|
رجل الدين الدي نحتاجه
رفعت عوض الله
الحوار المتمدن-العدد: 7069 - 2021 / 11 / 6 - 00:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رجل الدين الذي نحتاجه الناس في مصرنا ممزقون بين متطلبات الحياة العصرية ، والعيش في العصر ، والتسليم بما يفرضه المنطق والتلاؤم مع ما تقدمه الحضارة الحديثة للانسان ، وبين الحاجة لارضاء الله ، والتي يصوغها رجال الدين من خلال مفهومي الحلال والحرام ، وتقبيح الفن في نظر الناس ، والدعوة اللحوح للبعد عما تروج له الحضارة الحديثة . والاهم تشويه الاخرين المختلفين دينيا . فهم في ضلال ، بينما نحن في ايمان . وايضا المقابلة بين الشريعة والقانون الوضعي ، والدعوة لرفض الاخير لانه يتناقض مع الاول ، والشريعة اولي بالاتباع والتطبيق ...حين يهاجر او يذهب المؤمنون للعيش في البلاد العلمانية ، ولانهم مؤمنون صادقون يذهبون الى دور العبادة الخاصة بهم في تلك البلاد العلمانية ، فيسمعون من الدعاة والشيوخ ان العلمانية كفر ، وان المجتمعات العلمانية منحلة اخلاقيا . فعلينا نحن المؤمنين حماية انفسنا ، فلا نندمج في المجتمع الاكبر الذي فيه نعيش ، فنحافظ علي هويتنا الدينية ، ونقائنا الايماني ، فلا نذوب ، ولا نتماهي ، بل نظل اقلية متميزة متفردة ، مظهرا وسلوكا ، بل علينا العمل علي بث قيمنا ولو بالعنف ضد المجتمع الذي فتح ابوابه لنا ، ورحب بنا في اطار احترام التعدد والاختلاف والتنوع والحرية وحقوق الانسان . في ظني ان الموقف السلبي من الحضارة ، وقيم الحداثة ، وتكفير الاخرين المختلفين ، ونزعة الاستعلاء المؤسسة علي اننا علي حق مطلق ، وغيرنا علي ضلا ل مطلق ، واننا كمؤمنين مأمورون بأن نغير العالم ولو بالعنف حتي تعلو راية الايمان والعقيدة التي بها نؤمن ، ونسلم . اقول ان ما يقف وراء هذا الموقف العام الشامل الذي يقفه كل من يعمل في المجال الديني ،علي المستوي الوعظي والفقهي ليس الدين في حد ذاته ، ولكن ثقافة ووعي رجال الدين . في مصرنا تقوم مؤسسة الازهر الدينية التعليمية بتخريج الفقهاء والدعاة وائمة المساجد . وايضا هناك مؤسسة اخري غير رسمية تقوم باعداد الدعاة والخطباء ليعلموا ويحضوا ويرشدوا الناس في الزوايا والمساجد الغير تابعة لوزارة الاوقاف ، ومنهم نجوم مسموعة في الفضائيات ، وحلقات الدرس الديني ماهي المناهج والمقررات التي يدرسها الطلاب في المعاهد الدينية الرسمية وغير الرسمية . اولا: القرآن الكريم وتفاسبره القديمة التي قال بها مفسرون قدماء ظهروا في عصور الدولة الاسلامية في زمن الدولة الاموية ، وفي زمن الدولة العباسية ، وزمن الدولة الفاطمية ، والدولة الايوبية ، والدولة المملوكية ، والدولة العثمانية . ثانيا : السنة النبوية والاحاديث المنسوبة للرسول الكريم . ثالثا : الفقه الديني المفسر للقرآن والمنظر لاسس ومفاهيم الدين من خلال المذاهب الفقهية الاربعة الرئيسة . دولة العصور الوسطي سواء في الشرق المسلم او في الغرب المسيحي هي دولة دينية بامتياز قائمة علي الدين ، والحاكم فيها ينصب من نفسه حارسا للعقيدة ، وزائدا وحاميا للرعية التي هو رأسها .. من سمات الدولة الدينية الاساسية انها تنظر من خلال دينها للاخرين المختلفين ، فتراهم كفارا ،لا يصلح معهم سوي الحرب والقتال ، والعلاقة معهم علاقة عداء وتكفير . ايضا في دولة العصور الوسطي لا مجال للحرية ، ولا مجال للقول بحقوق الانسان . كل هذا انعكس بصورة واضحة جلية علي ما قرره الفقهاء ، وما اثبتوه في تفسايرهم للقرآن الكريم ، وما اثبتوه من السنة النبوية والاحاديث المنسوبة للرسول الكريم . لذا حفلت كتب