|
بمناسبة إصدار البيان الشيوعي باللّهجة التونسيّة
عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 16:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أدهشني وأثار استغرابي في آن معًا ما فعله رفاقنا التوانسة -كتَّر الله خيرهم- بتونسة البيان الشيوعي. فقد أصدروا في الأمس القريب (البيان الشيوعي باللّهجة التونسيّة) ووزعوه مجانًا على عامَّة الخلق بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، بدعوى نشر الثقافة الماركسيّة في الأوساط الشعبيّة التي تطرب لغناء شعبان عبد الرحيم وأحمد عدويّة، لعل وعسى، تفهم بلهجتها العاميَّة ما عجزتْ عن فهمه بالفصحى. يقول البيان الشيوعي في ترجمته باللّهجة التونسيّة:
(أوروبا مَفْجوعة من خُوّيفة الشيوعية. واتلمّت قوى أوروبا القديمة باش تحاربها، البابا والقيصر وزميم الثورة المضادة في النمسا مِيترْنتخ، والمؤرخ قِيزُو، اللي وقف ضد الثورة الفرنساوية، والرادكاليين الفرنساويين، والبوليس الألماني. ما ثمّاش حزب معارض ما لصقوش فيه تهمة الشيوعية، وما ثمّاش حزب معارض ما اتهموش هو زادة الخصوم متاعو من اليمين لليسار بالشيوعية، وكأن الشيوعية عار كبير. ومن هنا نخرج بزوز حاجات: أوّل شي: القوات الأوروبية الكل ولات تعترف بالشيوعية، باعتبارها قوة. ثاني شي: توّا جا الوقت باش الشيوعيين إيوضحو قدام العالم الكل، باش يشوف ويسمع تَصوّراتهم وأهدافهم واتجاهاتهم، وباش يواجهو خُوّيفة الشيوعية ببيان الحزب الشيوعي هذا).
خطوة جريئة ومستطرفة على كل حال، على ما تحمل من دلالات وتفسيرات ومقاصد ومآرب. وكان الرفاق التوانسة لهم قصب السبق في أمر (البيان الشيوعي) من خلال المفكر التونسي العفيف الأخضر-رحمه الله- الذي عمل ترجمة سماها "البيان الشيوعي في أول ترجمة غير مزوَّرة" على حدِّ زعمه ضمَّنها تعليقات مُسهبة من قاموس الفكر الماركسي. طبعتها دار الجمل في ألمانيا، موطن كارل ماركس، وأصدرتها في نسخة ضخمة فخمة تجاوزت 350 صفحة وذلك في عام 2015.
المأزق الذي نحن فيه، أقصد أصحاب الفكر الشيوعي، يتلخص في التناقض بين جوهر الشيوعيَّة، وبين ظاهر الشيوعيَّة، الشكل، المظهر، (بريستيج) والذي يتبدى في الأحزاب الشيوعيَّة الرسمية التي تحتكر هذا المدى الفسيح للفكر الشيوعي وتجعل منه عقيدة، شريعة، مطرقة ومنجل، لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها، شعارات، أيقونات، معبودات، مثل شجرة الزقوم التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. ويغيب الجوهر الحقيقي للفكر الشيوعي، ويصبح المتخيل أكثر حضورًا من الواقعي، وبذلك يتوقف قلب الشيوعيَّة عن الخفقان، بوصفها حركة ثورية، وتتحول إلى شبح مُهجّن، كسول، لا يُرعب أحدًا، ويُصبح الشيوعي متجهّم الفكر والوجه، ثقيل اللسان، سوداوياً، كئيباً، عابساً، لا يضحك، يميل إلى الانطواء، والخوف من الآخر، ورفضه، ويتمترس خلف أوهامه، ويتحجّر فكره، ويفقد صفة العطاء، ويطرح الجدل من حياته، ويعيش في عزلة، فينفضّ الخلق من حوله، لا يطال بلح الشام ولا عنب اليمن. وهذا عملياً حال الأحزاب الشيوعيَّة في أغلب دول العالم، ومنها الدول العربيّة. ما العمل يا لينين؟
هل يمكننا القول بأن (البيان الشيوعي) هو المخطط الهندسي (كروكي) الذي نسترشد به لبناء هيكل فهمنا لماهيّة الشيوعيَّة؟ أم أنَّ فهم الشيوعيَّة يحتاج إلى ذلك الحصاد الوفير من المراجع التي تركها لنا الأوائل من المفكرين من كارل ماركس إلى مهدي عامل، ومن ثمَّ نسترشد (بسنَّة) أبرز قادة الثورات الشيوعيَّة في القرن العشرين: لينين، ماو تسي تونغ، كيم إيل سونغ، هوشي منه، فيدل كاسترو.
