|
الجمهورية الجديدة بين البناء والإدارة والإنتاج والثقافة
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 7068 - 2021 / 11 / 5 - 11:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكل شئ سياق؛ وقد خرج مصطلح أو مفهوم "الجمهورية الجديدة" في مصر داخل سياق معين، وهو السياق الذي ارتبط عموما بمرحلة التخارج من التفاهمات السياسية التي أنتجت مرحلة انتخاب مرسي رئيسا، وما تبعها من استقطابات حادة، جعلت المسار السياسي يصل لمرحلة الانسداد، ثم الإزاحة.
الإنجازات المستمرة ردا على التشويه المستمر في هذا السياق عملت دولة ما بعد 30 يونيو على محاولة تجنب الاستقطابات السياسية الكبرى التي تلت إزاحة نظام الإخوان، فمرت البلاد بفترة انتقالية عصيبة إثر ذلك، ومحاولة التركيز على وجود إنجازات واقعية وحركة دائمة، ردا على محاولات التشويه السياسي من جانب تنظيم الإخوان وروافدهم. فلسفة التركيز على وجود إنجازات باستمرار ردا على محاولات التشويه؛ هي المسار السياسي التاريخي الذي طرح من خلاله البعض مفهوم "الجمهورية الجديدة"، تعبيرا عن تصورهم لوصول الإنجازات لمرحلة واسعة من مواجهة التشويه، تحقق لها القدرة على القول بوجود حالة عامة تسمى: "الجمهورية الجديدة".
البناء وحده غير كافي لكن هنا يجب الانتباه قبل أن تتحول الظرفية القديمة الخاصة بالاستقطاب المرحلي إلى فلسفة ثابتة ودائمة للدولة المصرية، إذ لا يمكن أن يتحول المرحلي والظرفي إلى دائم ومستقر، فما ارتبط بفلسفة التركيز على وجود إنجازات باستمرار ردا على محاولات التشويه، قام على فكرة البناء والحركة باستمرار في اتجاه التوسع الأفقي، لكنه لم يقف كثيرا عند جانب الإدارة أو الإنتاج أو الثقافة لهذا البناء.
ثالوث الإدارة والإنتاج والثقافة عامل الإدارة يعني الاهتمام بدولاب عمل مؤسسات الدولة المصرية وضبطه وفق توصيفات وظيفية فاعلة ومستقلة خارج الاستقطابات السياسية. وعامل الإنتاج يعنى الاستثمار طويل الإجل في مشاريع إنتاجية استراتيجية تحقق تنمية متكاملة وإرادة مستقلة شاملة ومستدامة (تنظر للحاظر ومتطلباته وتحترم المستقبل وفرصه). وعامل الثقافة بمعنى طرح مسارات فكرية وثقافية جديدة تتجاوز استقطابات ما بعد 2013م، وتستعيد "المشترك المجتمعي" المصري مجددا وتعيد تأسيسه. لكن الانشغال الدائم بفكرة الإنجازات والبناء، دون إدارة أو إنتاج أو ثقافة في خطة مدمجة ومرتبطة، خاصة في ظل الانتقال المطروح للعاصمة الإدارية الجديدة، قد يتحول إلى أزمة بنيوية أو هيكلية في الدولة المصرية، ناهيك عن بعده السياسي والفلسفة الحاكمة له.
"دولة ما بعد الاستقلال" خاصة وأن مصر ما يزال بنائها السياسي المتجذر تاريخيا يرتبط بفكرة "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي أواسط القرن الماضي، والتي قامت على دور المؤسسة العسكرية مع ثورة يوليو في الانتقال للنظام الجمهوري وجلاء المستعمر البريطاني، ثم الدور المزدوج للمؤسسة العسكرية وتنظيم "الضباط الأحرار" في مؤسسات الدولة وحقائبها الوزارية، وهنا الأزمة السياسية مزدوجة في السلطة والمعارضة المصرية التاريخية وتمثلاتها الحالية في المشهد على السواء.
جدل الحقائب الوزارية ونظائرها العسكرية في جانب السلطة سنجد أن دعاة "دولة ما بعد الاستقلال" وحرسها القديم يصرون عليها، وعلى وجود "طبقة" أو "تراتب اجتماعي" عسكري يهيمن على مفاصل مؤسسات الدولة، وفي الوقت نفسه التأكيد على الازدواج المؤسسي المباشر والمزج المؤسسي –والسياسي أيضا وهنا الأزمة- بين الحقائب الوزارية ونظائرها العسكرية، في تهميش وإضعاف للحقائب الوزارية ومؤسسات الدولة المدنية، لصالح نظائرها بالمؤسسة العسكرية.
