حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 16:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كلمة اليسار من الناحية السياسية تعتبر وصفا لهوية من يسعون لأجل التغيير الشامل أو الذين يرفضون الإستسلام لجمود الواقع ، وقد نشأ مصطلح اليسار عند بداية الحياة السياسية البرلمانية فى أوروبا ، حيث كان يقصد به تمييز النواب المعارضون والثوريون الذين كانوا يجلسون على يسار منصة رئيس البرلمان، بينما كان النواب الموالون و المؤيدون (والمطبلون ) يجلسون على يمين المنصة؟
فالأصل التاريخي لهذا التعبـير يعود إلى وصف الكتلة السياسية التي جلست على يسار مقعد رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية تعبيرا عن موقفها المعارض للملكية قبيل الثورة الفرنسية. وأصبح تقليداً غالبا أن يجلس ممثلي المعارضة في مقاعد اليسار من قاعات البرلمانات،
وفى الوقت الراهن وعلى وجه الخصوص فى فرنسا ، يطلقون صفة اليسار الإسلامى (تماثل الإتهام بالإخوان هنا ) على أى مثقف مستقل يرفض الإسلاموفوبيا ، أو يعارض توجهات اليمين العنصرى هناك ويساند الحقوق الطبيعية للأقليات الإسلامية المقهورة ، وفى الوقت نفسه يطالب بالعدالة الإجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع ،
بينما يعتبر البعض هنا فى مصر والعالم العربى أن مصطلح اليسار الإسلامى مصطلح مشبوه ، وإنه إن دل على شيئ فإنه يشى بالشذوذ الفكرى والعقائدى ،ويخرج متبنيه عن الملة ؟
ويمكن تعريف اليسار الإسلامى بوجه عام بإنه ذلك الإتجاه الثورى الذى يرى أن العدالة الإجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص لا يمكن تحقيقها سوى بواسطة سياسات إقتصادية وإجتماعية مركزية ،يكون للدولة الدور الرئيسى فيها ، و تستهدف تقليص التفاوت الكبير بين الفقراء والأغنياء ، والوصول إلى إستقلال فعلى للإرادة الوطنية ،مع الحفاظ فى ذات الوقت على الهوية و الثوابت والمقدسات الإسلامية، ودعم ومساندة الأخلاق العامة،ومعاداة قيم العرى والرذيلة والإنفلات والعنف ،
وهذا التعريف المبسط فيه تعمد مقصود للقفز بعيدا عن الجانب الفلسفى المعقد ، فهو يركز فقط على ما يوضح الفكرة من ذاوية الإيمان بالعدالة الإجتماعية والإقتصادية ، وتأكيد ترابط هذا التوجه الإجتماعى الإقتصادى ، مع الايمان بالقيم والثوابت الإسلامية فى الوقت نفسه ، والدفاع عنها ومساندتها فى مواجهة كل المؤامرات التى تحاك ضدها،
مع الابتعاد فى الوقت نفسه عن الغرق فى المصطلحات الفلسفية حول التفسيرات النصية ومفاهيم العقل والنقل وأولوية الوعى او المادة ، وغيرها مما استغرق الآخرون فى شرحه ،ففقدوا الهدف الرئيسى وشوهوا الفكرة ،
وعلى وجه اليقين لايعرف الغرض من إعتبار أن انتهاج النظام الرأسمالى ( اليمينى ) مسألة حتمية وحل وحيد لا ثانى له لعلاج المشكلة الإقتصادية فى أدبيات الإسلام عموما، وتوجهات الإسلام السياسى على وجه الخصوص ؟
فالملكية الفردية، وحرية المنافسة الإقتصادية ، مفاهيم يمكن إحترام تجاربها , لكن من غير المعقول إعتبارها نهجا وحيدا للإصلاح الإقتصادى فى سياق الإيمان بقيم التغيير الجذرى ، ومن المؤسف إستخدام النصوص الدينية لإثبات أن الإسلام من الذاوية الأقتصادية هو دين رأسمالى النزعة .
