أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - الحلقة الثانية















المزيد.....



نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - الحلقة الثانية


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 489 - 2003 / 5 / 16 - 07:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

في أيلول/سبتمبر من عام 1976 أجبرت على خوض نقاش حاد وصريح مع صدام حسين من على منصة المؤتمر الزراعي السنوي على قاعة نقابة الزراعيين في بغداد. وكان قد بدأ بمهاجمة الحزب الشيوعي العراقي وصحافته بسبب انتقادها للسياسة التخطيطية والتسعيرة حينذاك وبسبب الاختناقات الحادة في تموين السلعي في الأسواق العراقية. ثم تركت المنصة وأخذت موقعاً بجوار صدام حسين في الصف الأول من الحضور وخضت نقاشاً مباشراً ومنفردً معه, وبحضور الجمهور استمر طوال ساعتين. وكان مشاهدو التلفزيون العراقي يتابعون هذا الحوار والنقد الشديد الذي وجهته لقيادة حزب البعث وسياسة الدولة مباشرة. شرعت بانتقاد سياسة البعث وأجهزته الأمنية والأساليب التي تمارسها في مواجهة المعارضين لسياسة البعث, إضافة إلى محاولة الأمن طبع ونشر بيانات على نطاق القطر تحمل أسماء تنظيمات غير موجودة أصلاً ومن عنديات أجهزة الأمن الداخلي تدعي الشيوعية لتسيء بها إلى سياسة وسمعة الحزب الشيوعي.
وفي الوقت الذي كان صدام يصغي إلى ملاحظاتي النقدية بانتباه, وكان كما يبدو قد بيت منذ ذلك الحين ما لحق بي فيما بعد من اعتقال وتعذيب وإحالة على التقاعد بدون راتب تقاعدي وتقديمي رسمياً إلى محكمة الثورة واضطراري للخروج من العراق والعمل في جامعة الجزائر, كنت أصغي إليه بانتباه أيضاً وأحاول معرفة ما يريد الوصول إليه أو ما يحاول تبطينه من مضامين في كلامه العام. أشار إلى الأشخاص الذين كان يعتبرهم قدوة له في حياته السياسية وعلاقته الحميمة بفكر سيغموند فرويد وإيمانه بنظرياته في الجنس, إضافة إلى محاولته التأثير في نفوس وسلوك الشباب العراقي والعربي من خلال سلوكه وتصرفاته والملابس التي يرتديها وحركاته اليومية. كما جرى التطرق إلى الأحزاب السياسية ومستقبل العراق. 
كتبت في حينها تقريراً تفصيلياً إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي عن هذا اللقاء المباشر والحديث الخاص الذي دام طوال ساعتين مع صدام حسين واستخلصت منه استنتاجاتي والتي لخصتها في المحصلة النهائية بما يلي:
"قررت قيادة حزب البعث في العراق التخلص بأي ثمن كان من الحزب الشيوعي العراقي ومن وجوده وتأثيره في الساحة السياسية العراقية, إذ كان يريد الأنفراد الكامل بالسلطة وبقيادة الدولة والمجتمع لتحقيق أهداف معينة, وبالتالي يفترض في الحزب الشيوعي أن يتخذ جميع الإجراءات الضرورية لمواجهة ذلك قبل فوات الأوان".         
وخلال تلك الفترة وما بعدها بذلت جهداً على دراسة فكر البعث وممارساته وخطب صدام حسين والزمرة المحيطة به, ومنها كتابات طارق عزيز, إضافة إلى مجلة حزب البعث الداخلية "الثورة العربية". إن معرفة مدققة نسبياً لصدام حسين وطريقة تفكيره وسلوكه وطريقة اتخاذه القرارات وسبل تنفيذها تستوجب مثل هذا التتبع لفكره وممارساته والتي تساعد بدورها أن يتعرف الإنسان على ما اتخذه صضدام وزمرته قبل سقوطه لمواجهة الوضع الجديد والمستقبل.
