- عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي الايراني
تشكيل الحكومة القادمة في العراق من أهم القضايا التي تواجه جماهير العراق. هل ستكون جماهير العراق حرة في تشكيل حكومة تكون موضع قبولها؟ هل ستتحكم آراءها الحرة و المباشرة في تشكيل الحكومة المقبلة في العراق؟ أحداث الاسابيع القليلة الماضية تشير الى عكس ذلك. لا يوجد مؤشر على تدخل الجماهير المباشر و الحر في تشكيل الحكومة القادمة. أمريكا و بمساعدة مجموعة من الرجعيين الموجودين حولها بدأت باتخاذ قرارات بعيدة عن جماهير العراق حول مستقبل العراق السياسي. تهدف امريكا في هذه المرحلة، وقبل كل شيء، الى تهيئة الارضية المناسبة لفرض تواجدها العسكري في العراق لامد بعيد، و فرض البديل البنتاكوني المؤقت، و من ثم فرض حكومة قادمة تكون موضع قبولها. الذريعة التي تتبناها امريكا لفرض تواجد قواتها لامد طويل في العراق، هي الدمار و الخراب والمصائب التي فرضتها و ألحقتها هي بجماهير العراق لدرجة تحتاج الى أشهر أو ربما سنوات للتخلص من آثارها و اعادة الحياة في المجتمع الى مسارها الطبيعي.
فيما يتعلق بفرض " حكومة مؤقتة " وتشكيل نظام الحكم القادم في العراق واعادة هيكلة المؤسسات البرجوازية المنهارة في عراق ما بعد صدام والحكومة البعثية، وبالرغم من ان الحكومة الامريكية نفسها تواجه حالة من الفوضى السياسية وهي لا تمتلك حتى بديلاً مؤقتا مهيئاً الآن لحفظ مصالحها على المدى القريب، الا انها و باستغلال فرصة انشغال الجماهير في العراق بمشكلاتها و معضلاتها اليومية التي خلقتها لهم، تبادر الى فرض " حكومتها المؤقتة " البنتاكونية على جماهير العراق.
من المقرر ان يتم الاعلان للمجتمع في العراق حتى أواسط هذا الشهر عن تركيبة مكونة من اكثر الاناس رجعيةً برئاسة " احمد الجلبي " أو " عدنان الباجه جي " وتحت وصاية الجنرال كارنر أو خليفته " بول بريمر "، " لويا جركا " مؤقتة تتألف من شيوخ العشائر و ممثلي الشيعة و السنة و البعثيين و الاقوام المختلفة.
من الواضح ان حكومة مؤقتة كهذه، من وجهة نظر غالبية العلمانيين و الاحرار في العراق، تفتقر الى أية شرعية. جماهير العراق لا تقبل بـ " حكومة مؤقتة " كهذه و يجب أن لا ترضخ لها. هذه الحكومة لا ترفع فقط أي حمل عن كاهل جماهير العراق، بل تضاعف من مصائبهم و معضلاتهم و ستتحول الى بؤرة للاختلافات القومية و الدينية بين سكان العراق. العلمانييون و التحرريون في العراق ليسوا بحاجة الى حكومة مؤقتة كهذه، بل هم و قبل كل شيء، بحاجة الى توفير أجواء يستطيعون عبرها، و بعد فترة من ممارسة النشاط السياسي الحر و الآمن و بتدخلهم المباشر، من انتخاب نظام للحكم القادم في العراق. أجواء يكون فيها الدين، قبل كل شيء، منفصلاً بالكامل عن الدولة و أن يُعلن للمجتمع عدم تدخل الدين في الحكومة بأي شكل كان.
أجواء يتم التأكيد فيها على تأسيس حكومة علمانية غير قومية لمستقبل العراق و أن يُعلن عن ذلك للمجتمع. أجواء يُعلن فيها عن الحريات السياسية غير المقيدة و غير المشروطة و كذلك حرية الصحافة. ان التركيبة البنتاكونية للـ " الحكومة المؤقتة " أو النظام الاقليمي للحكومة القادمة في العراق على أساس ممثلين من الاقوام و الأمم المختلفة و فروع المذاهب المختلفة ، شيعية أو سنية ، و غيرها، أو التضليل و الخداع من نوع " الدمقراطية على الصيغة الشرق أوسطية " أو " الدمقراطية على الصيغة العربية " و التي يأتي ذكرها هذه الايام على لسان المحللين و خَدَم الحكومة الامريكية و البرجوازية العراقية، ليست تافهة فقط ، بل و قبل كل شيء تعتبر اهانةً للجماهير التحررية و العلمانية في العراق. هذا التضليل والخداع يُتخذ في المستقبل كأساسٍ من أجل حصر الحريات الفردية و الاجتماعية من جديد، اساس لفرض اللامساواة و الظلم على المرأة و اتاحة الفرصة لترويج التخلف و الخرافات الدينية داخل المجتمع في العراق و عن طريقه يتم الاستمرار في اضطهاد جماهير العمال و الكادحين و فرض حالة انعدام الحقوق السياسية والاقتصادية و الاجتماعية عليهم، مع فرق واحد و هو ممارسة كل ذلك في ظل سلطة امريكا المتهورة في العراق الآن بدلاً من سلطة صدام.
الجماهير تطالب بالحرية و الرفاه الاجتماعي، و لا يمكن تحقيق ذلك سوى عن طريق ممارسة الضغط السياسي على الحكومة الامريكية و حلفاءها الرجعيين من الاسلاميين و القوميين. " هدية " حكومة امريكا للجماهير في العراق ليست سوى حكومة بنتاكونية مؤلفة من الرجعيين المحليين وباشراف من الامريكيين الذين تنصبهم أمريكا، أو شيء مشابه لما هو موجود حاليا في مصر والاردن و السعودية. ان تشكيل حكومة علمانية غير قومية عن طريق انتخابات حرة و تدخل مباشر من قبل جماهير العراق، مرهون بالمشاركة الواسعة للعلمانيين و التحرريين في النضال السياسي في هذه المرحلة من أجل تحديد نوع النظام القادم في العراق. ان تَوَقُع احلال الدمقراطية محل الدكتاتورية من قبل امريكا لا يمكن ان ينطلي على احد.
