|
الإنسان هو الحل الوحيد
ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 7059 - 2021 / 10 / 27 - 21:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نعيش فى عالم يسمى بالعالم العربى يتقهقر يوماً بعد يوم إلى الوراء حيث التراث والأساطير البدائية التى تحولت مع الزمن إلى ثقافات، تلك الثقافات هبطت بقيمة الإنسان إلى الحضيض وتهاوت أعماله وأفعاله إلى مستوى الحلال والحرام، مما أدى إلى مجتمع مستهلك لأدوات الحداثة لكنه رافض لتلك الحداثة تحت زعم أنها تخفى بين طياتها الفساد الأخلاقى والتأمر على المجتمعات العربية لغزوها، وهى حالة تدل على ضعف التفكير وفساد الثقافة القائمة فى تلك المجتمعات التى تخشى التغيير والإنفتاح على الآخر، ومن كثرة الحديث عن خصوصيات تلك المجتمعات العربية أعتقد البشر بمساعدة رجال الدين أن أخلاقهم الخاصة تتفوق على أخلاق الآخر، مما يعنى ويقال لهم أنهم ليسوا فى حاجة لحداثة ومدنية الآخر رغم أنهم يعيشون على علوم وتكنولوجيا ومنتجات هذا الآخر الذى يتهمونه بالفساد.
وسط هذا الجو الملئ بالغموض والأفكار المريضة التى تتآمر على المجتمعات العربية بأسم الدين ورغم كثرة الشعارات الأستهلاكية، فإنى أحاول الوصول إلى أصل المشكلة التى تم تغييبها عن الحوارات التى تهدف إلى حلول لتلك المشاكل، الإنسان هو الحل هى دعوة لرد الأعتبار لهذا الكائن الحى الذى فقد قيمته وإحترامه لحياته الإنسانية، وأعتبر قادة المجتمع أن الإنسان عليه الألتزام بحدود لا يحيد عنها لأنه غير قادر على معرفة الصالح والطالح الخير والشر إلا بمساعدة كائنات الثقافة الغيبية التى يتحكم فيها رجال أعطوا لأنفسهم الحق فى إهدار دم من يرونه خرج عن مبادئ قوانينهم الشخصية الغيبية التى يخططون لها لتحقيق مصالحهم للتحكم أكثر وأكثر بتقزيم وتمزيق هوية الإنسان وسط التواطؤ العلنى من رجال السياسة مع الدول الخارجية والخاسر الوحيد هو الإنسان.
الإنسان هو القادر الوحيد على تحرير نفسه ومجتمعه من الفساد والمفسدين متى ألتزم وأعتقد صدقاً بأن حقوقه هى نفس حقوق الآخرين ، ولكى يحصل عليها يجب أن يناضل من أجل أن الآخرين يحصلوا عليها مثله دون زيادة أو نقصان، هذه هى القاعدة الوحيدة للنجاح وإذا تنازل الإنسان عنها لأفكار وثقافات ظلامية تحتكر الحرية والهوية والحقوق والسلطة بأعتبارهم أغلبية وتمنعها عن آخرون لأنهم أقلية، هنا تبرز وتكشر عن أنيابها العنصرية العرقية والدينية فى تمييزها بين البشر، الإنسان هو مصدر التغيير متى آمن بنفسه وما يملكه من طاقات ومعارف وعلوم يستطيع بها تغيير واقعه المظلم الذى يتخبط ويتلاطم فى بحار الخرافات والأساطير التراثية، الإنسان هو الوحيد القادر على كشف ضلال ما يتحكم فى ممارساته اليومية من سلبيات وينأى عنها وينتقى لنفسه مصادر التنوير الحقيقية التى تستطيع قيادته وإرشاده لطريق التقدم الإنسانى ومدى أختلافه عن طريق التأخر والتخلف الموروث، فالإنسان متى أُطلق سراحه من سجون الثقافة الظلامية القاتلة لإبداعاته وثقافاته الإنسانية، ومتى تحرر من القيود التى تعوق حرية تفكيره فإنه يستطيع تحرير مجتمعه من الطبقات والفئات الضالة التى تسيطر على مصيره بالأفكار الرجعية الغيبية والإنطلاق إلى صنع حاضر ومستقبل جديد يعيد له إنسانيته التى تتساوى مع جميع البشر.
