|
خلل في سلاسل الإمداد والتوريد
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 7078 - 2021 / 11 / 15 - 18:32
المحور:
الصناعة والزراعة
أعلنت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أنّ أسعار المواد الغذائية بلغت مستويات غير مسبوقة.. الصين تطالب مواطنيها بتخزين الطعام.. الرئيس بايدن يطلب من ميناء لوس أنجلوس العمل بكامل طاقته ليل نهار ودون توقف.. نقص حاد في بعض السلع الأساسية في مختلف دول العالم.. ثلث مصانع الأثاث في أوروبا تتوقف عن الإنتاج بسبب نقص بعض المواد الأولية.. ارتفاع أسعار الغاز والبترول.. أعلنت دبي عن عجزها عن استقبال أي بواخر جديدة قبل تصريف بضائع البواخر المتكدسة في مينائها..
فهل نحن على أعتاب أزمة اقتصادية عالمية؟ وهل فعلا هنالك نقص عالمي في الغذاء؟ أم هي أزمة سلاسل الإمداد والتوريد؟
نشأت سلاسل الإمداد مع بزوغ الحضارات ونشوء التجارة، لكنها كانت أبسط بكثير مما هي عليه الآن، تبدأ من حصد المحاصيل، أو تجميع المنتجات وتعبئتها في سلال، وتحميلها على الجِمال، والسير بها عبر طرق تجارية معروفة.. كان يرافقها أدلاء، وعبيد، وعمّال، وجنود للحراسة.. وكانت أعظم تحدياتها قطّاع الطرق، وتقلبات الطقس، وإطعام الجمال حتى يصلوا إلى أسواق مدنهم المقصودة..
اليوم تطورت سلاسل الإمداد، وبلغت درجة عالية من التعقيد: تبدأ من الحقل إلى المصنع (إذا كانت منتجات زراعية)، ومن تجميع المواد الخام حتى تصنيعها (للمنتجات الصناعية) عبر سلسلة تداول معقدة ومتشعبة، سيما وأن مدخلات العملية الإنتاجية كثيرة ومتشابكة، ومن مصادر مختلفة، تتداخل فيها عميات الاستيراد والتصدير، لتبدأ بعدها سلسلة أخرى (النقل) والتي تنتهي بالمستهلك..
والخطوات المتبعة لإيصال السلعة من المزرعة أو من المصنع إلى المستهلك لا تتضمن فقط وسائل النقل، فهذه مجرد حلقة من السلسلة تسمى "الخدمات اللوجستية"، بل تبدأ قبل ذلك بتوفير الشروط والمواد الأولية للمنتج (أعلاف، مياه، مواد خام، خدمات بيطرية، مبيدات، أسمدة، قطع وأدوات زراعية، مواد خام، مكائن، وقود، كهرباء، صيانة، مخازن، قطع غيار، مواد تعبئة، صناعات مكملة، تصريف المخلفات، وسائل نقل.. إضافة لكل ما يتعلق بالموارد البشرية)، وبعد ذلك تأتي العمليات التجارية بكل ما يلزمها من تحويلات بنكية، وتأمينات، ومراسلات تجارية، وخدمات لوجستية تتعلق بحجز وسائل النقل، وتنسيق مواعيد المطارات والموانئ والشاحنات، وتخزين الحاويات، وحساب فروقات العملات..
وأي خلل مهما كان بسيطا في هذه السلسلة الطويلة والمعقدة يؤثر مباشرة على الخطوات اللاحقة، فيؤخرها، ويربكها.. فمثلا شهد العالم منذ النصف الثاني من العام 2020 أزمة الرقائق الإلكترونية، ولاحظنا أن هذه الرقائق التي يبلع طول الواحدة منها أقل من 1 سم عطلت مصانع السيارات، بل وأغلب الصناعات الثقيلة، وأثّرت على الاقتصاد العالمي.
وقد باتت سلاسل التوريد من بين أهم مكونات النظام الاقتصادي العالمي، بل وعصبه الأهم، نظرا لتأثيرها المباشر على الانتاج والنقل والاستهلاك.