أوجد صدام حسين على مدى الفترة التي حكم بها كرجل ثاني أو بعد تسلمه الحكم بشكل مطلق تنظيماً واسعاً ومفروشاً على مساحة واسعة من العراق يصل عدد أعضاء هذا التنظيم إلى عدة ملايين من النساء والرجال ومن مختلف الأعمار والمحافظات موزعين على الحزب والمنظمات الجماهيرية وأجهزة الأمن والاستخبارات والقوات الخاصة والجيش الشعبي والجيش والشرطة... الخ. ولم يكن كل هؤلاء المسجلين من البعثيين المخلصين, بل كانت نسبة عالية جداً منهم مجبرة على الانخراط في صفوف هذه التنظيمات, ونسبة أخرى بدوافع انتهازية ومجاراة للوضع القائم. ومن هنا جاءت عناية صدام ببناء تنظيم أقل سعة وانتشاراً في الإطار الواسع القائم, ولكنه أكثر شراسة وعدوانية وإخلاصاً لصدام حسين. فما هي طبيعة هذا التنظيم؟ يمكن القول بأن هذا التنظيم يقوم على الأسس أو القواعد التالية التي تعتبر خصائص مميزة له, وهي:
1. يستند التنظيم إلى قاعدة العمل السري شبه الحديدي الذي يذكرنا بالقواعد اللينينية وفق تطبيقات ستالين في النصف الثاني من العقد الثالث وما بعده. ولا بد من الإشارة إلى أن صدام حسين كان قد اتخذ من ستالين وهتلر وفرانكو نماذج يقتدي بها في نشاطه وأساليب عمله وقسوته. كما كان يشبه نفسه بسرجون الأكدي ويسعى إلى التماثل معه واستخدام لغة السيف في أحاديثه.
2. ويستند التنظيم أيضاً إلى قاعدة عمل شبه عسكرية, أي أن القسم الأكبر من أعضاء التنظيم قد شاركوا في دورات تدريبية عسكرية, وتعمل وفق قواعد العمل في الجيش من حيث استقبال الأوامر وتنفيذها والطاعة العمياء التي يفترض أن يتسم بها عضو التنظيم.
3. كما يعتمد على أسس التنظيم المافيوي في العلاقة بين أعضاء التنظيم, أي على من يفشي أو يخون أسرار التنظيم أن يتوقع القتل كعقوبة وحيدة وأكيدة.
4. ويستوجب على أعضاء التنظيم تقديم الدليل على الإيمان المطلق بأهداف القائد الضرورة وبقيادته وقراراته وبالتالي الطاعة العمياء له ولما يصدره من تعليمات وقرارات للتنفيذ. "نفذ بكل صمت وهدوء, ودون مناقشة أو استفسار".
5. وتقود أعضاء هذا التنظيم فكرة مشوهة غرسها في أذهانهم صدام حسين ذاته منطلقاً من فكرة القومية العربية القائمة على أساس شوفيني وعنصري مقيت وإقامة الوحدة العربية التي يقودها البعث وصدام حسين.
ومن هذا يتبين أنه بنى تنظيما سرياً شبه عسكري شوفيني وعنصري متعصب, شرس وعدواني متطرف. كما أن الصفة الميزة لأعضاء وكوادر هذا التنظيم عدم امتلاكهم لثقافة سياسية واجتماعية مناسبة ولا وعياً بالواقع الاجتماعي ولا قدرة عالية على التفكير والتحليل المستقلين, إنهم أشبه ببغل يدور حول الطاحونة أو ناعور نقل الماء معصوب العينين.
مجموعة صدام حسين القيادية, وهو على رأسها, غير المكشوفة تقريباً تمتلك معارف مهمة وخبرات متنوعة باتجاهات أساسية ثلاثة, وهي:
أ?. خبرة العمل في ظل السرية والملاحقات الأمنية.
