|
الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى
محمد فُتوح
الحوار المتمدن-العدد: 7066 - 2021 / 11 / 3 - 17:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
------------------------------------------ الشهرة ، والنجومية الآن ، لم تعد وفقاً على المطربين والمطربات ، الممثلين ، و الممثلات ، نجوم ولاعبى كرة القدم ، والراقصات . بل زاحمهم فئة جديدة ، هم الشيوخ الشبان ، أو الشيوخ " المودرن " كما أسميهم . هم " مودرن " من حيث المظهر ، يرتدون البدلة العصرية ، بدون لحى ، فقط بعضهم لا مانع من أن يطلقها قليلاً . منهم منْ تنحفر على جبهته " زبيبة الصلاة " ، ليؤكد لنا ورعه ، وصلاحه ، واستحقاقه لكلمة " شيخ " . هؤلاء الشيوخ المودرن يتخذون من الدين الاسلامى بضاعة ، يسوقونها بطريقتهم ، وبأسلوبهم الخاص ، فتارة ينفعلون ، ويتشنجون إلى درجة البكاء ، وتارة أخرى يسخرون ، ويبتسمون ، ولا مانع من إطلاق طرفة هنا ، ومزحة هناك . أما أماكن تواجدهم ، فهى فى فنادق الخمس نجوم ، حيث مناسبات زواج أبناء وبنات رجال الأعمال ، فنجد أحد هؤلاء الشيوخ المودرن قد حضر ليبارك هذا الزواج على طريقته . نجدهم أيضاً فى بيوت الفنانين والفنانات ، المعتزلين منهم والمعتزلات ، حيث الجلسات الدينية الخاصة . ونجدهم فى النوادى الكبيرة ، حيث الصالات المكيفة ، أو القنوات التليفزيونية ، الأرضية منها والفضائية ، فهم فيها ضيوف دائمين . لقد وجد هؤلاء الشيوخ المودرن ، الطريق أمامهم ممهداً ، فرياح الأسلمة تهب من كل اتجاه ، فإنبروا يتحدثون عن الإسلام ، وباسم الإسلام ، سواء يعرفون ، أو لا يعرفون ، يفهمون أو لا يفهمون . فكل منْ قرأ منهم كتابين فى الدين والُسنة ، نصب نفسه شيخاً ، وخرج علينا – بمظهره الجديد – يعظنا ، ويهدينا إلى الصراط المستقيم . ويتصف خطابهم الدينى بالمبالغة الشديدة ، فهم يُحَملون المعانى القرآنية والنبوية أكثر من معناها ، ويخلعون هالة من التقديس على الصحابة ، فهم فى نظرهم قوم معصومون من الخطأ ، ومنْ يحاول أن يجتهد ، ويقول أن هؤلاء بشر ، قد يصيبوا ، وقد يخطأوا ، يكون فى نظرهم قد خرج عن " صحيح الدين " ، ولا أحد يعرف ، ما هو ذلك المصطلح الغامض المسمى " صحيح الدين ". إنهم يؤكدون ، ويشددون على أن الإسلام هو الدين الوحيد على الأرض الذى يمتلك الصواب ، أما الأديان الأخرى فهى على ضلال . وهنا أتساءل ، هل يختار الإنسان دينه ؟ . أم أنه يرثه عن أسرته التى ولد فيها ؟ . إن من يولد فى أسرة يهودية يصبح يهودياً ، ومن يولد فى أسرة مسيحية يصبح مسيحياً ، وكذلك فى الإسلام . أما منْ يفكر ويتأمل ، ويقرأ الكتب الدينية المختلفة ، مقارناً بينها ، متفحصاً إياها ، ثم يختار ديناً معيناً ، فهذه حالات نادرة . أما الأعم الأغلب أن الإنسان يرث دينه ولا يختاره . ثم بعد ذلك ، يتعصب له ، ويمجده بغطرسة ، ونرجسية مرضية . هذه حقيقة وإن أنكرها البعض . إن عدم فهم هؤلاء الشيوخ المودرن لهذه الحقيقة وهذا المنطق ، يؤدى إلى إثارة العداوة والتعصب والحقد ، إزاء الأديان الأخرى بدلاً من التسامح ، والتآخى ، والعيش فى سلام . وإتساقاً مع كونهم شيوخاً مودرن ، فهم ليسوا فى عداء مع العلم ، ولكن أى نوع من العلم . إنه العلم الذى يصبح فيه المسلم طبيباً عالمياً ، وعالماً فى الذرة .. إلخ ، ألا يفتح ذلك الباب إلى القول بجراح مسيحى ، وعالم