|
إنها نغمة ثابتة وما تبقى كله تكتيك
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أجرى السيد الرئيس بشار الأسد مقابلة مع تلفزيون دبي وأدارها الصحفي قنديل باقتدار رغم أنه قد دخل إلى جو المقابلة بمواقف مسبقة نسبيا وهذا حديث آخر لسنا بصدده الآن ، كثيرة هي النقاط التي يمكن أن تستوقف المحللين السياسيين لمعرفة مستجدات الموقف في المنطقة والموقف السوري خصوصا بعد الخطاب التاريخي الأخير للسيد الرئيس والذي أعلن فيه الحرب على الجميع ما عدا إسرائيل !! وإيران !! ولم ننظر للأمر باعتباره زلة لسان أو أنها خروج عن المألوف في الخطاب الرسمي للرؤساء العرب كما حاول بعض المعلقين أن يصور ذاك الخطاب أو عبارة عن مصارحة عميقة للشعب السوري !! بل هو عبارة عن تشديد واضح ومسبق لنغمة واضحة أيضا وثابتة لا تتغير إلا بتغير هذا النظام وهي : كله قابل للتسويق السياسي والخطاب الفصامي ماعدا قضية واحدة وهي : بقاء السيد الرئيس الأسد في السلطة إلى الأبد وربما توريث نجله حماه الله ! وهذه النغمة الثابتة لها معاييرها في الحكم على كافة الظواهر والمستجدات والتي سنناقشها هنا لكي نحاول الدخول إلى التأسيس الأبدي للنظام السوري ، ولا نستطيع إغفال الشخصانية في التحليل لأنها المركز والأساس والبؤرة المولدة لأي خطاب سياسي سوري رسمي ! ضمن معادلة واضحة وهي : إرادة السلطة هنا تدور حول تثبيت سلطة شخص إلى الأبد بمعزل عن كل المتغيرات العالمية والمجتمعية في سوريا والمنطقة عموما ، فلا تأخذ المتغيرات في نقاشها إلا من باب مركزي وهو كيف ستنعكس على استمرارية هذه السلطة الشخصانية والبعيدة كل البعد عن أي تأسيس مؤسسي . لهذا أصبح رئيسنا الشاب ناطقا باسم مئات الملايين العرب ومليار مسلم ! في لقتتة تبدو خارج السياق تحدث السيد الرئيس عن المعيار الوطني في الحكم على أي معارض سوري ! وبصراحته المعهودة قال لنا بشكل شبه مباشر : أنا من يحدد معيار الوطنية في سوريا ومن لا يعجبه ذلك فمصيره السجن ! كنا نتمنى لو أنه كرم البعثيين أو أيا من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو أحدا من مثقفي العروبة السلطوية وقال هم هؤلاء معي يقومون بتحديد المعيار الوطني في سوريا . هذا المعيار الذي بات يحدده شخص واحد في سوريا لعشرين مليون سوري يطرح الوضع الذي وصلت إليه سوريا . معزولة تماما ومحكومة بمعيار شخصي على كل شيئ مهما صغر أو كبر : أليست هذه إرادة السلطة بلا أقنعة كما يحب السيد الرئيس استخدام مصطلح الأقنعة والقناع ..! وهذا الاستخدام ليس من باب الصدفة أبدا كما أنه ليس اختراعا مجانيا مطلقا بل هو يدور ضمن شبكة الملفوظات السورية الرسمية , ووببساطة متناهية يمكن القول : رمتني بدائها وانسلت ! فمن يمتلك ثقافة وبؤر مولدة لثقافة شخصانية ولا يستطيع تأسيسها علانية ستبرز لديه هذه الشبكة من الملفوظات لكي يغطي بها بشكل لاشعوري سماكة القناع الذي تضعه السلطة السورية على وجهها الفردي ! ببساطة لدينا أمرا ثابتا في السياسة السورية سنعيد التأكيد عليه مرة أخرى : أنا الدولة والدولة أنا . هذه المعادلة على سذاجتها بالنسبة لكبار المحللين الاستراتيجيين الذين يسبحون في فلك الممانعة العربية الآن وذات الوجه الإيراني , تشكل بالنسبة لنا مفتاح السحر في فهم المواقف السورية جميعها وليس آخرها الحديث الذي أجاد به السيد الرئيس البارحة عن الخصوصية الثقافية للمسلمين الذين لاتنفع معهم الديمقراطية ولا الحرية ولهم أشكالهم في الحكم وهذا الشكل السوري هو أحد هذه الأشكال في ممارسة السلطة الفردية / سلطة خلفية أو إمام أو فقيه أو رئيس / هذا هو شعبنا العربي والمسلم لذلك فشلت المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة . لأنها مشاريع لم تعرف التعاطي مع هذه الخصوصية التي هي بالضد من الديمقراطية وتداول السلطة ! ولم تعرف أن السلطة ليست سوى ورقة في سجل عقاري مسجلة باسم عائلة واحدة أو فرد واحد . لهذا مثلا تصبح الحكومة القطرية هي الحكومة العربية الوحيدة التي لها مصداقية بالنسبة لسلطتنا السورية على الرغم من أن هذه الأخيرة قد افتتحت مكتبا للمصالح الإسرائيلية ! وأنا هنا لاأقيم السياسة القطرية وهذا ليس من شأني مطلقا بل اتحدث عن الفصامية في خطاب السلطة السورية التي تتحدث ليل نهار عن رفضها للتطبيع مع إسرائيل ..