ب?. خبرة الوجود في السلطة ومطاردة القوى السياسية المعارضة لنظام البعث وأجهزته القمعية.
ت?. الاختيار الخاص لهذه العناصر من جانب صدام وزمرته القيادية والتي يفترض أن تمتلك سمات معينة تقترب من خصائص القائد من حيث العنف والشراسة والرغبة في الهيمنة والقتل.
يضاف إلى ذلك ما حصل عليه أعوان وأجهزة صدام حسين من معارف وخبرات جديدة من خلال التعاون الذي تم في العقود المنصرمة وبفترات مختلفة مع الأجهزة والمعاهد الأمنية في البلدان التالية:
• أجهزة الأمن الغربية, وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية, ألمانيا الاتحادية, فرنسا, بريطانيا , أسبانيا وإيطاليا, وكذلك شيلي وبعض دول أمريكا اللاتينية الأخرى.
• أجهزة الأمن والدورات التأهيلية والتدريبية في كل من الاتحاد السوفييتي وجيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية وبلغاريا ورومانيا وكوريا الشمالية وكوبا.
• أجهزة الأمن في الدول العربية والإقليمية, وبشكل خاص في كل من مصر وتونس والجزائر.
• المشاركة في وضع أفضل البرامج الأمنية لملاحقة المعارضين وصيغ التنظيم وتبويب وتصنيف الأنشطة والمعلومات.
وشارك عدد كبير من البعثيين من أجهزة الأمن ووزارة الداخلية وفدائيي صدام حسين والعلاقات العامة في هذه الدورات التأهلية والتدريبية. وكانت المعلومات التي تقدم لهم في هذه الدورات تتخذ صيغتين, وهما:
1. إطلاع المتدربين على سبل عمل قوى المعارضة السياسية في البلدان المختلفة وفق تسلسل تاريخي والتغيرات الجارية على تلك الأساليب والأدوات.
2. السبل والأدوات القديمة والجديدة المتبعة في ملاحقة ومكافحة القوى السياسية المعارضة.       

ومن المفيد أن نشير هنا إلى التعليمات التي لا بد وأن يعمل بها البعثيون في الوقت الحاضر في ضوء توجيهات صدام حسين قبل وبعد السقوط, وهي التي كان لا بد لكل حزب من طراز حزب البعث الصدامي أن يعمد إليها في مثل هذه الظروف, ونعني بها ما يلي:
• امتلاك المرونة التامة في الحركة والقبول بالعودة إلى العمل في أي موقع يعرض على البعثي.
• لا مانع من تقديم البراءة من حزب البعث ومن نشاطه وتصرفاته السابقة, إلا في حالات معينة يقررها الشخص حيث يمكن أن تلحق الضرر بهم. وهي نفس السياسة التي مارسها حزب البعث في نهاية عام 1963 وعام 1964 في أعقاب نجاح انقلاب عبد السلام عارف ضد حكم البعث.
• معاقبة كل الذين يلجأون إلى الخيانة لإنقاذ أرواحهم.
• السعي لإخراج من هو غير قادر على البقاء والمقاومة, بمن فيها أفراد عائلاتهم.
• إيجاد علاقة مع أولئك الذين اغتنوا من حكم صدام حسين قبل وأثناء الحروب والتي أطلق عليهم صدام حسين "بأصحاب النعل" للاستفادة منهم مالياً وسياسياً واجتماعياً. وهي مماثلة للأساليب التي اتبعها البعثيون والقوميون في فترة التآمر على حكومة عبد الكريم قاسم.
• توفير المعونة للعوائل المتضررة بسبب اعتقال أولياء أمورهم من البعثيين. 
• الامتناع عن استخدام الأجهزة التي يمكن أن تفضح أسرارهم أو مواقع إقامتهم ونشاطاتهم.