كما إنه من المدهش أن يعتقد البعض ان احترام الاسلام للملكية الفردية ولحرية المنافسة فى الأسواق ، يفوق ويعلوا على احترام الاسلام لحقوق الغالبيات المقهورة إقتصاديا وإجتماعيا ،أو أن فتح الأبواب لتراكم الثروات الفردية ، له الأولوية على حماية المصالح العامة للامم والشعوب ،وسيادة قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبنائها ؟
و من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن المراحل السياسية القريبة فى مصر، شهدت تكوين ثروات هائلة لأفراد وأسر وشرائح اجتماعية وسلطوية نافذة ،بطرق غير مشروعة إعتمدت بشكل رئيسى على سياسة النهب الاقتصادى الممنهج والذى يعتمد على السيطرة على مؤسسات الدولة وتسخيرها لتحقيق مصالح هائلة لحفن معدودة من الناس؟ حيث إستخدمت التشريعات ومراكز النفوذ لتوزبع الثروات يمينا ويسارا على دوائر محدودة ؟فكيف يمكن علاج هذا الإجحاف المتعمد والناتج عن النهب المنظم خوفا من انتهاك حقوق الملكية الفردية وإعاقة حرية الإقتصاد ؟
فتحقيق العدالة يتطلب الكثير من عمليات التدقيق والمحاسبة واعادة التوزيع لتلك الثروات المنهوبة ، ولا يمكن إعتبار تلك الإجراءات عمليات غير شرعية ، أو إفتئاتا على الملكية الفردية ومخالفة للشرع والدين ،
فهى بالأحرى تحقق العدالة وتؤكد على القيم الإسلامية الحقيقية وتعيد الثروات المنهوبة إلى المجتمع ؟
ومن ذواية أخرى فإن الذى يهم المواطن فى نهاية الأمر وتحت أى لافتة أيديولوجية ، هو تحقيق إنجازات اقتصادية وإحتماعية تصب فى صالحه، وتقدم الحلول الجذرية لمشكلاته المعيشية المزمنة ،،
,فالبطالة والعنوسة والاسكان ,و الفقر ,ونقص الغذاء والمرض وغلاء المعيشة ,وتراجع التنمية وزيادة الدين المحلى والخارجى بوجه عام، كلها مشاكل تتطلب المعالجة من وجهة نظر المواطن المصرى الفقير الذى يمثل اكثر من 70% من الشعب المصرى أيا كانت السياسة الإقتصادية المتبعة، وفى الغالبية العظمى من الدول النامية لم تحقق السياسات الرأسمالية سوى الخراب الاقتصادى وتراكم الفقر والفاقة ،
و صحيح ان هؤلاء الفقراء ,هم أول من يدافعون عن القيم والمبادىء الاسلامية والدينية ,ويرفضون العرى والابتذال ،لكن نفس هؤلاء المواطنون ايضا سيتململون من عدم وضوح الرؤية الاقتصادية المبشرة بالنسبة لهم وسيرفضون إستمرار القهر الإجتماعى الناتج عن سياسات إقتصادية مجحفة ومتواطئة مورست ضدهم لسنوات طوال حتى لو تم تحويل البلاد كلها إلى مسجد طهور ،،
ولعل فى تجربة الدولة المصرية قبل تحولات مايو 1971, التى كانت تعتمد على التخطيط المركزى وتعظيم دور الدولة وتوليها قيادة النظام الإقتصادى ، ما يؤكد أن الأمر جدير بالدراسة والبحث والتوقف، فالدولة كانت تلتزم بتعيين الخريجين ، وكانت توفر عبر القطاع العام كافة احتياجات المواطن المصرى من سلع بداية من امواس الحلاقة حتى السيارات والمراجل البخارية,بالاضافة بالطبع الى الخدمات المصرفية و التامين ، وحتى على مستوى التوزيع الغذائى كانت هناك تجربة المجمعات الاستهلاكية التى كانت منتشرة بكافة ربوع مصر لخدمة الفقراء عموما ، وهو الامر الذى كان يكفى الناس المذلة والإهانة ,ويحمى البلاد من التبعية والإختراق ، وهى سياسة نراها إسلامية فى جوهرها اذا مافصلناها عن الابعاد السياسية الأخرى لنظام الحكم فى تلك الفترة ،
فالتنمية الإقتصادية المستقلة ليست حراما ولا تتعارض مع المبادئ الإسلامية، ومن غير المعقول أن يصبح ترك العنان للتجار والرأسماليين لإستغلال حاجة الناس والسيطرة على مقدراتهم، هو الحلال المتوافق مع الاسلام، بينما سيطرة الدولة واعتمادها على التخطيط الشامل الذى يحقق التنمية والعدالة هو المنافى للشريعة ويتناقض مع القيم الدينية ؟
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