|
أفتخر أننى بلا - هوية -
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7073 - 2021 / 11 / 10 - 15:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
--------------------------------------------------------
«يجب الحفاظ على هويتنا المصرية».. «ننفتح على التنوع دون المساس بخصوصيتنا».. «لا بد من محاربة طمس الهوية».. «دور الثقافة والفن فى تأكيد الهوية المصرية».. هذه مصطلحات تتكرر دائمًا، نسمعها، ونقرأ عنها، ويدور حولها الجدل. " الهوية " كلمة من الكلمات التى أكرهها ، وأتمنى أن تزول من الفكر الانسانى . وليس عندى شك ، أن كلمة " الهوية " ، هى وراء جميع أشكال ، ودرجات ، القهر ، والاستعباد ، وغسيل الأدمغة ، وتبرير الأفكار الفاشية ، والعادات والتقاليد منتهية الصلاحية للاستهلاك البشرى السوى ، الصحى . " الهوية " مصطلح ارهابى ، فى المقام الأول ، ممتلئ بالغطرسة ، والتعالى ، والتعصب ، والجهل المقصود أو غير المقصود . لا أدرى، ما الهوية، أو الخصوصية، التى نحميها؟. هل يكون مثلًا، الفول المدمس، أو الفسيخ، أو عصير القصب، هو «هويتنا»؟ . هل تحجيب أو إخضاع النساء، أو جرائم الشرف ، هو «خصوصيتنا»؟. هل فتوى دار الافتاء المصرية ، بجواز ترقيع غشاء البكارة ، " هويتنا " التى نتشبث بها ، ونحميها من الاختراق ، و " الفض " ؟؟. هل " طاعة النساء " للذكور ، " خصوصيتنا " ، غير القابلة للنقاش أو المسائلة ، والتى نضعها تاجا فوق رءوسنا ؟؟. هل " أسلمة أوروبا " جزء من هويتنا ، رضى الله عنها ، وأرضاها ؟؟. هل ادانة غير المسلمين ، بالكفر ، والضلال ، والانحلال ، والفجور والفسق ، من مكونات أصالتنا ، وخصوصيتنا ؟؟؟. هل شهوات الذكور المنفلتة ، ورغباتهم الأنانية ، ونزعات التملك الضاربة فى وجدانهم ، وبها نبرر تكفين النساء ، وهن أحياء ، هويتنا ؟؟. حقا ، لست أدرى ، ما هى " الهوية " ؟؟؟. وأجهل فعليا ماذا تعنى كلمة " الخصوصية ". هل عندما أستمع إلى «أم كلثوم»، و«عبدالوهاب»، و«عبدالمطلب» أكون قد حافظت على هويتى المصرية ؟ . ولكن عندما أستمع إلى «فرانك سيناترا»، و" دين مارتن " ، و" مات مونرو " ، و «أديث بياف»، و«شارل أزنافور»، و«إنجل بيرت»، " وشيرلى باسى " ، و" أندريه بوتشيلى " ، أكون قد تنازلت عن خصوصيتى المصرية؟. عندما أشرب الكوكاكولا ، والفودكا ، والنبيذ ، وأتناول البيتزا، وأعشق أفلام «هيتشكوك»، و«كلود ليلوش»، و«فيللينى»، و " هنرى كينج " ، و" مارتن سكورسيزى " أكون قد خنت «هويتى» الأصلية.. أو تهاونت فى حق «خصوصيتى»؟. وهل استمتاعى بتمثيل " جريجورى بك " ، و " شارل بوييه " ، و" جارى كوبر " ، و " جيمس ستيوارت " ، و" بول نيومان " ، و " أنتونى هوبكنز" ، و " هيدى لامار " ، و" بيتى ديفيز " ، و" جون فونتين " ، و" كيم نوفاك " ، يعد خيانة عظمى للهوية ؟؟. واذا حرصت على قراءة ، واقتناء مؤلفات " جورج برنارد شو " ، و " فرويد " ، و" اريك فروم " ، و" كولن ويلسن " ، و" هربرت ماركيوز " ، و " سيمون دى بوفوار " ، و " البير كامو " ، أكون متلبسة بفعل يضرب الخصوصية فى مقتل ؟؟. وهل " داليدا " المغنية العالمية ، والتى أصلها من مصر ، من شبرا ، قد باعت هويتها ، وكذلك " عمر الشريف " الممثل العالمى ، وأصله من مصر ، من الاسكندرية ، هل هو خائن للوطن ؟؟. وهل اهتمامى بالشِّعر، والرقص الإفريقى، وبالأدب فى أمريكا اللاتينية، يشير إلى «ضياع خصوصيتى»، و«ذوبان هويتى»؟. ان"الهوية " ، كما أراها، هى مزيج من أشياء كثيرة، متنوعة. لا نستطيع أن نفصل عناصرها. إن الهوية الثابتة، النقية، الخالصة، المعقمة، غير ممكنة. «الهوية»، ليست صفة، أو كتلة ثابتة، نسد بها خانات الأوراق الرسمية. وهى ليست قطعة حجر، محنطة، لإبهار الأفواج السياحية فى