• السعي لاستخدام الصحافة في الداخل والخارج من أجل تشويه سمعة البعثيين وغير البعثيين ممن تعاون مع حزب البعث لفترة قصيرة ولكنه تخلى عنه وعمل ضده إذ كان مجبراً على ذلك الانتساب, باتجاه إسقاطه سياسياً في عين الجماهير والقوى السياسية الأخرى. وهم سوف لن يتورعوا عن إلصاق أي تهمة يرونها مناسبة بهؤلاء الأشخاص وخاصة أولئك الذين يبرزون على الساحة السياسية الجديدة كقوى مؤيدة للتغييرات الجارية في العراق والساعية إلى إقامة عراق ديمقراطي إتحادي جديد. ولهذا يفترض فتح العيون جيداً إزاء مثل هذه الدعايات, خاصة وأن القائمين عليها سوف لن يكونوا بعيدين عن القوى المعارضة التي ناضلت ضد صدام حسين أو أنها قريبة من التحالف الأمريكي-البريطاني الذي أسقط صدام حسين ونظامه. وليست وراء هذه الحملة التشويهية أهدافاً سياسية فحسب, بل وكذلك الحسد والغيرة والخلافات الشخصية. 
• وأبرز التعليمات الجديدة هي التي أكدت ضرورة عمل البعثيين في مجموعتين كبيرتين ومهمتين في العراق, هما: مجموعات القوى الشيعية السياسية ومجموعات القوى السنية الوهابية وغير الوهابية ومحاولة الاقتراب والتعامل مع المساجد وأئمتها والعاملين فيها. ولا يتوجه هذا صوب الدعاية ضد الاحتلال وقواته وتضخيم الأمور السيئة الجارية حالياً في العراق فحسب, بل ومحاولة الإيقاع بين تلك القوى في داخل كل من المجموعات وفي ما بين المجموعات السنية والشيعية لاحقاً. ويمكن أن نتلمس اليوم محاولة تشديد الخلاف بين السيد محمد باقر الحكيم وعائلته والسيد مقتدى الصدر وعائلته, وكذلك إزاء السيد السيستاني. ويمكن أن تأتي ثمارها السيئة لاحقاً, بعد جريمة اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي.
ويفترض في قوى المعارضة العراقية أن تنتبه إلى المسائل التالية التي ستتفاقم في الفترة القريبة القادمة تحت شعارات مضللة, ولكنها كلمة حق يراد بها باطل:
- ارتفاع صوت العرب, حكومات وتنظيمات وشعوب, الذي يطالب بإنهاء الاحتلال الأمريكي وتسليم السلطة بأيدي الشعب.
- قيام بعض أجهزة الإعلام الفضائية بالدعاية لهذا الشعار وترويجه وإبراز الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها حقاً قوات الاحتلال الأمريكي, بغض النظر عن العوامل الكامنة وراء ذلك.
- التركيز في هذا الإعلام العربي الداخلي والخارجي, وخاصة الفضائيات والصحافة, على التأخر في إقامة الحكومة العراقية المؤقتة بهدف تعزيز السيطرة الأمريكية البريطانية على البلاد وإدامة أمد الاحتلال.
- تنشيط الإعلام المحلي بهذه الاتجاهات أيضاً من خلال هوية البعض السابقة والالتفاف الجديد حولها, وخاصة أولئك الذين احتلوا مواقع مهمة في قمة هرم النظام وأجهزته الحزبية والإعلامية والعسكرية وتخلوا عنه لفترة معينة.
- تنشيط الشارع الإسلامي السياسي الشيعي والسني وكذلك العلماني بتلك الاتجاهات وتحريك التنافس غير المسؤول على طرح وترويج هذه الشعارات, إذ أنها تدرك بأن من الصعوبة على قوى المعارضة التي بدأت الآن تعيد تنظيم نفسها على مواجهة قوى البعث المندحرة والمتراجعة إلى الوراء, باعتبار أن قوى صدام هي ما تزال أقوى الضعفاء بين القوى السياسية العراقية في الوسط والجنوب, وبخاصة في بغداد.
