|
المثقف, السلطة و الخارج
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1653 - 2006 / 8 / 25 - 11:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في لحظة تاريخية خاصة تجتاح فيها خيول المغول البلاد مقتربة من بغداد كان المثقف العقلاني يسعى في تناقض شبه تام مع الخطاب السائد في الشارع باحثا عن بصيص أمل للتغيير الذي يراه حاملا للانعتاق..كان الطوسي* نموذجا للمثقف الذي يعتمد نسقا فكريا عقلانيا أساسا لرؤيته عن العالم و الذي أوغل في تجاربه العلمية و بحثه العقلي مبتعدا عن ثقافة الجماهير التقليدية..كان الطوسي عالما هاما إضافة لكونه مفكرا إسماعيليا كبيرا.. كان يمثل المثقف العقلاني الذي لا يقيم الحاكم حسب قوميته بل حسب الفكر الذي يمثله و ربما حسب قربه أو بعده عن الممارسة المستبدة الجائرة..العز بن عبد السلام** يمثل المؤسسة الدينية التقليدية التي ترى مصلحة المجتمع من زاوية جد مختلفة فهو يقبل الحاكم القوي الظالم الذي يرد العدو و يحفظ بلاد المسلمين من الغزو الخارجي و يقيم الحد الأدنى من المظاهر و الشعائر الدينية..كانت طبيعة الصراع مع الصليبيين قد أعاد شعبية الخطاب الإسلامي التقليدي من جديد و همش الفرق ذات الخطاب العقلاني التي سبق أن شكلت تهديدا حقيقيا لسطوة الخطاب التقليدي..كان وقوف الطوسي إلى جانب هولاكو أملا بهز السائد و فتح الطريق لتغييره في مواجهة عودة سطوته على الوعي الجمعي..كان هولاكو و أي حاكم عربي على درجة واحدة بالنسبة للطوسي فيما كان الأمر مختلف لابن عبد السلام.. المؤسسة الدينية تمكنت بالتحالف مع بعض الأمراء و بتعبئة الشارع من تهيئة الظروف لصد الغزو المغولي و من تحجيم نقاط ضعف الدولة الإقطاعية التي فتح ضعفها و عجزها الباب أمام الغزاة..سيقف ابن خلدون ابن مدرسة الفقه المالكي صاحب المقاربة العقلانية المشهورة للتاريخ موقفا مشابها للطوسي أمام تيمورلنك..بين اليأس من الجماهير ( التي سبق أن احتضنت أو استجابت لدعاة هذه التيارات في الماضي ) و الرغبة في التغيير و كره الحاكم و ازدراء الخطاب السائد وجد الطوسي نفسه إلى جانب هولاكو مستدعيا تغييرا يعكس هذا الاتجاه..لكن هذا لم يكن ليغير حتمية اتجاه الأمور باتجاه ظهور دول بدأت مع الأيوبيين وصولا إلى المماليك و أخيرا العثمانيين دول زاوجت بين الفروسية الإقطاعية و الخطاب الإسلامي التقليدي..دول أمكن لها أن تتصدى للغزو الأجنبي و لكن على حساب الجمود الذي رافق صعود نجم هذه القوى و الدول..أصبح الخطاب الإسلامي التقليدي الشكل الأساسي للوعي الجمعي و تراجعت الفرق ذات المضمون العقلاني إلى جزر وسط المحيط السني محورة تلك الأنساق الفكرية إلى شكل تعاليم منغلقة توقفت عن التأثير و التأثر..بقيت الأمور على هذا الحال حتى اصطدم المجتمع باحتلال جديد متفوق هذه المرة ليهز الشرق النائم و ليعيد من جديد ( و إن بزخم أشد ) التناقض بين حاجة التطور الذي يكتسب صفة الحداثة و بين الرغبة في الدفاع عن الداخل..بين المثقف الحالم بالتغيير المعزول و اليائس و بين الشارع الذي يستفزه الغزو القادم و يجد ملجأه الروحي و مصدر قوته في الخطاب الإسلامي التقليدي و المؤسسة الدينية التقليدية و ذلك في ظل صراع تريد فيه أصولية يهودية مدعومة غربيا أن تحقق مشروعها الاستيطاني الاستعماري لاغتصاب الجغرافيا و التاريخ ليس فقط بالقوة بل باستخدام درجات استثنائية من الوحشية في ممارسة العنف و يمين محافظ يتحكم بالقرار في القوة السياسية و العسكرية و الاقتصادية الأعتى في العالم يقرأ الصراع العالمي في شكل صراع حضارات لا يقبل بالآخر و يريد إعادة تشكيل العالم حسب رؤيته للعالم بما يضمن دوام تفوقه كونيا..يبقى السؤال كبيرا أمام المثقف بين تغيير يعد به الخارج شرطه الاحتلال و مصادرة القرار الوطني و بين مقاومة تريد التصدي للخارج الذي لا يقبل بغير فرض تصوره و قهر المجتمع سياسيا و اقتصاديا لكنها مقاومة لا تكترث كثيرا لقضايا التطور و تجاوز التقليدي..الإحباط الذي يتملك المثقف و يأسه من التغيير يدفعه للهروب من قمع السياسي في الداخل إلى وهم التغيير المفروض من الخارج و يبقي فعله في دائرة التبرير لممارسات هذا الخارج..الثقافة حتى الآن هي فعل عاجز كسيح غير قادر على التغيير و يبقى في دائرة التبعية للسياسي الذي يمتطيه في سبيل انتصاره الذي يعني فيما يعنيه استمرار دوره المركزي في المجتمع سواء أكان يمارس القمع من الداخل أو من الخارج *نصير الدين الطوسي , العالم و الفلكي و المفكر الاسماعيلي , الذي انضم إلى حاشية هولاكو و أصبح من العناصر الهامة في دورة الأحداث التالية في الشرق
** العز بن عبد السلام , أحد أهم علماء الدين الإسلامي المصريين في فترة التصدي للغزو المغولي و لعب دورا هاما في تعبئة الناس خلف الأمير قطز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التغيير و الشرق الأوسط الجديد
-
العلمانية من جديد
-
لا لحشرنا بين حانا و مانا
-
قوة المثال اللبناني
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|