محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7080 - 2021 / 11 / 17 - 18:24
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لا يوجد نظام اقتصادي متكامل، فكل واحد له محاسنه ومعايبه، والنظام الرأسمالي واحدا منهم. النظام الرأسمالي قدم للبشرية شتى أنواع الاكتشافات والابتكارات والاختراعات في جميع مجالات الحياة. الا ان النظام الرأسمالي Capital System ومع كل هذه المنافع فانه المسؤول عن استغلال الاخرين من اجل اثراء مجموعة اخرى. لم يعرف التاريخ الاستعمار الا في ظل النظام الرأسمالي. هذا النظام عبر البحار والمحيطات وجميع الموانع الجغرافية من اجل الاستحواذ على خيرات الاخرين، وكان أولها هو احتلال الأمريكيتين وتوزيع أراضيها بين الدول الكبرى آنذاك والقضاء على سكانها الأصليين، اختطاف شباب قرى كاملة من دول افريقيا من اجل بيعهم عبيدا في أسواق المدن الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية , ولم تحصل هذه الطبقة على حقوقهم المدنية الا في أعوام الستينيات من القرن الماضي. وتم استعمار دول في جميع القارات من اجل الاستحواذ على مواردها الطبيعية، وما تقطيع اوصال دول الشرق الأوسط بعد اسقاط الإمبراطورية العثمانية وتوزيعها بين الأطراف المنتصرة في الحرب العالمية الأولى الا مثلا اخر عن هذا الاستعمار. وما عدم الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط الا هو من خلق الدول الأجنبية والتي تريد ان تحصل على نفط المنطقة بأرخص الاثمان.
لم يؤشر فلاسفة الاقتصاد الأوائل الى استعمار الشعوب والاستحواذ على خيراتها من اجل رفاهية شعب اخر لا من قريب ولا من بعيد. هؤلاء الفلاسفة عندما وضعوا نظرياتهم الاقتصادية كانوا يفترضون ان السعادة والرفاهية للمجتمعات لا تستورد على حساب الاستحواذ على خيرات الاخرين، وانما افترضوا ان تحقيق السعادة والرفاهية تتحقق عن طريق الاستعمال الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة للبلد. أي تحقيق اعلى الإنتاج باستخدام اقل الموارد الطبيعية والبشرية. الا ان رجال الاعمال فهموا تحقيق اعلى الإنتاج وبأقل التكاليف هو الاستحواذ على الموارد الطبيعة للدول الفقيرة بالسلم او الحرب، وما على السياسيين الا ركوب موجة رجال الاعمال الممولين الرئيسين لحملاتهم الانتخابية. وهكذا أصبح زواجا كاثوليكيا بين الساسة ورجال الاعمال في الدول الرأسمالية، وبدأت الحروب المتكررة في العالم وبمختلف الحجج الا ان الهدف الحقيقي في النهاية هو الاقتصاد. قادة البلدان الرأسمالية الكبرى ان لم يستطيعوا من رفع المستوى المعاشي للمواطنين سنة بعد أخرى، فعلى الأقل الحفاظ على المستوى المعاشي الحاضر. ومن الاجل الوصول الى هذا الهدف يجب اشعال الحروب إذا تطلب الامر. حتى ان القرار الأمريكي بإزالة نظام حزب البعث من العراق كان لأهداف اقتصادية. الامريكان لم يسرقوا نفط العراق، كما يشيع له أعداء التغيير، وانما أرادوا ان يكون صنبور صادرات النفط العراقي تحت سيطرتهم، لمن يبيع العراق نفطه ولمن لا يستطيع بيعه.
ان من اهم مبادئ نظام السوق او النظام الرأسمالي هو تحقيق اعلى الأرباح، ومن اجل الوصول الى هذا الهدف جعلوا من البيئة أحد ضحاياهم. او بكلام اخر، ان السعي نحو انتاج بضائع بأقل كلفة ساهم بشكل خطير في زيادة مشكلة التلوث في الطبيعة. ولو زرت مدينة لمصانع الصلب والحديد وتكرير النفط، ربما ستضطر الى غلق نوافذ سيارتك بالكامل من شدة كثافة الدخان المنبعث من المداخن والروائح المؤذية. لماذا تطلق الشركات الغازات السامة في الجو؟ لان التلوث هو أرخص لهم من معالجته.
الدورات الاقتصادية (Business Cycle) التي تزور الاقتصاد الرأسمالي بين الحين والأخر وبدون انتظام هي الأخرى تشكل ظروف صعبة على عدد كبير من شرائح المجتمع. الدورات الاقتصادية والتي بموجبها يمر الاقتصاد في مراحل الصعود والنزول يؤثر على حجم الطلب على العمال وعلى الأسعار وبذلك يكتوي المواطن العادي بحرارة ارتفاع الأسعار والعمال ببرود البطالة عن العمل. ففي حالة وصول الاقتصاد الوطني الى قمة الإنتاج تبدأ الأسعار بالصعود يكتوي بحرارتها شريحة المتقاعدين وأصحاب الرواتب الثابتة. في هذه المرحلة تتأكل دخول المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار ويصبح المواطن، خاصة أصحاب الدخول المحدودة , اسير هذا الارتفاع. العراقيون سوف لن ينسوا ما جرى لهم من مصائب التضخم المالي من جراء الحصار العالمي ضدهم لسنين طويلة، وكيف اضطر الموظف الحكومي الى البحث عن عمل ثاني من اجل توفير حاجات عائلته الضرورية.