- ولا بد من توجيه الانتباه إلى الإجراء التالي الذي أقدم عليه صدام حسين قبل بدء حرب الخليج الثالثة بعدة شهور, وأعني به العفو العام وإطلاق سراح السجناء العراقيين.
أصدر صدام حسين قراراً يقضي بالعفو عن السجناء العراقيين بغض النظر عن طبيعة محكوميتهم. وكان القرار يمس بالأساس عدداً كبيراً جداً من السجناء المحكومين بدعاوى القتل والجريمة المنظمة والاغتصاب والنهب والسلب والتزوير والتهريب ...الخ, وعدداً قليلاً من سجناء الرأي والعقيدة السياسية, علماً بأن صدام حسين لم يعترف يوماً بوجود سجناء سياسيين في العراق, بل اعتبرهم سجناء خونة لقضية العراق ووحدته ونظام البعث ومجرمين عاديين.
وقبل البدء بإطلاق سراح السجناء قام النظام بحملة قتل جماعية واسعة في صفوف السجناء السياسيين الذين كان يريد التخلص منهم بأي ثمن واحتفظ بعدد قليل منهم أطلق سراحه مع إطلاق سراح جميع السجناء العاديين. واستهدف من وراء هذه العملية محاولة خداع الرأي العام الداخلي والعربي والعالمي أولاً, والتخلص من السجناء السياسيين بقتلهم جماعياً ثانياً, كما استهدف ثالثاً الاستفادة من السجناء العاديين في الأمور التالية:
• زجهم في جماعات مسلحة تشارك في التصدي إذا ما اندلعت الحرب ضد نظامه.    
• ربط أكثرهم شراسة وعدوانية بالعصابات التي كانت وما تزال تعمل في العراق, عصابات الجريمة المنظمة, المافيا المرتبطة بولده عدي صدام حسين وبأبناء طارق عزيز وسعدون حمادي وغيرهما. وهي التي تكلف في حالة الانهيار وتحت أشراف البعثيين بعمليات إثارة الفوضى والاضطراب وإشعال الحرائق في المدن العراقية, وخاصة بغداد. وعلينا أن ندرك بأن القاعدة الواسعة للعراقيين لم تشارك في أعمال النهب والسلب والتدمير وإشعال الحرائق في بغداد خاصة وفي مناطق أخرى من العراق عامة في أعقاب سقوط النظام, بل كانت ذات القوى الموجهة من قبل أتباع النظام المنهار, ومن بينهم قطاع الطرق واللصوص وعصابات الجريمة المنظمة والقتلة المحترفين.
وإزاء هذه المجموعة من المجرمين المنظمين بعصابات على طريقة العيارين, بتراثهم السلبي وليس الإيجابي منه, في محلات بغداد في العهود الماضية يفترض اتخاذ خطوات محددة لمواجهة ذلك, ومن أهمها ما يلي:
1. العودة إلى سجلات السجون وأخذ نسخ من أسماء السجناء العاديين الذين أطلق سراحهم.
2. دعوتهم للمثول أمام هيئة تحقيقية للتيقن من وجودهم وطبيعة جرائمهم واحتمال تورطهم في عمليات السلب والنهب والقتل وإشعال الحرائق.
3. اعتقال من يستوجب الأمر إعادته إلى السجن ومحاسبته من جديد بالتنسيق مع قوات الاحتلال.
4. ويمكن الوصول من خلال هؤلاء إلى معلومات جديدة ودقيقة عن بقية القوى المتعاونة معهم والموجهة لهم من البعثيين, خاصة وأن هذه الجماعات المطلق سراحها تشكل نقطة ضعف في بنية هذه المجموعات, رغم عدوانيتها وشراستها. ومثل هذه العناصر تكون مستعدة على التعاون مع اية جهة كانت يمكن أن تفيدها أو تنقها من السجن بعد وقوعها بيد أجهزة المختصة.

