|
كردستان ، موطن الأنفال
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1653 - 2006 / 8 / 25 - 11:04
المحور:
القضية الكردية
حينما نضعُ المثقفين العراقيين جانباً ، يصحّ لنا القول بأنّ قلة قليلة من العرب قد سمعوا بقصيدة الجواهري ، " كردستان ، موطن الأبطال " . هذه المطوّلة الشعرية ، التي أنشدها أبو فرات تحية ً لثورة أيلول 1961 وقائدها البارزاني الأب ، ويقول مطلعها : " قلبي لكردستان يُهدى والفمُ / ولقد يجودُ بأصغريْه المعدمُ " . لقد شغفَ شاعرنا بالشمال وأهله ، وبادله هؤلاء عاطفته بأحسن منها . وإذ لم تفارق القبعة الكردية ، الفلكلورية ، مرة ً أبداً ، رأسَ الجواهري وإلى يوم رحيله ؛ فإنّ تماثيله المختلفة الأحجام ، المتشامخة في بعض ميادين وحدائق كردستان العراق ، تفضي بمشاعر الوفاء لذكراه من لدن شعبٍ يعرف قيمة الأصدقاء ، على قلتهم . شعبٌ عريقٌ ، ما فتأ مثله الشعبيّ ، الأشهر ، يترددُ على مرّ الأجيال : " لا صديقَ للكرديّ إلا الجبال " . هيَ ذي " الأنفال " ، أخيراً ؛ فصلٌ دمويّ آخر ، يتلو فصلَ " الدجيل " . إرتبط إسمُ الاولى بأربعة آلاف وخمسمائة قرية وعشرات القصبات والبلدات ، تمت تسويتها بالأرض الكردية ، وأضحى معظم ساكنيها جثثا في أعماق أراض اخرى ، عراقية . وإذ إنتهت جولة المحاكمة الصدامية ، الخاصة بمجزرة " الدجيل " ؛ فكل قرية وقصبة وبلدة في كردستان ، تروي قصة مشابهة للقرية العراقية ، الشيعية ، أو ما يفوقها في الهمجية البعثية ، المتناهية القسوة .
" موطنُ الأبطال " هذا ، أضحى بعد قرابة الربع قرن من إنشاد القصيدة الجواهرية ، موطناً للأنفال ؛ تلك الحملة الفائقة الوحشية والمنذورة ، كقربان شيطانيّ ، للإبادة الجماعية ، والتي ستصِمُ أبداً نظام البعث المجرم ، المندحر ، بالعار والشنار . هاهوَ رأس ذلك النظام البائد ، رفقة أقرب معاونيه الجلادين ، مرمياً خلف قضبان العدالة فيما صار يُعرف بـ " محاكمة العصر " . إن جفن الديكتاتور السابق لا يرف ، عندما يتهدجُ صوت المدعي العام ، خلال عرضه الموجز لما حلّ بأطفال الكرد ، خصوصاً ، من أهوال لا توصف . إلا أن هذا المتفرعن ، وقد نسيَ موقفه المخزي في قفص الإتهام ، لا يتورع عن الصراخ بالمدعي العام ، متهدداً متوعداً (!) ، حينما يصل هذا الأخير ، في عرضه الإتهاميّ ، لما جرى للفتيات الكرديات من حالات إغتصاب جبانة على يد الجيش وإستخباراته : أهيَ شيمة البدويّ ، المتأصلة بتكوين الطاغية ، النفسيّ ، ( المتغنية بـ " المرأة العراقية ، الماجدة " ) ، التي أثيرتْ فيه آنئذٍ ، .. أم أنها صفة ذلك الطاغية ، الداهية الماكر ، المرتبطة بسلوكه التآمري الأرعن ؟؟ تلك الصفة ، إنتحلها أيضاَ محامو الشيطان ، البعثيّ ، ممن رأيناهم ينافحون عنه التهمَ الموثقة بما تيسّر لهم من أراجيف متهافتة ، رخصة ؛ ولكنها مدفوعة الثمن ، غالياً ، من لدن أقاربه الممسكين بأرقام حساباته البنكنوتية ، الأسطورية ، المودعة في أقبية المصارف الأجنبية .
