كريم الزكي
الحوار المتمدن-العدد: 7058 - 2021 / 10 / 26 - 23:36
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
صحيح أن سوفييت بتروغراد لم يصدر أمراً بالتظاهر إلا أن اللجنة المركزية لحزب البلاشفة كانت تناقش موضوع الثورة . وقد اجتمعت طوال ليلة 23 من تشرين الأول ( اكتوبر) *حسب التقويم القديم* , بحضور جميع مثقفي الحزب وقادته ومندوبي بتروغراد وحاميتها . كان لينين وتروتسكي الوحيدين من بين المثقفين الذين وقفوا الى جانب القيام بثورة . حتى العسكريين كانوا معارضين . وجرى تصويت وهٌـزم اقتراح القيام بثورة ( اقتراح لينين )
تم تسليم عدة ألاف من البنادق من مصنع الأسلحة الحكومي في سيستروتيك إلى مندوبي عمال بتروغراد بأمر من الرفيق ( تروتسكي مسؤول اللجنة العسكرية الثورية في بتروغراد)
في اجتماع لمليشيا المدينة في قطاع ليتيني السفلى , فاز قرار يطالب بإعطاء كل السلطات للسوفييت .
هذا مجرد عينة من الأحداث المضطربة في تلك الأيام المحمومة , عندما كان الجميع يعلم أن شيئاً سيحدث , ومع ذلك فلم يكن احد يعلم ما هو بالضبط .
في اجتماع سوفييت بتروغراد في سمولني و ليلة 30 سبتمبر , وصم تروتسكي ادعاءات الصحافة البرجوازية أن السوفييت ينوون القيام بثورة مسلحة , بأنها ( محاولة من قبل الرجعيين أن يلوثوا مؤتمر السوفييت وينسفوه . وأعلن (( أن سوفييت بتروغراد لم يصدر امراً بأي تظاهرة مسلحة , وعندما يصبح ضرورياً أن نقوم بذلك , سوف نحظى بدعم حامية بتروغراد ,, إنها (اي الحكومة) هي التي تستعد لثورة مضادة , وسوف نرد عليها بهجوم حاسم وبلا هوادة ))
صحيح أن سوفييت بتروغراد لم يصدر أمراً بالتظاهر إلا أن اللجنة المركزية لحزب البلاشفة كانت تناقش موضوع الثورة . وقد اجتمعت طوال ليلة 23 من تشرين الأول ( اكتوبر) , بحضور جميع مثقفي الحزب وقادته ومندوبي بتروغراد وحاميتها . كان لينين وتروتسكي الوحيدين من بين المثقفين الذين وقفوا الى جانب القيام بثورة . حتى العسكريين كانوا معارضين . وجرى تصويت وهٌزم اقتراح القيام بثورة !
وثم وقف عامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل بروليتاري فــــــــــظ تشنج وجهـــــه من الغضــــــــب وقـــــال بحده : إني أتكلم باسم عمـــال بتروغراد . نحـــن نؤيـــد الثــــــورة . أفعلوا ما تريدون , ولكن إذا سمحتم بتحطيم السوفييت , فسوف نتخلى عنكم )) وأنظم اليه بعض الجنود ثم جرى تصويت مجددا , ففاز اقتراح القيام بالثورة ...
ومع ذلك , فقد واصل الجناح اليميني من البلاشفة بقيادة ريازانوف وكامنييف وزينوفييف , شن حملته ضد الثورة المسلحة . ولكن تصدى لينين لهؤلاء اليمينيين بنشر (( رسالة الى الرفاق)) وهي أجرأ كتابات الدعاية السياسية التي عرفها العالم . وعرض فيها لينين بجدية , حجم القوى التي تؤيد الثورة منطلقاً من اعتراضات كامنييف وريازانوف . وكتب (( أما أن نتخلى علنا عن شعار (( كل السلطات للسوفييت )) وإما أن نقوم بالثورة . لا يوجد طريق وسط )) .