فضاء يهودى ... وهكذا . إنهم يفتحون الأبواب التى تثير الخلافات والفتن ، والتفرقة بين البشر . وذلك بسبب سذاجة ، وتسطح خطابهم الدينى . إن العلم ليس له دين ، بل هو مشاع ، ومتاح لكل منْ يبحث ويجتهد بغض النظر عن ديانته . إنهم ينصبون من أنفسهم أوصياء على الناس ، وخاصة المرأة ، فيرسمون لها الطريق من تحت عباءة الدين الإسلامى ، ويأتون بالفتاوى التى تحدد خطواتها فى كل شىء . فأحدهم يصدر فتوى باعتزال المرأةللفن ، ثم يتراجع مؤخراً ، ويتحدث عن فن إسلامى ، يمكن للمرأة أن تشارك فيه ، وهى محجبة . إن منطق خطابهم الدينى ينم عن عجز وإستسهال ، حينما يبحثون عن حلول لمشكلات الحاضر بالرجوع إلى الماضى . إنهم لا يدركون أن كل عصر يفرز مشكلات مختلفة عما قبله ، وبالتالى فالحلول تختلف وتتغير من عصر إلى آخر . إن الشيوخ " المودرن " يمثلون ظاهرة كلامية ، صوتية ، تشنجية ، ترتدى ثوب الدين ، وتركب موجته كى تتربح ، وتتكسب غى حساب البسطاء من الناس . أيها الشيوخ " المودرن " هل نحن فى حاجة إلى محرضين جدد ، يشعلون نار الكراهية ، والتعصب ، ونبذ الآخر من خلال التطرف الدينى أكثر مما نحن فيه ؟؟. ألا يكفيكم تلك الصورة المشوهة للإنسان العربى المسلم ، التى سادت وانتشرت فى العالم كله ، حيث أن كلمة " مسلم " ، أصبحت تعنى إرهابى فى بعض الدول الأوروبية و أمريكا . إنكم تدَّعون إصلاح المجتمع والأمة ، وهذا لن يحدث من خلال خطابكم القاصر ، الذى يدس السم فى العسل ، ويسعى إلى دغدغة المشاعر الدينية لدى الشباب والشابات . لن يأتى الاصلاح ، الا من خلال التحول إلى مجتمع منتج ، مبدع ، مبتكر ، متطور ، يؤمن بقيمة الإنسان وإرادته الحرة من الوصاية . إن الأمة الجديرة بالاحترام هى التى تنتج طعامها ، وتمتلك القدرة والعلم ، والقوة هذه هى بعض مقومات تقدم الأمم ورقيها . أما الهوس الدينى والتشنجات ، والصراخ ، والبكاء ، لا تفرز إلا التخلف والتعصب والتطرف ، ونفور الآخر. من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002 -----------------------------------------------------------------
#محمد_فُتوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجماعات الاسلامية والصيد فى الماء العكر
-
ثقافة الحجاب والوعى الزائف للمرأة
-
- ثقافة القبح - تفسد حقوق المواطنة
-
متى ندفع الثمن لنستحق الديمقراطية أو العدالة أو الحرية ؟؟
-
مروجو الفتاوى واحتلال الاسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلم
...
-
مجهولو النسب .. ضحايا غياب العدالة
-
للزوجات فقط .. نصائح للسعادة الزوجية منتهية الصلاحية
-
تطبيق الشريعة الاسلامية فى بلاد الأمريكان
-
الشرط الأوسط .. الشرع الأوسط .. الشرخ الأوسط الجديد ؟؟!!
-
النقاب أهو معركتنا الجديدة ؟؟؟؟.
-
اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط
-
تنويعات على لحن الصمت العربى
-
الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا
-
- أمى - وأنا فى مجتمع ذكورى
-
لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون
-
الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج
-
الزى الاسلامى وخطر السرطان
-
الزواج السياحى ....... نساء للبيع
-
ارهاب التيارات الاسلامية يخدر العقول
-
كيف تصنع ارهابيا ناجحا ؟
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|