المعارضة المصرية ومعضلتها البنيوية وفي جانب المعارضة سنجد أنها واقعة في معضلة بنيوية أو هيكلية فادحة بدورها؛ فهذه المعارضة تاريخيا نشأت تحت مظلة المنابر الحزبية مع السادات والقوانين الحزبية ذات الصلة، والمعضلة هنا أن أي نظام سياسي يحوى بدائل متنافسة على إدارته والوصول للحكم عبر انتخابات عامة، يجب بداية أن يتفق على بنية دستورية مؤسسة حاكمة وضابطة يمكن الرجوع إليها، وتحقق حدا أدنى وحدا أقصى لـ"المشترك المجتمعي" ولـ"مستودع هويته"، وهو ما لم يتحقق منذ دستور ما قبل ثورة 25 يناير، ولم يتحقق في التعديلات الدستورية في مارس 2011م والتحالف مع الإخوان، ولا في دستور لجنة الخمسين وإزاحة الإخوان.
الحاجة لمسار جديد خارج البدائل التاريخية وتبدو المعضلة السياسية أوضح لأن معظم بدائل المعارضة المصرية لم تطور فكرة سياسية أو فلسفة ثقافية تتجاوز الاستقطابات التاريخية نتاج القرن الماضي، وفشلت حتى في مواكبة متطلبات اللحظة الثورية في عام 2011م وبحثها عن طريق جديد. فمصر هنا إجمالا في حاجة لفكرة أو نظرية سياسية وثقافية جديدة تعبر عن المفصلية الثقافية الكامنة للثورات العربية، وفي حاجة لحوار مجتمعي يتجاوز الاستقطابات السياسية والأيديولوجية، ليصل لدستور فاعل يعبر عن "مستودع هوية" مصر الحقيقية في لحظة تاريخية عالمية حرجة للغاية، ستؤثر على شكل النظام الدولي لمدة طويلة أو لقرن جديد قادم على الأقل.
الاستثمار في "ذهنية الاستقطابات" الإدارة السياسية الحالية في حاجة لتجاوز مرحلة الاستقطابات السياسية، وأن تهتم بالإدارة والانتاج والثقافة إلى جانب البناء، وقد حملت بدايات هذا العام مؤشرات جيدة في اتجاه صعود مفاهيم "الأمن القومي" وتفهمها للحظة الآنية، وتجاوز الحرس القديم لـ"دولة ما بعد الاستقلال" بعد سقوط دونالد ترامب وضغوط صفقة القرن. لكن عاد الحرس القديم بقوة ومعه مفاهيم "الأمن السياسي" ليفجر النتاقضات بشدة ويؤكد على "ذهنية الاستقطابات" ومتلازماتها النفسية عند الإدارة السياسية الحالية، وكأن هناك من يستثمر في الخراب ويسعى لتفجير تناقضات البلاد الميتة، واستمرار الدئرة العبثية.
"إدارة التناقضات" وتاريخ "الدولة حارسة النتاقضات" وهنا يجب الوضوح؛ بعض الحرس القديم يحتفظ بقنوات مع الإخوان المسلمين، لاستخدامهم عند الحاجة كما حدث في مرحلة ما بعد 2011م وما قبل 2013م، وإن كانت "إدارة التناقضات" وفق مفاهيم "الأمن السياسي" في مرحلة مبارك قد حولت "دولة ما بعد الاستقلال" إلى "دولة حارسة للتناقضات" وميتة، فإن "إدارة التناقضات" تلك لن تنفع في لحظة تاريخية عالمية فاصلة مليئة بالتدافعات؛ يجب على مصر أن تطور معها دولة جديدة و"مجتمعا فعالا" يقوما على البناء والإنتاج والإدارة والثقافة معا، وتحقيق مفهوم جديد للأمن القومي. أو ستصبح مصر بكل أسف ضحية مستمرة للاستقطابات، ثم الاستقطابات المضادة المتجددة، فإذا لم تصل البلاد إلى فكرة ثقافية رافعة جديدة تتصالح مع الثورات العربية وتعتبرها رديفا وظهيرا، فسنظل ندور في دائرة "إدارة التناقضات" والبدائل السياسية التي تحترق مرحليا ويعاد تدويرها، وذلك ليس في مصر فقط، هو نفسه ما يحدث في السودان ولبنان وتونس وليبيا والعراق واليمن، وكافة دول الثورات العربية في القرن الجديد.