ولم يكن باستطاعة الدولة , من جهتها أن تتجاهل أهمية النجاح التي أحرزته الدعاية البلشفية , في 29 سبتمبر صدر قانونان عن لجنة مشتركة من الحكومة ومن مجلس الجمهورية البرجوازية منح احدهما الأراضي مؤقتاً للفلاحين في حين دعا الآخر الى انتهاج سياسة خارجية نشيطة تؤدي الى السلم وفي اليوم الثالث علق كرنسكي عقوبة الاعدام في الجيش وبعد ظهر اليوم نفسه جرى احتفال كبير من أجل الوقوف ضد الفوضى والثورة المضادة ( ويقصدون فيها التحضير للثورة من قبل البلاشفة) !! وعشية الثورة وصف عامل ميكانيك من مؤسسة ((بوتيلوف )) كيف يغلق الوكلاء الأقسام الواحدة تلو الآخر , بحجة عدم توفر المحروقات والمواد الأولية , أعلن أن لجنة المصنع والمتجر قد اكتشفت كمية كبيرة من الإمدادات المخزونة .
وتكلم أحد الجنود من جبهات القتال (( قال يا رفاق أحمل اليكم التحية من حيث يحفر الرجال قبورهم ويسمونها خنادق * يقصد الخنادق في جبهات القتال في الحرب العالمية الأولى* ))
ثم انتصب جندي شاب طويل نحيل ذو عينين براقتين أستقبل بضجة ترحاب . إنه شودوفسكي الذي اشيع أنه مات خلال القتال في تموز وها هو الآن يبعث حيا (( لم تعد جماهير الجنود تثق بضباطها حتى لجان الجيش التي رفضت دعوة السوفييت الى الانعقاد قد خانتنا .. أن جماهير الجنود تريد انعقاد الجمعية التأسيسية في الموعد المقرر , والذين يتجرؤون على تأجيلها ستحل عليهم اللعنة , ولن يلعنوا بالشتائم الأفلاطونية فحسب لأن الجيش يملك أسلحته كذلك ))...
وفي اجتماع للجنة المركزية للحزب البلشفي حضر ألاجتماع اثنى عشر من أعضاء اللجنة هم لينين , زينوفييف , كامنييف , تروتسكي , ستالين , سفردلوف , دزيرجنسكي , أوريتسكي , كولونتاي , بونبوف , سكولينكوف , لوموف , . وتكلم لينين عن الوضع الراهن معلنا أن الوضع ناضج بما فيه الكفاية لاستلام الحكم . وعند التصويت صوت عشرة أعضاء مع الاقتراح واثنان ضده وهما كامنييف و زينوفييف .
وفي نفس الاجتماع جرى انتخاب المكتب السياسي الذي قاد الثورة من سبعة أعضاء : هم لينين ,زينوفييف , كامنييف , تروتسكي , ستالين , سكولينكوف , بوبنوف , ( من محاضر اجتماعات اللجنة المركزية للحزب البلشفي _
في بتروغراد عقد المؤتمر المنطقي لسوفييت الشمال وختم جلساته وكان قد ترأسه كيريلينكو البلشفي فقرر بأغلبية ساحقة أن يستلم مؤتمر السوفييت العام كل السلطات , وختم قراراته محييا البلاشفة المسجونين , طالبا منهم أن يهللوا لأن ساعة تحررهم أضحت وشيكة . وفي الوقت نفسه , أعلنت الندوة الأولى للجان المصانع والمتاجر في عموم روسيا تأييدها المطلق للسوفييت , وورد في قراراتها هذا المقطع :
أن الطبقة العاملة , بعد أن أنعتقت سياسياً من الحكم القيصري , تريد انتصار النظام الديمقراطي في مجال نشاطها المنتج . وهذا يعبر عن نفسه أصدق تعبير في سيطرة العمال على الإنتاج الصناعي الذي نشأ طبعاً , في جو التفكك الأقتصادي الذي خلفته السياسة الإجرامية للطبقة البرجوازية الحاكمة .
سمولني لم يعد سهلا دخولها , كانت مفرزتان من الحرس تحرسان البوابة الخارجية و وما أن تجتاز البوابة الأمامية حتى تجد صفاً طويلاً ينتظر الدخول , ويجري استجواب كل دفعة من أربعة اشخاص عن هويتها وشغلها , ووزعت الأذونات , وكان يجري تغيير نظام الأذونات كل بضع ساعات لأن الجواسيس كانوا يتسللون باستمرار .
ذات يوم , وبالقرب من البوابة الخارجية , كان تروتسكي وزوجته اوقفهما أحد الجنود . تروتسكي يفتش في جيوبه ولكنه عبثاً يجد أذنه .
فقال أخيراً (( لا باس أنت تعرفني أسمي تروتسكي )) .
