أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - وعاء الخوص السومري














المزيد.....

وعاء الخوص السومري


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 21:58
المحور: الادب والفن
    


وعاء الخوص السومري .
مظهر محمد صالح
توقفت عجلات قطار جنوب العراق في محطة كانت تسمى غرب بغداد ذلك في ضحى يوم صيفي ساخن غادره الجميع من فورهم، بعد ان قضيت ليلة صارخة ظلت ايقاعات عجلات قطارها لم تهدء حتى حطت الشمس اوزارها ومدت اذرع شروقها وهرب الظلام في جوف السماء وتشتت الاصوات تحت ضربات خيوط الطقس وحرارته.اسعدني الحظ في مطلع ستينيات القرن الماضي زيارة العاصمة السومرية في جنوب بلادي، وكانت عودتي تتطلب ان اقضي ليلة كاملة في قطار الجنوب الصاعد الذي ازدحم يومها براكبي الدرجة الثالثة كان اغلبهم من صفوف الطبقة الوسطى او من محيطها وحافاتها ، واخذت مقعدي بعد ان اصطف الى جانبي ارجلي وعاء متوسط الحجم صنع من خوص سعف النخيل امتلاء باسماك راقية كانت هدية نهاية سياحتي الجنوبية. وببن فضول الغير وحب الاستطلاع ظلت لدغات البعض من الراكبين وفضولهم التلقائي تساءل الليل كله عن نوع السمك وثمنه ومكان اصطياده الذي ضمه وعاء خوص من سعف نخيل الجنوب . اذ اخذت الجدالات تشتد بين الراكبين انفسهم وهم يتسورون موسوعة اسماك البلاد (فصائل واصناف ومواسم) وحسب اهوائهم ..وصدورهم تجيش وقت ذاك بآمال غامضة عن مقاصد وجهتهم الى بغداد مع القليل جدا من السياسة ، وانا مازلت متمسكًا "ًبوعاء الخوص" خوفا من ضياعه بين اهواء الراكبين وتخبطاتهم .ولم تهزمني لدغة الغير بين مستخف من وعاء الخوص او من يريد ان يقضي الوقت سراعاً بالحديث طوالاً عن عن موضوع الاسماك في عالم اللاشيء، ولاسيما بعد ان رمقني احدهم فجاةً بنظرات مستطلعة، فمثلت امامها بادب حتى تخلى الركود في ماء وجهه دونما حراك ثم رفع يده متراجعاً عن وعاء الخوص خجلا .وعلى الرغم من هشاشة الجو لكثرة من مد انفه في وعاء الخوص نفسه للتعرف على نوع السمك ،فلم تفقدني عزيمتي في رحلة القطار تلك من التمسك بالوعاء الذي صنع من نخيل الجنوب بقوة ومتانة ومهارة العقل سومري نفسه. وانقضى الليل كله وقلبي حذراً ولم يرى في واقع الامر الا الولاء في الحفاظ على الصيد نقياً في وعائه النباتي السومري الصنع . ولا شك بان دفاعي عن "وعاء الخوص" حمل في نفسي الرضا والاعجاب كي يصل الصيد المائي الى بيتنا بسلام.
بين النوم واليقظة تجسدت الظلمة في نفسي طوال الليل كانما بحر لجي لارى فيه كائنات تحيط بوعاء الخوص الذي مصدره سعف النخيل السومري تتهامس متبادلة افكار الصيد في اهوار الجنوب والاشارة الى اداة صيد وحرب حذرة كان اسمها (( الفالة)) لتهزهم سعادة القول والجميع يستقبل حقائق الحياة في ليلة لم تبرأ من اتربة حمراء ضربت اطناب عواصفها سرعات قطارنا الذي امسك الارض متسلقاً اعالي الرافدين صعودا .كانت ليلة غريبة ظلماء لم يشرق فيها شي سوى ضوء( طيب الرائحة) ذلك كلما اقترب المسير من اطراف بغداد لتنهال على انفاسنا فيوضات السرور. اذ بدات الاعين السومرية تسرق النظرات صوب احاديثي الشخصية التي ميزتها اللهجة البغدادية العريقة التي رنت كلماتها برشاقة آسرة جل الراكبين من جنوب بلادي .
غادرنا قطارنا واستقليت الحافلة الحمراء ذات الطابقين وانا في طريقي الى بيتنا في قلب بغداد ، ومازال وعاء السمك يلازمني ويتقلب بين يدي شمالاً ويمينا..!هنا جلس الى جانبي في الحافلة رجل بغدادي اثاره فضول" وعاء الخوص" وبالطريقة البغدادية هذه المرة...!! ودار بيني وبينه حديث عن الوعاء ومصدره ولم افصح في حديثي عن اي توافق في الراي في موضوع نوع الاسماك الذي
بقيت اخفيه بحذر لافتقار الثقة المتبادلة.هنا سالني الرجل الذي جلس الى جانبي في الحافلة بعد ان علم ان وعاء الخوص هو صناعة سومرية جلبتها معي من جنوب العراق ....هل انت من بغداد ؟ اجبته من فوري بنعم ....؟ ثم تساءل عن هذا الحمل الثقيل المصنوع من خوص النخيل؟ فاجبته انه (( زنبيل )) فية (( سمك))... ! هنا دفعت ثمن (بغددتي ) فقال لي انت لست من بغداد ايها الشاب ... فبغداد تتعاطى بلفظة عنوانها (( الگوشر)) وليس (( الزمبيل)) !!!ثم رمقني الرجل بنظرة حادة كادت ان تسلبني هويتي البغدادية لادفع ثمن اختيار مفردتي العربية وانكسار هويتي التي استبدلتها (بالزنبيل ) الحجازية بدلاً من ( الگوشر) البغدادية.
تحولت وانا اغادر حافلتي الى تمثال مغترب بين انظار ذلك البغدادي المتعجرف والمتعصب لمفردة (( الگوشر)) بدلا من ( الزنبيل) حتى شعرت بنظرته تجري فزعاً في دمي وتتردد الماً في انفاسي.
علمت من يومها ان المحن تطالبنا بالتماس اليقين، وان والدي الذي استقبلني بشوق هو لوحده من يتجاوز الهويات الفرعية كلها وذهب يسالني عن رحلتي لجنوب العراق وكرم اهلها وطيبة قومها وامتد الحوار بيننا اياماً وقلت له كل شي جرى بين سومر وبغداد ولكن اخفيت عنه مشكلة هويتي البغدادية التي كادت ان تضيع في "وعاء الخوص "بين (( الگوشر )) و(( الزمبيل)).
انتهى



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هموم العقل العراقي.
- الواقعية في الفكر العراقي المعاصر: شجون وتأملات .
- ومضات في محراب سيد الاحرار.
- الطرق الناعم على جدران العصر الرقمي.
- عندما تفر الجند ببطونها ....!
- خرائط اعالي الشرق السياسية
- الفرهود في الفلوجة سنة 1941
- الذكرى الخمسون في معتقل شرق المتوسط: قصر النهاية.
- اليَقَظَة والغفلة : مَرارات الاضداد وصراعاتها
- المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
- العقل الشرقي المعتقل : أكذوبة حرب الكويت
- الكراسي الموسيقية
- رئيسان صينيان في دفاتر ذاكرتي الشخصية.
- أشياء لا تموت!
- #الكلمة_شرف
- السيولة العامة ومشكلات الائتمان في العراق
- باتيل صانعة الجوارب: الحب الدامي
- قسمة ضيزى:
- الاشكالية والنقد في الفكر العراقي المعاصر
- الاهداف الذكية :بين النجاح والفشل.


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - وعاء الخوص السومري