المستقبل وظهيره الشعبي الرافع لماذا لا نختبر المصالحة مع الثورات العربية ونعتبرها ثقافيا وسياسيا "إضافة للأمن القومي" العربي، حيث يكمن المستقبل الحقيقي أمام لحظة تاريخية عالمية -قد تتفجر أي لحظة- في الالتحام الحقيقي مع الظهير الشعبي وأحلامه الثورية، بعيدا عن التناقضات السياسية وتوظيفها يمينا أو يسارا. الجمهورية الجديدة في مصر لن تتحقق سوى بالبناء والإدارة والإنتاج والثقافة، وتجاوز فلسفة التركيز على وجود إنجازات باستمرار ردا على محاولات التشويه الإخوانية باستمرار.. هلا اكتفينا من تدوير التناقضات والنفايات السياسية والثقافية، وتصالحت البلاد مع المستقبل عبر نخبة جديدة تعتمد على الموضوعية و"الفرز الطبيعي" لأفضل العناصر، وامتلكنا الإرادة المخلصة والقوة الكافية لإدارك أن الصراع العالمي المقبل سينتصر فيه من يلتحم مع ظهيره الشعبي، ويستعيد اللحمة مع "مستودع هويته" ويدافع عنه، ويعلو فوق المصالح الضيقة لـ"تراتبات اجتماعية" موروثة انتهى دورها التاريخي، وتناقضات سياسية موروثة وآفلة من القرن الماضي! إن الظرف التاريخي العالمي حرج للغاية إقليميا ودوليا، وقد يتفجر في أي لحظة، ومواجهته أجدى كثيرا من "الحركة محلك سر"، ووضع الرأس في الرمال عبر البناء والتوسع الأفقي المستمر ردا على التشويه السياسي من الإخوان، دون إدارة وإنتاج وثقافة تحقق القيمة المضافة للتوسع الرأسي بحجة الاستعانة بأهل الولاء السياسي أصحاب القدرات المحدودة. يجب أن تخرج البلاد من هذه الدائرة العبثية وتستبعد المستفيدين منها والحريصين على استمرارها، ونسعى لاستعادة "المشترك المجتمعي" للبلاد تجاوزا لتناقضاتها واستقطاباتها التاريخية والآنية، وتحسبا للوضع الإقليمي العربي والأفريقي الذي يحمل تدافعات كثيرة للهيمنة وصراع الإرادات، قد تنتقل من الناعم إلى الخشن فجأة وعلى أي من الجبهات.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصداقية الوزير التائهة بين رئيس العبور الجديدة والهيئة
-
البيرسونا الافتراضية: ثورة المجتمع الافتراضي بانقطاع الفيس ب
...
-
قاسم المحبشي بين الذات العارفة والتمثل المؤجل
-
القانون وامتناع وزير الإسكان عن الرد على تظلم العبور الجديدة
-
الأوراسية الجديدة وأثرها على مصر: عودة الخطاب الأثيوبي المتش
...
-
ردا على تصريحات الوزارة وجهاز العبور الجديدة
-
ما الدولة واللا دولة.. في العبور الجديدة
-
مراد وهبة أسطوريا: خطاب الاستلاب فيما بعد صفقة القرن
-
أفغانستان: فرضية التفكك والانسحاب للمسألة الأوربية ونقاط احت
...
-
طريق العرب إلى ديربان 4 : محلية الخطاب الثقافي وهيمنة معاداة
...
-
أزمة الذات العربية بين الأوراسية والأطلسية
-
إسرائيل في أفريقيا ونقطة تحول للسياسات الخارجية المصرية
-
مصطفى الفقي.. المزيد من خطاب الاستلاب في ملف السد
-
العرب وإعادة إنتاج المسألة الأوربية: المسيحية الشرقية والغرب
...
-
روسيا والسد الأثيوبي: عودة المسألة الأوربية في شكلها الديني
-
الجمهورية الجديدة.. بين دولة ما بعد الاستقلال والمجتمع الفعا
...
-
السياسات الخارجية المصرية.. ومتطلباتها الداخلية
-
الحصار وتوافيق وتباديل النموذج المصري في السياسات الخارجية
-
السياسات التنموية بين المراكز والأطراف.. مصر والإمارات أنموذ
...
-
مصطفى الفقي وظهور تيار الاستلاب للآخر في سد أثيوبيا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|