المتاحف. الهوية «عملية» ديناميكية، و«حركة» متجددة، مع تجدد الحياة، ومع تغير الناس. قال الفيلسوف هيرقليطس، ٥٤٠ ق. م- ٤٨٠ ق. م ، مقولته السحرية الثرية ، «التغير هو الثابت الوحيدد». لكن التغير المستمر، عند غالبية البشر، يقلق، ويفزع، ويهدد. لأن غالبية البشر لا يثقون بأنفسهم ، ولا يقرأون التاريخ ، ولا يستخدمون عقولهم فى التفكر والتأمل والانفتاح . من هنا، يأتى البحث عن هوية «ثابتة»، تعطى الأمان المزيف، وخصوصية «محصنة ضد التغير»، تمنح الطمأنينة الوهمية . كل حديث عن «الهوية»، و«الخصوصية»، يتضمن بالضرورة ، شعورًا، بالاستعلاء، والغطرسة، والتعصب الجاهل الجامد ، والرغبة فى السيطرة ، واخفاء العيوب ، والسلبيات ، والأمراض المتوطنة المزمنة . باسم «الهوية الألمانية»، النقية، وتحت عنوان «خصوصية الجنس الآرى الأرقى»، وتحقيقًا لما سماه «العِرقية النظيفة»، أو التطهير العِرقى، والقومية، وهوية«الانتماء» الأصيل، أشعل «هتلر» ٢٠ أبريل ١٨٨٩ ٣٠ أبريل ١٩٤٥ الحرب، وقتَل الملايين من المدنيين والعسكريين. وصلت التيارات الإسلامية التكفيرية الجهادية إلى الإرهاب المتوحش نتيجة البكاء على «الهوية الضائعة»، حيث تشكل استعادة الخلافة الإسلامية استعادةً «للهوية المفقودة». باسم «الهوية» الإثنية العِرقية، و«الخصوصية» الطائفية، والقبلية، يتم تقسيم الدول ، الى ولايات ، ودويلات ، ومقاطعات ، وشمال وجنوب . وباسم «الخوف من ضياع الهوية»، خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وتحت عنوان «الخصوصية الكتالونية»، تريد كتالونيا الانفصال والاستقلال عن إسبانيا. «العدالة»، «الحرية»، «المساواة»، «الصدق»، «الكرم»، «التضامن»، «النبل»، التعاون ، والانفتاح ، هذه «المعانى السامية»، التى يجب أن تحل محل الكلام عن الهويات والخصوصيات. هذه هى «القيم العليا»، التى يجب أن نتشبث بها، ونحميها من محاولات الطمس، ومخططات الإبادة، تحت أسماء براقة، مخادعة. صفحات التاريخ ، تؤكد أن الحضارات والثقافات ، التى عرفها الجنس البشرى ، على مدى الأزمنة ، " كوكتيل " ممتزج المكونات ، وأن أى حضارة تقدمت كان بسبب هذا " الكوكتيل " ، وأى حضارة تجمدت ، كان بسبب حديث " الهوية " . ان حديث الهويات ، حديث فاسد ، مخوخ ، فارغ ، أجوف ، فقير الشكل ، عنيف المحتوى ، لا يخدم الا التفرقة بين البشر ، وبين الدول . أجمل البشر ، نساء ، ورجال ، فى رأيى ، وحسب هذا المنطلق ، هم منْ لا هوية لهم . أو لنقل أن " هويتهم " ممتدة ، ذائبة ، وقديمة ، قدم البشرية نفسها ، وجديدة ، متجددة ، متغيرة ،مثل تغير الهواء ، وأمواج البحر ، وقصص العشق . أفتخر أننى بلا هوية . -------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- صعلوك - يطرق باب الاعتكاف
-
خطيئة المرأة غير القابلة للغفران
-
أين كل الأشياء ؟ .... ست قصائد
-
العجز عن الحب .. أزمة محلية عالمية
-
حبيب ليلة الأحد ..... أربع قصائد
-
الاساءة الى - سُمعة الوطن - وصاية ارهابية
-
رجل فى بيتى لا أتذكره ..... سبع قصائد
-
انتقام من وراء الكواليس
-
حياتى .. السًفاح الجلاًد .. ثمالة .. وردة قلبى ........ أربع
...
-
الى - نوال - امى فى يوم ميلادها 22 أكتوبر
-
بدمى أكتب
-
ابن الريف وابنة المدينة ....... قصة قصيرة
-
اللصوص .. رؤساء التحرير .. أوراق الشجر ثلاث قصائد
-
أنعيها .... كأننى أنعى نفسى
-
الاثنين 13 أكتوبر 2008 ..... قصيدة
-
لم نلتق الا فوق سحابات المنام - قصة قصيرة
-
أنا قلبى دليلى قاللى ده أنور وجدى
-
الأمومة - المقدسة - مشروطة بانتفاخ بطن المرأة !
-
ليس ماذا نأكل ؟ ولكن الثمن الذى ندفعه لنأكل
-
الغرور والالتواء والتبرير لنساء يزعمن التنوير
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|