فأجاب الجندي بعناد (( ما معك أذن لا تستطيع الدخول و الأسماء لا تعني شيئاً بالنسبة لي )) . ورد تروتسكي ولكني رئيس سوفييت بتروغراد , ( حسنناً إذا كنت مهما إلى هذا الحد , يجب أن يكون معك قصاصة ورق صغيرة على الأقل ) .
كان تروتسكي جداً صبور : دعني اقابل القائد . فتردد الجندي وتمتم ما معناه أنه لا يريد إزعاج القائد في كل مناسبة يأتي فيها شخص بدون إذن . أخيراً أومأ إلى الجندي المسؤول عن الحرس . فشرح له تروتسكي الوضع مردداً اسمي تروتسكي , تروتسكي؟ وحك الجندي رأسه . ثم قال أخيراً (( سمعت بهذا الاسم في مكان ما . أظن أنه لا بأس و تستطيع أن تدخل يا رفيق )) .
وفي اجتماع عقد في 30 سبتمبر لممثلي جميع أفواج بتروغراد أتخذ القرار التالي :
(( أن حامية بتروغراد لم تعد تعترف بالحكومة المؤقتة و أن سوفييت بتروغراد هو حكومتنا . ولن نطيع إلا أوامره من خلال اللجنة العسكرية الثورية )).
وفي اجتماع كبير للجنود في سمولني في 3 تشرين 2 نوفمبر تقرر مايلي :
نحيي إنشاء اللجنة العسكرية الثورية وأن حامية بتروغراد تعاهد هذه اللجنة بتأييدها المطلق في جميع أعمالها في سبيل وحدة أوثق بين الجبهة والمؤخرة من اجل مصالح الثورة . وتعلن أنها سوف تحافظ على الانضباط الثوري بالتعاون مع البروليتاريا الثورية . وسوف نقابل أي أستفزار بمقاومة ضارية .
وبعد فوات الأوان أفاقت الحكومة على الخطر فعرضت العفو على اللحنة العسكرية الثورية أذا ما حلت نفسها . وفي منتصف 5 تشرين ثاني نوفمبر . أرسل كرنسكي رئيس الحكومة ليعرض على سوفييت بتروغراد تمثيله في القيادة العسكرية , فقبلت اللجنة العسكرية الثورية . وبعد مضي ساعة , أقدم الجنرال مانيوفسكي وزير الحربية بالوكالة على سحب العرض . وفي صباح يوم الثلاثاء 6 تشرين الثاني كانت المدينة في حالة هيجان بسبب ظهور بلاغ يحمل توقيع (( اللجنة العسكرية الثورية الملحقة بسوفييت بتروغراد لمندوبي العمال والجنود )) . تدعوا الشعب الى الدفاع عن اللجنة التأسيسية للسوفييت والوقوف بوجه جماعة كورنيلوف وكرنسكي , ودعت الى تأمين النظام الثوري ضد جميع محاولات الثورة المضادة وإعمال الشغب .
في 6 تشرين ثاني نوفمبر (( تكلم لينين 6 تشرين سيكون باكراً جداً. ويجب أن تكون ثمة قاعدة عامة في كل البلاد ترتكز إليها الانتفاضة , في ذلك التاريخ لن يكون مندوبو المؤتمر قد وصلوا بعد .. ومن جهة أخرى , ففي 8 تشرين ثاني نوفمبر , تكون الفرصة قد فاتت . حينذاك يكون المؤتمر قد أنتظم , فيصعب على هيئة تحوي عدداً كبيراً من الناس المنظمين أن تأخذ قراراً حاسماً . يجب أن نتحرك في 7 تشرين ثاني (نوفمبر) , يوم انعقاد المؤتمر فنتوجه إليه قائلين (( هذه هي السلطة بين أديكم ! ماذا ستفعلون بها ؟)) .
