستعمل عند المرأة وقت الحيض كمطهًر، ولأغراض علاجية اخرى. هذه هي الشجرة التي أنقذتها الإلهة إنانا من المياه عن طريق أخذها وزرعها في حديقتها المقدسة في أوروك. تقول الاسطورة السومرية ان شجرة الصفصاف مقدسة، وكانت تنمو على ضفاف نهر الفرات، ثم اقتلعتها رياح الجنوب ذات يوم، وحملتها مياه الفيضان. وفي ذلك الوقت كانت الألهة "إنانا" تتمشى على ضفاف النهر، فالتقطت الشجيرة الصغيرة وحملتها الى مدينتها اورك - الوركاء، وهناك زرعتها في حديقتها واولتها عنايتها الفائقة لتصنع من خشبها بعد ان تكبر سريرا وكرسيا. غير أن إنانا لم تتمكن من تحقيق مشروعها الأثاتي ذلك أنه بعد ان نمت الشجرة وكبرت سكنتها افعى، وبنى طائر الصاعقة المرعب "زو" على اغصانها عشا، وفي أعلى الشجرة كانت تسكن مخلوقة متوحشة تسمى ليليث. إلا ان جلجامش جاء لمساعدة إنانا وتمكن بقوته الخارقة من تطهير الشجرة من هذه الافات، فصنعت له أنانا من خشب هذه الصفصافة آلتين موسيقيتين، سمت الاولى باكو، والثانية ماكو.
لم يأت ذكر ليليث في التراث الإسلامي، غير أنها حاضرة في التراث الشعبي في شمال أفريقيا تحت أسماء مختلفة سنأتي على ذكرها فيما بعد. وأسطورة ليليث هي أسطورة ترجع جذورها بعيدا في تاريخ ما بين النهرين ومصر كما سبق القول، وأغلب المعلومات التي لدينا عن هذه الأسطورة ترجع إلى التوراة والتلمود والكتابات اليهودية.
في البداية ، شكل الله آدم وليليث من تراب الأرض، أي تم إنشاؤها من نفس المصدر الطيني، وكلاهما تم تشكيلهما في نفس اللحظة ومن نفس المادة مما يعني التساوي الكامل فيما بينهما بدون أسبقية أو تراتبية من أي نوع. غير أن آدم لم يعجبه هذا الموقف على ما يبدو، كان يشعر بأن ليليث يجب أن تطيعه، وبما أنه بطريقة ما مفضل ومكرم عند الله أكثر منها وبالتالي كان عليها أن تخضع له ولرغباته. وكان الذي يزعجه حقا هو أنها فرضت عليه أن يمارسا الجنس وجها لوجه، ورفضت أن يضاجعها من الخلف كما تفعل الحيوانات، وبعد ذلك أصرت على أن يتبادلا المواقع، فمرة هي التي تكون مستلقية على ظهرها ومرة يكون هو المستلقي على ظهره وهي فوقه، الأمر الذي لم يرق لآدم بتاتا، وبحث عن طرق لتغيير هذا الأمر وإيجاد وسيلة لإخضاعها لتتعود على تنفيذ إرادته. وذات مرة وهم يستعدون للأكل قال لها : "أريد قليلا من التين الآن، ليليث"، وأمرها أن تأتي له بالتين وتنتظر حتى ينتهي لتأكل بدورها، وخمنت ليليث نواياه فأخذت حاجياتها القليلة وهربت من المغارة التي كانا يعيشان فيها، ويقال أنها من الغضب نبتت لها أجنحة وطارت بعيدا عن الجنة حيث وجدت نفسها على شواطيء البحر الأحمر بين الحيوانات المتوحشة والشياطين. ويعترف الله بأنه خلق شيئا خطرا وغير قابل للإصلاح، فقرر نفيها نهائيا من السماء وأرسلها إلى الأرض نحو الهاوية، ثم في قاع المحيطات، حيث بقيت تهيم بين الكهوف المظلمة تحت الماء للوصول إلى جهنم، مما يؤدي إلى التقائها العديد من الشياطين المائية والأرضية. وهكذا تصبح ليليث امرأة تابعة للعوالم الثلاثة الأرضي وما تحت الأرضي والعالم المائي، فقط العالم السماوي المخصص للآلهة والملائكة سبقي مغلقًا ومحرم عليها.