إن ذكر كل هذه الأمور لا يستهدف بأي حال من الأحوال إشاعة حالة التشاؤم في صفوف الشعب أو قوى المعارضة العراقية التي تريد تسلم الحكم في العراق وإعادة بناء العراق الحر والديمقراطي والاتحادي الجديد, بل يهدف ليس إلى رفع اليقظة والحذر وزيادة فاعلية ونشاط القوى السياسية العراقية التي كانت تناهض النظام الاستبدادي الدموي في العراق فحسب, بل وإلى وضع اليد على المجالات التي يسعى ابعث المنهار إلى تحريكها لمواجهة الوضع الجديد وتنشيط دورها التخريبي من جهة, وإلى تنظيم عملية ملاحقة قوى النظام المقبور ومنعها من إلحاق المزيد من الأذى والضرر بالاقتصاد والمجتمع العراقي ومستقبله الديمقراطي المنشود من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس أجد من المناسب أن أضع أمام القوى السياسية العراقية مجموعة من المقترحات التي يمكنها أن تلعب دوراً فاعلاً على الصعيد المحلي خاصة, ولكن على الصعيدين العربي والدولي أيضاً. ويمكن أن تغتني هذه المقترحات من خلال مناقشة مختلف القوى السياسية العراقية والعاملين في مختلف المجالات في العراق والساعين إلى استكمال عملية إنقاذ العراق من بقايا قوى صدام العدوانية.
     
• تشكيل لجنة خاصة تضم إليها مختلف القوى السياسية المؤتلفة حالياً ومن يمكن أن يلتحق بها تأخذ على عاتقها متابعة نشاط قوى صدام حسين والكشف عنهم في المجالات السياسية والاجتماعية.
• التنسيق مع قوى الاحتلال, الذي لا بد منه حالياً, بهدف الحد من تلك النشاطات ثم إيقافها تماماً واعتقال الفاعلين فيها.
• إصدار التوجيهات الضرورية من خلال الأحزاب التي يرتبطون بها التي تساهم في رفع اليقظة والحذر وتساعد على كشف النشطاء من قوى صدام التي تحركت الآن أو ستتحرك مستقبلاً.
• تنظيم حملة فكرية وسياسية بين أوساط الشعب من أجل مشاركتهم في التصدي لهذه النشاطات دون القيام بأعمال مخلة, إذ ليس من مهمة الجماهير القيام بالاعتقال أو الاعتداء بقدر ما المساهمة في الكشف عنهم وإعلام اللجنة بذلك, على أن يمتد عمل اللجنة إلى مختلف محافظات العراق. ويفترض في هذا الصدد الكشف عن أكثر العناصر عدوانية وشراسة في أجهزة الأمن السابقة وأجهزة الشرطة أو النجدة وفرق فدائيي صدام حسين والحرس الجمهوري الذين يمكن تنشيطهم من قبل زمرة صدام حسين.
• منع وصول كبار الموظفين البعثيين إلى مراكزهم السابقة, إذ أن في ذلك ثلاثة أضرار أساسية, وأعني بها: أ. عدم إحساس الجماهير بالتغيير المطلوب؛ ب. تشجيع بقية البعثيين على الخروج كأن لم يحصل شيء يذكر وتحدي الوضع الجديد؛ ج. خلق احتكاك بين سلطات الاحتلال وقوى الجماهير الشعبية والقوى السياسية التي ناضلت طويلاً ضد صدام حسين؛ د. احتمال كبير باستخدام تلك المراكز والوظائف لخدمة قوى صدام حسين وتنشيط أعمال التخريب واحتضان بعثيين آخرين في دوائرهم والتغطية عليهم. ولا يجوز في هذا الصدد حرمان عدد كبير من العراقيين ممن أجبر على الانخراط بحزب البعث من وظيفته لأسباب كثيرة إذ أن ذلك سيجعل من هؤلاء أعداء للوضع الجديد بدلاً من التعاون والكشف عن البعثيين الأكثر خطورة على المجتمع العراقي.
