|
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة والعشرون
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 7082 - 2021 / 11 / 20 - 22:52
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ضع أشياء غير متجانسة ومثيرة للاهتمام
ساعد القارىء على التعلم من خلال التناقضات .
فى أفضل احوالها ، تساعدنا دراسة الأدب على فهم ما يسميه عالم القراءة سميث ب " نحو القصص " . ذلك ما حصل لدى لقائى الأول ب " إيما بوفارى " ، البطلة الريفية الفرنسية ذات المخيلة الرومانسية إلى حد مأسوى .
أتذكر ذهولى لدى قراءتى المشهد الذى يصف فيه الكاتب غوستاف فلوبير إغواء الزوجة الضجرة السيدة بوفارى على يد ابن المدينة رودلف بو لانجيه .
تدور الأحداث فى معرض زراعى . فى مشهد لاذع مؤثر ومثير للضحك فى ان واحد ، ينتقل فلوبير بين عبارات العاشق الغزلية ونداءات مربى الحيونات فى الخلفية .
أتذكر الحوار بشكل أخذ ورد بين عبارات مثل " لقد حاولت حمل نفسى على الرحيل الف مرة ، ومع ذلك لحقت بك ونداءت " سماد للبيع ؛" ، أو سيكون لى مكان فى أفكارك فى أفكارك ، أليس كذلك ؟ " و" هذه جائزة أفضل خنزير " .
جيئة وذهابا ، جيئة وذهابا تكشف مجاورة العبارات هذه للقارىء ، ولكن ليس للبطلة ، نوايا رودلف الحقيقية . المجاورة الساخرة هى العبارة المتحذلقة لوصف ما يحدث حين يوضع شيئان مختلفان جنبا الى جنب ، وكل منهما يعلق على الاخر . يعمل هذا التأثير أيضا فى الموسيقى والفنون البصرية ، وفى الشعر : " دعنا نذهب إذن ، أنت وأنا ، حين ينتشر المساء فوق السماء مثل مريض مخدر فوق منضدة "
هكذا نبدأ " أغنية حب جى ألفرد بروفروك " ، وهى قصيدة يجاور فيها تى ، سى ، اليوت ، بين الصورة الرومانسية للسماء عند الغروب والاستعارة السقيمة للمخدر .
التوتر بين هاتين الصورتين سيحدد النبرة المزاجية لكل ما سيلى . توفى إليوت فى العام 1965 ، وهى السنة التى كنت فيها طالبا فى الصف الاول الثانوى فى الثانوية الكاثوليكية ، وقد احتفت مجموعة منا بالحدث من خلال تسمية فرقتنا لموسيقى الروك باسم الشاعر .
فقد أسميناها " تى إس أند ذى إليوت " ، وكان شعارنا " موسيقى لها روح " ، كانت تلك محاولتنا البدائية فى استخدام المجاورة الساخرة .
وماذا عن " بافى ، قاتلة مصاصى الدماء " حين تصبح فتاة الوادى وبالا على الشيلطين ؟
إن المزاوجة بين عناصر غير متوقعة هى غالبا مناسبة للهزل ، واضحا كان أم خفيثا . فى فيلمه " المنتجون " يبتكر ميل بروكس عرضا موسيقيا اسمه " ربيع هتلر " ، بطله قائد هيبى ، ويظهر فيه راقصون على طريقة باسبى بيركلى يشكلون بأجسادهم الصليب المعقوف .
بالأنتقال من الهزلية المخيفة إلى الجدية القاتلة ، تأمل هذه المقدمة لخبر صادر فى صحيفة " فيلادلفيا إنكويرر " عن الحادثة الذرية فى جزيرة " ثرى مايل " :
" اربعة وسبعة صباحا، 28 مارس / 1979 تتوقف مضخنان عن العمل . بعد ذلك بتسع ثوان ، يتحطم 69 قضيبا من البورون فى القلب المنصهر للوحدة الثانية ، وهى مفاعل ذرى فى جزيرة " ثرى مايل " . تشتعل القضبان . فيتوقف الانشطار النووى داخل المفاعل . لكن الأوان كان قد فات .
لقد بدأت ما ستصبح أسوأ كارثة نووية تجارية فى أمريكا " .
ما تلا ذلك هى لائحة بحقائق رهيبة سيعلم بها المسؤولون الرسميون الى جانب تفاصيل مروعة : " العاملون فى المفاعل النووى يلعبون بالصحن الطائر خارج بوابة أحد المعامل لانهم حبسوا خارجه من دون أن يتم تحذيرهم من الإشعاع المنطلق من جدران المعمل " .