في حلقة مسجلة على يوتيوب، أشار الناشط أحمد سلامة إلى أسباب الأزمة الحالية، وقد لخصها بأزمة تكدس البواخر قبالة الموانئ، خاصة وأن 80% من التجارة العالمية تعتمد على النقل البحري (البواخر). وفي التفاصيل:
أثناء أزمة كورونا توقفت عجلة الإنتاج، ومع بداية العام 2021 ظهرت اللقاحات وبدء العالم يتعافى من الجائحة، وعادت عجلة الإنتاج من جديد، لكن المختلف هنا هو تغير سلوك المستهلك، حيث زاد الطلب على السلع بنسبة كبيرة، وخاصة الحواسيب والأجهزة الإلكترونية، ومع هذه الزيادة بدأت المصانع تشتغل بأقصى طاقتها، لكن الموانئ لم تكن مجهزة لهذه الزيادة، كما أن عدد الناقلات بقي كما هو دون زيادة، فضلا عن نقص أعداد العاملين في الموانئ (نتيجة جائحة كورونا)، ما أدى إلى تكدس السفن قبالة الموانئ، وهذا الاختناق يشبه عنق الزجاجة، لأن التنزيل يتم في حلقة ضيقة.. لكن المشكلة لم تنتهي عند هذا الحد، حيث ظهرت مشكلة الاستلام، وقد برزت مشكلة نقص عدد سائقي الشاحنات (لأسباب مختلفة) مقارنة بحجم العمل المطلوب، ومقارنة بالعام السابق.. وهذا كله أدى إلى زياد تكلفة النقل والتخزين، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
ومن جانب آخر، أدى تأخر وصول البضائع إلى إجبار المصانع على إيقاف خطوط الإنتاج، وإلى تأخر استلام أثمان البضائع، وهذا بدوره سيجبر المصانع على زيادة الأسعار لتعويض نقص الإنتاج، وتقليل الخسائر (بل أدى فعلا إلى إغلاق بعضها).. ومن جهة أخرى، فإن تأخر البضائع في الموانئ يتبعه زيادة في أجور الأرضيات، وتكاليف التخزين، حيث زادت مدة وصول البضائع إلى الضعف. ومن المعروف أن أي نقص في أي سلعة سيؤدي إلى احتكارها، أو زيادة سعرها.. وهنا تكتمل حلقات المنتج والناقل والمستورد على نحو أدى إلى ارتفاع الأسعار. خبراء آخرون، رأوا أن سبب الأزمة يعود لطبيعة الاقتصاد العالمي الذي لم يكن جاهزا للتعامل مع هكذا أزمة، وربما لم يكن يتوقعها، ولا توجد لديه خطة بديلة. فمثلا الشركات الكبرى كانت تتعامل في سلسلة التوريد وفق مبدأ دقة المواقيت، أي لكل خطوة ميقات محدد، وهذا يتطلب ضمان توفر نفس الظروف لضمان سير عمليات التوريد حسب البرنامج، وهذه إستراتيجية غير مستعدة للتعامل مع المفاجآت.
وهناك من يضيف أسباب أخرى، مثل: أزمة الطاقة (الكهرباء) في الصين، وارتفاع أسعار النفط، أو إلى أزمة الرقائق الإلكترونية. وبموازاة أهمية معرفة الأسباب، يتوجب معرفة الحلول.. الخبر السيء أن الخبراء توقعوا استمرار الأزمة حتى نهاية 2022، نظرا لعدم وجود حلول سريعة.. كما أن تأخر وصول البضائع أدى إلى ارتفاع الأسعار، من المتوقع تراجع الإنتاج العالمي، أو حدوث حالة من الركود، وبالتالي التضخم..
هذه أزمة عالمية، ربما يكون سببها طبيعة الاقتصاد العالمي، أو عدم جاهزية الموانئ لتأمين تدفق سلاسل الإمداد بشكل سلس وآمن.. لكن المستهلك لعب دورا مهما فيها، وعليه تقع مسؤولية كبيرة في حلها.. أي ترشيد الاستهلاك، وعدم اللجوء إلى التخزين، بسبب الهلع، لأن هذا السلوك يفاقم من حدة الأزمة، ويحعل حلها مستحيلا.. خاصة وأن أغلب البضائع والسلع المتأخرة والتي طرأ عليها نقص هي مواد استهلاكية وثانوية، يمكن الاستغناء عنها، أو تأجيلها بعض الوقت.
إضافة إلى مسؤولية التجار والمستوردين الأخلاقية والوطنية، ومسؤولية أجهزة الدول الرقابية في ضبط الأسعار، ومنع تغول بعض التجار.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين نبيع صروحنا العلمية - كلية الزراعة أبو غريب
-
الفلسطينيون في إسرائيل.. دراسة بحثية
-
زوجات المشاهير
-
ملحمة كلكامش
-
الإنسان الإلـه
-
مدرسة روابي، وفتاة الفستان، وفيديو غزة
-
إشكالية المنتصر والمهزوم في أفغانستان
-
بداية غير موفقة للقرن الحادي والعشرين
-
هجاء الشعراء، وتنافس العلماء
-
خفايا مرعبة من تاريخ منسي
-
عبد اللطيف عربيات، ونظرية المؤامرة
-
عن اقتتال الصحابة
-
الإذعان الديني
-
عبقرية الفشل العربي
-
مسؤولية الإنسان عن تصرفاته
-
حدائق الحيوانات البشرية
-
محاولات توحيد البشرية
-
تاريخ الحروب المقدسة
-
الغوغاء الذين قاتلتُ من أجلهم
-
نوال السعداوي وداعا
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس)
/ صديق عبد الهادي
-
الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي.
/ فخرالدين القاسمي
-
التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل
...
/ فخرالدين القاسمي
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق
/ منتصر الحسناوي
-
حتمية التصنيع في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام
...
/ عبدالله بنسعد
-
تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا
...
/ احمد موكرياني
المزيد.....
|