• إلا أن هذا يتطلب أولاً وقبل كل شيء تنقية الأجواء وتصفية المشكلات القائمة في ما بين القوى السياسية العراقية والعمل من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة والاهتمام بمشكلات الجماهير المتفاقمة بسبب الحصار السابق والحرب والتدمير اللاحق واحتمال بروز أمراض معدية ومهلكة للبشر.
• الاستفادة القصوى من بعض العناصر التي كانت تعمل في أجهزة الأمن وغيرها لدعم عمل اللجنة في نشاطها لملاحقة سياسية لقوى البعث الناشطة مجدداً.
• كما نعرف بأن قوى الاحتلال الأمريكي البريطاني تسنى لها اعتقال مجموعة من قوى الأمن التي لم يعلن عنها وبمساعدة متنوعة من قوى المعارضة التي كانت تعمل سابقاً مع النظام, وهي تريد الاستفادة منها في ثلاثة حقول, خاصة وأن أجهزة الأمن العراقية كانت قائمة على التخصص في مجالات العمل السياسي, إضافة إلى التوزيع الجغرافي, وهي:
o الكشف عن العناصر التي كانت مرتبطة بالبعث وأجهزته الأمنية وتعمل في صفوف قوى المعارضة العراقية في الداخل, ومنها كردستان, وفي الخارج.
o الكشف عن العناصر التي ترتبط اليوم بقوى سياسية تعمل في الدول العربية بهدف الاستفادة منها لصالحها من خلال ابتزازها.
o الكشف عن العناصر التي تعمل في أجهزة الأمن الأجنبية, ومنها الروسية, والتي استطاع النظام البعثي شراء ذممها وسخرها لأغراضه, إضافة إلى ما يمكن أن يحصلوا عليه من معلومات حول مجالات أخرى بما فيها احتمال العمل مع قوى القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى في العالم العربي والإسلامي.
• إعادة الاهتمام بالعمل خارج العراق وعدم ترك المجال أمام القوى البعثية وأعوانها وبالتعاون مع بعض المنظمات الفلسطينية على تشويه سمعة العراقيين واعتبارهم عملاء للإمبريالية الأمريكية والبريطانية والتي تقوم بتسويقها بعض المنظمات الأوروبية أيضاً بسبب طبيعتها السياسية والبرامج التي تعمل على تنفيذها. وهذه الظاهرة قوية حالياً ويمكن أن تشتد ما لم نعمل على تبويش نشاط هذه الجماعات.
• ويتطلب هذا الأمر تخلى القوى السياسية العراقية عن الهجوم على المجتمع الدولي والرأي العام العالمي لأنهما وقفا بقوة ضد الحرب, بغض النظر عن الدوافع التي كانت تحركهم, إذ علينا أن نكسب الأصدقاء في الخارج وليس الأعداء. ولم يكن هؤلاء من أعوان صدام حسين بل كانوا يخشون على الشعب العراقي وعلى العلاقات الدولية من التحكم الأمريكي واتخاذ الحرب ضد العراق أسلوباً في التعامل الدولي مع بقية بلدان العالم, أو حتى مع النظام العراقي الجديد في حالة اتخاذ مواقف لا تعجب الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القطب الأوحد الذي يريد فرض الهيمنة وسياسات العولمة الأمريكية (اللبرالية الجديدة) على العالم كله.       