يصل التشويق الناجم عن تلك الجمل الاولى القصيرة الى ذروته حين ينتج المفاعل النووى المتوقف عن العمل إشعاعا يصيب العاملين بالصحن الطائر . الإشعاع يصيب الصحن الطائر . مجاورة مفاجئة .
فى بعض الحالات ، يحصل تأثير المجاورة من خلال بضع كلمات مضمنة فى سياق الحكاية .
فى رواية الجريمة السوداء " ساعى البريد يدق الباب دائما مرتين " ، يرسم الراوى خطته لقتل زوج عشيقته :
" لقد نفذناها تماما مثلما سنحكيها . كانت الساعة نحو العاشرة مساء ، وكنا قد أقفلنا المطعم ، وكان اليونانى فى الحمام يغتسل كعادته كل ليلة سبت .
كان على أن أصعد بالماء الى غرفتى ، وأن أستعد لحلاقة ذقنى ، ثم أتذكر أننى قد تركت السيارة فى الخارج .
كان على أن أخرج ، وأنتظر كى أنذرها بواسطة بوق السيارة فى حال قدوم أحد .
وكان عليها أن تنتظر حتى تسمع حركته فى حوض الاستحمام ، وأن تدخل الحمام بذريعة البحث عن منشفة ، ثم تضربه من الخلف بواسطة هرواة كنت صنعتها لها بواسطة كيس محشو أسفله بمحامل كريات حديدية " .
يخلق جيمس م . كين ، فى هذه الفقرة تأثيرا مزدوجا ، واضعا " كيس السكر " البرىء بين الميكانيكى " محامل الكريات " والجنائى " هرواة " . يفقد كيس السكر حلاوته حين يحول إلى سلاح للجريمة . تستخدم الكاتبة فى المواضيع العلمية " أوليفيا جودسون " ، هذه التقنية للفت انتباهنا الى موضوع كان يمكن أن يكون تافها ، الدودة الخضراء المعروفة ب " دودة المعلقة " من فصيلة بونيليا فيرديس :
" تتميز الدودة الخضراء المعروفة ب " دودة الملعقة " باختلاف هائل قل نظيره بين حجم الدود الذكر والدودة الأنثى ، حيث أن الدودة الذكر أصغر من الانثى بنسبة 200 الف مرة ، يبلغ متوسط حياة الانثى بضع سنوات ، ومتوسط حياة الذكر هو بضع أشهر فقط – ويقضى حياته القصيرة داخل جهازها التناسلى متقيئا الحيونات المنوية لتلقيح بويضاتها .
وزيادة فى الخزى ، اعتقد ، عند اكتشافه لأول مرة ، أنه ليس إلا غزو طفيليا بغيض " . ( من مجلة سيد ) .
فى وجهة نظر الكاتبة تلميح ماكر الى مذلة الذكر البحرى الصغير بوصفه رمزا لنظيره البشرى الجلف والمتصاغر ، المجاورة هنا هى بين ممارسة الجنس لدى الدود وممارسته لدى البشر .
كنا نتوقع ان نرى تعبيرات متجاورة غريبة فى أعمال الكتاب الساخرين والمتهكمين ، على غرار ما نجده فى هذه الفقرة عن طفل يلقى حتفه فى عيد الميلاد فى جهاز تنشيف فى مغسلة :
افضل ألا أعيد سرد الصدمة والرعب اللذين أعقبا وفاة " دون " : مناداتنا لاولادنا لنعلمهم بالخبر ، مشاهدة جسد الطفل الهامد ، صغيرا كرغيف خبز وهو يحشر فى كيس بلاستيكى سميك – لا علاقة لهذه الصور ببهجة عيد الميلاد ، وأرجو أل يوهن ذكرى لها من معنوياتك فى هذا الوقت المميز والجذل من السنة .
(من كتاب عطلات جليدية ) . هذا الخلط بين صور وأفكار شاذة – المجاورة بين جريمة غريبة وخفة مرتبطة بمواسم الاعياد ، إنه ديفيد سيداريس فى أفضل أحواله .
لا حظوا أننى استوحيت نماذجى من الرواية والشعر والكوميديا الموسيقية والصحافة والكتابة العلمية والكتابة الساخرة – وهو دليل على فائدة هذه الأداة وتعدد استعمالاتها .
والى الاداة الثامنة والعشرين فى المقال القادم
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السادسة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة االخامسة والعشرون
-
بنت عسولة
-
أخلاق الضباع
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الرابعة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والعشرون
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة الثانية والعشرون
-
# أشجار _ مصر من ينقذها
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الواحد والعشرون
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة العشرون
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة التاسعة عشرة
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثامنة عشرة
-
كتابة وجنس
-
أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة السابعة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة السادسة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الخامسة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الرابعة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الثالثة عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الثانية عشرة
-
ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الحادية عشرة
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|