الإنسان هو القادر الوحيد متى أستطاع تحصيل علوم ومعرفة العصر أن يختار ويطبق الديموقراطية بالطريقة التى تناسب بيئته ودرجة ثقافة مجتمعه أو يرفضها متى كان الشعب جاهلاً ولا يملك الثقافة الكافية بالواقع العصرى وكيف يسير، إن التطاول والنيل وإهدار حقوق الإنسان بأسم الأديان والأيديولوجيات الدكتاتورية الآلهية الآتية من عمق التراث هو أكبر مؤشر على الأنحطاط والإزدراء بقيمة الإنسان الحالى، الذى تتراجع معه المجتمعات وتتكاثر مشاكلها لأن إنسان تلك المجتمعات لا يؤمن بفاعلية قيمته الإنسانية وقدرته على العمل وصنع الحلول الصالحة التى تتوافق مع بيئته، لأنه إنسان وفقاً لثقافة ذاك التراث جزء من قطيع العبيد التى يقودها الحاكم بالعصى والويل لمن عصى.
الإنسان هو الحل عندما يستطيع أن يعيش فى وطنه مواطن لا لون ولا جنس ولا دين ولا عرق له إلا حقوق المواطنة وهوية الوطن، لكن إذا توحشت أفكار ظلامية إستفزازية هدامة تريد الأستئثار بالوطن لتصنع الفتنة والطائفية والتمييز العنصرى، هنا بكل تأكيد سيسقط هذا المجتمع ومؤسساته فى الفوضى وجرائم الكراهية التى لا نهاية لها، إن هياج القطيع الظلامى وأستخدامه للعنف والإرهاب الفكرى سيستمر إلى حين، فالنخبة المجتمعية فشلت فى قيادة وتثقيف الإنسان بدوره الهام فى هذه المرحلة التى تطول أو تقصر تبعاً لسرعة أمتلاك الثقافة والمعرفة التى تعطيه القدرة على التمييز بين الغث والسمين فيما يدور فى الشارع السياسى.
الديموقراطية ليست الحل والعلمانية ليست الحل بل هى مجرد وسائل تساعد الإنسان على الحل، إن الذات الإنسانية فى تصميمها العقلى تملك الكفاءة للأستقلال بأفكارها وإبداعاتها عن الأفكار الغيبية الثابتة الموروثة منذ مئات السنين التى عبرت عن ذات إنسانية تعيش فى زمان ومكان يفتقر إلى الإبداع لإنغلاقه ولإنعزاله عما حققه الإنسان من أعمال فى العالم الخارجى أى خارج خيمته وبقعته الصحراوية، وأستمر يدور حول نفسه يخترع تماثيل للآلهة ويعبدها والدوران حولها فى طقوس روتينية، ووصل به إيمانه إلى أن آلهته هى التى تنزل الأمطار من السماء وعليه أن يدعوها ويصلى إليها طالباً هطول الأمطار عندما تجف أرضه أو صحرائه، ولم يستجيب أى إله لدعواتهم وكل هذا يقول صراحةً أنها دائماً أفكار إنسانية ينسبها الإنسان لعوالم أخرى غيبية لا وجود لها لإكسابها صفة القداسة لإخضاع الآخرين لها.
إن أساليب الحكم كثيرة ومنها الديموقراطية والدكتاتورية والحكام السياسيين فى مقدورهم الأخذ بالأولى ورفض الثانية أو العكس، لأن الإنسان هو القادر على صناعة نظام حكمه سواء كان دكتاتورياً أو ديموقراطياً، ويتوقف نجاح هذا أو ذاك على المستوى المعرفى والثقافى لأفراد المجتمع وأى نوع من الثقافة أو المعرفة سائدة هل هى تنويرية أم ظلامية، وإذا كانوا يستخدمون عقولهم وثقافاتهم أم لا فى تشريع القوانين والأخذ بنظم الإدارة الحديثة التى تساعد على النهوض بالمجتمع وتفتح آفاق المعرفة أمام الجيل الصاعد الذى يعيش على مبدأ المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات والحريات، ولا فرق بين أفراد المجتمع بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة لأن الكل واحد متساوون أمام دولة القانون التى هى دولة الإنسان المكون الوحيد لأى دولة وبدونه لا وجود للدول والمدن والقبائل.