تيار متواصل من الرسل والمفوضين يروح ويجئ وخارج الباب , عشرات المتطوعين ينتظرون مستعدين لنقل الرسائل الى ابعد احياء المدينة . وقال أحدهم بالفرنسية , وهو ذو وجه غجري يرتدي بزة ملازم : كل شيء جاهز ويتحرك عند الضغط على الزر . ومر بودفويسكي , المدني النحيل الملتحي الذي وضع استراتيجية الثورة !* ثم أنطونوف بدون حلاقة وبياقة متسخة وقد بدا ثملاً من قلة النوم , ثم كريلنكو الجندي الأحدب ذو الوجه العريض الدائم الابتسام بحركاته العنيفة وكلامه المنقطع النظير , وأخيرا ديبكو , البحار العملاق بوجهه الهادئ ,هؤلاء كانوا رجال الساعة , ورجال الساعة المقبلة . كان سوفييت بتروغراد منعقد ليل نهار وكان تروتسكي يوشك أن ينهي كلمته . (( يسألوننا أذا كنا ننوي القيام بتظاهرة مسلحة . استطيع أن أجيب بوضوح على هذا السؤال . أن سوفييت بتروغراد يشعر أن الوقت قد حان أخيراً لتنتقل السلطة إلى أيدي السوفييت . أن المؤتمر العام هو الذي سيغير الحكومة , أن ضرورة التظاهرة المسلحة تتوقف على الذين يريدون التدخل في شؤون المؤتمر العام .
ثم أعلن تروتسكي وسط الهتافات , أن الاشتراكيين الثوريين قد وافقوا على إرسال ممثليهم الى اللجنة العسكرية الثورية .
وصدر بلاغ أن سوفييت بتروغراد لمندوبي العمال والجنود في خطر . نأمر الأفواج بأن تتأهب للحرب وأن تنتظر الأوامر اللاحقة . أن كل تأخر أو عصيان لهذا الأمر يعتبر خيانة ,
في المؤتمر كان تروتسكي وكامنييف و فولودارسكي يتكلمون طوال ست ساعات او ثماني او اثنتي عشر ساعة على التوالي كل يوم .
الأربعاء صباحاً في 7 تشرين ثاني نوفمبر دوي صوت المدفع في حصن بطرسبربرغ وعبر شارع نييفسكي كان النهار جاف وقارس . وإمام ابواب مصرف الدولة المقفلة يقف بعض الجنود , بنادقهم مشرعة الحراب . الى اي جهة تنتمون أيها الجنود ؟ انتم من رجال الحكومة ؟ فأجاب أحدهم بابتسامة (( لم يعد يوجد حكومة. الحمدلله )) هذا كلما تم معرفته منهم . كانت الصحيفة الوحيدة المعروضة للبيع هي صحيفة (( طريق العمال * رابوتشي بوت * )) وهي صحيفة للبلاشفة وكانت تحمل على صفحاتها بعنوان كبير (( كل السلطات لسوفييت العمال والجنود والفلاحين ! السلم ! الخبز ! الأرض ! ))
لينين إلى شعب روسيا
أيها الرفاق العمال والفلاحين قد انتصرت الثورة في بتروغراد وفي موسكو .. وكل يوم بل كل ساعة تنهال التحيات على الحكومة الجديدة من الجبهة والقرى ... إن انتصار الثورة .. مضمون , لأنها تحظى بدعم غالبية الشعب ..
الى كل الرفاق العمال والجنود والفلاحين يا جميع الشغيلة ! استلموا كل السلطة المحلية فوراً .. اننا سوف نسير خطوة خطوة وبموافقة غالبية الفلاحين . نحو انتصار الاشتراكية بحزم ودون تردد هذا الانتصار الذي سيدعم المواقع الهجومية للطبقة العاملة في البلدان المتقدمة , ويحقق للشعب سلماً دائماً , ويحرره من جميع العبودية والاستغلال .
أن أفضل طريقة لمساندة حكومة السوفييت في هذه الأيام أن يقوم كل واحد منا بعمله .
عاشت صلابة البروليتاريا الحديدية ! عاشت الثورة!
سوفييت بتروغراد لمندوبي العمال والجنود / مجلس نقابات بتروغراد / مجلس لجان المصانع والمتاجر في بتروغراد
المقال : قراءة في كتاب عشرة ايام هزت العالم للكاتب الأمريكي جون ريد
كتب لينين عن كتاب جون ريد :
(( بأهتمام بالغ وانتباه لا يكل قرأت كتاب جون ريد (( عشرة أيام هزت العالم)) وبدون تحفظ أوصي جميع عمال العالم بقراءته . أود أن أرى هذا الكتاب منشوراً في ملايين النسخ ومترجماً الى جميع اللغات ..... .
( فلاديمير أ لينين)
قراءة في كتاب عشرة ايام هزة العالم * للكاتب الأمريكي جون ريد) * 16/10/25 /2021
#كريم_الزكي (هاشتاغ)