• ويبدو لي أن الأخطاء التي ارتكبتها قوى الاحتلال الأمريكي البريطاني كثيرة, رغم دعاء وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد بغير ذلك. وتبرز هذه الأخطاء في خمس مواقع جوهرية:
o تعثر تشكيل حكومة عراقية مؤقته والعمل على توفير الأمن الداخلي.
o ضعف النشاط في توفير الخدمات الأساسية للمواطنات والمواطنين, وخاصة مسائل مثل المياه الصالحة للشرب والكهرباء والهواتف, إضافة إلى الأدوية والرعاية الصحية.
o الاعتماد غير المبرر وبالطريقة الجارية من قبل قوات الاحتلال البريطاني على شيوخ العشائر, في حين يفترض تشجيع العمل السياسي والاعتماد على القوى السياسية والتقنيين في هذا الصدد.
o الاعتماد غير المبرر على موظفين بعثيين كبار لاحتلال مواقعهم والتي أثارت ضجة كبيرة في صفوف المواطنين.
o إهمال مجالات حيوية دون إبداء الحراسة الضرورية لها, ومنها المتاحف ومكاتب الوزارات ومجالات حفظ الوثائق, بما فيها تلك الوثائق التي تدين قيادة البعث وتفضح جرائمها, في حين أولت الاهتمام بوزارة النفط فقط, على أهمية هذا العمل.
ويبدو لي مناسباً جداً أن تأخذ الجماعات العراقية المتعاونة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أن تقوم بتقديم المشورة بهدف تجنب ارتكاب الأخطاء والعناية بأوضاع الجماهير الكادحة وكسبها إلى جانب الوضع الجديد.
• القيام بحملة واسعة في الخارج من أجل تشجيع العلماء والفنيين والمهندسين والإداريين وغيرهم على العودة إلى الوطن وأخذ المراكز المناسبة لهم في الدولة العراقية, على أن تحسب لهم رواتب مناسبة يدفع بعضها نقداً ويعتبر البعض الآخر ديناً واجب الدفع على الدولة بعد أن تتحسن الأمور خلال سنتين أو ثلاث.
• ويبدو لي أخيراً أن صدام حسين وزمرته من جهة وزمرة أسامة بن لادن وزمر الإسلام السياسي الإرهابي المتطرف من جهة أخرى يعملان على إيجاد أو تعزيز صلاتهما للعمل المشترك في بعض المجالات على الصعيد العراقي والعربي والتي يمكن أن تبرز بعد فترة وجيزة وتحدث مشكلات إضافية على صعيد العراق والمنطقة. ولهذا يفترض الحذر واليقظة, خاصة وأن صدام حسين ركب كعادته الموجة الدينية أيضاً.
أشعر بثقة كبيرة بقدرة الشعب العراقي وقواه السياسية العقلانية على مواجهة التحديات الراهنة والتعامل الواعي معها وتكريس الحياة الحرة والديمقراطية على صعيد العراق كله وإقامة الجمهورية الديمقراطية الاتحادية. ولكن هذه الثقة ترتبط بما نقوم به اليوم وغداً في مواجهة التحديات. ومن بين ما نحن بأمس الحاجة إليه هو تنظيم وإدارة وتنفيذ عملية إعلام واعية وفعالة وذات خطاب سياسي جديد تدرك التحولات الهائلة الحاصلة على الصعد الدولية والإقليمية والعربية والمحلية, وبالتالي قادرة على تحديد المهمات والأدوات والأساليب الضرورية لمواجهة كل ذلك وإشراك المجتمع, أو القسم الأعظم منه في هذا العملية.
 

برلين في 12/5/2003        
 

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المفتوح والشفاف هو الطريق الأسلم لتحقيق رؤية ناضجة حو ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج
- متابعة لمقال رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العرا ...
- رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي
- حملة من أجل الكشف عن مصير ضحايا الأنفال في كردستان العراق
- العولمة ومخاوف العالم العربي!
- العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية ت ...


المزيد.....




- -أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
- لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو ...
- كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع ...
- -دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية ...
- قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون ...
- حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
- بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
- ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا ...
- مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
- أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - الحلقة الثانية