إن ضجيج المصطلحات والشعارات الغير إنسانية غرضها الوحيد قتل الإبداع والعبث بقدرات وطاقات الإنسان الذى صنع الحضارات فى فترات التاريخ المختلفة ومع الحضارات كانت تعيش الأساطير الخرافية التى كان إنعكاساً للضعف الذى يعانيه من يبتكرها ويحاول تقليد رموز الحضارة الكبيرة بصنع تلك الخرافات الأسطورية، وهذا الكلام يحتاج إلى التأمل فيه للتأكد من مدى مطابقته للواقع التاريخى لأنها فى النهاية أعمال إنسانية بغض النظر عن قيمتها الثقافية والتاريخية، مما يلقى على هذا الجيل مسئولية النظر بعيون ثاقبة وعقول متفتحة لإكتشاف أن الإنسان هو الحل الوحيد فى كل عصر وزمان ومكان وكان الوحيد الذى صنع الرفاعية والامن والسلام بقدر ما صنع الإرهاب والحروب والمجازر الدموية.
فالواجب على الإنسان أن لا يحصر ولا يقيد تقدمه وتمتعه بالحرية والعدالة والعيش الكريم بقوانين للعقوبات تم تطبيقها فى عصور الظلام والجهل وغياب الحقوق الإنسانية، والنظر لتلك العقوبات فى جوهرها أنها لم تكن لتحقيق العدالة بقدر ما كانت إنتقاماً من الأشخاص المرتكبين للجرائم لأنها مبنية على تشويه إعضاء وجسد الإنسان، أى أنها عقوبات لا تحترم كرامة الإنسان وكانت تتلائم مع البيئة التى نشأت فيها، بيئة لم يكن لها نوافذ معرفية لتفتحها على البلاد المجاورة فى ذلك الزمان وما كان يمارس فيها من قوانين حضارية وضعها أيضاً إنسان ذلك الزمان مع الفارق بين القوانين البدائية التى تشوه الجسد إنتقاماً وبين القوانين الحضارية التى تنظر إلى الإنسان بأعتباره كائن حى له الحق فى الحياة وليس فى إهدار كرامته وخلق بشر معاقة جسدياً ومعنوياً.
عندما نؤمن بأن الإنسان هو القادر والعليم والمنقذ والمنفذ للخطط والحلول العملية لمشاكله، ساعتها سينجح الإنسان فى الخروج من أزماته ووضع قدميه على سلم الرقى والتقدم بمجتمعه ليكونوا فى مصاف المجتمعات الإنسانية التى تحترم عقل الإنسان وتترك له حرية صنع مستقبله، لذلك إذا تمسكنا بمبدأ الإنسان هو الحل سنعبر حدودنا الضيقة التى صنعتها الأنظمة الشمولية والعقائد الغيبية نحو أفاق رحبة قوامها الإنسان الحى.
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان والشيطان أمام الله
-
الله ليس هو الحل
-
التنوير وإزدراء الأديان هو الحل
-
بؤساء الحداثة والتراث
-
وين الملايين يا لبنان
-
الكتابة على أمواج الإسلام الملتهبة
-
سقطت السياسة وعاشت كورونا
-
عالمنا واحد قبل وبعد كورونا
-
السماء التى لا وجود لها
-
الله أم صورة الله البشرية؟
-
الله يكذب قصصه السحرية
-
تعرية الله من الألوهية
-
معجزة الله السحر مثل البشر المشعوذين
-
ذنوب الله وإنكارها
-
الله لا ينسى لكنها أخطاء
-
نسيان الله الإنسانى
-
تهافت سحر رب العالمين
-
الله الرب الساحر
-
الوداع يا الله
-
هزيمة الله وأنتصار كورونا
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|