الخ بينما خلافه مع العربية السعودية التي لاتقيم علاقات مع إسرائيل هو خلاف لأنها كانت ضد المقاومة في لبنان ! موقف أعتقد ليس بحاجة للشرح وتناقضا بسيطا يحكمه رؤية السلطة الشخصانية في خدمة ديمومتها . مشكلة سلطتنا الآن ليست في عزلتها العربية مطلقا بل مشكلتها والتي كان الأسد الأب حريصا جدا عليها هي : استقلالية القرار الشخصاني والذي تحتاجه أية سلطة شخصانية كي تستطيع التحرر من أي التزام في اللحظة المناسبة لأنها سلطة ديمومتها تعتمد على رفض أي التزام مؤسسي وقانوني حتى لو كانت هي من شرعته أو سنته ! وهنا نتحدث عن عدم قدرة السلطة الحالية في أن تستقل عن السياسة الإيرانية بعد جملة من التشابكات المعقدة فإيران الآن في سوريا قادرة على خلق مشاكل للسلطة لا يعلم بها إلا المواطن السوري الذي يمكن له أن يزور مقام السيدة زينب رحمها الله أو أن يزور بعضا من المدن السورية : محافظة الرقة على سبيل المثال ليتعرف على الجهد الإيراني في التغلغل داخل سوريا والتبشيرية الإيرانية ونشاطها ورؤوس الأموال التي توظفها ..الخ بالطبع هذا لا يجعلنا نغفل أن العامل الإيراني من مصلحته المطلقة حتى أجل غير مسمى الدفاع عن هذه السلطة ولكننا لا نستطيع أن نتغاضى عن أن الدولة الإيرانية أكثر قدرة في التحرر من أي التزام مع هذه السلطة السورية والتي يمكن أن يأتي يوما ويدفع ثمن ذلك الشعب السوري فنحن لسنا أعز على الإيرانيين من الشعب اللبناني والعراقي !! لهذا أدعو الدول العربية ألا تخاف من تصريحات المسؤولين السوريين لأنها لا تحمل شيئا ثابتا مطلقا ولا تستطيع أن تلتزم إلا بما هو مجدد لسيطرة السلطة الشخصانية ! ربما عليها أن تخاف أكثر لا أعرف !!؟ لأن دولة المؤسسات والقانون صعب أن تقلب ظهر المجن لأي اتفاقيات مهما صغرت أو كبرت لكن السلطات التي تعتمد على خصوصية ثقافية في انتاج الديكتاتورية وإعادة انتاجها تستطيع التحلل من أي التزام مهما كان لأنها لاتحفل بالقانون ولا بأي شكل مؤسسي للتعاطي السياسي ومع مقولة اسمها الرأي العام ! هذا الثابت السلطوي هو ما زعزع العلاقة مع دول الجوار كلها وليس الموقف من المقاومة وغيره فكل الدول العربية تعرف تغيرا الآن بطيئ وصغير ولكنه تغير باتجاه التحلل من السلط الديكتاتورية إلا سلطتنا السورية !! فكيف تقبل بنتائج انتخابات السلطة الفلسطينية لأن حركة حماس قد نجحت هناك ولا تقبل بإجراء انتخابات مثلها في سوريا ؟! ولذا هذا الحديث عن النغمة الثابتة لن ينتهي لأنها هي المولد الرئيسي لسلوك السلطة في سوريا داخليا وعربيا وعالميا .
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستقطاب منطق الأيديولوجيا ...شر لابد منه
-
قراءة ثانية في خطاب الأسد
-
قراءات في خطاب السيد الرئيس
-
خراب البصرة شرط بقاء السلطة
-
الهمجية الإسرائيلية وتخلف الفكر المقاوم
-
القرار 1696 والتحول الروسي الصيني إزاء الملف الإيراني
-
إيران وسوريا تقاتلان بآخر لبناني ..يجب ألا تخرج إسرائيل منتص
...
-
إيران وسوريا تقتلان بآخر لبناني ..يجب ألا تخرج إسرائيل منتصر
...
-
أطفال لبنان وفلسطين ..هلوكوست آخر
-
بين روما وبنت جبيل ضياع الإنسان
-
الجريمة في لبنان ومواقف المعارضة السورية
-
عذرا بيروت ..مرة أخرى نخذلك
-
حزب الله يقاوم ولبنان في قفص الجريمة
-
المؤتمر القومي العربي
-
وأخيرا ...حقوق الإنسان !!
-
أبو القعقاع وميشيل كيلو نص السلطة في سوريا
-
الفتنة صاحية
-
نحو ميثاق شرف للمعارضة السورية رأي
-
رايتي بيضاء ..اعترافا مني بالهزيمة
-
إعلان دمشق بيروت والاعتقالات الأخيرة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|