اما في أوقات التراجع الاقتصادي (Recession)فكثير من المواطنين يصاب ببرد البطالة وخسارة دخولهم، خاصة شريحة الشباب، كبار السن، الأقليات، وعمال الأجور اليومية. اغلب افراد هذه الشريحة يعتمدون على دخولهم اليومية لتمشيت امورهم، وتسريحهم من العمل، بدون شك، سيضيف متاعب إضافية لهم. يكفي القول ان الكثير من الذين سرحوا من العمل في الولايات المتحدة الامريكية خلال الركود العظيم (Great Recession) التي ضربها عام 2008و 2009 اضطروا السكن في خيام حول المدن الكبيرة.
النظام الرأسمالي او السوق يمتاز بتفاوت الدخول بدرجة تفوق التصور. النظام يدعم الجهود والقدرات العقلية والبدنية الفردية والتي ينتج عنها في بعض الأحيان إنجازات متميزة ويكافئ أصحابها عليها بملايين من الدولارات. لقد انتجت ثورة التكنلوجيا وحركة العولمة افراد بثروات مالية ربما تفوق ثروة قارون، حيث أصبح هناك 630 ملياردير في الولايات المتحدة الامريكية وحدها، بلغت ثروة Jeff Bezos وحده 143 مليار دولار، وثروت عائلة Walton أكثر من 200 مليار دولار، فيما بلغت ثروة عائلة Mars مبلغ 54 مليار دولار. في نفس الوقت وصل معدل ثروة العائلة الامريكية الواحدة 97,300 دولار، وبذلك من السهل القول ان ثروة Bezos, تعادل ثروة 1430,000 عائلة، وثروة عائلةWalton تساوي وحدها الإنتاج المحلي لدولة لبنان وتونس والأردن وليبيا لعام 2017,حيث بلغ الإنتاج المحلي لهذه الدول 203.2 مليار دولار.
تفاوت الثروة بين الأسود والأبيض في الولايات المتحدة الامريكية ما زالت تتوسع واصبحت قضية في التظاهرات الأخيرة التي شملت معظم المدن الامريكية الكبرى على إثر مقتل الرجل الأسود George Floyd على يد الشرطة في مدينة Minneapolis بتاريخ 25 أيار 2020. فارق الثروة بين الأسود والأبيض ليس فقط بعدد المليونيرية بين الاثنين، وانما شمل حتى الطبقة الوسطى لكل اللونين. لقد بلغ معدل ثروة الطبقة الوسطى للمواطن الأبيض 70,786 دولار، فيما بلغت معدل ثروة الطبقة الوسطى للسود 6,674 دولار عام 1968. هذا الفارق في الثروة لم يختلف كثيرا عام 2016 وهي أحدث المعلومات المتوفرة والتي كشفت ان ثروة الرجل الأبيض بلغت 149,703 دولار، فيما بلغت ثروة الرجل الأسود 13,024 دولار. لقد كشفت الاحصائيات ان فجوة الدخول والثروة بين اللونين لم تتغير طيلة 70 سنة الماضية. الاحصائيات لعام 2016 كشفت ان ثروة الرجل الأبيض تعادل 11.5 مواطن اسود في الولايات المتحدة.
يبقى الاعتراف، ان النظم الرسمالية الحالية لم تقف مكتوفة الايدي امام حاجة مواطنيها وسلامة مجتمعها. الدول الصناعية بدأت بتشريع القوانين الصارمة للحد من تلوث البيئة، ووضعت غرامات ثقيلة على المخالفين. هذه القوانين جعلت من هواء المدن الصناعية أكثر نقاوة ومن مائها أكثر نظافة. بالحقيقة ان اخر اخبار عافية البيئة، تؤكد تراجع التلوث في الدول الصناعية وزيادته في الدول ذات النمو الصاعد مثل الصين والهند.
الحكومات الرأسمالية أسست أيضا الكثير من مؤسسات الرعاية الاجتماعية هدفها مساعدة الفقراء والمحتاجين. على سبيل المثال، هناك صندوق الضمان الاجتماعي لكبار السن، برامج لرعاية النساء الحوامل حتى الولادة، برامج تغطي كلفة الولادة، وبرامج لرعاية الأطفال وامهاتهم، وهناك برامج مساعدات مالية شهرية للعوائل الفقيرة، إضافة الى مجانية الرعاية الصحية لهم.
وفي أيام التراجع الاقتصادي وزيادة عدد العاطلين عن العمل، تقوم مؤسسات رعاية العاطلين عن العمل بدفع مراتب شهرية لهم لفترة ستة أشهر قابلة للتمديد حتى يحصل العاطل على عمل جديد. على سبيل المثال قررت الإدارة الامريكية بصرف مبلغ 2.2 ترليون دولار لمساعدة ضحايا وباء كورونا والاعمال التي تأثرت بهذا الوباء في ربيع عام 2020.
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