الفقه القديم بصب اللعنات علي الكفار والمشركين ، ورفض وجودهم ، وحض المؤمنين علي كراهيتهم . بل ظهر ما يٌسمي بفقه معاملة غير المسلمين فيه قواعد لهدم وبناء دور العبادة لغير المسلمين ، وفيه وجوب "لبس الغيار " لغير المسلمين اي انه لا يجب لغير المسلمين الذين يعيشون في كنف المسلمين ان يتزيوا بالزي العام الذي يرتديه عامة الناس ، وان لا يركبوا الخيل ، وان يلزمهم المسلمون اضيق الطريق . واذا جار عليهم الحاكم او الرعية فلا حقوق لهم الا وفقا لرأفة او رحمة الحاكم والرعية . الي جانب كل هذا فإن الدولة الدينية المؤسسة علي مركزية الدين ، كانت تري في نفسها انها تملك وحدها الحق والصواب ، وان الله الي جانبها ، فلا تهادن ، ولا تقبل ما لدي الاخرين ، فالحقيقة مطلقة وليست نسبية . كل هذا يشكل جوهر ما يدرسه الطلاب الذين سوف يصيرون ائمة وشيوخا وخطباء وفقهاء . لذا لاعجب حين نراهم بحضون جموع المؤمنين علي رفض الحضارة ، وقيم الحداثة ، وتكفير غيرهم المختلفين في العقيدة ، والدعوة للتمسك بالشريعة ورفض القانون الوضعي ، والجهاد لتغيير العالم حتي يصير علي ماهم عليه ، ولو بالعنف والقتل والارهاب . فكيف يتكون لدينا رجل دين عصري، مؤمن ليس بالعقيدة التي يدعو لها فقط بل ايضا بالحضارة الحديثة وقيمها ، ومشبع بالايمان بحرية الانسان ، وحقوقه الكلية ، وان لا تناقض بين الدين وما يقول به العلم . في تقديري انه لنصوغ شخصية رجل الدين مثل هذه الصياغة ،علي المؤسسة التعليمية المنوط بها تخريج الدعاة والشيوخ ،ان تتخلي عن النمط القديم المتبع في الدراسة والتعليم . فكل ما هو يشكل جوهر الدراسة في المعاهد الدينية ينتمي للعصور الوسطي ، ولكننا نعيش التاريخ ، فهناك عصور قديمة ، واخري وسيطة ، وثالثة حديثة . وهناك ما يميز كل عصر عن كل عصر بفعل التغير والتطور المصاحب لوجود الانسان . فالتغير والتطور سمة وقانون الوجود ، لذا نحن نرتكب خطأ بل خطيئة كبري حين نقصر المناهج والمقررات الدراسية التي يدرسها طلاب المعاهد الدينية علي ما قال به الاوائل منا ، الذين عاشوا في ظروف جد مغايرة لظروفنا ، وفي عالم مختلف عن عالمنا . لذا يتوجب علي المسؤولين عن المعاهد التي يتخرج فيها المشتغلون بالدين ، ان يدمجوا دراسة الفلسفة ، وعلم النفس والتاريخ ، والادب والشعر ، وتاريخ الحضارة بالاضافة الى اعادة النظر في المذاهب الفقهية والتفاسير القديمة ، ونظرة نقدية للاحاديث المنسوبة للرسول الكريم . وان يكون المنهج ليس نقليا بل عقليا . فما لا يتفق مع العقل يٌنحي جانبا . مع الايمان بأننا نعيش في عالم كل ما فيه متغير ونسبي . في ظني انه حينها سوف يكون لدينا دعاة علي شاكلة جديدة مطلوبة وبشدة .
#رفعت_عوض_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدث فى 31 اكتوبر 1517
-
اسكندر طوس ... هل يتذكره احد؟
-
حكام الجيش المصرى فى 23 يوليو 1952
-
شعر وصدر المرأه و الاسلام السياسى
-
30 يونيه 2013
-
هزيمة 5 يونيو 1967 نتيجه منطقيه
-
المواطنه والعلمانيه
-
حدث فى 25 يناير 2011
-
العقيده والميلاد
-
دلالة حكم البراءه والدوله الدينيه العميقه
-
وسطية الازهر تهزم ماكرون والارهابيين
-
شيخ الازهر ووزير خارجية فرنسا والارهاب
-
استحقاقات الديمقراطيه
-
مصر بعد يوليو 1952
-
الدوله والاخلاق
-
30يونيو 2013
-
الاصوليه المسيحيه
-
موت شادى حبش فى السجن
-
من المسئول عن قتل جنودنا ؟
-
السلفيون والاسكندريه واثم الدوله
المزيد.....
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى
...
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|