علاوة ً على أولئك المحامين العراقيين والعرب ، " المتطوعين ! " ، بحسب تعبير الطاغية في الجلسة الاولى لمحاكمته الثانية ؛ ثمة إعلاميون من شتى الأصقاع ، تطوعوا أيضاً في هذه الحملة " الأنفالية " ، الجديدة ، التي تقودها بعض الفضائيات الخليجية. فإذ بلع إعلاميو مصر ألسنتهم أمام التهجم الأسديّ ، السافر ، على بلدهم سياسة ً ورئيساً ؛ فإنهم لم يفوتوا الفرصة الذهبية في المزايدة القوموية ، ليندفع الواحد منهم على هذه الفضائية أو تلك ، دافعاً تهم الإبادة بتبريراتٍ واهية ما أنزلَ فيها بسلطان . وكم هي مخزية حجة البعض ، في سياق تبرير الجريمة ؛ كالإدعاء بالهيمنة الإيرانية على العراق حالياً ، والتي كان قد " تنبأ " بخطرها الرفيق صدام ، حارس البوابة الشرقية : نفس أولئك الأدعياء ، كانوا في الأمس القريب يدافعون عن برنامج إيران النووية وعن تسليحها ودعمها لحزب الله اللبناني ، الشيعي . فأيّ نفاق صارخ هذا !؟ وبصدد محكمة " الأنفال " ، تفردت الفضائية السورية ، للصمود والممناعة والمقاومة ، عن شقيقاتها العربيات ، فلم تنقل لمشاهديها محاكمة صدام وأعوانه . وأذكر جيداً ، أنّ المرة الاولى التي تناهى إلينا حديث الأسلحة الكيماوية ، كان ذلك في الشام عام 1986 ، حينما نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن مصادر المعارضة العراقية تأكيدها إستعمال صدام لتلك الأسلحة ، المحرمة دولياً ، في قصف بعض مناطق كردستان . والمفارقة هنا ، أنّ وسائل الإعلام السورية ، طوال أعوام الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم ، كانت هي الوحيدة عربياً التي تصرخ في آذان الجماهير فضحاً لممارسات النظام الصدامي ، واصفة إياه مراراً بـ " الفاشي ! ". على أنّ ذلك عهدٌ مضى . فمنذ مستهل هذه الألفية الجديدة ، شعر التوأمُ البعثيّ ، اللدود ، بقرب نهاية نظاميْهما الإستبدادييْن ، فعمدا إلى التفاهم سراً تارة ً وعلانية تارة اخرى . وفضلاً عن تأكد النظام الأسدي من زوال خطر الجبهة العراقية عنه ، فثمة حقيقة أكثر أهمية لاحت له : وهيَ إستعداد النظام الصدامي للبذل والعطاء ، وبسخاء المقتدر المحتضر ، لقاء خدماتٍ معينة سياسية وإقتصادية . إن جشع أركان نظام الأسد الصغير ، المتوارث عن السلف الكبير ، قد وجدَ أبلغ تعبير عنه في ذلك الإبتزاز النادر المثيل ، الذي مارسه هؤلاء على نظام صدام ، طوال السنوات الثلاث التي سبقت إنهياره . وعدا عن تلك الحقيقة ، الموصوفة ، فثمة حقيقة لا تقل إعتباراً عند النظام السوري في منعه التغطية الإعلامية لمحاكمة صدام ؛ وهيَ تحسسه الشديد من أيّ حديث في هذا الشأن أو شبيهه : إنها كوابيسه في المثول ، آجلاً أو عاجلاً ، أمام " محكمة العصر " ، داخل أو خارج سورية .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
المزيد.....
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|