البديل الاشتراكي
اناطة ادارة شؤون العراق بالعراقيين شعار يتردد هذه الايام في شوارع بغداد و هو شعار مطلوب الا انه ليس كافياً. يجب وضع هذا الشعار في أطر مادية و ملموسة و الا فان التيارات الرجعية الاسلامية و غيرها ستجني ثماره. لا البديل الكارنري ولا " لويا جركا " شيوخ الاسلام و غيرهم من الرجعيين، و لا السيناريوهات الشبيهة بما هو موجود في السعودية و الاردن و مصر، جميعها ليست من مصلحة جماهير العراق، و يجب ان لا تحتل مكانا بين هذه الجماهير. البديل الوحيد الذي يمكنه ان يمنع وقوع جماهير العراق في دوامة السيناريو الاسود أو الوقوع تحت وطأة سيناريوهات أخرى شبيه بالحالة الموجودة في السعودية و مصر و الاردن هو البديل الاشتراكي و الجمهورية الاشتراكية. الاشتراكية وحدها التي باستطاعتها ليس فقط توفير أكثر الأجواء حريةً بحيث تُمَكن الجماهير من التدخل المباشر في تقرير مصيرها، بل وتُعيد للانسان كرامته و حرمته و تُعيد له الخيار.
على تيار الشيوعية العمالية أن يضع ذلك بوضوح أمام مجتمع العراق و جماهيره. يجب أن يَعلَمَ العمال و الجماهير الداعية للتحرر مسبقاً ما هي الاهداف التي يناضلون من أجلها. يجب في نفس الوقت رفع شعار لا لتواجد الحكومة الامريكية، ولا للحكومة الكارنرية و يجب السعي كذلك من اجل توفير أجواء حرة وآمنة تتمكن فيها جماهير العراق، ودون تدخل الحكومة الأمريكية وشيوخ الاسلام و غيرهم، من انتخاب الحكومة التي يريدونها. الجمهورية الاشتراكية ستبقى وكما كانت الحكومة التي نطالب بها. الا انه قبل تحقيق هذا المطلب يجب رفع مطالب معينة، مثل رحيل القوات العسكرية الامريكية والبريطانية، اناطة ادارة المجتمع في العراق بالامم المتحدة، والاعلان عن مدة ستة أشهر يمكن من خلالها لجماهير العراق تقرير مصيرهم السياسي. يجب الاعلان رسميا عن ان الحكومة التي ستخلف نظام صدام يتم تاسيسها من قبل مواطني العراق عن طريق تدخلهم المباشر والحر. يجب في نفس الوقت رفع المطالب المحددة التي ينادي بها تيار الشيوعية العمالية تحديداً و هذه المطالب هي التي تُميز هذا التيار عن بقية التيارات والمجموعات السياسية الاخرى في المجتمع العراقي كالحريات السياسية غير المقيدة و غير المشروطة لجماهير العراق، حرية التعبير و العقيدة و الفكر و الصحافة و التنظيم و الاضراب غير المقيدة وغير المشروطة، الغاء عقوبة الاعدام و التعذيب فوراً، الاعلان عن فصل الدين عن الدولة، الغاء جميع اشكال الظلم واللامساواة التي تتعرض لها المرأة والاعلان عن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في المجتمع وغيرها من المطالب. الاعلان عن ان الحكومة القادمة في العراق يجب ان لا تكون حكومة قومية أو دينية أو اقليمية. حكومة علمانية غير قومية وغير دينية بغض النظر عن نسبة المواطنين الذين ينتسبون الى هذا المذهب أو ذاك، أو ينتسبون الى هذه الاقوام والامم و العشائر أو تلك، هذه هي أولى الاسلحة التي تستخدمها جماهير العراق ضد السيناريو الاسود و الحكومة البنتاكونية. من الواضح ان اجبار أية قوة على قبول هذه المطالب عن طريق الضغط الاجتماعي و اعتراض الجماهير المتحررة و العلمانية في العراق و عدم الاذعان كذلك لمسألة انتخاب أية حكومة دون ضمان الاجواء التي يمكن خلالها للجماهير انتخاب بديلهم المطلوب بحرية، هي من احدى مهام تيار الشيوعية العمالية. الى جانب ذلك فان المشاركة والتدخل في التنظيم والتعبئة السياسية و الجماهيرية من اجل الضغط على الحكومة الامريكية ومختلف القوى الرجعية المحلية و المساعدة في تأسيس المنظمات المحلية الجماهيرية يجب ان تكون ضمن المهام العاجلة لتيار الشيوعية العمالية في العراق. ان تيار الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي في العراق هو واقع مادي. اعتلى الحزب الشيوعي العمالي في هذه المرحلة موقعاً سياسياً قوياً ازاء حرب حكومة أمريكا على العراق.على هذا التيار الشروع بنضال دون هوادة في الظروف الراهنة من اجل تقوية القطب اليساري و الراديكالي في مجتمع العراق و جره الى ميدان المواجهة مع الحكومة الامريكية و الرجعية المحلية بمختلف أطيافها. انها ليست بمهمة سهلة،الا انه ميدان للنضال تدعو فيه الشيوعية العمالية المجتمع من أجل المشاركة وتقييم دور الشيوعية العمالية فيه.
5-5-2003