واشتكى آدم إلى ربه من هجر ليليث له : "حسنًا ، يا رب ، لقد ذهبت هذه المرأة الغريبة التي أرسلتها إلي وهجرتني". أرسل الله، الذي كان يميل إلى أن يكون متعاطفًا مع آدم، مجموعة من المفاوضين "ملائكة الطب الثلاثة سنفي، سنسفي وسمنجلوف" ليحاولوا إقناع ليليث بالرجوع، وهددوها بالعواقب الوخيمة والعقوبة القاسية إن لم تقبل الرجوع إلى آدم. غير أن ليليث لم ترضخ، وبعد أن ذاقت طعم الحرية فإنها فضلت البقاء للعيش حياة برية بدون قيود. لمعاقبتها، يحكم الله عليها برؤية جميع أطفالها يموتون عند الولادة. يائسة، تقرر الانتحار. غير أنه لكي تستمر القصة ولا ينتهي الفيلم نهاية مفاجأة، واصلت بعض الملائكة الشريرة عملها وأعطتها القوة وإرادة الإنتقام لقتل كل الأطفال الصغار لمعاقبة أبناء آدم - حتى الختان، في اليوم الثامن للذكور، وحتى اليوم العشرين للإناث ـ ثم تلتقي بالشيطان الكبير Samael، وتتزوجه وتستقر معه في وادي Jehanum، حيث يأخذ اسم Adam-Belial. وفيما بعد، أي بعد أن تم تكوين حواء لتحل محل ليليث المتمردة بجانب آدم، تتحول ليليث وتصبح الحية التي تتسبب في سقوط حواء وإغواء آدم، وتحرض قابيل لقتل هابيل، وتبعث الفوضى في المجتمع البشري ليقتتل بني آدم فيما بينهم ويذبح بعضهم البعض. وينتاب آدم نوع من الغم ويرفض النوم مع حواء، مما يسمح لليليث بإخراج غيوم من الشياطين وإحتلال أحلامه.
وفي بعض الكتابات والنصوص التلمودية، هناك تفاصيل أكثر دقة عن سبب تمرد ليليث مثل رفض رؤية جسمها مشوهاً بالحمل، بحيث اضطرت للجوء لموانع الحمل أو حتى الإجهاض، وذلك حرصا على جمالها وأنوثتها. ويقال أيضا بأن آدم اشتبه في أن ليليث كانت تخونه مع بعض سكان الجنة من الشيلطين نظرا لشهيتها الجنسية الفائقة والتي لم يستطع آدم إشباعها. بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من رفضها ممارسة الجنس بالوضع التبشيري"missionary position"، والذي يفرض عليها وضع الإستسلام والسلبية في العمل الجنسي ويؤمن للرجل التفوق والإيجابية والتحكم في الموقف. إن كل هذه التفاصيل تؤكد أن ليليث تبعث الرعب والخوف في قلب العقلية الرجالية، وبالتالي تحولت ليليث تدريجا من رفيقة آدم، إلى إمرأة شبقة لا تشبع جنسيا ثم إلى عاهرة ثم حية ثم شيطانا في نهاية الأمر وطائرا ليليا يفترس الأطفال ويغوي الرجال، وأصبحت السبب الرئيسي في المصائب والشرور التي يرتكبها البشر.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزان العنكبوت الأزرق
- ثورة إبليس
- حكاية للأطفال
- سارق النار
- التمرد والأسطورة
- تمرد البروليتاريا الإلهية
- لا تنظري للوراء
- تجاوز جدلية السيد والعبد
- ليليث والصياد
- بطن الحوت
- سيزيفوس
- الصمت
- صاحب السلم
- اللعنة على العالم
- الفيض الإلهي
- شرعية القبيلة وشرعية الإقتراع
- غربة الله
- القمر الأسود
- فكرة الله في التصوف الكابالي
- لغة الأحجار


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المرأة الأولى