وهل علينا أن نفرق بين الشيوعيَّة كسلاح في يد الطبقة العاملة العالمية لنيل حقوقها من خلال اتحادها وصوتها الصارخ: يا عمال العالم اتحدوا. وبين فلسفة الماركسية التي تدفع بالفكر البشري إلى حقول معرفية فسيحة. وهل يمكنني القول مثلاً أن المرء يمكن أن يكون ماركسيًّا ولا يكون شيوعيّاُ؟ والشيوعيَّة على العموم ليست بدعة من بدع الغرب، وهي بالتأكيد لها شروش ضاربة في الشرق. وهؤلاء أصحاب خط ما تحت الفقر-الصعاليك إن شئت- يحتاجون إلى شيوعيين من نسيجهم يملكون قلوباً حارَّة شجاعة جسورة تستطيع-بلا منَّة من أحد- الوقوف معهم في الشدائد والمحن. هل نستنطق الأمل في أن هذه الفئة من الخلق ستُعيد اكتشاف نفسها ليس فقط من خلال معاناتها، بل وأيضاً من خلال هاجس إخراجها من ورطات الذُّل والفقر وتمليكها ما تستغني به عن التعب والكد، مما لا يتم دون إعادة توزيع الثروة الاجتماعية؟
وأسأل هُنا كيف للعامل البسيط المسلم أو المسيحي أو اليهودي أن يتدبر أمره مع الشيوعيَّة وهو يعيش في بيئة دينية؟ وهل يمكننا القول بأن الشيوعيَّة كالدين تعيش في بيئة مُتحضرة غنيّة كما تعيش في بيئة تقليديّة فقيرة؟ بمعنى يمكنك ان تجد شيوعيّاً غنياً يعيش في مدينة (بيرن) عاصمة سويسرا وتجد شيوعيّاً فقيراً يعيش في بيوت الصفيح في (كلكتا) في الهند.
ماذا نفعل كي نفهم الشيوعيَّة فهماً معقولاً؟ هل ننتسب إلى حزب شيوعي؟ فعلنا ذلك، وكانت النتيجة "صفر مكعّب" لم نفهم. وأنا في الحزب الشيوعي من أربعين عاماً، نقرأ ماركس-أنجلز؟ فعلنا ذلك أيضًا وكانت النتيجة (نَجَحَ شحط) يعني مع المساعدة. وفي هذا الصَّدد أذكر (ملْحَة) نقلها المفكر والباحث العراقي هادي العلوي تقول: إن مسؤولاً في اليمن الجنوبي -أيام الرفيق عبد الفتاح إسماعيل-كان يضع على حائط مكتبه شهادة ببرواز مذهَّبْ حصل بموجبها على درجة مئة بالمئة في دراسة مادة (الديالكتيك) من الاتحاد السوفييتي في أيام الرفيق ليونيد بريجينيف. علَّق العلوي: لو قُدِّر لكارل ماركس نفسه أن يدخل هذا الامتحان لما حصل على هذه الدرجة.
هل قرأتم مجلدات لينين (العشرة) بغلافها الأزرق التي ترجمتها دار التقدم عن الروسية ونشرتها بالعربي بترجمة إلياس شاهين في نهاية سبعينات وأوائل ثمانينات القرن العشرين؟ نعم، فعلنا ذلك وحفظناها عن ظهر قلب. وماذا كانت النتيجة؟ عملياً -في تجارب أحزابنا الشيوعيَّة- رسبنا في الامتحان وانفضّ الخلق من حولنا، وأمسينا لا حول لنا ولا قوّة. على كل حال لا نستطيع أن نفعل فعل النعام-مع أني لم أر النعام يفعلها، يغرس رأسه في الرمال حتى لا يرى عدوه- ولكنني أسأل نفسي أولاً: هل الشيوعيَّة إناء ينضح بما فيه؟ بمعنى (طنجرة طبيخ) نأكل مما وضعنا فيها، لأننا في الأحلام أو (اليوتوبيا) نأكل ما نشاء، أما في الواقع فنحن نأكل مما طبخناه في طناجرنا، فأنت لن تأكل سمكًا من طنجرتك التي وضعت فيها بيضًا مسلوقًا. وكذلك في المثل (نحصد ما نزرع) فأنت لن تحصد قمحًا إذا زرعت شعيرًا.
في ظني أن الأمر كذلك، الشيوعيَّة تتجلى في الصين غير ما تتجلى في كوريا الشمالية، وهي في الهند غير ما هي في فنزويلا أو تونس، وهي في كندا غير ما هي في السنغال أو ماليزيا، وهي في روسيا غير ما هي في النمسا أو السعودية. تضحك؟ والله العظيم (كان صرحاً من خيال) يحمل اسم (الحزب الشيوعي في السعودية) قرأتُ بعضًا من بياناته في ثمانينات القرن العشرين في مجلة (الهدف) التي أسسها غسان كنفاني صيف عام 1969 في بيروت، وكانت ناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هل كان في بالنا أن نجرِّب زراعة الشيوعيَّة في السعوديَّة؟
تحميل البيان الشيوعي باللهجة التونسية: http://academiccooperation-rosalux.org/wp-content/uploads/2019/11/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A.pdf
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ناجيتُ قَبرَكَ استوحي غياهِبَهُ
-
رسالة إلى روائيَّة شابَّة
-
المسيح المُخلّص
-
رحم الله شيوعيَّة ماو تسي تونغ
-
واطلق كلابك في الشوارع واقفل زنازينك علينا
-
رواية صغيرة تصبُّ في بحر الحياة
-
زعماء دول يقلدون النموذج الروسي
-
لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟
-
ستالين الواقع والأسطورة
-
حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء
-
الشيوعيون
-
وجهة نظر روزا لوكسمبورغ في الثورة البلشفية
-
ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟
-
وطن الغجر - حوارية مسرحية
-
عن رفيقي محمد دكروب
-
أنا لا أحب عبد الفتاح السيسي
-
فاطمة ناعوت في مديح عبد الفتاح السيسي
-
كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟
-
حول شيوعيون في المساجد وشيوعيون في النشاط الاجتماعي
-
ثلاث سنوات في الحوار المتمدن
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرارات الاضراب العام الوحد
...
-
ألمانيا: آلاف المتظاهرين في برلين احتجاجا على -التقارب- بين
...
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE تدعو للمشاركة في الإضراب العام
...
-
قبل 3 أسابيع من التشريعيات.. مظاهرة حاشدة في ألمانيا ضد التق
...
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|